على الرغم من استقبال تركيا لأعداد كبيرة من اللاجئين، فإن تعقيدات الحصول على الإقامة في أراضيها، وصعوبات العمل وممارسة المهنة، شكلت عائقاً في وجه الكثيرين منهم، لاسيما الأطباء والصيادلة والمهندسين وغيرهم من أصحاب الشهادات المختلفة، ما منعهم من العمل ضمن اختصاصاتهم.
لذا اعتبر قرار تجنيس السوريين بشكل استثنائي طوق نجاة، جدد الأمل في النفوس المتعبة، بإمكانية العمل بشكل قانوني على الأراضي التركية بدون عقبات لكونهم سوريين.
سبع مراحل لمنح الجنسية التركية استثنائياً
قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتفجير قضية منح السوريين من أصحاب الكفاءات والمستثمرين الجنسية التركية بشكل استثنائي، على مائدة الإفطار في مدينة كلس التركية، في الثاني من شهر يوليو عام 2016. ترافق التصريح حينها مع رد فعل قوي من الشارع التركي، وإشاعات تصدق القرار الجديد وأخرى تكذبه. ظلت أخبار منح الجنسية للسوريين حديث الصحف والشارع، إلى أن قامت مديريات الهجرة والنفوس في مختلف المحافظات التركية بجمع بيانات السوريين المقيمين في تركيا ودراستها، واستدعاء المدرسين وأصحاب الشهادات العليا وأذونات العمل في بداية الشهر التاسع من العام الفائت. بدأت حينها المرحلة الأولى، بخضوع المرشح لمقابلات شخصية في دوائر الهجرة، تترافق مع تأمينه للشهادات والأوراق الثبوتية المطلوبة، وبعد اجتيازه للمقابلات يصل ملفه لمرحلة البحث والتدقيق، وهي المرحلة الرابعة. يتم من خلال هذه المرحلة دراسة الملف دراسة أمنية مكثفة، وفي حال اجتيازه للمرحلة المقبلة، يُنقل ملفه ضمن لائحة الأسماء الموافق عليها إلى مجلس الوزراء بغية التوقيع عليها. وبعد التوقيع على اللائحة يصل ملف التجنيس للمرحلة السابعة، لتتم على أساسها مراجعة دوائر النفوس التركية لتسليم وثائق الحماية المؤقتة والحصول على الهويات التركية. وفقاً لتلك المراحل، جرى منح قرابة الـ7000 سوري الجنسية التركية، في المرحلة الأولى من تجنيس السويين استثنائياً، لتتوالى بعد ذلك رسائل الاستدعاء للتقدم إلى طلب التجنيس لأصحاب الشهادات والمستثمرين السوريين بشكل تدريجي وعلى مراحل، لاستيعاب الأعداد الكبيرة من أصحاب الشهادات والكفاءات العلمية وتوظيفها في خدمة البلد. وقد وصلت مؤخراً رسائل المباركة لعدد كبير من السوريين الذين تجاوزوا المراحل السبع لإعلامهم بالموافقة على حصولهم على الجنسية التركية، ضمن الدفعة الثانية التي تم تجنيسها مؤخراً.ما هي معايير القبول والرفض؟
محمد، المدرس السوري ذو الثلاثين ربيعاً، والذي يقطن في مدينة غازي عنتاب، تبدد حلمه في الحصول على الجنسية التركية وتأمين مستقبل أفضل لأطفاله، إذ تم إعلامه برفض ملف تجنيسه عبر اتصال هاتفي. وعند مراجعته لمديرية المواطنة التركية واستفساره عن أسباب الرفض، لم يحدد له الموظف سبباً واضحاً لرفضه، واكتفى بإخباره بعدم استيفائه للشروط المطلوبة. حالات أخرى مشابهة تم رفضها من دون تحديد الأسباب ومعرفة المعايير التي يجري على أساسها قبول الملفات أو رفضها. الحقوقي وأستاذ القانون الدولي الأستاذ محمد داخل، يبين لرصيف22 أن حالات الرفض متوقعة، فمن غير المعقول أن تقوم الحكومة التركية بتجنيس جميع المتقدمين. يقول: "لا توجد أسباب محددة للرفض، ولكنها تعود في المجمل لعدم إتقان المتقدم للغة التركية بالقدر الكافي، أو عدم التزامه بعمل ذي دخل جيد، إضافة لإمكانية كشفهم تلاعباً أو تزويراً في الشهادات أو الأوراق الثبوتية الرسمية. وفي غالبية الحالات، يعود الرفض لأسباب أمنية، كارتباط المتقدم على الجنسية بتنظيمات ترى فيها الحكومة التركية خطراً على أمنها القومي، أو لوجود سلوكيات إجرامية لدى الشخص أو مشاكل قانونية وما شابه".قلق المرحلة الرابعة
