شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
لا، ليس الكسل الذي يجعل النساء أقل سيراً في شوارع المدن من الرجال....

لا، ليس الكسل الذي يجعل النساء أقل سيراً في شوارع المدن من الرجال....

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 15 أكتوبر 201709:42 ص

تعمل إيمان محمد سكرتيرة في مقر أحد الأحزاب السياسية المصرية، تذهب إلى عملها يومياً في تمام التاسعة صباحاً، ورغم أن المسافة من بيتها إلى المقر لا تزيد عن خمسة عشر دقيقة مشياً على الأقدام، إلا أنها تفضل أن تستقل سيارة أجرة "تاكسي".

تجلس دائماً في المقعد الخلفي وتنشغل في النظر إلى هاتفها المحمول حتى لا تعطي فرصة للسائق للحديث معها، ورغم أن المسافة قصيرة جداً إلا أن أمل تدفع عشرة جنيهات (حوالي نصف دولار) بسبب أن رسوم فتح العداد نفسه تبدأ في مصر من خمسة جنيهات حتى لو لم تسر السيارة سوى متر واحد.

لا يعني استخدامها للتاكسي يومياً أنها كسولة أو لا تفضل السير على قدميها، بل على العكس تقول إنها كثيراً ما تشعر برغبة كبيرة في السير بمفردها، خصوصاً حين يكون هناك أمر ما يضايقها.

محمد واحدة من 99% من المصريات اللاتي تقول دراسة أصدرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة في عام 2013 إنهن يتعرضن للتحرش، كما أكد المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر في العام 2012، إن أكثر من 70% من النساء في مصر يتعرضن للتحرش في الشوارع والمواصلات العامة.

"أنفق أكثر من نصف راتبي على التاكسي، فهو وسيلتي الوحيدة للهروب من الشارع بكل سلبياته من مضايقات وتحرش، وسماع الشتائم التي يرددها الناس في كل مكان"، تقول محمد.

اختارت أن تدفع حتى تعيش في أمان رغم أنها كانت تتمنى لو كان يمكنها السير في الشارع بحرية، فهي رياضة بسيطة غير مكلفة وعملية وستوفر لها أموالها "لكن للأسف في الشوارع المصرية السير في الشارع للفتيات غير ممكن".

لا يختلف وضع باقي النساء في العالم العربي عن وضع أمل المصرية، إذ يظهر تقرير نشره رصيف22 أن التحرش الجنسي منتشر بشكل كبير في كل الدول العربية، رغم ظهور مبادرات جادة تهدف لوقفه.

تعاني النساء من الأزمة نفسها حول العالم، إذ تبين دراسة قامت بها جامعة ستانفورد أن النساء في كثير من بلاد العالم يمشين في الشارع عدد خطوات أقل بكثير من الرجال، وينفقن نقودهن على سيارات الأجرة لمجرد أن يشعرن بالأمان.

حتى الدول الصغيرة...

أظهر التقرير أنه حتى في دولة صغيرة من حيث عدد السكان مثل قطر، تسير النساء في الشارع بنسبة 29٪ أقل من المتوسط اليومي لنظرائهن من الذكور.

أما النساء في السعودية فيمشين أقل من الرجال بنسبة تزيد قليلاً عن 32%، وتصل النسبة في مصر إلى 30%.

تلفت الدراسة النظر إلى قضية مهمة، وهي عدم المساواة بين الجنسين حتى فيما يتعلق بأمر بسيط مثل المشي في الشارع، والذي يعد رياضة مهمة تجعل الجسد صحياً وتبعد عنه مشاكل كثيرة مثل السمنة.

وفي الدول الـ34 التي شملتها الدراسة كانت أعراض السمنة لدى النساء أكثر من الرجال، بسبب ارتفاع معدلات "عدم المساواة في النشاط".

"إذا كان شخص واحد لا يفضل المشي في الشارع فمن الممكن أن نقول إنه شخص كسول، لكن إذا كانت مئات الآلاف من النساء لا يمشين كثيراً، فهل يمكن القول إنها مشكلة تتعلق بالكسل؟ بالتأكيد لا فهذه مشكلة مجتمعية "، هكذا يعلق تيم ألثوف الباحث الرئيسي في دراسة ستانفورد لصحيفة الجارديان.

تظهر الدراسة أن أغلب النساء بررن عدم مشيهن في الشارع بأمر واحد وهو "خوفهن على سلامتهن الشخصية".

وإذا كانت الإحصائيات المتعلقة بمشاعر الفتيات والنساء قليلة أو معدومة في عالمنا العربي، فالأمر ليس كذلك في بلاد أخرى، حيث يظهر بحث علمي قامت به جمعية الأطفال في بريطانيا وصدر قبل أسابيع قليلة إن واحدة من كل ثلاث فتيات تراوح أعمارهن بين 10 و 17 عاماً قالت إنها تشعر بالخوف من أن يتبعها الغرباء في الشارع.

ووصفت فتيات كثيرات سبب خوفهن من الشارع أثناء ذهابهن للمدرسة بأن بعض الرجال في السيارات يقمن بتشغيل الكلاكسات للفت انتباهن. وهو شكل آخر من أشكال التحرش منتشر أيضاً في عالمنا العربي.

أخاف على ابنتي من الخطف

تعتبر رضوى الشاذلي التاكسي الوسيلة الأكثر أماناً، فهي يومياً تأخذ طفلتها إلى الحضانة، وتخاف عليها من أن يتم خطفها (تظهر تقارير إعلامية انتشار ظاهرة خطف الأطفال في بلاد عدة).

تقول الشاذلي بينما ملامح الرعب على طفلتها تظهر على وجهها "أضطر يومياً لاستخدام التاكسي فقط من أجل ابنتي، أخاف من أن يوقعني شخص ما على الأرض ويأخذها مني، وقتها لن أستطيع الجري خلفه، ولا أظن أن الناس ستتدخل، الأمر بالنسبة لي كابوس".

تعتبر الصحافية أن التاكسي وسيلة آمنة لحد ما، فهو على الأقل سيحميها أيضاً من التحرش المنتشر في الشوارع بشكل عام وفي وسائل المواصلات العامة بشكل خاص.

وحش اسمه وسائل المواصلات الشعبية

بعد أيام قليلة ستتم ياسمين الكومي عامها الثالث والثلاثين، تعتبر أن استخدامها لسيارة أجرة خاصة تطلبها دائماً من تطبيق "أوبر" سببه أن وسائل المواصلات الأخرى ليست بديلاً مناسباً لها، تقول إن حافلات النقل العام مزدحمة جداً وحقيبتها بها دائماً جهاز حاسوب محمول وتخاف أن يتم سرقته، كما تخاف من أن تتعرض لتحرش.

تضيف الكومي "أما الحافلات الأصغر التي يطلق عليها الميكروباص، ففي أوقات الذروة يقف العديد من الناس في انتظارها وحين تصل يقومون بالقفز عليها وقد يوقع بعضهم بعضاً لحجز مكان لهم داخلها. وفي مترو الأنفاق تعرضت مرة للسرقة بسبب الزحام الشديد، وعملي يتطلب أن يكون مظهري جيداً، فكيف سأنجح في الوصول لعملي بمظهر مناسب وسط كل هذه المغامرات والمعارك".

هل يعلم المتحرش؟

يقول الدكتور أحمد عبد الحليم لرصيف22 أن للمشي فوائد طبية عدة، منها أنه يحافظ على الصحة العامة، كما أنه يحمي من الموت المفاجئ، وله دور في حماية الأشخاص من التعرض للأزمات القلبية والسكتات الدماغية المفاجئة.

مما لا شك فيه أن للمشي فوائد كثيرة من الصعب حصرها، فهل يعلم المتحرش أن النساء تحرمن أحياناً من كل ما سبق بسببه؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard