لا يزال رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني متمسكاً بإجراء استفتاء للانفصال عن العراق في 25 سبتمبر الحالي، رغم المواقف المعارضة، محلياً ودولياً، إلا أنه ترك الباب مفتوحاً لحصول اتفاق في اللحظة الأخيرة على تأجيل هذا الاستحقق الكردي.
ولا يعني الاستفتاء الاستقلال مباشرة، بل يعني الدخول في مفاوضات مع بغداد على تنظيم "الطلاق" الودي. لكن المخاوف من المستقبل تدفع خصوم رئيس الإقليم مسعود بارزاني إلى رفض نتائج الاستفتاء قبل أن يجري.
وأصدرت المحكمة الاتحادية في العراق، أعلى سلطة قضائية في البلاد، في 18 سبتمبر، أمراً بإيقاف الاستفتاء، لكن بارزاني ومؤيديه قالوا إنهم لن يلتزموا به.
تساؤلات كثيرة يطرحها الرافضون للاستفتاء أو المطالبون بتأجيله، أبرزها، كيف سيكون شكل الدولة الكردية الجديدة؟ وهل إقليم كردستان ومؤسساته ووضعه العام تؤهله ليكون دولة؟
الأحزاب الكردية: من يؤيد الاستفتاء ومن يعارضه؟
في إقليم كردستان العراق ثلاثة أحزاب سياسية رئيسية، هي الحزب الديمقراطي الكردستاني ويتزعمه مسعود بارزاني، رئيس الإقليم، بالإضافة إلى ابن شقيقه نيجرفان بارزاني الذي يترأس مجلس الوزراء في الحكومة الذاتية. وهناك أيضاً الخصم اللدود للديمقراطي الكردستاني، وهو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه رئيس جمهورية العراق السابق جلال طالباني. وتراجعت شعبية حزب الاتحاد في الانتخابات التشريعية عام 2013، لكن النتائج التي حققها أفضت، رغم ذلك، إلى تسلم قوباد طالباني، ابن رئيس الحزب، منصب نائب رئيس الحكومة. أما الحزب الرئيسي الثالث، فهو حزب التغيير الذي أسسه وترأسه حتى الـ19 من مايو الماضي الراحل نوشيروان مصطفى الذي كان نائباً لرئيس الاتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني، قبل أن ينشق عنه عام 2006. ولدى بارزاني الذي يترأس الإقليم منذ عام 2005، نفوذ كبير على الكتل السياسية الكردية الأخرى، فسطوته جعلت منه رئيساً لدورتين متتاليتين ورئيساً لأربعة أعوام أخرى رغم "عدم شرعية ذلك". فقد رفض بارزاني الخروج من رئاسة الإقليم عام 2013، رغم انتهاء ولايته الثانية ومُدد له من قبل البرلمان الكردستاني حتى عام 2015، لكنه "افتعل" أزمة سياسية لتعطيل عمل البرلمان ومنع رئيسه الذي ينتمي إلى كتلة التغيير من الدخول إلى أربيل (عاصمة الإقليم) ليبقى رئيساً بعد عامي التمديد. ويتخوّف البعض، استناداً إلى التجربة السياسية التي عاشها الإقليم منذ أن جرى تبنّي عراق فيدرالي عام 2005، من أن بارزاني، بحال تأسست دولة كردستان، "لن يكون ديمقراطياً ولن يسمح بالتداول السلمي للسلطة"، بحسب النائبة عن كتلة التغيير تافكه ميرزا. كما تقول ميرزا لرصيف22: "وقت الاستفتاء غير مناسب جداً، ولا نريد بناء دولة كردية للتغطية على مشاكل أشخاص وأحزاب". وتخشى كتلة التغيير التي تعارض الاستفتاء، رغم وجودها في الحكومة والبرلمان الكردستانيين، أن يستأثر بارزاني بالسلطة أكثر بحال الانفصال عن العراق. إلا أن موقف ميرزا لا يتفق مع ما يراه الحزب الديمقراطي الكردستاني. "لن تكون هناك ديكتاتورية، وسيكون في دولة كردستان تداول سلمي للسلطة، ومَن يتحدث بعكس ذلك، لا يريدنا أن نستقل"، تقول أشواق الجاف، النائبة في البرلمان العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني. أما الاتحاد الوطني الكردستاني المقرّب من إيران التي ترفض الاستفتاء، فموقفه العام مؤيد لتأسيس دولة كردية تبدأ خطوتها الأولى من استفتاء 25 سبتمبر. لكن على مستوى الأعضاء، هناك مَن يرى أن توقيته غير مناسب. وتقول النائبة عن الاتحاد ريزان الشيخ دلير لرصيف22: "نأمل أن نحقق حلم الأكراد بدولة عادلة، لكنني أرى ضرورة تأجيل الاستفتاء في الوقت الحالي لأننا نواجه رفضاً دولياً ولدينا مشاكل داخلية". وتتوقع أنه "إذا ما أصبحت هناك دولة كردية في الوقت الحالي بهذه الطبقة السياسية، فلن نكون أمام أي تداول سلمي للسلطة".إقليم كردستان العراق قد يقرر قريباً الاستقلال... من أين سيأتي بالمال اللازم لموازنته وبالسلاح؟