بين فرح الحصول على الجنسية وحزن الرفض، تعيش فئة واسعة من السوريين ممن لا تزال ملفاتهم عالقة في المرحلة الرابعة، وهي مرحلة البحث الأمني والتدقيق تخوفاً من الرفض، نظراً لطول الفترة الزمنية التي استمر عليها حال ملفاتهم من دون تغيير. سارة حوارنة من مدينة حمص، طبيبة مقيمة في مدينة مرسين، تقدمت بطلب الحصول على الجنسية وأجرت مقابلة الوالي في الشهر الأول من عام 2017، وما يزال ملفها عالقاً في المرحلة الرابعة. ويثير الأمر قلق سارة، فعلى الرغم من معرفة سارة الجيدة للغة التركية وقوة ملفها وفقاً للموظفين الذين أتموا المقابلة معها، فإنه لا يزال في مرحلة البحث والدراسة منذ أكثر من عشرة أشهر. تقول لرصيف22: "راجعت دائرة الهجرة لتقديم أوراقي للتجنيس مع صديقة لي، وقمنا بإجراء المقابلات في اليوم نفسه. وعلى الرغم من أنني أجيد اللغة التركية على عكس صديقتي، فإنها حصلت على الجنسية وأنا لا أزال أنتظر في المرحلة الرابعة، أزور يومياً الموقع الخاص بالتعقيب على مراحل الجنسية، عشرات المرات من دون أي تغيير". وفقاً لداخل، فإن الكثير من المتقدمين يعانون من المشكلة نفسها، فلا توجد آلية زمنية معينة يتم على أساسها اختيار الملفات للحصول على الجنسية، والموضوع يعود في الغالب لسرعة عمل الموظفين المسؤولين ومدى تفاعلهم.رد فعل الشارع التركي
"لا أريد السوريين في بلادي، فليرحل السوريون من تركيا"، وسوم غزت مواقع التواصل التركية في الفترة الماضية، لتعبر عن غضب الشارع التركي، الذي رفض في غالبيته فكرة تجنيس السوريين في تركيا، سواء من المؤيدين لأردوغان أو من المعارضين له. وتباينت أسباب رفض المواطنين الأتراك، بين من اعتبر السوريين عالة على تركيا وعلى الاقتصاد التركي، ومن رأى في أن السوريين يقاسمون الأتراك لقمة عيشهم وفرص دراستهم بالمدارس والجامعات وفي سوق العمل، مرجحين إبقاءهم بصفة ضيوف إلى حين عودتهم لبلدهم، وبين من رفض الفكرة حفاظاً على "الجينات التركية". رفض الشارع التركي لتجنيس السوريين انعكس على أسلوب تعاملهم معهم وعلى تطبيق قرارات الحكومة التركية المتعلقة بتجنيسهم. سعاد، مدرسة سورية، تعمل في مدرسة سورية مؤقتة، حصلت على الجنسية التركية منذ قرابة الثلاثة أشهر. تعرضت لمشاكل ومضايقات عديدة، سواء من الموظفين الذين عرقلوا لها أمور حصولها على الهوية التركية لمجرد كونها سورية، وأمطروها بعبارات السخط والتذمر من القانون الذي سمح للسوريين بأن يصبحوا أتراكاً، إلى جانب عرقلة تسجيل أطفالها في المدارس التركية على اعتبار أنهم أتراك جدد. تقول لرصيف22: "رفض مدير المدرسة تسجيل أطفالي فيها عند معرفته أنني سورية مجنسة حديثاً، ولم يتوقف عن ترديد عبارات الشتم على القانون الذي سمح بتجنيسنا، ولمنع تسجيل الأطفال بالمدرسة بدأ يطلب أوراقاً لم أسمع بها من قبل. حاولت على مدى شهر كامل تأمين ما يطلبه، إلا أن معاملته لي ازدادت سوءاً، ما دفعني لنقل أوراقهم لمدرسة أخرى رحب فيها المدير بالأطفال وقام بتسجيلهم على الفور".ميزات الحصول على الجنسية التركية
ملاحقة أخبار الجنسية التركية والسعي للحصول عليها باتا الشغل الشاغل لشريحة واسعة من أصحاب الشهادات والخبرات السورية، لما تمنحه للسوري من ميزات. فاكتساب الجنسية يمنح السوري صفة المواطنة التركية، وبالتالي الحصول على حقوق سياسية واجتماعية واقتصادية وحق الحصول على عمل وعلى ضمان صحي. وبذلك تكون الجنسية الوسيلة الوحيدة للتخلص من مشاكل تجديد الإقامات والحصول على بطاقة الحماية المؤقتة الكيمليك، وغيرها من الوثائق التي تصاحب السوريين خلال إقامتهم في تركيا. كما تمكن أصحاب الشهادات الطبية من ممارسة مهنهم على الأراضي التركية بعد تعديل شهاداتهم. وعن ذلك يقول الصيدلاني فادي شحيطة لرصيف22: "بعد حصولي على الإقامة السياحية تقدمت لطلب الحصول على إذن عمل وحصلت عليه، وبعد عام توجب علي تجديده، فتقدمت بطلب التجديد، وتم رفض إذن العمل ورفض تجديد الإقامة السياحية نتيجة لتغير القرارات المتعلقة بشروط التجديد". ويضيف: "بعد كثير من الوقت والجهد تمكنت من الحصول على بطاقة الحماية المؤقتة مجدداً، ولكنني وفقاً لها لا أستطيع العمل أو التنقل بين المدن التركية إلا بإذن سفر من قبل والي الولاية، عدا تعقيدات أخرى كثيرة عشتها خلال الفترة الماضية لن أتمكن من حلها إلا بحصولي على الجنسية التركية". ويوضح شحيطة: "الجنسية التركية تعد الحل الوحيد لأتمكن من ممارسة مهنتي، فالصيدلة تعد من المهن الخمس الممنوع ممارستها من قبل الأجانب في تركيا، حتى لو قاموا بتعديل شهاداتهم من قبل وزارة التعليم العالي: وهي الصيدلة وطب الأسنان والحقوق والقبالة وكتابة العدل"، ويضيف: "الحل الوحيد لأصحاب المهن السابقة للعمل ضمن اختصاصاتهم هو حصولهم على الجنسية التركية".استخراج جواز سفر تركي
مشكلة أخرى تقض مضجع السوريين القاطنين في تركيا من حاملي بطاقة الحماية المؤقتة (الكيمليك)، هي تقييد سفرهم ومنعهم من التنقل بين المدن التركية إلا بإذن سفر، وعراقيل سفرهم إلى دول أخرى وعودتهم إلى تركيا، والتي يكمن حلها جميعها في الحصول على الجنسية التركية. يستطيع المواطن السوري الحاصل على الجنسية استثنائياً استصدار جواز سفر تركي خلال أسبوعين فقط من منحه الجنسية، وبكلفة لا تتجاوز 671 ليرة تركية للجواز الواحد وبالمدة التي يطلبها. سميرة العبد الله مدرّسة سورية من مدينة دمشق حاصلة على الجنسية التركية استثنائياً، قامت باستخراج جواز السفر التركي لها ولزوجها ولأطفالها الثلاثة، وجربت السفر بواسطته إلى اليونان والعودة إلى تركيا، وتمت الرحلة بسلام من دون أي مشاكل.الخدمة العسكرية
موضوع آخر يثير التساؤلات في ملف التجنيس الاستثنائي للسوريين، هو إلزام الشباب السوريين الحاصلين على الجنسية التركية بأداء الخدمة العسكرية. فيفرق القانون التركي بين حصول السوري على الجنسية التركية عن طريق الأصول، وبين حصوله عليها عن طريق المنح الاستثنائي. فالمواطن الحاصل على الجنسية التركية عن طريق الأصول يجب عليه أداء الخدمة العسكرية مهما بلغ عمره، إن لم يكن قد خدمها في بلده الأصلي. أما في حالة المنح الاستثنائي، فيعفى الحاصل على الجنسية من أداء الخدمة العسكرية إن كان قد دخل الأراضي التركية وعمره تجاوز الـ21 ، ويجبر على أدائها إن كان قد دخلها دون عمر الـ21 عاماً، وفقاً لما أوضح محمد داخل. صافي خيري، 27 عاماً، طالب دراسات عليا في كلية الهندسة المدنية في جامعة اسكي شهير، تلقى رسالة لمراجعة شعبة التجنيد في الولاية التابع لها، وذلك بعد حصوله على الجنسية استثنائياً، لكونه من أصحاب الشهادات. يقول: "كنت من أول الحاصلين على الجنسية التركية وكانت التساؤلات التي تدور حول موضوع التجنيد كثيرة، ذهبت لمراجعة شعبة التجنيد بعد استلامي الرسالة، وأنا قلق من سحبي للخدمة العسكرية، فأنا أدرس وأعمل لأعيل والدي. وعند مراجعتهم وتبيان وضعي لهم كوني حاصلاً على الجنسية عن طريق المنح الاستثنائي وليس عن طريق الأصول، أبلغوني أني معفى وفقاً لقانون المنح الاستثنائي". 10 آلاف سوري حصلوا على الجنسية التركية حتى اليوم، والآلاف ينتظرون الحصول عليها، في حين يرفض البعض فكرة التجنيس ويرون فيها وسيلة لسلب العقول السورية، وخطراً على هوية الأطفال السوريين الجدد الذين سيعملون لنهضة تركيا عوضاً عن العودة إلى بلدهم وإعمارها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...