شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
رواية

رواية "وراث الشواهد"... ما الذي قاد الوحيد إلى السجن وهو يصرخ: "أريد هذا الحجر فقط"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 30 نوفمبر 201704:18 م
"سأل نبي الله سليمان، أو ملك الله سليمان - وهذا من لعنة الروايات التي ستصيب القارئ، فلا يفلت منها - عفريتاً من الجن عن الكلام، فأجاب: تبدده الريح فلا يبقى، فقال: ما قيده؟ قال: الكتابة". بهذا المقطع يبدأ "وليد الشرفا" روايته الأخيرة "وارث الشواهد"، مقرراً أنه كي لا تبدد الريح حكاية بطله عليه أن يقيّدها بالكتابة، مطمئناً القارئ إلى أنه سيكون شريكاً في "المعجزة" لكنه ليس شريكاً في الإثم الذي اقترفه "صالح الوحيد" الفلسطيني القابع في سجن الدامون، غير بعيدٍ عن قريته الأصلية "عين حوض". من زنزانته تلك، سيروي "الوحيد" خيالاته، عذاباته وجروحه وكسوره، وسيحكي بأدق التفاصيل عن منزله في القرية التي صار اسمها بعد الاحتلال "عين هود"، وتم تهجير سكانها، وعن أبيه الذي استشهد برصاص الإسرائيليين، وهو عائد من المدرسة التي يعلّم فيها، وتكون الصورة الأخيرة المطبوعة في ذاكرته: صورة الجثة أثناء نقلها من القبر الذي دفنها الجنود فيه إلى قبر العائلة.

"عندما أكبر قليلاً، سأتخيل جثمان والدي تحت التراب، وسأعلم أني أصبحت وبقيت ابن الشهيد المجهول، رغم أنه أصبح معروفاً، وسأظل أزور قبرين عندما يقرر جدي بعد نحو عامين أن ينقل جثمان والدي إلى قبر جديد بجانب منزلنا، وسأرى والدتي تحتضنني بقوة، وأنا أبكي والدي الذي لن أمسك بيده ثانية، وتقول: أبوك الآن أصبح بيننا".

تتولى الأم والجد مسؤولية الابن الصغير حتى يكبر، وبعد أن يصبح شاباً ترى أن سفره للدراسة في الخارج سيطمئنها عليه أكثر من بقائه في فلسطين. في أمريكا حيث يدرس يلتقي بـ"ريبيكا" ويتزوجها وينجب منها ابنة، كما يتعرف إلى طبيب مسيحي من مدينة الناصرة اسمه "بشارة"، يحمل الجنسية الإسرائيلية، ويؤمن بإمكانية التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن الصداقة التي تجمع بشارة بالوحيد والأحاديث المطولة التي تجري بينهما، ينعشان الكثير من الذكريات لديه ويبدأ باستعادة ما غاب عنه، وكيف أنه كي يعيش مع المحتل عليه أن يتخلى عن هويته وحقيقته، وأن يخضع لشروط المحتل وينتمي إليه، وإن كان دافعه إلى ذلك هو المحبة التي تدفعه لقبول كل البشر، فإن هناك بالمقابل ظلم كبير يمارس على الطرف الفلسطيني. ستكون العبارة التي تفجّر كل شيء في داخله وتكون بداية سلسلة من التغيّرات الجذرية في معتقداته هي جملة يقولها له الوحيد: "إن سؤال العدالة أهم من سؤال المحبة يا بشارة".
"إن سؤال العدالة أهم من سؤال المحبة يا بشارة"... العبارة التي تفجّر كل شيء
"أتعرفين؟ ما لن أنساه من المحكمة (...) جواب والدي للقاضي عندما هدده بسحب الجنسية الإسرائيلية منه عندما قال: ماذا سأخسر؟ سأعود فلسطينياً نقياً"
يقسم "الشرفا" روايته إلى عدد كبير من الفصول، ولكن يمكن تصنيفها إلى أربعة أقسام رئيسية: الأول منها هو مروية الوحيد، التي تحتل القسم الأكبر من الرواية وفيها زمنين، الزمن الحاضر حيث الوحيد في زنزانته منتظراً المحاكمة، وزمن التذكر إذ يروي فيه طفولته وشبابه حتى لحظه اعتقاله. أما ثاني الأقسام، فهو ما يرويه "بشارة" الذي كان شاهداً على الفعل الذي قام به صديقه واستدعى حبسه، والقسم الثالث هو شهادة الزوجة "ريبيكا" وابنته حول شخصه وحول علاقتهما بفلسطين وبأماكنها رغم أنهما لم يزوراها لكنهما عاشاها في أحاديثه عنها. أما القسم الرابع والأخير فيرد على لسان "جوليانا" ابنة "بشارة" التي توثق ما يحصل أثناء المحاكمة، إذ يتم اعتقال والدها أيضاً بتهمه تواطؤه مع "الوحيد"، وبأنه يعلّق في بيته صوراً للمخربين، والمقصود بهم الكتّاب والمثقفين الفلسطينيين الذين وضع "بشارة" لهم صوراً في بيته بعد أن عاد بنظرة جديدة مختلفة للقضية الفلسطينية. من خلال هذا التعدد في الأصوات، والمرويات المتقاطعة للشخصيات والتي تكمل بعضها سنعرف جميع تفاصيل الحكاية، وسينكشف السبب الذي قاد الوحيد إلى السجن، وهو يصرخ: "أريد هذا الحجر فقط". كما تتحول الشهادات التي يدلي بها الجميع إلى ما يشبه محاكمة معاكسة، يقوم فيها الأشخاص بمحاكمة إسرائيل، ومناقشة التاريخ والروايات الدينية جميعها. تختتم "جوليانا" الرواية بعد خروجها مع والدة "الوحيد" من المحاكمة، ناقلةً ما جرى فيها وخاتمةً بمقطع بالغ التأثير:

"قلت لها: أتعرفين؟ ما لن أنساه من المحكمة يا جدتي أمران: الأول كيف عرف الوحيد بهذه المعلومات؟ أليست معجزة! أما الأمر الآخر فهو جواب والدي للقاضي عندما هدده بسحب الجنسية الإسرائيلية منه عندما قال: ماذا سأخسر؟ سأعود فلسطينياً نقياً".

وليد الشرفا كاتب فلسطيني من مواليد نابلس. حصل على الدكتوراه عام 2006 وكانت أطروحته حول الخطاب عند إدوارد سعيد. يعمل حالياً أستاذاً للإعلام والدراسات الثقافية في جامعة بير زيت، فلسطين. له عدة كتب فكرية، وأربع روايات: "محكمة الشعب"، "اعترافات غائب"، "القادم من القيامة"، و"وارث الشواهد". الناشر: الدار الأهلية/ عمان عدد الصفحات: 160 الطبعة الأولى: 2017

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image