عاد الفيلسوف والصحافي الفرنسي برنار ليفي إلى الأضواء مرة أخرى حينما ظهر في كردستان العراق يوم الاستفتاء على انفصال الإقليم، ليعيد إلى الأذهان ظهوراته المتكررة في مصر وليبيا، في مرحلة الربيع العربي.
في حوار مع شبكة CNN الأمريكية يقول ليفي: "كردستان ستكون ثاني ديمقراطية بالمنطقة"، ويضيف: "وضع الأكراد اليوم يذكرني بطريقة ما بإسرائيل عام 1948، سبعة ملايين شخص يحاصرهم 160 مليوناً من الأعداء، من إمبراطوريات كبرى، من دول مارقة. إيران، على حد علمي، ما زالت دولة غير ديمقراطية، وتركيا أردوغان تصبح أقل وأقل ديمقراطية".
حديث ليفي عن ديمقراطية ثانية بعد إسرائيل أعادت إلى الأذهان تصريحاته السابقة عن ديمقراطية الجيش الإسرائيلي، خلال زيارته تل أبيب في مايو 2010.
من هناك، قال ليفي: "لم أرَ يوماً جيشاً ديمقراطياً مثل جيش الدفاع الإسرائيلي الذي يطرح على نفسه هذا الكم من الأسئلة الأخلاقية. هذا أمر حيوي بشكل غير اعتيادي في الديمقراطية الإسرائيلية".
وأضاف: "إسرائيل هي معجزة من الحرية والديمقراطية ورفض الجهل الفاشي، وأن الصهيونية هي الحركة العظيمة الوحيدة في القرن العشرين التي نجحت ولم تتحول إلى كاريكاتير بفضل الشعب اليهودي الذي بنى إسرائيل قادماً من ظلام النازية والشيوعية والشعوب العربية الشمولية".
ولكن مَن هو هذا الفرنسي الذي دأبت الصحف بل بعض الحكومات العربية على وصفه بعميل المخابرات الأجنبية الذي يقود ثلة من الإرهابيين تحت مسمى الثورات خلال الربيع العربي، والذي وصفه البعض بأنه لوارنس العرب الجديد؟
داعية التدخل الأجنبي في الشرق الأوسط
ولد برنار هنري ليفي Bernard-Henri Lévy في 5 يوليو 1948 بالجزائر، أثناء الاحتلال الفرنسي، ولكن أسرته انتقلت إلى باريس بعد مولده بأقل من عام. ورغم أن العالم يعرفه صحافياً وأكاديمياً وناشطاً سياسياً وفيلسوفاً، فإن هناك عاملاً آخر وفّر لليفي حرية الحركة وإمكانية القيام برحلات كثيرة في بعض مناطق الصراعات الدولية، ألا وهو أنه مليونير، فقد وصلت ثروته عام 2004 إلى 150 مليون يورو، ويملك ثماني شركات بالإضافة إلى استثمارات ضخمة في البورصة، ما يؤهله للعب دور المليونير المغامر في مناطق الحروب الخطرة.وصفه البعض بأنه لورانس العرب الجديد وعميل للاستخبارات... لماذا يظهر برنار هنري ليفي في مناطق الأزمات؟
دارفور، مصر، ليبيا، كردستان العراق، تونس.. لماذا يظهر الفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي في مناطق الأزمات؟لم يكن ظهور ليفي الأول في ميدان التحرير خلال ثورة 25 يناير 2011، ولكن محطته الأولى كانت خلال الحرب الهندية – الباكستانية عام 1971، حين دعم عملية فصل بنغلادش عن باكستان، وطالب المجتمع الدولي بالتدخل دعماً لها، وهو ما أفضت إليه الحرب. ولاحقاً، كان من أبرز مثقفي الغرب الذين طالبوا بالتدخل السياسي والعسكري ضد الصرب لوقف المجازر في البوسنة، ثم أيد تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) ضد صربيا لضمان استقلال إقليم كوسوفو عام 1999.
ليفي في دارفور
عام 2007، على وقع الانتخابات الرئاسية الفرنسية، عقد ليفي مع عدد من مثقفي اليسار الفرنسي ائتلافاً للضغط على مرشحي الرئاسة نيكولا ساركوزي وسيغولين رويال من أجل ضمان أن ينخرط الرئيس الفرنسي الجديد في دعم جهود القبض على الرئيس السوداني عمر البشير وتسليمه إلى محكمة العدل الدولية على ضوء أحداث إقليم دارفور السوداني. وتركزت رؤى ليفي في ما خص السودان حول حتمية دعم "المحافظات المسيحية في الجنوب" لإتمام استفتاء حق تقرير المصير في جنوب السودان، وتزكية قائد التمرد في دارفور عبد الواحد النور، قائد جيش تحرير السودان، باعتباره يقدم إسلاماً مستنيراً مقارنة بالنظام الإسلامي في الخرطوم. وساهم في تشكيل ائتلاف في الغرب بهدف شرح أزمة دارفور للرأي العام الغربي تحت شعار "رواندا لن تتكرر"، في إشارة إلى المذابح الإنسانية التي هزّت الضمير الإنساني في الدولة الإفريقية. وطالبت هذه المجموعة الحكومات الغربية بتوفير معدات وتمويل وسلاح إضافي للقوات الأجنبية المنتشرة في دارفور لوقف ما أسماه أولى جرائم الإبادة الجماعية في القرن الحادي والعشرين والتي بدأت عام 2003. وتوجّه ليفي بنفسه إلى إقليم دارفور عام 2007 انطلاقاً من تشاد المجاورة وزار معسكرات المتمردين وأجرى عدداً من الحوارات الصحافية التي تقدم رؤيته إلى الرأي العام الغربي.ليفي في ميدان التحرير
لم يكن ظهور ليفي الأول خلال الربيع العربي في تونس، ولكن في مصر وتحديداً عقب أحداث جمعة الغضب في 28 يناير 2011، إذ ظهر في مجموعة صور وسط المعتصمين في ميدان التحرير وأبدى تخوفاً من صعود تنظيم الإخوان المسلمين، أكثر من مرة، حتى عقب وصوله إلى القاهرة. ففي مقال بعنوان "أسئلة حول الثورة المصرية" في موقع هافغنتون بوست بتاريخ 15 فبراير 2011، أبدى إعجابه بالحراك الشعبي وتحدث عن فلول نظام مبارك ودولة/ثورة 23 يوليو 1952 المصرية باعتبارها خطراً على مسار الثورة. وكتب: "الحقيقة أن كل هذا حدث لأول مرة في التاريخ العربي الحديث دون شعار مناهض لأمريكا أو مناهض للغرب ودون أن يحرق علم إسرائيل ودون أن تُرفع الشعارات البالية عن الصهيونية". ثم شرح تخوفه من الإسلاميين، وتحديداً من الإخوان المسلمين، بالقول إن مشروعهم حيال المجتمع غير معروف، وتساءل: هل اتخذوا مسافة من حركة حماس الفلسطينية؟ هل تخلوا عن حل تطبيق الشريعة الإسلامية؟ وماذا عن علاقتهم بأفكار سيد قطب؟ليفي والثورة الليبية
من حسن حظ ليفي أنه صديق شخصي منذ عام 1983 للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي تزامن عهده مع بداية الربيع العربي، ما سهل عملية تواصل ليفي مع الإليزيه في السنوات الأولى للاضطرابات في مصر وسوريا وليبيا. واعتبرت نيويورك تايمز في أبريل 2011 أن برنار هنري ليفي يُعدّ السبب الرئيسي في اعتراف باريس السريع بالثورة والمعارضة في ليبيا، بل والضغط على أمريكا للقيام بالمثل، وأشارت إلى أن ليفي كان ضابط اتصال بين الثوار من جهة والرئيس الفرنسي من جهة أخرى. ووصفته الغارديان البريطانية في مارس 2011 بوزير الخارجية الثاني (B)، وكشفت أن اتصاله القوى بساركوزي وتحركه في ليبيا أغضبا وزير الخارجية الفرنسي آنذاك آلان جوبيه الذي اعتبر ذلك تدخلاً في صلاحيات منصبه. وأشار تقرير الغارديان إلى أن تواصل ساركوزي مع المتمردين في ليبيا عبر ليفي أثمر عن قرار الأمم المتحدة حول ليبيا والغطاء الجوي الذي وفره حلف الناتو للثوار. وحينما حل ضيفاً على مهرجان كان السينمائي عام 2012 لعرض الفيلم الوثائقي "قسم طبرق" The Oath of Tobruk، من تأليفه وإخراجه، حدثه مراسل فرنسا 24 عن القلق الذي أثاره صعود الإسلاميين إلى الواجهة في ليبيا وتأكيد رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل في خطاب أكتوبر 2011 على اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع في البلاد. فقال ليفي: "ما أحارب من أجله بجانبهم هو الوصول إلى التصالح بين العالم الإسلامي وبين الديمقراطية. الإسلام والديمقراطية يمكن أن يجتمعا دون أن يتخلى كل منهما عن رسالته... ليست الديمقراطية على الطريقة الأمريكية وإنما على الطريقة الإسلامية مع احترام حرية التحرك والتعبير والمساواة بين الرجل والمرأة وما إلى ذلك". وإلى جانب دوره المهم في ليبيا، يُعتبر ليفي من أوائل مَن طالبوا بالتدخل الأجنبي العسكري لحماية الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، وذلك في مايو 2011، كما شارك في تنظيم مؤتمرات للمعارضة السورية في باريس.مطرود من تونس
على عكس الظهور الهادئ في ميدان التحرير، أو الترحيب الكبير بوجوده في ميادين القتال الحربي في ليبيا، خرج آلاف التونسيين في الشوارع منددين بزيارته لبلادهم في 1 نوفمبر 2014، في فترة كانت البلاد منشغلة بالانتخابات التشريعية والرئاسية، ما اضطر أمن مطار قرطاج إلى إخراجه من الباب الخلفي، ثم ترحيله من الأراضي التونسية في اليوم التالي. وأصدر الرئيس التونسي وقتذاك المنصف المرزوقي بياناً جاء فيه أن "ما تم ترويجه عن دعوة رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي للسيد برنار هنري ليفي لزيارة تونس لا أساس له من الصحة مطلقاً". وقال مستشار المرزوقي للعلاقات الدولية أنور الغربي إن "مَن وقف إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعم غزة لا يمكنه أن يضع يده في يد رجل صهيوني". وأصدرت الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع والصهيونية بياناً ندد بالزيارة. ومما جاء في البيان: "يعلم الجميع أن وجوده يعني أن مصيبة ما ستحدث بالبلد، فمن وجه له الدعوة؟ وهل يعقل أن توجه الدعوة إلى إرهابي صهيوني خطير برز بمواقفه المعادية لأمتنا ولقضايانا الوطنية؟".ليفي بعد الربيع العربي
يوضح ظهور ليفي في مهرجان كان السينمائي عام 2016 لماذا ذهب أخيراً إلى كردستان العراق، إذ شارك ليفي في المهرجان بفيلم وثائقي من تأليفه وإخراجه وإنتاجه بعنوان "البشمركة" يتناول دور الأكراد ضد داعش، وطرح قضية أن الإسلام المستنير الذي بحث عنه من البوسنة وجده اليوم في أرض كردستان حيث يعيش الأكراد السنة والشيعة والكلدان والأشوريون والمتحدثون بالآرامية واليهود جنباً إلى جنب في حرية". الآن، يبلغ ليفي 68 عاماً من العمر، وعلى ما يبدو أن دور رجل الأعمال الفيلسوف سوف يلازمه حتى وفاته، ما ينبئ بظهور جديد له في بؤرة توتر جديدة حول العالم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت