طوال عامين لم تستطع ناهد ترك ابنها "حمزة" طوال اليوم، فهي بجواره دوماً، تأتي حين يصرخ وتجلس تداعبه، وما إن اشتد عوده قليلاً وبدأ يدرك الأشياء من حوله، اشترت له "تابلت" بباقة نت شهرية، فكان ذلك الحل السحري لأن تقضي أعمالها اليومية من دون أن تلازمه.
تقول ناهد لـ"رصيف22" إن الأمر بدأ مصادفةً حين جلست مع إحدى زميلاتها ووجدت ابنها ممسكاً جهاز "تابلت" ويشاهد بعض قنوات الأطفال على يوتيوب لمدة ساعتين، لم يشتكِ ولم يطلب شيئاً. جلس قبالة الجهاز صامتاً ووالدته تقوم بعملها. فقررت أن تحذو حذوها، وكانت النتيجة إيجابية للغاية.
تضيف "أستطيع فعل الكثير وهو يشاهد القنوات المخصصة للأطفال، والأطفال ينجذبون إلى المشاهد المتحركة، فلا يغادر مقعده".
وتؤكد ناهد: "الأمر بسيط جداً، أضبط يوتيوب على قائمة play list لفيديوهات إحدى القنوات وأتركه يشاهد الواحدة تلو الأخرى، الأطفال أذكياء يتعلمون بسرعة كيف يمكن أن يغيروا ما يريدون، وهي عادةً فيديوهات تعليمية عن القيم وطاعة الوالدين أو بعض القنوات الإنجليزية، التي تساعد في تعلم اللغة الإنجليزية بأسلوب مبسط للأطفال".
ما قالته ناهد يفتح الأبواب أمام عالم "قنوات الأطفال" التي باتت المُربي الأساسي للكثير من الأطفال، وتحظى بمشاهدات عالية، فهناك بعض المقاطع تصل إلى أكثر من 200 مليون مشاهدة.
https://youtu.be/OtWgxSIPtz4
كشفت دراسة قام بها باحثون من nation’s leading pediatric group في الولايات المتحدة، أن أكثر من ثلث الأطفال يستطيعون الضغط على أجهزة الهواتف الذكية قبل قيامهم بالمشي أو الكلام، كما أوضحت نتائج الدراسة أنه بإمكان الأطفال استخدام هذه الأجهزة الذكية عند بلوغهم الستة أشهر من العمر.
وأوضحت مجموعة "كومون سنس ميديا" مؤخراً، أن 42% من الأطفال يملكون تابليت ذكية اليوم، بينما كان أقل من 1% منهم يملك تابليت عام 2011. وأيضاً الأولاد -بين سن 0 و8 أعوام- يمضون بالإجمال 48 دقيقة على الهواتف الذكية، بينما كانوا يمضون 5 دقائق عام 2011.
تلك الإحصاءات تم ترجمتها بظهور عدد كبير من قنوات الأطفال على يوتيوب، وهي قنوات رغم جنيها ملايين الدولارات سنوياً، لا يكلف إنشاؤها الكثير من الأموال، في ظل إتاحة إنشاء القنوات بأسعار زهيدة. ولأن المنافسة شرسة، فسرعان ما اتجهت القنوات التلفزيونية للأطفال، إلى إنشاء قنوات لها على يوتيوب، لأن الأطفال يقبلون على المشاهدة من خلال أجهزة المحمول الذكية أكثر من التلفزيون.
https://youtu.be/ZHCpo6cCPwA
يوتيوبيات
"سبيس تون - ميكي - مودي كيدز" ثلاث قنوات مصرية تتربع على عرش تلك التجارة، ويصل عدد متابعيها إلى أكثر من مليون مشاهد، وهو رقم ليس كبيراً مقارنة بقنوات أجنبية مثل simple kids crafts - National Geographic Kids- Busy Beaver Video وهي قنوات يتعدى عدد متابعيها الملايين. ليس هناك رقم محدد لربح تلك القنوات في مصر أو في العالم، إلا أن انتشارها يشير إلى مكاسبها، أضيفوا إلى ذلك أن عدداً من مالكي تلك القنوات يجنون الملايين سنوياً. فبحسب تقرير بيزنس إنسيدر، إن أرباح قناة EvanTubeHD على سبيل المثال، للفتى الذي يبلغ من العمر 7 سنوات والذي يعطي تعليقه الخاص من خلالها على بعض الألعاب والفيديو غايمز، تصل إلى 1.32 مليون دولار سنوياً، وذلك بعد أن تأخذ يوتيوب حصتها والتي تحدد بـ45% من الأرباح. نذكر أيضاً «ماتي برابس» الفتى الذي لم يتجاوز عمره 15 عام استطاع من خلال فيديوهات غناء له أن يحصد لقناته أكثر من 9 مليون مشترك واكثر من 3.9 مليار مشاهدة العدد الكلي لمشاهداته حتى شهر يونيو الفائت، أما قناة jacy and kacy فهي لبنتين يقومان بعض التحديات اليومية للأطفال واستطعن الحصول على 2 مليون متابع حتى الآن. وتنشأ تلك الأرباح من الإعلانات، التي تنقسم إلى ثلاثة أنواع، منها ما يظهر في بداية أو خلال الفيديو، والإعلانات الكتابية التي تظهر داخل مربع الفيديو بالأسفل، وإعلانات تظهر على يمين الفيديو. هذه الإعلانات مدفوعة من قبل الشركات المُعلنة حتى يراها الجمهور، وينال يوتيوب مكسبه منها، ثم يمنح كل صانع فيديو نصيباً من الربح على الإعلانات التي ظهرت خلال عرض المحتوى الخاص به. تنوع تلك القنوات بين ناطقة باللغة بالإنجليزية وناطقة باللغة العربية، والقنوات المخصصة للاكتشافات أو تعليم القيم والأخلاق، تأخذنا إلى نقطة أخرى، مثلاً مروى، التي تسمح لابنتها يارا بتصفح القنوات الإنجليزية لتعليمها اللغة الإنجليزية بجانب المدرسة، بينما تختلف وفاء، التي تفضل لابنها عمر قنوات تُعلم القيم والأخلاق وتراها الأفضل. وقد بدأت بعض القنوات في بث الأغاني الشعبية لأنها تلقى رواجاً بين الأطفال. ولكن هل تلك القنوات تُعلم الأطفال حقًا؟
بحسب دراسة نشرتها BBC فإن أطفال الأجهزة الذكية يطورون مهاراتهم الحركية الدقيقة بشكل أسرع من غيرهم، إذ إن استخدامهم تلك الأجهزة في مجال التعلم والتجربة وليس فقط المشاهدة يسرع من نموهم وبناء قدراتهم الحركية.
سامية خضر خبيرة التربية الأسرة تؤكد ما ذهبت إليه تلك الدراسة، تقول لـ"رصيف 22" إن التعلم من خلال التكنولوجيا هو وسيلة تعتبر ناجحة لتعلم الأطفال، لأنها تستخدم الصوت والحركة والمشاهد المتحركة في دقائق معدودة لإيصال رسالة بعينها، لافتةً إلى أن الدراسات الحديثة توضح أن الأطفال يقضون في مشاهدة يوتيوب من 3 إلى 4 ساعات يومياً وهو معدل مرتفع.
وترى سامية خضر أن زيادة الإقبال على مشاهدة الأطفال يعود لعدة أسباب، منها قدرتهم على الحديث بتلقائية، وقول ما لا يستطيع الكبار قوله وطرح الأسئلة التي يخجل منها كثيرون، أضيفوا إلى ذلك تشابه الكثيرين من الأطفال، فحين يرى الكبير هذا الأمر يتذكر ابنه مثلاً، وهذا ما يجعله يقبل على المشاهدة.
التجربة انتقلت ايضًا إلى أطفال عرب مثل عبد الرحمن جيفين القحطاني والملقب بـ«بوجيفن»، وهو ولد سعودي يلقى الشعر بصورة ساخرة وكوميدية وتلقى مقاطعه رواجًا كبيرًا على «يوتيوب».
وينضم لقائمة الأطفال العرب الأشهر على اليوتيوب نايف بن زياد بن نحيت وهو نجل الشاعر زياد بن نحيب، وعلى خطى الوالد سار الأبن بفيديوهات على قناة خاصة به على اليوتيوب ينشر فيها فيديوهات ضاحكة مع اسرته، وتلقى الفيديوهات رواجًا كبيرًا وبعضها تخطى المليون مشاهدة أما قناته فتحظى بـ30 ألف مشاهد.
المدرسة يمكن أن تكون رافداً أيضاً للأطفال مثل ما حدث مع الطالب كيرلس ناجح، الذي نشر صوراً عدة لأول يوم دراسة له، ساخراً من تلك العادات القديمة، ولقي الأمر تجاوباً كبيراً دفعته إلى التفكير في إطلاق قناة على يوتيوب ينشر فيها كيف ينظر الأطفال إلى التقاليد المدرسية العتيقة.
ولكن هل يحدث ذلك من دون خسائر؟
دراسة قام بها باحثون بريطانيون تكشف أن الأطفال الذين يستخدمون الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية التي تعمل بنظام اللمس ينامون لفترات أقل من أولئك الذين لا يستخدمونه، فكل ساعة يقضيها الطفل على الأجهزة الذكية تؤدي إلى انخفاض فترة نومه بما يعادل 15 دقيقة. وطرحت الدراسة، التي أجريت في كلية "بيركبيك" التابعة لجامعة لندن، أسئلة على 715 من أباء وأمهات لديهم أطفال تقل أعمارهم عن ثلاث سنوات، حول المدة التي يمضيها أطفالهم على الألواح الذكية ومدة نومهم. "ساعة أو 2 مدة كافية" لمشاهدة تلك القنوات، أما من يصنعون الفيديوهات فعليهم التوقف الآن، تلك كانت نصيحة داليا أبو علم، مدربة التربية والتواصل مع الأطفال. فذلك يعني التعرض لمرض التوحد، وفقدان الاتصال مع الأب والأم وتحويل الطفل إلى متلقٍ لكل محتويات تلك القنوات، أو ممثلٍ يفقد شخصيته التي هي في طور التكوين.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...