استقلال كردستان العراق: كيف سيكون شكل الدولة الجديدة؟ وهل وضع إقليم يؤهله ليكون دولة؟
مواقف القوى الخارجية من الاستفتاء
يواجه إقليم كردستان موجة رفض كبيرة من قبل المجتمع الدولي لفكرة الاستفتاء، خاصة من الدول التي فيها أقليات كردية، مثل سوريا وإيران وتركيا. لا تريد الدول الثلاث المذكورة المجاورة للعراق أن تكون هناك دولة كردية، فهذا الأمر من شأنه أن ينشّط ذاكرة الأكراد فيها، فيطالبون بدورهم بدول مستقلة. لذا تحاول أن تنهي الفكرة داخل العراق قبل أن تتمدد. وتتميّز علاقة الأكراد في كردستان العراق بأكراد سوريا، بالتوتر. فحتى بارزاني عندما سُئل في مقابلة صحافية قبل أيام عن علاقته برئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا صالح مسلم، قال إن علاقته به "انتهت". ولا ينصح الزعيم الكردي السوري صالح مسلم، بوجود دولة كردية في العراق، وخاطب إقليم كردستان قائلاً: "بغداد هي المنفذ الإستراتيجي للأكراد عامة في أجزاء كردستان الأربعة لأنها العاصمة الوحيدة التي اعترفت منذ بداية الأمر بالوجود الكردي". بطريقة دبلوماسية، يجيب المتحدث باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني محمود محمد حول علاقة الدولة الكردية المستقلة بدول الجوار بقوله: "نحن منفتحون على الجميع، وسنعمل ضمن إطار احترام السيادة، ولن نتدخل في شؤون الدول الأخرى ولا نريد التدخل بشؤوننا". ويرى المتحدث باسم كتلة التغيير شورش حاجي، في حديثه لرصيف22 "ضرورة أن تكون هناك عوامل داخلية تساعد على إيجاد علاقات إيجابية مع الخارج، خاصة مع أكراد سوريا وإيران وتركيا، لكن ما هو موجود الآن ليس سياسات مدروسة، بل مواقف أشخاص تُعمم على الجميع". لم يتلقَّ أكراد العراق حتى الآن أي دعم من أشقائهم الأكراد في الدول الثلاث المجاورة، سوريا وتركيا وإيران، وهذا ما يمكن أن يضعف موقفهم أكثر في ظل الدعوات الدولية لإيقاف إجراءات الاستفتاء.هل يصمد الاقتصاد الكردي؟
تعتمد حكومة إقليم كردستان العراق على النفط كمصدر أساسي لاقتصادها، لكنها من دون موازنة مالية خاصة، فهي تحصل على 17% من موازنة العراق الاتحادية. وتُعتبر السياحة في الإقليم مورداً مالياً أساسياً بالنسبة للحكومة هناك نتيجة أعداد السياح العرب القادمين من بغداد ومحافظات الجنوب التي وصلت إلى 80%، والسؤال: هل تبقى هذه الأعداد كما هي بعد الانفصال؟ يقول الخبير الاقتصادي العراقي باسم جميل أنطوان لرصيف22: "إذا ما انفصل الإقليم عن العراق، فسيتراجع عدد السياح من الوسط والجنوب بكل تأكيد، على اعتبار أن إجراءات الدخول ستكون أكثر تعقيداً، وقد ترتفع الأسعار، ما سيدفع السياح من وسط وجنوب العراق إلى البحث عن وجهة أخرى". الـ17% من موازنة العراق العامة التي يحصل عليها الإقليم من بغداد في كل عام، تُقدّر بـ12 مليار دولار، وهذا المبلغ يوزَّع على أربع محافظات كردية يعيش فيها أكثر من خمسة ملايين نسمة، بحسب إحصائية لوزارة التخطيط العراقي عام 2014. واحدة من المشاكل العالقة حتى اللحظة بين حكومتي المركز والإقليم، هي صادرات النفط