شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
اضطهاد المختلفين في مصر: مَن لا يشبهنا هو

اضطهاد المختلفين في مصر: مَن لا يشبهنا هو "عدونا"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 3 أكتوبر 201703:24 م

في خضم الجدل المثار داخل مصر بين مؤيد لظهور المثليين والإعلان عن حقهم في العيش بالطريقة التي يريدونها وبين رافض لذلك، قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام منع المثليين من الظهور عبر أية وسيلة إعلامية. وبدأ السجال في 25 سبتمبر بعد إعلان السلطات توقيف سبعة أشخاص على خلفية تلويحهم بأعلام قوس قزح في حفل موسيقي كانت قد أحيته فرقة مشروع ليلى قبل ثلاثة أيام من التوقيف، وتلا ذلك توثيق اعتقالات جديدة، وذلك على خلفية اعتبار السلطات أفعالهم "تحريضاً على الفجور"، على ما جاء في أمر قضائي من نيابة الأزبكية بالقاهرة بحبس خمسة مثليين لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيق.

ويعتبر هشام المتولي، باحث في الفلسفة بجامعة القاهرة، أن هذه الإجراءات تندرج ضمن "إرهاب تمارسه الدولة ضد كل المختلفين عنها، سواء سياسياً أو دينياً، حتى وصل الأمر للتدخل في الحرية الجنسية". ويضيف لرصيف22: "تعلن الدولة أنها ضد التطرف الديني لكنها في الواقع تمارس ذلك وبشكل أقسى من الإسلاميين، إذ لا يأمن أي مختلف في مصر على حياته، وقد يُزجّ به في السجن، أو يتلقى تهديدات تدفعه إلى طلب اللجوء خارج البلاد".

الوصاية على المجتمع

وأصدر المجلس الأعلى للإعلام في 30 سبتمبر قراراً قضى بمنع "المثليين" من الظهور على الفضائيات أو صفحات الجرائد إلا مَن أراد الاعتراف بخطأ سلوكه والتوبة عنه، مبرراً ذلك بأن "المثلية مرض وعار يجب التستر عليه لا الترويج لإشاعته، وذلك حفاظاً على السير والأخلاق العامة واحتراماً لقيم المجتمع وعقائده الصحيحة". هذه الحملة الشرسة ضد المثلية في مصر لا ترضي العديد من المصريين ومنهم الموظفة الحكومية داليا عصام، 35 عاماً، التي ترى أن "كل إنسان حر في جسده" وتضيف لرصيف22: "أمر عجيب حقاً أن يتدخل الآخرون في ما تفضله جنسياً أو جسدياً". وتؤكد داليا على حق المثليين في الحياة بالطريقة التي يريدونها "ما داموا لم يجبروا غيرهم على شيء"، وتواصل: "الضجة الأخيرة كانت مفتعلة، فأسباب غضب المصريين عديدة، لكنهم لم يجدوا إلا موضوعاً يخص فئة ضعيفة ليفرغوا هذا الغضب تجاهها".
تمييز في مصر بحق المختلفين جنسياً أو دينياً أو مذهبياً، وتهمة التحريض على الفجور وازدراء الأديان تلاحقهم
يخشى أغلب المختلفين دينياً أو عقائدياً أو جنسياً في مصر الإعلان عما يؤمنون به خوفاً من البطش أو التنكيل بهم
لا يقتصر رفض الاختلاف في مصر على المثليين. أغلب المختلفين عن السائد في المجتمع المصري لا يأمنون على حياتهم. وهذا الأمر يلمسه كثيرون في أحداث يعيشونها في يومياتهم.

عام 2012، كان الصيدلاني المصري سامح الملاح يتناقش مع مجموعة من أصدقائه الذين يسكنون في شقة واحدة حول موضوع عصمة الأنبياء وهل يخطئون أو لا. ويروي لرصيف22: "فوجئت أثناء النقاش بصديقي مراد يجري إلى المطبخ ويأتي بسكين محاولاً التعدي عليّ، وهو يصرخ: أوعى تتكلم كده عن النبي تاني، لو اتكلمت تاني هشقك نصين". يتذكّر سامح تلك الواقعة ويقول: "كان مراد شخصاً عادياً مثلي ومثل جميع أصدقائي، عرفته طوال سنوات الدراسة بكلية الصيدلة في جامعة القاهرة، كنّا نجلس وندخن السجائر معاً، ونتحدث في موضوعات شتى، ولم أره يوماً يصلي، لذلك صدمني موقفه. لم أتخيل يوماً أن شخصاً متعلماً ولديه وعي يمكن أن يفعل ذلك". وحتى اليوم، لا يزال مراد يجد تبريراً لما قام به ويقول: "لا يمكن أن أسمع إهانة أو تشكيك في ديني وأبقى صامتاً". يعترف بأنه "ربما" بالغ في رد فعله ولكنه يعتبر أن "الدفاع عن الدين أمر لا هوان فيه، فمن الممكن أن أكون بعيداً عن الالتزام الديني أو مقصراً في العبادات، وكلها أمور يغفرها الله، أما الصمت على مَن يهين ديني فلا غفران فيه".

