لا يزال الله حاضراً في السياسة المصرية، إذ تحاول غالبية الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي استدعاءه لتبرير مواقفها وسياساتها.
يستدعي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الله دائماً في خطبه. يستحضر ذكره كثيراً كسلاح في المجال العام، ويتبعه مؤيدوه في "دعوته" ويشبهونه بالرسول. حتى النواب الموالون له باتوا يناقشون القوانين بعيداً عن الدستور، رافعين شعار "لسنا مع كل ما يُخالف الله"، في مشهد يستعيد احتكار الإخوان المسلمين للدين من قبلهم.
استدعاء السيسي لله: سلاح لتبرير سياساته
في لقاء مع وفد من الطرق الصوفية عام 2014، استدعى عبد الفتاح السيسي، وكان آنذاك مرشحاً للرئاسة، الله في حديثه عن الإطاحة بحكم تنظيم الإخوان المسلمين، وقال: "الجيش حمى الإسلام في مصر. يا رب يكون لنا أجر في هذا العمل. كان صعب عليّ أرى الناس بتتألم وخايفة إن الدنيا تتخرّب في مصر وأسكت، يا رب يكون ده عمل يرضي ربنا، ويجعل فيه الخير كله". قائد الجيش السابق الذي حظي بتأييد شرائح واسعة من القوى المدنية من أجل الإطاحة بـ"حكم المرشد" هو أيضاً دائم الاستعانة بالله لشرعنة مواقفه وسياساته التي ينتهجها منذ ظهوره في المشهد السياسي عام 2013، حتى بات جزءاً من خطاب سبق أن اعتاد المصريون سماعه من التيار الإسلامي. وضع السيسي العمامة فوق رأسه لاستكمال سياسات الدولة التي ترغب دائماً في احتلال موقع "إمام المسلمين"، وفق الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عمرو عزت. يقول عزت لرصيف22: "استدعاء السيسي لله، وخطابه حول مسؤوليته عن الدين ليس الأول من نوعه، إذ يستكمل سياسات الدولة في العهد الحديث. فالدولة المصرية تعتبر نفسها مسؤولة عن إدارة شؤون المسلمين السُنة، وتحتل موقع إمام المسلمين دينياً وسياسياً، تحتكر الإسلام، وتُقيّد ممارسته في حدود ما تراه صحيح الدين". ويُضيف عزت أن خطاب السيسي "جزء من دين الشعب الممزوج بالصوفية أحياناً والخرافة والوطنية. فالمصريون يرون دائماً أن الله معهم، وبلادهم محروسة من ربنا، وكثرة الدعاء وسيلة للوصول إلى الهدف". ويكاد لا يخلو حديث للسيسي من استدعاء الله في خطبه ومقابلاته التلفزيونية، مرة يُناجي الله: "يا رب أنت عالم بينا ومُطلع علينا، وناس كتير عشمانة فيك، ربنا هيساعدنا"، ومرة أخرى يطلب مساعدته: "يا رب إحنا ظروفنا صعبة، ويا رب حضرتك تساعدنا". وفي حوار تلفزيوني مع عدد من الإعلاميين المصريين، قال: "عايز أقابل ربنا وهو راضي عني، وأقف قدامه وهو فرحان بيّ، وهو إللي هيساعدني عشان أعمل ده". وفي وقت لم تعترف دول غربية عدة بشرعية نظام 3 يوليو، وانقسم المجتمع المصري، عاد السيسي إلى الدين، وألمح إلى وجود تأييد إلهي لعزل الإخوان، حينما قال: "أوعوا تقلقوا ولا تخافوا، ربنا معانا، واللي هيسمكم مش هنخليه على وش الأرض".كل مَن يصل إلى السلطة في مصر يحتكر مفهوماً معيّناً للدين، ويسعى إلى فرضه على المجتمع
السياسيون يحاولون السيطرة على الدين، ويستدعون ذكر الله لاستخدامه سلاحاً في المجال العام، وتوجيهه في إطار يتناغم مع تصوراتهم
الإخوان المسلمون... استدعاء الله للبقاء في السلطة
لا يختلف السيسي عن تنظيم الإخوان المسلمين الذي يحلم بالخلافة الإسلامية منذ تأسيسه على يد حسن البنا، في عشرينيات القرن الماضي، والذي اعتبر أن الله انتدبه لإعادة الخلافة بعد وفاة الرسول والصحابة، وكأن الدين لا يكتمل بغير عمله، وفق الباحث في شؤون التيار الإسلامي أحمد بان. كان الله حاضراً في خطاب التنظيم، في مختلف الأزمنة، وفي فترة صعوده إلى السلطة لمدة عام (يونيو 2012 – يونيو 2013)، كان الرئيس محمد مرسي يستدعي الله في خطاباته وأحاديثه الصحافية والتلفزيونية. في خطاب تلفزيوني بذكرى ثورة 25 يناير 2013، استدعى مرسي الله، في حديثه عن ضرورة الحفاظ على مكتسبات الثورة، ورفضه سرقتها من قوى، لم يسمّها، وقال: "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"، ثم زاد على ذلك: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة". وفي خطابه الشهير باستاد القاهرة، في مؤتمر "نصرة سوريا"، استدعى الرئيس الإخواني القرآن الكريم من أجل الدعوة للقتال ضد بشار الأسد. وقال: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير"، في محاولة لتبرير مواقفه تجاه النظام السوري. كان خطاب مرسي السياسي دينياً مكتملاً، الله والقرآن والأحاديث حاضرة في رسائله، يطمئن الشعب السوري بكلمات مثل "الله معك". وحاول في خطابه بمناسبة مرور سنة على حكمه في يونيو 2013، استعطاف الشعب والمعارضة التي قررت الخروج ضده، بكلمات: "إحنا قعدنا عشرات السنين في مصر بنحلم متى يا رب، وكيف يا رب؟ ولما ربنا أذن بالثورة كان ما كان بفضل الله". بعد سقوط حكم التنظيم في يوليو 2013، استدعى أنصاره الله في اعتصام رابعة العدوية، للإيحاء بأن الله معهم وليس مع السيسي. من على منصة الاعتصام، قال أحد قادة التنظيم إن بعض الصالحين في المدينة المنورة "يقولون إنهم شاهدوا جبريل عليه السلام داخلاً إلى مسجد رابعة العدوية ليثبت المصلين"، وإنهم أيضاً رأوا مجلساً فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، والرئيس مرسي والحضور، "فحان وقت الصلاة، فقدّم الناس الرسول ولكن الرسول قدّم مرسي". قيادات وحلفاء الإخوان المسلمين يقفون في وجه السيسي ليس باعتباره فقط مَن أطاح مرسي، ولكن يستدعون الله في معارضته، من خلال تصريحات مثل "السيسي يحارب الله والإسلام، ويغلق المساجد، ويمتنع عن تطبيق الشريعة".نواب السيسي على خطى الإخوان
ليس السيسي فقط مَن يستدعي الله في العمل السياسي. نوابه أيضاً يفعلون ذلك. يتجاهلون الدستور، ويعارضون مقترحات تحت شعار "مخالفة تعاليم الله". ففي تعليق على دعوة الرئيس التونسي للسماح للمرأة بالتساوي مع الرجل في الميراث، والسماح للمسلمة بالزواج من غير مسلم، قالت النائبة فايقة فهيم، إن تونس "تطبق ديناً جديداً، وما يحدث هناك مخالف لتعاليم الله". في مسائل عدة، تظهر النزعة الدينية لنواب البرلمان. في نقاش حول مقترح مقدم من أحد النواب حول تطليق المرأة لنفسها، انتفض برلمانيون ضد المقترح بدعوى أنه "مخالف لتعاليم الله التي أنزلها في شريعته"، وفق النائب علي عبد الونيس، دون اللجوء إلى الدستور المصري المستفتى عليه في يناير 2014.المؤيدون: السيسي مُرسل من الله
مؤيدو السيسي يلجأون إلى الدين أيضاً لتبرير سياساته، وتفنيد حديث معارضيه. سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، شبّهه، في احتفالية تكريم أسر شهداء الشرطة بتاريخ 6 فبراير 2014، بـ"رسول أرسله الله". وقال الهلالي: "ابتعث الله رجلين (السيسي ووزير الداخلية محمد إبراهيم)، كما ابتعث وأرسل من قبل موسى وهارون، وأرسل رجلين ما كان لأحد من المصريين أن يتخيل أن هؤلاء من رسل الله، وما يعلم جنود ربك إلا هو". وقال رئيس الحزب الدستوري الحر ممدوح قناوي إن السيسي منذ أن كان نطفة في رحم أمه من أصحاب الرسالات، والعناية الإلهية أرسلته ليقوم بدور في الحرب على الإرهاب، وذلك في مؤتمر صحافي عام 2015.السيسي والإخوان وجهان لعملة واحدة
يرى أستاذ العلوم السياسية بكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز الأمريكية خليل العناني، أن السيسي والإخوان وجهان لعملة واحدة، موضحاً أن كليهما يستخدمان الدين، ويستدعيان الله في الخطب لتبرير السياسيات والمواقف. ويضيف: "السيسي والإخوان خلفيتهما دينية، وكل طرف يحاول السيطرة على الدين، واستدعاء الله، لاستخدامه كسلاح في المجال العام، وتوجيهه في إطار يتناغم مع فهمه وتصوراته". ويشير إلى أن كل مَن يصل إلى السلطة في مصر يحتكر مفهوماً معيّناً للدين، ويسعى إلى فرضه على المجتمع.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع