لا تخلو غالبية العمليات الإرهابية من صرخة "الله أكبر". وفي آخر الاستخدامات، صاح بها، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر، مرتكب جريمة كنيسة نوتردام في مدينة نيس الفرنسية. رددها الشاب "إبراهيم" البالغ من العمر 21 سنة قبل أن يقتل ثلاثة أشخاص، بينهم امرأة قَطَع رأسها، ويصيب آخرين.
صارت هذه العبارة جزءاً أساسياً في الأناشيد الجهادية للتحفيز على القتال، وتُردد كذلك خلال إقامة "الحدود" من قبل الإرهابيين بحق مخالفيهم. اقترنت هذه الصيحة الإسلامية أكثر وأكثر بالإرهاب، وصار ترديدها في مكان عام يثير الاستغراب ويدعو إلى الخوف، وقد يتسبب بدخول السجن.
من أين بدأت هذه العبارة وكيف استُخدمت في فترات مختلفة حتى ارتبطت بالإرهاب؟
تعتمد العناصر الإرهابية في استخدامها لـ"الله أكبر" عند تنفيذ عملياتها على الفتوى رقم 230 الموجودة في كتاب ابن تيمية "مجموع الفتاوى"، وفيها: "التكبير يشرع لدفع العدو من شياطين الإنس والجن والنار التي هي عدو لنا"، معتمداً على ما أورده البخاري في باب التكبير عند الحرب، ويضيف في الفتوى نفسها "التكبير مشروع في المواضع الكبار، لكثرة الجمع، أو لعظمة الفعل، أو لقوة الحال".
تاريخ العبارة
استُخدمت عبارة "الله أكبر" في مواقف كثيرة، واختلفت كتب التفسير في تعيين أول القائلين بها. هناك مَن ذكر أنها قيلت لأول مرة على لسان جبريل فرحاً بعد فداء إسماعيل بكبش من السماء، إذ ردد "الله أكبر" وكررها بعده إسماعيل "لا إله إلا الله. الله أكبر"، ثم قال النبي إبراهيم "الله أكبر ولله الحمد"، كما ورد في كتاب "نزهة المجالس ومنتخب النفائس" لعبد الرحمن الصفوري.ولذلك تردد هذه العبارة حتى الآن في عيد الأضحى.
وتذكر مصادر عدة أن العرب قبل الإسلام كانوا يشيرون بها لتعظيم آلهتهم، فكان لديهم الآلهة الكبرى والصغرى. يقول أوس بن حجر في شعره مقسماً بها: "وباللات والعزى ومَن دان دينها وبالله إن الله منهن أكبر"، في إشارة إلى تعظيم هبل الأكبر عندهم.
واستخدمها الرسول بأمر من ربه لما نزلت عليه آية "قم فأنذر وربك فكبر" فقام الرسول وقال "الله أكبر" وكبّرت خديجة من بعده.
وقال ابن العربي إن المراد بها التكبير والتنزيه لخلع الأنداد والأصنام دون الله، كما ورد في تفسير القرطبي. وقال المفسرون إنها أول ما نزل على الرسول، ثم استُخدمت في الصلاة. فقد كان المسلمون في البداية يعلنون موعد الصلاة بأن يمر عبد الله بن زيد بناقوس كالذي كان يستخدمه المسيحيون، ثم جاءه في الحلم رجل وعلّمه الأذان ولما قص ذلك على الرسول أمره بإخبار بلال الحبشي، لكي يستخدمه الأخير باعتباره رؤيا حق، وكان أول ما فيه "الله أكبر".
سماعها في مكان عام يخيف البعض ودول اتخذت إجراءات ضد مَن يرددها.. كيف صارت صيحة الله أكبر مرتبطة بالإرهاب؟
"الله أكبر" في الغزوات
استُخدمت العبارة بمعنى الشكر لله: "وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"، واستخدمها الرسول للتقرب من الله، فقال: "الله أكبر ما قالها أصحاب موسى". كما استُخدمت في البشارة في غزوة الخندق لمّا عجز الصحابة عن تحطيم صخرة وقفت في طريقهم. ويُروى أنه أمام هذا المأزق، أخذ الرسول المعول وضرب الصخرة فتحطمت فقال لهم "الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس".وأول مرة استخدمت فيها هذه العبارة في الحرب كان في غزوات الرسول، إذ روت كتب التفسير أن الرسول استخدمها في غزوات بدر وخيبر. ومنها حثّ البخاري على استخدامها في الحرب، فورد في باب "التكبير عند الحرب" أنها استخدمت في غزوة بدر عندما صرخ أبو سفيان بن حرب "اعل هبل" فأمر الرسول المسلمين أن يردوا عليه بـ"الله أعلى وأجل".
وفي خيبر، قال الرسول لما نزل بها "الله أكبر خربت خيبر".
واستخدمها الصحابة من بعد ذلك في معاركهم لتحميس الجنود، كسعد بن أبي وقاص في موقعة القادسية عام 14هـ، عندما كبّر 4 مرات قبل الهجوم على الفرس بجيش المسلمين. والنعمان بن مقرن في النهاوند عام 21 هـ.
وبعد مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب سنة 61 هجري قال أبو الحاكم عبد الله النيسابوري:
جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد/ متزملاً بدمائه تزميلا فكأنما بك يا ابن بنت محمد/ قتلوا جهاراً عامدين رسولا قتلوك عطشاناً ولم يترقبوا/ في قتلك التنزيل والتأويلا ويكبّرون بأن قتلت وإنما/ قتلوا بك التكبير والتهليلا.
واستخدمها أبو بكر الصولي أحد كبار شعراء البصرة في مدحه للذبح:
صلِّ يا ذا العلا لربك وانحرْ/ كل ضِدٍّ وشانِئٍ لك أبترْ أنت أعلى من أن تكون أضا/ حيك قروناً من الجِمال تُعَفَّرْ بل قروناً من الملوك ذوو السؤ/ دد تيجانهم أمامك تُنثرْ كلما خر ساجداً لك رأس/ منهمُ قال سيفك: الله أكبرْ.
واستخدمها حسان بن ثابت في قصيدة رثى فيه عثمان بن عفان منبئاً بالثأر من قاتليه:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به/ يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا لتسمعن وشيكاً في ديارهم/ الله أكبر يا ثارات عثمانا.
كيف بدأ استخدام عبارة "الله أكبر"، وكيف وظفت هذه العبارة السلمية تاريخياً حتى ارتبطت بالإرهاب؟
كذلك، رُددت العبارة في مواقف مختلفة عند الفرح أو الشعور بالحزن أو السعادة بجانب استخدامها في العبادات المختلفة.
ويشرح علي بن أبي طالب معاني كثيرة لعبارة "الله أكبر" فهي بمعنى أن الله هو الباقي وكل شيء دونه فانٍ، وهو القادر على كل شيء ولا يعجل بالعقوبة كرماً وصفحاً وحلماً، كما جاء في كتاب التوحيد لعلي بن بابويه القمي.
الربط بالإرهاب
في الدول الغربية، بات لهذه العبارة مدلول ذو صلة بأعمال القتل والإرهاب. ففي مقابلة لها مع CNN، تحدثت المرشحة السابقة في انتخابات رئاسة الولايات المتحدة، هيلاري كلينتون، عن عبارة "الله أكبر" وقالت إنها مرتبطة بالعنف لدى الجماعات الإرهابية. وأشارت إلى وثيقة من أربع صفحات عثر عليها في حقيبة محمد عطا المشتبه به في تخطيط وتنفيذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، ووُجدت فيها نصيحة: "ويجب أن تصيح بـ'الله أكبر' لأنها تدب الرعب في قلوب الكافرين".في وثيقة عثر عليها في حقيبة أحد المشتبه بهم في تخطيط وتنفيذ هجمات 11 سبتمبر، نصيحة تقول: "ويجب أن تصيح بـ’الله أكبر’ لأنها تدب الرعب في قلوب الكافرين"
اليوم، مَن يسمع عبارة "الله أكبر" يستدعي فكرة الإرهاب. في تموز/ يوليو 2016 على متن رحلة طيران أقلعت من برمنغهام البريطانية متوجهة إلى دبي، ألقي القبض على مسافر باكستاني وحكم عليه بالسجن 10 أسابيع ووضع تحت المراقبة 12 أسبوعاً، بعد ترداده "الله أكبر" على متن الطائرة لتسببه بالذعر للركاب.
حتى أن الشرطة البريطانية استخدمتها في تدريب عناصرها على مكافحة الإرهاب، عندما ردد الإرهابي الزائف "الله أكبر"، قبل أن تضطر للاعتذار في ما بعد. وكانت الشرطة البريطانية قد أشارت إلى أن عبارة "الله أكبر" يستخدمها الإرهابيون أثناء القيام بعملياتهم الإرهابية في تحقيقاتها بشأن تهديدات تلقتها الكنيسة السينتولوجية في تموز/ يوليو 2016.
حتى أن الشرطة البريطانية استخدمتها في تدريب عناصرها على مكافحة الإرهاب، عندما ردد الإرهابي الزائف "الله أكبر"، قبل أن تضطر للاعتذار في ما بعد. وكانت الشرطة البريطانية قد أشارت إلى أن عبارة "الله أكبر" يستخدمها الإرهابيون أثناء القيام بعملياتهم الإرهابية في تحقيقاتها بشأن تهديدات تلقتها الكنيسة السينتولوجية في تموز/ يوليو 2016.
وهنالك دول اتخذت إجراءات ضد مَن يرددها مثل فرنسا. ففي مدينة مرسيليا، ألقي القبض على رجل في تموز/ يوليو 2017، صرخ "الله أكبر" عبر مكبر صوت من على القارب، وحكم عليه بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ وغرامة مالية مقدارها خمسة الآف يورو.
عدا الأعمال الإرهابية، هنالك تصرفات جعلت العبارة مرادفة لعدم تقبل الآخر. في برمينغهام، في تموز/ يوليو 2016 أيضاً، قُبض على رجل في العقد الرابع من عمره صرخ في وجه سيدة بـ"الله أكبر" مستنكراً الملابس التي ترتديها، فاقتربت منه الشرطة فردد في وجه عناصرها "الله أكبر"، فحُكم عليه بالخدمة العامة 24 شهراً. وفي ألمانيا، هاجم متشددون نادياً للعراة، في تموز/ يوليو 2016، صائحين "الله أكبر".
يدافع الدكتور محمد عبد العاطي، رئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، عن العبارة، موضحاً أن لها استخدامات أخرى غير استخدامها في الحروب والغزوات، فهي تُستخدم في الذكر والصلاة واليقظة والنوم وفي كل وقت.
لكنه يشير إلى أن الاستخدام السيئ لها ساهم في تحريفها وإلصاقها بالإرهاب، في حين استخدمها الرسول في غزواته لتعني "إعلاء شأن الإله عما يمتلكه الأعداء من قوة وعتاد، فالله أعلى وأجل".
وأضاف عبدالعاطي لرصيف22: "وُصمت العبارة بالإرهاب لكثرة استخدامها في الأعمال الإرهابية وإقامة الحدود لدى الإرهابيين"، معتبراً أنهم يقومون بذلك لـ"إلباس الضلال ثوب الحق من قبلهم، وللقول إن أعمالهم تتم باسم الله ولرفع شأن الإسلام، مشوهةً المعنى الذي تنشده العبارة".
ووصف استخدامها خلال الأعمال الإرهابية بالتصرف "السيئ والحقير"، فبرأيه، "العبارة سلمية ولا تحمل أي معنى إرهابي".
وأشار رئيس قسم الدراسات الإسلامية أنه حتى عبر العصور السابقة، لمّا استخدمها مسلمون ضد مسلمين، كان ذلك بغرض إلباس الضلال ثوب الحق أيضاً كما يحدث الآن. ولفت إلى أن الفتاوى التي تؤكد على ضرورة استخدامها في الحدود اجتهادات، فالإنسان يخطئ ويصيب، في إشارة إلى فتوى ابن تيمية.
لكن رغم ذلك تقترن الكثير من أخبار العمليات الإرهابية بعبارة الله أكبر لدى تناول الصحف العالمية لها، إذ يتم تبيان الصلة في العناوين والمتون المتعلقة بها من قبيل "طعنهم وهو يردد الله أكبر" أو "دهسهم وهو يردد الله أكبر" أو "صاح الله أكبر قبل هجومه على...". حتى أنها أصبحت مادة دسمة لصانعي الفيديوهات القصيرة الساخرة من الأعمال الإرهابية. ودخلت أيضاً في ألعاب الفيديو.
*نُشر هذا الموضوع في 6/11/2017 وجرى تعديله في 29/10/2020.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 4 ساعاتتم
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.