في العالم العربي 1 من 3 أطفال -دون الستة أشهر- لا يتلقون الرضاعة الطبيعية الخالصة، بحسب ما كشفته منظمة اليونيسف، التي تؤكد مجدداً أن حليب الأم قادر على إنقاذ أرواح الأطفال والحدّ من مخاطر الإصابة بسرطان الثدي.
وانطلاقاً من أهمية الرضاعة الطبيعية وفي ظل غياب التوعية اللازمة في العالم العربي، أطلقت 3 شابات لبنانيات مشروع "سوبر ميلك" الهادف إلى تسليط الضوء على أهمية حليب الأم وفوائد الرضاعة الطبيعية لصحتها ولصحة طفلها، وفزن بجائزة تحتفي بالتنمية المستدامة في المنطقة العربية.
ما هو هذا المشروع؟ وما هي حال الرضاعة الطبيعية في العالم العربي؟
"سوبر مليك" سحري للأطفال
في إطار مشروع "البوابة العربية للتنمية" التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعنوان:"visualize 2030 بيروت هاكاثون"، وبعد منافسة محتدمة شملت 14 دولة عربية حول مشاريع متعلقة بالتنمية المستدامة، تمكنت 3 شابات لبنانيات من تحقيق الفوز من خلال التطرق الى موضوع اجتماعي يهم المجتمع العربي كله. انكبت ألكسندرا عيراني وزينة جمال الدين وجوانا زعنّي طوال 5 أيام على مشروع "سوبر ميلك" الذي يتطرق للمرة الأولى إلى موضوع الرضاعة الطبيعية في العالم العربي وفوائدها التي لا تحصى. في حديثها لرصيف22، تحكي جوانا زعنّي عن فعل تناول موضوع الرضاعة الطبيعية في العالم العربي الذي هو أمر حسّاس جداً: "إن الحديث عن الرضاعة بشكل عام يعتبر "تابو" في المجتمعات التقليدية خاصة أن العالم العربي لم يتعود بعد على تناول مثل هذه المواضيع الاجتماعية المهمة". وأوضحت زعنّي أنه في أغلب الأحيان يتم الربط بين الرضاعة والثدي الذي يعتبر جزءاً مثيراً لدى المرأة، مما يجعل الموضوع ينحرف عن مساره الطبيعي: "في ظل التركيز على ثدي المرأة، يأخذ موضوع الرضاعة منحىً جنسياً وهو أمر لم نكن نريده على الإطلاق". من هنا وجد الفريق اللبناني نفسه أمام تحدٍّ كبير يتمثل بطريقة إيصال المعلومات العلمية التي حصل عليها، والتشديد على أهمية الرضاعة الطبيعية للأم والطفل بطريقة سلسلة وغير صادمة. وبالتالي رمى الفريق إلى إيصال الرسالة بطريقة بسيطة وذكية دون أن تخدش الحياء، فتولى ابتكار فيديو قصير يتم التركيز من خلاله على الحليب الطبيعي "سوبر ميلك" مع الحرص على الابتعاد عن صورة الثديين والإيحاءات الجنسية، وفق ما تؤكده "زعنّي": "جعلنا من "سوبر ميلك" شخصية "حيّة" تخاطب الجمهور بطريقة ذكية ولافتة للنظر، وإستخدمنا المعلومات العلمية بطريقة فنية من خلال تحويل الأرقام إلى معجون متحرك، فضلاً عن عرض صور متعاقبة بطريقة الرسوم الكاريكاتورية، مما جعل الموضوع يجذب اهتمام الجميع وينال المرتبة الأولى في المسابقة". يركز الفيديو على أهمية "السوبر ميلك" لصحة الأم والطفل في آن واحد، إذ يشير إلى أن 20500 إمرأة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يفارقن الحياة سنوياً جرّاء الإصابة بسرطان الثدي، في حين أن هذا الحليب الطبيعي قادر على إنقاذ حياة 1700 اِمرأة، كما أنه يقلل من خطر الإصابة بمرض سرطان المبيض والحدّ من الإصابة بالسكري من النوع الثاني. أما بالنسبة إلى صحة الطفل، فقد أجمعت الدراسات على أن حليب الأم يحتوي على فوائد مذهلة، فهو قادر على إنقاذ حياة 823000 طفل على الصعيد العالمي، وذلك عن طريق زيادة المناعة وتجنيب الأطفال الإصابة بأمراض متعددة مثل الإسهال والالتهابات المتعلقة بالجهاز التنفسي، من دون أن ننسى قدرته على زيادة معدل الذكاء لدى الطفل وتطوير نموه الذهني. والشق الأهم في الموضوع يكمن في كون "السوبر ميلك" طبيعياً، وغير محدود ومجانياً. وبالرغم من ذلك أوضح الفيديو أن هناك عدة عوامل تحول دون لجوء الأمهات في العالم العربي إلى الرضاعة الطبيعية، أهمها: الزعم أن كمية الحليب لديهنّ غير كافية، وأن نوعية الحليب غير مناسبة للطفل، فيلجأن عندئذ إلى الحليب الصناعي كحل بديل، وهو أمر ينتج مشاكل صحية وأعباءً اقتصادية تقع على كاهل الأهل. من هنا يدعو الفريق اللبناني إلى إنشاء مجتمع عربي صديق للرضاعة الطبيعية عن طريق: - قيام الحكومة بتخصيص موازنة لإنشاء برامج وطنية تدعم الرضاعة الطبيعية. -دعم