في عام 2009، أجرت مؤسسة المرأة الجديدة (منظمة مجتمع مدني مصرية) دراسة ميدانية حول التحرش الجنسي في أماكن العمل في محافظات مصرية عدة. كشفت الدراسة التي يمكننا اعتبار ما ورد فيها مثلاً لما تواجهه النساء في غالبية الدول العربية، وجود أشكال عدة للاستغلال الجنسي للنساء في أماكن عملهن، سواء كانت تلك الأماكن حكومية أو خاصة. أظهرت شهادات النساء في الدراسة أن التحرشات التي يواجهنها من الممكن أن تكون من طريق نظرات عيون فيها إيحاءات جنسية، أو سماع ألفاظ وعبارات جنسية أو حتى لمس ومضايقات. ما أكدته الدراسة هو أن التعرض لتحرش جنسي داخل أماكن العمل غير مرتبط بمرحلة عمرية أو تعليمية أو بالحالة الاجتماعية للتي تتعرض للتحرش أو حتى بالزي الذي ترتديه. بعد مرور أكثر من ثماني سنوات على الدراسة، لم تتحسن الظروف بالنسبة إلى النساء، حيث كشف وسم انطلق في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الحالي وهو MeToo، أن التحرش بالنساء في العالم كله يزيد ولا يقل، لا سيما في أماكن العمل. ولكن، هل يمكن أن نعتبر أن هناك أماكن عمل تشجع الموظفين، ولو بشكل غير مباشر أو حتى من دون قصد، على التحرش بالموظفات أكثر من غيرها؟ يكشف بحث علمي أن الإجابة عنهذا السؤال هي للأسف "نعم"! البحث الأميركي الذي يعتبر أن التحرشات في أماكن العمل في ازدياد، يحاول ابتكار أفكار للحد منها في أماكن العمل، مستخدماً ما يقوم به الجيش الأميركي في هذا الأمر كدراسة حالة.
حين لا تصل النساء إلى مناصب عليا
بعض المؤسسات والشركات لا تعطي النساء فرصة للترقي أو للوصول إلى مناصب قيادية، لذا، يسيطر الرجال على كل الأدوار فيها، وعلى عكس النساء تنتشر بينهم تصرفات عدائية كثيرة في إطار ما يطلقون عليه التنافس. وحين تصل إلى مدير إحداها شكوى من أحد الموظفين بخصوص زميل له، فسيتعامل معها بمنطق "أنهما زميلان يتنافسان"، لكن كيف سيتعامل المدير نفس مع شكوى تصله من موظفة؟ للأسف. لن يختلف الأمر كثيراً فالمدير وقتئذ – غير المدرب – لن يستطيع تحديد متى يصبح ما تتعرّض له الموظفة مضايقات جنسية وتحرشاَ، أو أنه مجرد خلاف أو تنافس بين زملاء عمل. لكن الأمر سيختلف تماماً حين تصل النساء في الشركات المختلفة إلى مناصب قيادية، فهو سيشجع التي تتعرّض للتحرش على أن تتحدث من دون خوف ممّا تقابله من زملاء لها، وستتفهم مديرتها الأمر جيداً. يقترح البحث على الشركات والمؤسسات تدريب أصحاب المناصب القيادية على كيفية التعامل مع شكاوى التحرشات والمضايقات الجنسية، وعلى أن تكون هناك آلية واضحة وصريحة للتبليغ عن التحرشات وضمانة أن يتم التحقيق في تلك الشكاوى بشكل جاد. وأن تكون هناك فرص متساوية للجنسين للوصول إلى مناصب قيادية.حين تترقى النساء
تخيلوا معنا لو أن سيدة تعمل في إحدى الشركات الكبرى المنتشرة في عالمنا العربي، أثبتت نجاحها وجدارتها وتميزت أكثر من زملائها في الشركة نفسها... ترى ماذا سيحدث وقتئذ؟ حين يشعر بعض الرجال بأن هناك سيدة أفضل منهم في العمل، فلن يتقبلوا الأمر بسهولة، بل يشرعون يضايقون هذه السيدة، فهي بالنسبة لهم مجرد امرأة لا ينبغي أن تكون أفضل منهم مهنياً. بالتأكيد، لا يفكر الرجال كلهم في هذه الطريقة، لكن دعونا نتفق على أن منهم مَن يفكر هكذا، فكيف سيتصرّفون لوضع حد لهذه السيدة بحسب تفكيرهم؟ سيضايقونها ويتحرّشون بها، في محاولة لإسكاتها، وإذلالها، والضمان الوحيد لوقف هذه التصرفات في الشركات هو أن تكون هناك قوانين عمل تمنع ذلك بشكل واضح.حين يمتلك الفاسد سلطة مطلقة
من الأسباب المهمة التي تجعل التحرش يزيد في بعض الشركات هو أن يتقلّد شخص فاسد سلطة مطلقة، لا أحد يحاسبه على أي انتهاك أو خطإ يقترفه، الأمر الذي يزيد رغبته في إيذاء العاملين معه. إضافة إلى ذلك، تظهر شهادات عدة أن تحرش بعض أساتذة الجامعات بالطالبات منتشر بشكل كبير في عالمنا العربي، لأن الأستاذ الجامعي غالباً ما تكون سلطته مطلقة، فهو الوحيد القادر على أن يجعل الطالبة تنجح، أو ترسب. لو نظرنا إلى حوادث التحرش التي انتشرت أخبارها أخيراً، ومنها حادث تحرش المنتج الهوليوودي هارفي واينستين بنساء كثيرات، لوجدنا أن السبب هو السلطة المطلقة التي بين يديه، فهو قادر على جعل ممثلة مغمورة نجمة مشهورة. أما جاستين كالدبيك الذي استقال من عمله من شركة الاستثمارات "باينري كابيتال"، بعدما تحدثت نساء عن تحرشه بهن أثناء تقدمهن بطلبات للحصول على تمويل. فقد فعل ذلك بسبب سلطته المطلقة في موافقته على تقديم التمويلات التي تحتاج إليها المتقدّمات بطلبات. وكانت لدى بيركلي، جيف مارسي الأستاذ علم الفلك في جامعة الذي اتهم بالتحرش بطالباته، سلطة كتابة خطابات توصية لمساعدة الفتيات الجامعيات على الالتحاق بكليات الدراسات العليا. الأمثلة السابقة وغيرها تثبت أن السلطة المطلقة في يد فاسد غالباً ما تجعله يمارس انتهاكات جنسية، لذلك على الشركات والمؤسسات أن تختار القادة بشكل علمي محترف، وتضمن وجود طريقة للإبلاغ عن تجاوزاتهم من دون أن تتعرّض المتحرَّش بها لأي أذى من أي نوع. والأهم هو ضمان التحقيق بشكل جاد في تلك البلاغات ومحاسبة المتحرِّش أيّاً كان منصبه أو سلطته. يظهر البحث المهم أن التسامح مع المتحرش سيزيد الأمر سوءاً، بينما التعامل معه بحزم مع سيوقفه عند حدّه، ويقل التحرش بشكل كبير، فهل تستفيد الشركات في عالمنا العربي من هذه الدراسة؟ نتمنى ذلك.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون