شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الألمانية لغة النازية والعربية لغة الإرهاب… عن

الألمانية لغة النازية والعربية لغة الإرهاب… عن "اللغات المجرّمة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 1 نوفمبر 201905:42 م

كانت ثيمة أيام الأدب العربي -الألماني في 25 و26 تشرين الأول/ أكتوبر لهذا العام هي "اللغات المجرّمة."

ثيمة جديدة لم يتم التطرق لها من قبل، بحسب أحد منظمي المهرجان رامي العاشق، وهي منطلقة من فكرة أن التعامل مع اللغة العربية يتم على أساس أنها "لغة الإرهاب".

وفي المقلب الآخر، تم اعتبار اللغة الألمانية لغة النازية بعد الحرب العالمية الثانية. لكن اللغة، يتابع العاشق في حديث لرصيف22، هي حامل ثقافي وجمالي وليست مرتبطة بممارسات البعض ولا يجوز الخلط بين الاثنين.

تجريم اللغة العربية الآن ليس مقونناً في الغرب ولكنه ليس مستبعداً برأي العاشق، ففي الصين مثلاً اللغة العربية مُجرّمة تماماً إذ تمنع اللافتات بالعربية. أما في فلسطين، فهناك عملية تجريم حقيقي للغة العربية أضاء عليها في كلمة الافتتاح، الرئيس الفخري للمهرجان في دورته الحالية، الشاعر الفلسطيني غسان زقطان، إذ أكد في كلمة الافتتاح أن اللغة العربية تبدو نموذجاً للغة المجرّمة.

إنها النسخة الثانية من المهرجان الذي قام بتنظيمه رامي العاشق مع ليليان بيتان وإينيس كابرت، ويُقام في مقر "بيناتنا"، المكتبة العربية الأولى في برلين. ويقول رامي العاشق إن المهرجان يشكل حالة فريدة جديدة حيث الثقافة العربية ليست ضيفة بل أصيلة، وعلى مستوى من الندية مع اللغة الألمانية.

كان الحضور والمشاركون والمنظمون من اللغتين العربية والألمانية، كل الندوات والقراءات كانت مترجمة فورياً من الألمانية إلى العربية وبالعكس. على مدى يومين، استضاف المهرجان أكثر من 25 مشاركاً، ما بين كتّاب، شعراء، مترجمين، فنانين، وموسيقيين.

"تحطيم اللغة هو تهديد للبشرية"

افتتح غسان زقطان المهرجان، مشيراً إلى أن موضوع اللغات المجرّمة عابر للزمن ومركب، وغالباً ما ارتبط بانكسارات الإنسان وخساراته والشعوب المغلوبة، وأضاف: "بقدر ما يبدو هذا القول المبكر قاسياً هو حقيقي، فتحطيم لغة، أي لغة، هو تهديد لجزء من عقد البشرية وذاكرتها. والتاريخ البشري مليء باللغات التي تعرّضت للهدم والإقصاء والنفي، أو تلك التي جرى إغراقها بالشكوك ودفعها نحو الظلام".


يعطي زقطان مثالاً على كيفية تحويل الاحتلال الإسرائيلي وجنوده الجسد العربي ولغته إلى موضوع شك وريبة، فهم يجردون الإنسان من مقتنياته ولغته أيضاً، إذ يصرّ الجنود على مخاطبته بعبرية لا يفهمها، بينما يجري انتقاء عدد محدد من الكلمات المنطوقة بالعربية لتوجيه الأوامر كـ "تعال" و"اجلس" و"هناك"، ويتابع: "فتتحول الكلمات العربية لمهانة، فدون أدوات الوصل التي تمنح اللغة العربية تلك المسحة الأخلاقية، تصبح وسيلة اضطهاد قاسية ومتغطرسة بحيث تبدو، تحت ضغط اللكنة الأوروبية غالباً والمصحوبة بلهجة التسلط والترفع، بدائية وأشد قسوة. القسوة قادمة أيضاً من النظر بعدائية إلى اللغة نفسها وليست إلى الشخص العربي فقط، إنها الكراهية التي تغذت جيداً على المخيلة الاستشراقية".

ويضيف: "وتحولت عبر قرن من المواجهة والتجاهل إلى عنصرية مضمرة، ثم إلى برامج سياسية، وأخيراً إلى منظومة نصوص قانونية".

تضمن أيام الأدب العربي الألماني ندوة ونقاش عن ترجمة الأدب بين اللغتين العربية والألمانية، حيث سأل مدير الحوار الكاتب والمترجم شتيفان فايدنير المترجمين الثلاثة المشاركين في الندوة، وهم أحمد فاروق، ساندرا هيتزل وليلى شمّاع، عن كيفية مجيئهم إلى مهنة الترجمة الأدبية من الألمانية إلى العربية وبالعكس، وعن بداياتهم والصعوبات التي تواجههم كمترجمين، وعن التعامل مع دور النشر وعن المردود المادي إن كان كافياً ليعيشوا من هذه المهنة أم لا؟

رغم مجيئهم للترجمة الأدبية من مشارب مختلفة، أجمع المتحاورون على أن مهنة الترجمة الأدبية هي مهنة شاقة، ولا تكفي مادياً لتأمين متطلبات العيش الأساسية.

المترجم والصحافي المصري أحمد فاروق جاء لمهنة الترجمة بالطريقة الكلاسيكية، فهو درس الترجمة في جامعة القاهرة واختار قسم اللغة الألمانية منذ البداية، وقد انبهر بأعمال كافكا واقترح على دور النشر ترجمتها بنفسه. في البداية عمل كمترجم في مؤسسة حكومية لجمع المعلومات في مصر، لكنه مكان سيء على حد تعبيره، فسافر إلى ألمانيا في العام 1996 وبقي فيها إلى اليوم.

بالنسبة لساندرا هيتزيل، فقد وصلت إلى الترجمة بالصدفة، فقد أرادت أن تكون فنانة ودرست الفنون في إيطاليا، وجاءت إلى الترجمة لأن أحد أصدقائها مترجم وشجعها.

أما ليلى الشماع فجاءت لمهنة الترجمة من حقل التربية بسبب أحد أصدقائها أيضاً، لكن الترجمة بالنسبة لها ليست مهنة فقط بل فن وإدمان. لكنها ليست كافية للعيش، ولهذا فالمترجم الأدبي بحاجة لشغل آخر كي يعيش. وهنا عقّب شتيفان فايدنير قائلاً إن الترجمة الأدبية تختلف عن مهنة الترجمة الرسمية في المحاكم والمؤتمرات مثلاً، والتي تدرّ مدخولاً أكبر، فمترجمو الأدب هم نساء ورجال عصاميون صنعوا أنفسهم بأنفسهم، خاصّة إن كانوا يترجمون لغات مجرّمة.

"التاريخ البشري مليء باللغات التي تعرّضت للهدم والإقصاء والنفي أو تلك التي جرى إغراقها بالشكوك ودفعها نحو الظلام"

تتبّعت اللغة العربية قوارب اللاجئين عبر المتوسط، الذي وصلوا إلى الضفة الأخرى وهم يحملون علامتهم ولون بشرتهم الغامق وإشارات تفكك دول المركز العربي... فكيف استقبلتها أروبا؟ 

الأدب العربي في ألمانيا

من الحوار بين المترجمين، نستنتج أن اهتمام دور النشر الألمانية بالأدب العربي ما زال ضعيفاً، ولكن هذا الاهتمام أخذ بالتزايد بُعيد الثورات في العالم العربي منذ 2011 ولغاية اليوم.

فكيف يصل الكتاب العربي إلى دور النشر الألمانية؟ هنا تنوعت تجارب المترجمين المشاركين في الندوة. ليلى الشماع تقول إن كل الكتب التي ترجمتها كانت بمجهود شخصي منها، سواء روايات سحر خليفة وليلى البعلبكي والياس خوري، وتضيف أن التجربة شاقة جداً وكانت معظم الردود التي تتلقاها من دور النشر الألمانية سلبية. نجحت في نشر عدد قليل من الكتب ولم تستطع الوصول إلا إلى دور نشر مهتمة أساساً بالأدب العربي، وهي دور قليلة جداً وصغيرة.

أما أحمد فاروق فيقول إن أول كتابين ترجمهما كانا من اقتراحه، ولكن بعد ذلك كانت دور النشر هي التي تقترح عليه الكتب. عن حضور الأدب العربي في سوق الكتاب الألماني، تقول ليلى الشماع إنه في السنوات الأخيرة بعد الثورات العربية صار هناك اهتمام أكبر بآداب الدول العربية في ألمانيا. والأدب السوري خصوصاً صار له وجود أكبر، وصارت حركة دور النشر أكبر وأوسع. لكن ما يحزنها أنه يجب أن يكون دائماً كارثة إنسانية ما حتى يهتموا بأدب بلد ما.

تضمن المهرجان في يومه الثاني، ندوة شعرية أدار الحوار فيها الشاعر الفلسطيني السوري رامي العاشق. وقد تضمنت قراءات لتجربتين شعريتين مختلفتين من جيلين مختلفين، لكل من الشاعر الفلسطيني غسان زقطان والشاعرة الفلسطينية الشابّة جدل القاسم.

افتتح زقطان الندوة بثلاث قصائد قرأها بالعربية، وقرأتها بالألمانية بعده بالتناوب ليليان بيتان. قراءته الأولى كانت فصلاً من ديوانه الجديد "لا شامة تدل أمي عليّ" بعنوان "لا أعرف الطريق إلى حلب" تلتها قراءة "عطر على الشارع القصير المشجر"، وختم بقصيدة "ترنيمة الخيول". أما الشاعرة جدل القاسم فقرأت ثلاث قصائد هي "عادات فينيقية"، "تدارك" و"استنشاق."

أشار العاشق في ندوته إلى أن قصائد كل من غسان زقطان وجدل القاسم، واللذين يعيشان في رام الله مختلفة جداً، من حيث الأسلوب واللغة والتقنية. امتداداً لذلك، سألهما عن كيفية قولبة لغة معينة ضمن نوع أو شكل واحد.

إجابة على سؤاله، يرى زقطان أن الاختلاف في الأسلوب ميزة وظاهرة صحية على الشعر. وتابع: "فالاختلافات موجودة والأساليب متعددة ونحن من جيلين مختلفين أيضاً، فالحساسيات والمصادر أيضاً مختلفة، كل هذا يصنع أسلوب الشاعر. فجيل شعراء الستينيات والسبعينيات صعدوا بأحلامهم بحسب زقطان، مع صعود الثورة الفلسطينية، وهذا انعكس على المشهد الشعري.

وأضاف: "نحن في الثمانينيات جئنا خارج هذه الأحلام وحملنا أحلاماً خاسرة. أنا أعتبر أن جيلنا كان جيل الخسارة، لم يكن لدينا الإمكانية لنتغنى بالثورة ونقدم الخطاب السياسي، وربما لهذا ذهبنا لمناطق اليومي والتفصيلي والهامشي والفردي في شعرنا. اختلف الأسلوب تماماً حتى بين شعراء الجيل نفسه، وهنا أتكلم عن الشعر الشامي حتى أكون أكثر دقة.

فكيف يتلقى القارئ الغربي الأدب العربي؟ يقول زقطان: "هذا الموضوع مرتبط بثقافة المتلقي، سواء كوّن فكرة مسبقة عن الثقافة العربية أم لا. لا أعمم ولكن الشخص الغربي يأتي ويتوقع أن يسمع حكايات ألف ليلة وليلة، هناك جانب استشراقي في الموضوع، ولكن حتى المتلقي الغربي هو عدة مستويات.

سأل رامي العاشق إن كان الأمر سيتغير مع موجة اللجوء إلى أوروبا، وإجابة على ذلك يرى زقطان بأن جزءاً من الثقافة العربية ينتقل الآن إلى أوروبا. ويتابع: "على الأدباء العرب في أوروبا إنتاج أدبهم دون الوقوع في كمائن المغفلين، أي السعي لإرضاء الآخر، بل علينا أن نرى كيفية التفاعل مع المجتمع الجديد وما سيُنتج.

ويتابع: "عندما تقطع المتوسط تجد أن الضوء اختلف، الروائح والخضرة اختلفت والأصوات، لكن الهوية لا تزال موجودة، اللغة نفسها تحمي الهوية. دليل على ذلك هنالك ما يعرف بأدب المهجر، وهي حركة أدبية عريقة في أواخر القرن التاسع عشر، ترافقت مع موجات الهجرة من بلاد الشام جميعها… أثق باللغة العربية والثقافة العربية، فهي لغة عندها هويتها وعندها القدرة أن تقدم نفسها.

ختاماً، قال زقطان: "نجد أن اللغة العربية تتبّعت قوارب اللاجئين عبر المتوسط، الذي وصلوا إلى الضفة الأخرى وهم يحملون علامتهم ولون بشرتهم الغامق وإشارات تفكك دول المركز العربي. كل هذه عوامل دفعت باللغة العربية لتكون موضع تشكيك. لكن لا ننكر أن عملية إقصاء اللغات الأخرى وفرض لغة بعينها مارسته اللغة العربية أيضاً على الثقافات الأخرى، مثل الكردية والأمازيغية والسريانية، إلخ... عندما ألقيت عليها في التاريخ الاسلامي صفة القداسة، وهذا مرتبط بصعود القوى السياسية وانحسارها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image