بعد أكثر من 200 يوم من السجن، أُطلق سراح الناشطة الحقوقية مريم العتيبي، في الثلاثين من يوليو الماضي.
كانت العتيبي قد سافرت إلى الرياض من أجل العمل، من دون موافقة والدها، فردّ على خطوتها الجريئة برفع دعوى هروب وعقوق عليها، ما جعل حقوقيون حينذاك يعتبرون اعتقال العتيبي رداً على نشاطها الفاعل جداً في حملة المطالبة بإسقاط الولاية على المرأة التي كانت العتيبي أحد رموزها.
اعتبرت ناشطات كثيرات خروجها من دار رعاية الفتيات في الرياض (سجن خاص بالنساء) من دون موافقه والدها الذي تسبب في إيداعها فيه نصراً كبيراً، وحالة استثنائية حصلت بعدما سلط الإعلام الضوء عليها. لا تختلف هذه الدار في قواعدها كثيراً عن السجون العادية، لكنها مؤثثة بشكل أفضل، تودع الفتيات القاصرات فيه، وضحايا العنف الأسري. لاحقًا باتت هذه الدار ملجأ للسجينات اللاتي يرفض أهاليهن التوقيع على أوراق خروجهن. ومع أنه لا يوجد نص نظامي يؤكد أن موافقة ولي الأمر شرط من شروط خروج النساء من السجن، إلا أن العُرف في مصلحة السجون السعودية، لا يسمح للمسجونة بالخروج من الحبس حتى بعد انقضاء محكوميتها القانونية، إلا إذا استلمها ولي أمرها، ووقّع أوراقاً رسمية بذلك. أمّا إذا رفض استلامها، فتُحوّل إلى دار رعاية الفتيات التي قد تمضي فيها بقية حياتها.
كم مريم لدينا؟
"كم مريم لدينا لا نعرفها ولم نسمع بقصتها؟"، يتساءل محمد الربيعية الناشط الحقوقي والأستاذ في جامعة الملك سعود الذي يشدد على أنه يجب التعجيل بالإصلاح القانوني والهيكلي الذي يحمي النساء من التعسف والتسلط". فقبل نحو شهر، أصدر النائب العام قرارًا بالإفراج عن سجينات ما زالت قضاياهن في مرحلة الضبط بعد دفع كفالة مالية، وتم تطبيق ذلك في القضايا التي لا تستلزم التوقيف، تمامًا مثل الذكور، غير أن اللّواتي استفدن من ذلك القرار قلّة، بسبب عدم قبول ولاة الأمور استلام بناتهنّ. "ثلاث سجينات أتولى قضاياهن، صدر قرار بالإفراج عنهنّ بكفالات مالية، إلا أن ولاة أمورهن رفضوا خروجهن، فبقين في السجن إلى حين الانتهاء من إجراءات محاكمتهن"، يقول المستشار القانوني أحمد الراشد لرصيف22، ويضيف: "بعضهن فقط استفدن من القرار وخرجن". لا يوجد إحصاء رسمي بعدد السعوديات اللاتي يقبعن في السجون، بسبب رفض أولياء أمورهنّ استلامهنّ، إلا أن مصادر لرصيف22، أكدت أنّه يصل إلى أكثر من 1800 سعودية، حُوّلن إلى دور رعاية الفتيات. منهن منيرة (س) التي أمضت 17 شهراً زيادة على السنوات الأربع التي حُكم عليها بها في قضية تعاطي المخدرات. "لا مكان لي بعد أن نبذني أهلي، ورفضت إدارة السجن خروجي"، تقول منيرة لرصيف22، وتضيف: "هذا الوضع لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، عرفت في السجن نساء، ظللن أكثر من عشر سنوات فيه، لأن آباءهنّ رفضوا استلامهنّ، وأخشى على نفسي من هذا المصير الآن". منيرة في العقد الرابع من عمرها، تعيش في دار لرعاية الفتيات بالمنطقة الشرقية، ولا تستطيع الخروج منها. أما ماجدة التي تُعيلُ ثلاثة أطفال، أكبرهم فتاة في الرابعة عشرة من عمرها، فأمضت عامين إضافيين إلى محكوميتها المحددة بثلاث سنوات، بسبب بلاغ من طليقها يتهمها فيه بعلاقات غير شرعية أثناء فترة زواجهما. تقول لرصيف22: "سُجنت ظلماً، فطليقي لم تكن لديه أدلة قاطعة لإدانتي، إلا أن شهادته وحدها كانت كافية لسجني. وإضافة إلى هذا الظلم، رفض عمي الذي كان ولي أمري المباشر، استلامي بعد انتهاء المدة التي حُكم علي فيها، فمكثت في السجن عامين إضافيين". اتهمها عمها بأنها لم تهتم باسم عائلتها، وأجبر إخوتها على عدم استلامها. وهذا ما تسبب لها في أزمة اكتئاب حادة، تتابع: "أعيش حالياً في دار لإيواء الفتيات، وهو لا يختلف كثيراً عن السجن".مشروع معطل
قبل أربع سنوات، بدأت وزارة العدل بالتنسيق مع وزارة الداخلية، دراسة مشروع قانون يمنع تنكر أولياء الأمور لقريباتهم المسجونات ورفض استلامهن من إدارة السجون بعد انتهاء محكوميتهن، ولكن حتى اليوم، لا شيء جديداً في هذا الإطار. تكمن المشكلة في أن نظام الولاية لا يزال يهيمن على النساء في السعودية. فالمرأة تحتاج إلى توقيع وليها لاستئجار شقة، كما أن شركات كثيرة تطلب موافقة ولي الأمر على عملها، مع أنه لا يوجد قانون ينصّ على ذلك، بيد أن وزارة العمل لا تعاقب الشركات التي تتشدد في هذا الأمر. وقد اعتبر تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، أن هذه القيود التي تُفرض على النساء في السعودية أكبر حاجز أمام تحصيل المرأة حقوقها، إذ قالت الدكتور هبة في التقرير، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة أنه من غير المقبول أن "تترك [السلطات] المرأة في السجن... إلى أن يأتي وليّ أمرها ليُخرجها، علمًا أنه قد يكون هو الذي تسبب في سجنها”. وتضيف أن الفشل في إلغاء هذه الممارسات وغيرها من الممارسات المتاحة لأولياء الأمر للسيطرة على النساء وابتزازهنّ، سوف يضمن استمرار وجود عقبات كبيرة أمام النساء اللاتي يبحثن عن مساعدة أو الفارّات من أولياء عنيفين، أو حتى اللاتي يرغبن في اختيار طريق مغاير للطريق الذي رسمه لهنّ أولياؤهن. وهناك معنفات، لم يجدن حلًّا لرؤية نور الشمس من جديد، سوى الزواج بمحكومين سابقين، ليكونوا أولياء أمورهنّ الذين يوقعون أوراق خروجهنّ من السّجن.أكثر من ألف سعودية، انتهت محكوميتهنّ القانونية، وما زلن في السجن، لرفض أولياء أمورهنّ استلامهنّ...
ناشطون يطالبون بالإصلاح القانوني، ويتساءلون: كم مريم لدينا لا نعرفها ولم نسمع بقصتها؟
"ما يحدث بلا سند قانوني"
يؤكد المستشار القانوني عبدالله الرجيب أنه لا يوجد نص قانوني يلزم موافقة ولي الأمر على خروج السجينة، لكن القائمين على السجون يتمسكون بعُرف أن من ضمن الأوراق التي يجب توقيعها من ولي الأمر، ورقة تعهد بعدم تكرار الجريمة، كنوع من الكفالة. يقول لرصيف22 : "تكمن المشكلة في أن ولي الأمر عليه أن يوقع أنه استلم السجينة ليكون مسؤولاً عنها، وإذا لم يوقّعها لا يُسمج لها بالخروج، لأنها ستكون في هذه الحال بلا منزل"، ويتابع: "هي عملية معقدة، لكنها في النهاية تنتهي بمشكلة كبيرة لها". تقول الدكتورة سهيلة زين العابدين، الأستاذة في الشريعة، والعضوة في الجمعية السعودية لحقوق الإنسان، لرصيف22، أن المرأة تدخل السجن إذا أخطأت خطأ بسيطاً، ويحكم عليها بالمؤبد، لأن أسرتها لن تخرجها منه، وإذا حصل، فقد تتعرض للقتل. "ما يحدث شبيه بوأد البنات في الجاهلية"، تضيف لرصيف22. وتقول أن هناك قضايا تُتهم فيها النساء ظلماً، وتضيف: "في حالات كثيرة تكون المرأة بريئة، وتكون التهمة كيدية من الولي الذي يسهل عليه اتهامها بالعقوق أو التغيب عن المنزل".حلول وسط
حاولت جمعية حقوق الإنسان الوصول إلى حل مقبول، بالدعوة إلى إيجاد مكان لائق للسجينات بعيداً من السجن، من خلال المطالبة ببيوت خاصة لهنّ، لا تقيد فيها حركتهن. ويؤكد خالد الفاخري نائب رئيس الجمعية أنهم تقدموا بهذا الاقتراح كحل وسط، لأن إبقاء السجينة في السجن بعد انتهاء محكوميتها لرفض ولي أمرها استلامها، إجراء ليس نظامياً، وفيه هدر لحقوقها وحريتها. ويقول لرصيف22: "لا بد أن تخرج المرأة من السجن فور انتهاء محكوميتها، تماماً كالرجل. ولكن، لأن هناك مَن يتحجج بأنه لن يكون لها مكان تعيش فيه أو دخل مادي يعينها". وهي مشكلة في المجتمع السعودي، إذ يصبح من الصعب على المرأة السكن بمفردها والعمل وإعالة نفسها بعد قضاء فترة السجن إن لم تقبلها عائلتها. ولهذا قدم الفاخري حلّاً يقضي بتجهيز دور خاصة لا تقيد فيها حريتها، وتمكنها من العمل والعيش فيها، تكون سكناً، لا سجناً آخر. وبذلك لّا تكون موافقة ولي الأمر شرطاً للخروج من السجن، ويكون مكوث المرأة في الدار خيارياً. ويضيف: "السجون هي جهات لتطبيق الحكم الشرعي. بالتالي، لا يحق لها الإبقاء على سجينة بعد أن تنهي فترة محكوميتها، بخاصة أن النظام لا ينص على موافقة ولي الأمر، ولكن هناك تعليمات وقواعد ساهمت في هذا الظلم".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...