بالتأكيد شاهدنا بمعظمنا النسخة الأميركية من فيلم الملك الأسد The Lion King الذي صدر عام 1994، وعشنا أجمل تجربة في أرض العزة مع الأسد سمبا منذ ولادته مروراً بطفولته المبكرة التي فقد فيها والده الملك موفاسا، بعد أن دبر له أخوه الشرير سكار مكيدة. كان سكار نموذج الشر الخالص، حيث خدع الأسد الصغير سمبا وأوهمه بأنه السبب في مقتل موفاسا، ما جعله يهرب ليصبح سكار ملك الغابة. لكن، هل لاحظتم شيئاً في لهجة الشرير سكار في الفيلم؟ نعم بالضبط، كان يتحدث بلهجة غير أميركية خالصة، بل هي أقرب إلى اللكنة البريطانية منها إلى الأميركية. بالتأكيد أيضاً، شاهدنا فيلم علاء الدين، أحد أشهر أعمال ديزني التي صدرت عام 1992، وشعرنا بكراهية شديدة لشخصية جعفر الشرير، لكن هل لاحظتم أيضاً أن جعفر كان يتحدث بلهجة إنكليزية غير أميركية؟ نعم، كان يفعل. يذكر مقال نشره موقع مجلة "ذا أتلانتيك" أن هناك محاولة من بعض صناع الأفلام الموجهة إلى الأطفال لجعل الشرير غير أميركي، وهو ما قد يؤدي إلى إقناع الأطفال بعدم قبول التنوع، كأن كل مختلف في اللهجة أو اللغة هو شرير بالضرورة، والأميركيون ملائكة.
هل هذا الأمر مقصود؟
اهتم كيلفن جيدني، وهو أستاذ مشارك في مجال علم الطفل والتنمية البشرية في جامعة تافتس الأميركية بالأمر وسبب اهتمامه اختصاصه بعلم اللغة الاجتماعية، والذي وجد أن عدم استخدام لهجة أميركية، سواء لشخصية سكار في فيلم الملك الأسد، أو جعفر في فيلم علاء الدين يعني الكثير. وجد جيدني أن كثيراً من أفلام الكرتون الموجهة إلى الأطفال يُظهر دائماً الأشرار وهم يتحدثون لغات مختلفة، أو لهجات غير أميركية، حتى الضباع الشريرة في فيلم الملك الأسد كان يتحدث بعضها بلهجة إنكليزية إسبانية.هناك محاولة من بعض صناع الأفلام الموجهة إلى الأطفال لجعل الشرير غير أميركي، وهو ما قد يؤدي إلى إقناع الأطفال بعدم قبول التنوع
كثيراً من أفلام الكرتون الموجهة إلى الأطفال يُظهر دائماً الأشرار وهم يتحدثون لغات مختلفةلم يكن جيدني الوحيد الذي اهتم بدراسة أنماط اللغة المقدمة في أفلام الرسوم المتحركة الموجهة إلى الأطفال، بل تحمست لمشروعه أيضاً جولي دوبرو، وهي محاضرة مهمة في الجامعة نفسها، وهي مختصّة بقضايا الأطفال ووسائل الإعلام. قرر الاثنان معاً دراسة اللهجات الأجنبية واللغات المختلفة في الأفلام والعروض التلفزيونية الموجهة إلى الأطفال، ومنذ بداية مشروعهما البحثي، حلّلا معاً حوالى 30 عملاً فنياً موجهاً إلى الأطفال، إضافة إلى ما يقارب 1500 شخصية خيالية ظهرت في أعمال موجهة إلى الفئة نفسها، وحتى الآن ما زال الباحثان يعملان على هذا المشروع. بداية العمل على المشروع البحثي كانت عام 1998، حيث جمع الباحثان فريقاً مختصاً وطلبا منه تحليل 323 من الشخصيات التي ظهرت في أعمال الرسوم المتحركة المختلفة، بهدف التعرف أكثر إلى كيفية تعامل تلك الأعمال مع الأعراق المختلفة، والشكل البدني، والشخصيات التي تمثل الخير أو الشر، واللهجات واللغات التي تتحدث بها الشخصيات. أجرى الفريق بحثاً على عينة عشوائية من العروض التي تقدمها الشبكات التلفزيونية المختلفة داخل أميركا، فأشارت النتائج إلى أن أعمالاً كثيرة مقدمة إلى الأطفال تظهر فيها لهجات ولغات مختلفة وليس اللهجة الأميركية فقط. وبالفعل، ظهر الأشرار في بعض تلك الأعمال وهم يتحدثون لهجة أو لغة مختلفة عن الإنكليزية الأميركية، وبات واضحاً للباحثين وفريقهما أن الأشرار يتحدثون غالباً لهجات أجنبية. على سبيل المثل، وجد الباحثان أن شخصية الدكتور هاينز دوفنشمايرتز، وهي أنموذج للرجل السيئ، ظهرت في فيلم أميركي اسمه فينس وفيرب موجه إلى الأطفال، كانت تتحدث بلكنة ألمانية لا أميركية وتتحدّر من البلد الأوروبي الخيالي دروسلشتاين. في الوقت نفسه، وجدت الدراسة أن الشخصيات البطولية بمعظمها في تلك الأعمال، كانت أميركية خالصة، سواء من حيث الملامح والطباع والعادات أو اللهجة التي تتحدث بها. وبيّنت أيضاً أنه بما أن التلفزيون هو مصدر بارز للرسائل الثقافية للأطفال، فإن هذا الارتباط بين اللهجات الأجنبية والشخصيات "السيئة" يمكن أن تكون له انعكاسات سلبية على طريقة تعلّم الأطفال احترام التنوع والاختلاف في الولايات المتحدة الأميركية. كانت اللهجة الأكثر تعبيراً عن الشر في الأعمال بحسب الدراسة هي الإنكليزية البريطانية، وكانت شخصيتا سكار في الملك الأسد، وجعفر في فيلم علاء الدين أبرز مثلين على ذلك. وجدت هذه الدراسة المهمة أيضاً أن لغات ولهجات مثل السلافية والألمانية شائعة أيضاً حين يتعلق الأمر بصوت شخصية شريرة في الأعمال الموجهة إلى الأطفال. واعتبر الباحثان أن الموقف الأميركي ضد اللهجات الأجنبية في الأعمال الموجهة إلى الأطفال في جعل الأشرار يتحدثون لغات ولهجات مثل الألمانية أو تلك التي تعبر عن أوروبا الشرقية أو الروسية، تعكس على الأرجح العداء الأميركي تجاه تلك البلدان بسبب الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. لكنهما تعجبا من أن الأمر مستمر حتى في الأعمال التي أنتجت حديثاً، على رغم تغير الظروف السياسية والاجتماعية.
هل الأعمال الأميركية كلها تفعل ذلك؟
لا يعني ما سبق أن "كل" الأعمال الموجهة إلى لأطفال تفعل ذلك، فقد لاحظ الباحثان أنه على الرغم من انتشار أعمال تظهر الشرير يتحدث بلهجة غير أميركية، إلا أن هناك شبكات تلفزيونية أميركية أخرى ترفض ذلك، وتقوم بمجهود لتشجيع فكرة التنوع، وتختار الأعمال التي تعر ض على شاشاتها بدقة. لكن التخوف الحقيقي هو أن هناك دراسات علمية وجدت أن اللغات واللهجات تشكل بالفعل تصورات الأطفال عن كل من يعيش حولهم، وحتى عن أنفسهم، ودائماً يستخدمون التلفزيون مصدراً رئيسياً للمعلومات عن المجموعات العرقية الأخرى، وقد يستمدون منه بعض الأفكار العنصرية. تخيلوا مثلاً أن طفلاً أميركياً من أصل بريطاني أو روسي يشاهد عملاً فنياً يُظهر من يتحدث لجهته شخصاً سيئاً وشريراً، فكيف سيرى نفسه؟ لذلك، عندما يرى الأطفال علاقة بين الشر والأجانب، فإن هذا قد يتسبب في أن تصبح لديهم أفكار سلبية سواء عن أنفسهم، لو كانوا هم أنفسهم أجانب، أو عن المجموعات الأخرى التي تعيش حولهم. ما زال العمل على هذه الدراسة المهمة قائماً حتى الآن، ولم يتم الانتهاء منها، فهل تجعل النتائج التي توصل إليها صناع الأفلام الموجهة إلى الأطفال في أميركا، يعيدون النظر في ما يقدمون من أعمال؟ سنرى.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون