تصطدم السلطة الأبوية أحياناً بطموح الفتيات. وأحياناً يؤدي تسلط الأب وتحكمه في سلوك ابنته ودراستها، ثمّ عملها، إلى رسم مستقبل مهني فاشل لها، وحياة بائسة، ما يعرضها لمعاناة كبيرة. كما يفضي أسلوب التعامل الذكوري الذي ينتهجه بعض الآباء في المجتمعات العربية، إلى التأثير سلباً على الصحة النفسية والجسدية لبناتهم. فالأب هو الحلقة الأقوى في دائرة الأسرة الاجتماعية، وله دور كبير في بناء شخصية الفتاة. بالطبع هنالك أباء متفهمون لوضع بناتهم، ويمنحونهن القدر اللازم من حرية الاختيار، ومع هذا نرى نسبةً كبيرةً من الآباء المتسلطين، منهم من تحركه العاطفة الأبوية، فيضرّ بابنته وهو يتخيل أنه يفعل الصالح لها، ومنهم من تحركه دوافع سلطوية ذكورية بحتة، وفي الحالتين تبقى الابنة هي الخاسرة الكبرى.
فليسقط الطموح
انتظرت يوماً بأكمله - بعد أشهر من التدريب - أبحث عن خبر صغير يحمل اسمي للمرة الأولى على إحدى البوابات الإلكترونية لواحدة من الصحف المصرية. وحانت اللحظة التي رأيت فيها الخبر المنشود، فأسرعت إلى والدي لأُريه إنجازي الكبير، فإذا به ينظر نظرة مقتضبة، ويجيب بهزة رأس، "كويس"، ثمّ يدير وجهه بعيداً. هنا أيقنت أن مثلي الأعلى وأهم رجل في حياتي، لا تهمه طموحاتي أو على الأرجح يقلل من أهميتها، وربما هذا أمر طبيعي. ففكرة عملي كانت مرفوضة من أساسها، ثم تمّت الموافقة عليها بعد إلحاحي، على اعتبار أنها ستكون فترة مؤقتة ثم أترك هذا العمل. وأذكر جيداً كمّ الفرص المهنية المعقولة التي أضاعها علي تحكم أبي، بسبب رفض سفري إلى خارج البلاد أو عملي حتى ساعات متأخرة، وبعدما انخرطت في العمل الصحفي، كثيراً ما كنت أسمع داخل منزلي جُملة "خليها تضيع وقت في الشغل ده لحد ما تتجوز"، وحتى الآن لا أفهم كيف تحوّل شغفي وحلم حياتي وطموحي إلى "تضييع وقت".
"ما الذي يجعل الفتاة طموحة؟"
توضح دراسة بعنوان "ما الذي يجعل الفتاة طموحة؟" أن الأمر يبدأ من التنشئة السليمة، وأن الأباء الذين يقومون بالأعمال المنزلية مناصفةً مع زوجاتهم تكون فتياتهم طموحات جداً ومتطلعات لوظائف أكثر ربحاً. كما تلفت الدراسة إلى أن تحقيق المساواة بين الجنسين في المنزل، قد يكون وسيلةً لإلهام الشابات لوضع معالم مستقبلهن المهني الذي يعتمد على استبعاد الوظائف التقليدية. والآباء الذين لا يساهمون في أعمال المنزل ويتركون الأمر برمته للأمهات، ترغب بناتهم في الجلوس بالمنزل لمراعاة الأطفال، على خلاف المنغمسين في الواجبات المنزلية، الذين ترغب بناتهم في امتهان وظائف. وخلصت الدراسة إلى أن الفتيات يراقبن الوضع المحيط بهن منذ الصغر في صمت، وهن بذلك عرضةً لأن يضطلعن بأدوار إضافية غير تقليدية في المستقبل. تقول الاختصاصية في علم النفس العيادي والتحليل النفسي، والمساهمة في موقع رصيف22 ستيفاني غانم، إنه من المهم جداً أن تنمو الفتاة بشكل سليم، وهذا يحدث من خلال شعورها بالأمان والحماية وتكريس التزام الحدود، الذي يؤمنه لها الأب. الأهم هو العلاقة الأولى التي تراها الفتاة في منزلها من خلال التعامل بين والدها ووالدتها، فإن كانت الأم ضحية تسلط الأب فستتأثر الفتاة بشكل سلبي أيضاً، حتى وإن كان أبوها يعاملها جيداً.هل التمرد على الآباء المتسلطين هو السبيل للنجاح؟
جارتي في المرحلة الثانوية، وتريد العمل في المجال السياحي، ولكن والدها يرفض هذه المهنة، ويجبرها أن تلتحق بكلية بديلة، بل يدفع بها إلى مجال دراسي بعيد تماماً عما تطمح إليه، وهو دراسة اللغة العربية، لتُصبح مُعلمة في ما بعد، فهذه المهنة مواعيدها صباحية والاختلاط فيها يكون بأطفال صغار، لذلك فهي مناسبة أكثر بالنسبة له وليس للفتاة بالطبع. تخبرني إحدى زميلات العمل أن سر نجاحها هو عدم الإذعان لتسلط والدها، فهي ابنة الريف، والدارج أن أقصى ما يمكنها تحقيقه هو شهادة جماعية مُعلّقة على الجدران يفتخر بها أبوها. فتقول: "قررت أن أترك منزلي الريفي وآتي إلى القاهرة لأتعلم لغات أجنبية وأعمل في الوقت نفسه لأحقق طموحي، وحين أخبرت أبي بذلك وبّخني وقال لي تريدين أن أتركك تتسرمحي!". لذا أدركت أنه لا سبيل لتحقيق ذاتي سوى بكسر قيود أبي، والهرب من المنزل وترك المحافظة، والتركيز فقط على عملي. تحكي صديقة في بداية الثلاثين، عن تأخر التحاقها بسُلم العمل، بسبب رضوخها لسلطة والدها، الذي جعلها تجلس حبيسة المنزل سنوات بعد إنهاء تعليمها الجامعي، منتظرة الزواج. تقول: "بقيت أحبس رغبتي الحقيقية في العمل، حتى قررت التمرد والبدء من جديد بعد تخرجي بسبع سنوات". لا يوجد أب سيىء بالمطلق أو جيد بالمطلق، كل أب لديه حسناته وسيئاته. تقول ستيفاني غانم، موضحةً أن بعض الفتيات يهربن ويصبحن ضحايا رجل آخر، ومنهن من يخترن البقاء تحت سلطة الأب، وأن الأمر يكمن في التعويض الذي يعتبر أساس البنية البشرية، فلكل شخص طريقته في التعويض بشكل أو بأخر.كيف يؤثر الآباء على بناتهم في مرحلة البلوغ؟
بخلاف المُتعارف عليه بأن نموذج الأب الإيجابي هام جداً للأبناء الذكور في مرحلة البلوغ، تشير أبحاث أخيرة إلى أن الآباء يؤثرون على بناتهم الشابات بشكل كبير أثناء بلوغهن، والعلاقة بينهما تؤثر على أداء الفتاة في جميع مناحي الحياة.وخلصت تلك الأبحاث إلى أن الفتيات اللاتي يشاركهن أباؤهن في الاهتمامات، في جميع مراحل الطفولة، يعزز ذلك تفوقهن الأكاديمي ويشجعهن على الاعتماد على الذات والالتحاق بوظائف عُليا وتحقيق ربح مادي، وتقول تلك الأبحاث إن الآباء هم من يساعد الفتيات على أن يصبحن عنيدات، ومنضبطات، وطموحات، وناجحات.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحلو نعرف ان كان اسلوب البرنامج ينجح في خلق نقاش حقيقي حول قضايا حقوق المرأة...
Chrystine Mhanna -
منذ أسبوعصعب يا شربل.. معظم الناس لا يتحدثون صراحة عن تجاربهم الجنسية/الطبيّة وهذا ما يجعل من هذا الملف ضروري
Ahmed Gamal -
منذ أسبوعتقديم جميل للكتابين، متحمس اقرأهم جداً بسبب المقال :"))
Kareem Sakka -
منذ أسبوعما وصلت جمانة لهون الا بعد سنين من المحاولة بلغة ألطف..
Charbel Khoury -
منذ أسبوعموضوع مهم، وغير مسلط الضوء عليه كثراً في المواقع المستقلة.
يا ليت استطعنا قراءة تجارب أكثر.
Farah Alsa'di -
منذ أسبوعبحب كتابات جمانة حداد بالعادة، بس مرات بحس أنه اعتمادها الأسلوب الاستفزازي ما بحقق الهدف اللي هي بتكتب عشانه