منذ جولة اللجوء الأولى في منطقة الشرق الأوسط، حين احتلت إسرائيل الأراضي الفلسطينية عام 1948، وفي الوقت الذي كانت فيه الدول العربية تحدد إقامة اللاجئين الفلسطينيين داخل مخيمات أقيمت لهذا الغرض، كانت مصر الدولة الوحيدة التي منحت اللاجئين صفة المواطنة داخل حدودها.
حتى وإن لم تمنحهم الجنسية المصرية، أي أن اللاجئ يعيش حياةً طبيعية كأي مواطن، داخل حدود الدولة ما دام محترماً القانون.
ومع تعاقب الأنظمة على الدولة المصرية، وزيادة حركة الهجرة من الدول التي أصابها داء «الربيع العربي»، كان لمصر دور ريادي في احتواء آلاف اللاجئين القادمين من العراق وسوريا وليبيا والسودان وغيرها.
لكن، خلال سنوات ما بعد الثورة المصرية في يناير 2011، أصبح شكل التعامل أصعب مما كان عليه في السابق، مع زيادة التعقيدات والشروط التي تثقل كاهل اللاجئين، الذين هُجروا من بلادهم قسراً.
السوري المستثمر
مراد، لاجئ سوري جاء إلى القاهرة فاراً من الحرب الدائرة في بلاده، بعد أن فشل في الالتحاق بوالدته وشقيقه، اللذين هاجرا إلى تركيا. في الوقت الذي كان هو يقاتل في صفوف إحدى فصائل المعارضة السورية، حتى اقتنع بأنه لا ناقة له ولا جمل في تلك الحرب، فحمل ما تبقى من آدميته المبعثرة، قاصداً مصر التي فتحت ذراعيها للسوريين منذ بداية الأزمة. كان ذلك قبل أن يتبدل الحال إلى ما هو أسوأ، مع احتدام الجدل بين المصريين، بدءاً من أوضاع السوريين ومشاريعهم التي اكتسحت الأسواق المصرية، وباتت تهدد مشاريعهم، وانتهاءً بالمعاملة السيئة التي يتلقاها اللاجئون السوريون وغيرهم في المصالح والدوائر الحكومية المصرية. مراد السوري، كما ينعته من يعرفه، بدأ مشروعه الأول في محيط قصر عابدين بمنطقة وسط القاهرة. وافتتح قهوة شعبية اجتذبت بسبب جمال تصميمها ورخص أسعارها غالبية الزبائن في تلك المنطقة، حتى أصبحت مَعلَمَاً يرتاده الجميع، لتبدأ بعد ذلك المنغصات التي أودت به إلى السجن مراراً وتسببت في تعرضه للضرب أحياناً. يقول مراد، الذي تسبب له حُسنُ خَلقِه أيضاً ببعض المشكلات: «فتحت المشروع حتى ما كون عاطل، والحمد لله المشروع نجح بطريقة ما كنت بتخيلها، ومن هون بدأت المشاكل. كان في شخص فاتح كشك (بقالة صغيرة) جنب القهوة، ولما شافني عم بشتغل كويس راح قفل الكشك وحط مكانوا كام كرسي وفتح قهوة وبدأ يستغل بعض معارفه بالحي ويبلغ عني بقصد مضايقتي". ويضيف مراد: «وصلت لاتفاق أنا وصاحب الكشك أن يدخل شريكاً معي بالثلث، وبعد الشراكة أصبح يضايقني أكثر، وطمع بالحصول على المقهى كله. حصلت مشاكل كثيرة وسجنت أكثر من مرة بسببه، لأنه كان يقدم فيّ بلاغات للشرطة. واختصاراً للمشاكل قررت أن أتنازل عن حصتي، فاشتراها هو بسعر بخس، وقررت أن لا أفتح أي مشروع آخر. والآن أعمل أجيراً في محل حلويات».أكتوبر: مدينة سورية على أرض مصرية

الفلسطيني بلا هوية
علاء، لاجئ فلسطيني كان يعيش في قطاع غزة قبل أن ينتقل إلى القاهرة منذ نحو ثلاث سنوات. يقول: «أتيت إلى مصر بناء على عقد عمل في أحد الأماكن، ولما وصلت صُدمت بالواقع السيىء والصورة الأسوأ التي تم الترويج لها ضد الفلسطينيين، خصوصاً بعد الثورة المصرية". فغالبية الفلسطينيين الذين أتوا إلى مصر بعد الثورة، لا يحملون إقامات، وموجودون فيها بطريقة غير شرعية. ويضيف علاء: "للأسف، جزء كبير من المصريين يتعاملون معنا بشكل سيىء، لأن لديهم خلطاً بالمفاهيم بين الجماعات الإسلامية المتهمة بالتدخل في الشأن المصري، وبين الشعب الفلسطيني. للأسف أيضاً ابتكرت السلطات المصرية (التنسيق)، يعني لو كنت فلسطينياً وأتيت إلى مصر من أي دولة، يجب أن تقوم بتنسيق من خلال أمن الدولة أو المخابرات، وغالباً هذه التنسيقات تكون بمبالغ طائلة أو بناءً على واسطة كبيرة. وقد يتم احتجازك في المطار في (غرفة الترحيلات)، وتبقى محتجزاً إلى أن يفتح معبر رفح، ليتم ترحيلك للأراضي الفلسطينية". ويضيف: "إنت وحظك عاد المعبر يفتح بعد أسبوع ولا بعد شهر ولا حتى شهرين، يا إما ترجع للدولة اللي أجيت منها وترتب موعد سفرك على موعد فتح المعبر عشان تطلع من المطار عالمعبر على طول". ويتابع، «في الماضي كان الفلسطيني يملك الحق في مصر مثل المصريين أنفسهم، وكان هناك اقتناع بعدالة القضية الفلسطينية أكثر من الآن، لكن للأسف بسبب الظروف السياسية واتهام بعض التنظيمات الفلسطينية الفاسدة بالتدخل في الشأن المصري، بالإضافة للإعلام الموجه، أصبحت الصورة مغايرة تماماً. حتى أن غالبية الفلسطينيين باتوا يتنصلون من جنسيتهم ويرمون أنفسهم في حضن أي جنسية أخرى". (محمد. أ)، شاب فلسطيني تم ترحيله من القاهرة مؤخراً بعد توقيفه على أحد الحواجز الأمنية المنتشرة في شوارع القاهرة. يقول: «كنت طالع تقريباً الساعة وحدة بالليل أنا وشباب أصحابي مصريين وفي كمين أمني وقفنا وطلب منا إثبات الشخصية، ولما شافوا الباسبور الفلسطيني حكولي أوقف على جنب وخلوا أصحابي يمشوا وأنا أخدوني على مركز الشرطة وضليت (بقيت) محجوز هناك ثلاثة أسابيع لغاية ما فتح معبر رفح ورحلوني على قطاع غزة. والآن ممنوع عليّ دخول مصر لأنهم اعتبروا أنني موجود بطريقة غير شرعية، مع أني كنت وصلت قبل شهرين من ترحيلي. المضحك أنهم سألوني عن الإقامة، مع أنهم فعلياً يرفضون إعطاءها للفلسطينيين إلا بشروط معقدة، حتى موظفي الجوازات يتعاملون معنا بطريقة سيئة جداً وكأن هناك ثأر بيننا وبينهم. رغم أن الشعب الفلسطيني يعتبر الشعب المصري أقرب الشعوب إليه، حتى ثقافتنا كفلسطينيين ثقافة مصرية، يعني المنهج الدراسي في غزة كان منهج مصري لغاية بداية الألفية، يعني أجيال فلسطينية كاملة تربت على التاريخ المصري، غير النسب والمصاهرة بين كتير من العائلات الفلسطينية والمصرية».الأفارقة المستباحون

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 8 ساعاتاول مرة اعرف ان المحل اغلق كنت اعمل به فترة الدراسة في الاجازات الصيفية اعوام 2000 و 2003 و كانت...
Apple User -
منذ يومينl
Frances Putter -
منذ يومينyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ 4 أيامأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ 4 أيامتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?
الواثق طه -
منذ 4 أيامغالبية ما ذكرت لا يستحق تسميته اصطلاحا بالحوار. هي محردة من هذه الصفة، وأقرب إلى التلقين الحزبي،...