وعائداتها، فبغداد تتهم الإقليم ببيع النفط خارج إطار الحكومة العراقية، وأربيل تقول إن قطع العاصمة الاتحادية لرواتب موظفي الإقليم، دفعها لبيع النفط وعدم إرسال مستحقاته لبغداد. ينفق الإقليم حالياً 10 مليارات دولار سنوياً يحصل عليها من موازنة العراق الإتحادية، لكن إذا ما انفصل فإن إيراداته من النفط ستكون 7 مليارات دولار فقط عبر تصدير 600 ألف برميل نفط يومياً عن طريق تركيا. هذا كله في حال اعترفت دول الجوار بانفصاله. أما في حال عدم اعترافها بذلك، فإن وضع الإقليم الاقتصادي سيكون بلا شك حرجاً، فحدوده البرية مع إيران وتركيا وسوريا ستغلق، ولن يبقى له سوى مطاري أربيل والسليمانية، ولن يتمكن من تصدير النفط عبر تركيا التي ترفض استقلاله. ويحتمل أن يحرم إصرار كردستان العراق على الانفصال عن بغداد الإقليم من المساعدات الدولية المقدمة له، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية التي تشترط التزام حكومة الإقليم بالارتباط ببغداد مقابل منحها المساعدات. ويقول الخبير باسم جميل أنطوان: "إذا لم يتخذ الإقليم الإجراءات والآليات التي تحافظ على وضع اقتصادي إيجابي، فسيكون معرضاً لأزمات عدة". ويرى أن "التخطيط لوضع اقتصادي إيجابي يحتاج إلى فترات طويلة، لا شهر ولا سنة ولا سنتين، ويحتاج أيضاً أن يبني الإقليم علاقات اقتصادية جديدة، خاصة أن الانفصال لن يكون ودياً، ما سيحرم رجال الأعمال بين الطرفين من التواصل".الخلافات بين البيشمركة
تنقسم قوات البيشمركة الكردية إلى قسمين، قسم موال لزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، والقسم الثاني موال لزعيم حزب الاتحاد الوطني جلال طالباني. وبالمحصلة، تخضع هذه المؤسسة العسكرية للمحاصصة السياسية. ويُقدَّر عدد قوات البيشمركة في إقليم كردستان العراق، بـ230 ألف عنصر، بحسب المكتب الإعلامي لوزارة البيشمركة، إحدى وزارات حكومة الإقليم. قد تواجه كردستان إذا ما انفصلت عن العراق، مشكلة اقتصادية-عسكرية أخرى، وهي رواتب عناصر البيشمركة التي تدفعها حكومة بغداد الاتحادية حالياً. العدد الكبير من مقاتلي البيشمركة يحتاج إلى 230 مليون دولار شهرياً فقط كرواتب، أي مليارين و760 مليون دولار سنوياً، في وقت ستتراجع عائدات الإقليم من السياحة والنفط. وربما تكون البيشمركة النقطة الأساسية في الخلاف الكردي-الكردي بعد الاستقلال. فأعداد البرزانيين فيها والطالبانيين ستكون نقطة خلاف. ولا تمتلك قوات البيشمركة حتى الآن أسلحة ثقيلة، من دبابات وطائرات، وليس فيها مؤشرات على إمكانية توحّد هذه القوة تحت راية واحدة، وهذا يعطي مؤشراً عن احتمال اندلاع صراعات بين بيشمركة الحزبين الكرديين. وقد لا تتلقى كردستان السلاح الذي تريده بعد الانفصال، في ظل رفض الدول الكبرى استقلالها، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تُتداول فيها أفكار يلخّصها مشروع قانون في الكونغرس يحرم البيشمركة من أية مساعدات إذا لم يكن الإقليم مشاركاً في الحكومة الاتحادية. ربما يريد بارزاني تحقيق حلمه بتأسيس دولة كردية بعد فشل آخر محاولة كانت في إيران عام 1946، عندما لم تدم جمهورية ماهاباد سوى 11 شهراً، وكان والده، ملا مصطفى البارزاني، قائداً عاماً للقوات المسلحة فيها. ويرى البعض أن مواقف بارزاني تشير إلى أنه يريد الهرب إلى الأمام، فالذين كان يعول عليهم في دعمه دولياً صاروا يناهضون فكرته ويدعونه للتراجع عنها، لذا صار أمام نارين: نار جمهوره الكردي المؤيد لفكرته ونار أصدقائه الرافضين لها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...