المستشفيات لتصبح صديقة للطفل. -تنفيذ إتفاقية منظمة العمل الدولية التي تتعلق بالحد الأدنى لإجازة الأمومة لمدة 14 أسبوعاً مع فترات راحة خلال ساعات العمل. واللافت أن طموح فريق "سوبر ميلك" لا يتوقف عند حدود المسابقة، إذ هناك إصرار على تحويل موضوع الرضاعة الطبيعية إلى قضية تتصدر أولويات الدول العربية:"نطمح إلى أن تصبح المنطقة العربية داعمة للرضاعة الطبيعية عام 2030 حتى تتمكن النساء من إتخاذ قرارات مستنيرة تتعلق بصحتهنّ وصحة أطفالهنّ، مما سيؤدي الى نشوء جيل عربي أكثر صحة وذكاء". ويتوجه فريق "سوبر ميلك" في رسالته التوعوية الى الجمهور العربي:"حان الوقت للتغيير الإيجابي، خدمةً لأمهاتنا ولأطفالنا وللمجتمع العربي. كل شيء يبدأ عن طريق دعمكم للسوبر ميلك، حليب الأم الثمين".معركة حليب طبيعي-صناعي
توصي منظمة الصحة العالمية واليونيسيف بضرورة البدء بالرضاعة الطبيعية خلال الساعة الأولى بعد الولادة، مع التأكيد على أهمية الرضاعة الطبيعية الحصرية خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الطفل، ومن ثم إدخال الأطعمة التكميلية عند عمر ستة أشهر، بالإضافة الى إكمال الرضاعة الطبيعية الى عمر السنتين، ولكن بالرغم من كل هذه التوصيات فإن نسبة الرضاعة الطبيعية في العالم العربي تعتبر متدنية، وذلك قد يعود لعوامل اجتماعية ومعتقدات خاطئة. كما سلّطت اليونيسف الضوء على التراجع الكبير في معدلات الرضاعة الطبيعية في العديد من البلدان العربية، مثل اليمن، التي تشهد تدنياً ملحوظاً في معدلات الرضاعة الطبيعية، إذ تشير "اليونيسف" إلى أن 10% من الأمهات في اليمن يلجأن حصرياً إلى رضاعة أطفالهن، مما يرفع معدلات سوء التغذية والوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة، خاصة في ظل تفشي الكوليرا في البلاد. من جهة أخرى، باتت متطلبات الحياة العصرية تفرض نفسها على الأمهات، ففي المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية جرى عقد إتفاقية تتعلق بحماية الأمومة، وجاء في المادة الرابعة:" من حق أي امرأة تنطبق عليها هذه الاتفاقية الحصول على إجازة أمومة لا تقل مدتها عن أربعة عشر أسبوعاً...". غير أن هذه المادة لا تطبق في الكثير من البلدان العربية، ففي دبي مثلاً وقبل تعديل المرسوم، كانت المرأة العاملة تمنح إجازة مدفوعة الأجر لمدة 45 يوماً، فتجد نفسها أمام خيارين: إما الرضاعة الطبيعية أو العمل"، ونتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، تختار على مضض "لقمة عيشها" على حساب صحتها وصحة طفلها. وفي ظل تغير بعض المفاهيم الإجتماعية، تعتبر بعض الأمهات أن الرضاعة الطبيعية "لم تعد على الموضة"، خاصة أنها تجربة متعبة تحتاج الى الكثير من الجهد والوقت، من هنا تلجأ فئة كبيرة من السيدات الى الطريقة الأسرع من خلال استخدام حليب الأطفال الصناعي، الذي تروّج له الشركات الكبرى خاصة في المستفيات الكبرى، مما يرتب على الدول العربية نفقات هي في غنى عنها. وقد كشف علماء النفس أن الحليب الصناعي لا يتيح نشوء الرابط العاطفي بين الأم وطفلها، بخلاف عملية الإرضاع الطبيعية التي توفر وسيلة تواصل مثمرة بين الطرفين، خاصة لناحية جعل الطفل يشعر بأمه، يتحسسها، يسمع دقات قلبها ويشعر بالطمأنينة بين ذراعيها. باختصار، إن الحليب الطبيعي يحتوي على فوائد كثيرة لا يمكن أن يوفرها أي حليب إصطناعي للأطفال، بحسب "فيرنر سشولتينك" رئيس قسم التغذية في اليونيسف، الذي يؤكد أن حليب الأم يحتوي على نسبة محددة من الكربوهيدرات والدهون والبروتينات التي تعتبر مثالية لحديثي الولادة، مشيراً إلى أن عامل الوقاية الذي ينطوي عليه هذا الحليب الطبيعي يعتبر أول حصانة أساسية يحصل عليها الطفل في حياته. من هذا المنطلق، تواصل اليونيسف تشجيع الأمهات على اختيار الرضاعة الطبيعية باعتبارها الطريقة الأمثل لتوفير أفضل تغذية للطفل في الأشهر الستة الأولى من عمره، وفي هذا السياق، يقول "سشولتينك:"إذا تمكنا من تأمين الرضاعة الطبيعية لجميع الأطفال في الأشهر الستة الأولى، نستطيع عندها أن ننقذ أكثر من مليون طفل كل سنة".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...