غدر سائق التاكسي

ولا يأمن حتى المؤيدون لحقوق الآخرين على أنفسهم في مصر. ففي إحدى المرات التي استقل فيها بهاء ياسين سيارة تاكسي مع صديقته، راحا يتحدثان في أمور السياسة، وإذ بالسائق يتدخل بالحوار، ولما اطمئنا إليه ذهب بهما الحديث إلى السعودية ودورها في المنطقة العربية، وحدث أن أثنى ياسين على الشيعة بسبب ميولهم السياسة، فاعترض السائق وصرخ: "شيعة؟ أعوذ بالله، هؤلاء كفرة، لو رأيت أحدهم أمامي حالاً لقتلته".

"فوجئت أثناء النقاش بصديقي مراد يجري إلى المطبخ ويأتي بسكين محاولاً التعدي عليّ، وهو يصرخ: أوعى تتكلم كده عن النبي تاني، لو اتكلمت تاني هشقك نصين"

بعدها، وجد بهاء وصديقته نفسيهما أمام قسم شرطة. تعجب بهاء من سبب توقف السائق أمام القسم، وقال لرصيف22: "اتضح بعد ذلك أن السائق ذهب ليستدعي أحد الضباط أو الأمناء، لكنه عندما عاد كنا قد غادرنا السيارة". يضحك بهاء حين يتذكر هذه الواقعة ويقول إن الكثيرين في مصر يرون الشيعي وكل مَن هو غير سُنّي "كافراً وربما يحلّ البعض دمه". ويتابع: "كثيرون لا يعرفون الفرق بين الشيعي والشيوعي. علمني هذا الموقف أننا في بلد يسوده الجهل ولا يمكن أن تتحدث فيه عن أي شيء سواء في السياسة أو الدين أو أي شيء أمام أحد". يذكر أنه في عام 2013 قتلت مجموعة من المتشددين حسن شحاته، أحد وجوه الشيعة في مصر.

سطوة الأغلبية

"كثيرة هي حالات التعدي على أصحاب الفكر أو الاعتقاد الديني أو الجنسي المختلف عن السائد في المجتمع المصري"، يؤكد الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إسحاق إبراهيم، موضحاً لرصيف22 أن "أغلب مَن يعلنون هويتهم المخالفة للأغلبية يواجهون الاضطهاد، ويكون الأمر أكثر حدة في حال كان المعلن اعتقاده بهائياً أو ملحداً أو مثلياً". وبفعل "سلطة الأغلبية"، جرت حالات تهجير عديدة لمسيحيين من مناطقهم، وكذلك حصل مع بهائيين عام 2011 حين أُبعدوا عن منازلهم في محافظة سوهاج جنوب مصر، بعد أن أعلنوا عقيدتهم، بحسب إسحاق. ويلفت الباحث الحقوقي إلى أن حالات رفض الآخر تشمل تعرض المرأة للاضطهاد في المنزل والعمل والمواصلات، كما تشمل تعدياً على أصحاب البشرة السمراء الذين يتلقون إهانات بسبب لونهم من فئات عديدة. ويؤكد أن تلك الممارسات تقع رغم نص الدستور على حرية الاعتقاد، وتساوي المواطنين أمام القانون دون تفرقة من حيث النوع أو اللون أو الجنس، فضلاً عن تجريم القانون اعتداء أي مواطن على آخر.

بيئة خصبة للتطرف

يرى الباحث في الشؤون الاجتماعية والسياسية أكرم خميس أن رفض الآخر والتطرف ينشآن بسبب وجود بيئة خصبة لذلك، "ففي مؤسسات التنشئة مثل الأسرة والمسجد والكنيسة والمدارس تتم تغذية سلوك التطرف وعدم قبول الآخر. فعندما يدعو أئمة المساجد على كل مَن هو غير مسلم، سيكون من الطبيعي أن يخرج لنا شباب وأفراد متطرفون يرفضون كل مَن هو مختلف عنهم".

"المتعصبون كثيرون حتى لو لم يحملوا سلاحاً، والجميع يعتنقون فكرة ويؤمنون أنها وحدها الحق المطلق وغيرها باطل"

ويشير الباحث إلى أن أبناء المجتمعات العربية لديهم تمسك "غير طبيعي" بالهوية سواء الوطنية أو الدينية، "وما يزيد صعوبة الأمر هو اعتقاد أي شخص أن كل مَن لا يؤمن بمعتقده أو يكون شبيهاً به هو (كافر) أو منبوذ". ويشير إلى أن عدم وجود "مساحة رمادية" لدى المصريين سواء مسلمين أو مسيحيين أو غيرهم هو سبب إضافي للتعصب، ويوضح لرصيف22: "في جميع القضايا سواء دينية أو سياسية، يجنح كل شخص إلى التطرف. المتعصبون كثيرون حتى لو لم يحملوا سلاحاً، والجميع يعتنقون فكرة ويؤمنون أنها وحدها الحق المطلق وغيرها باطل".

اقتل ولك الجنة!

ومما يزيد من خطورة التعصب الديني أن معتنقيه، وفق الباحث، "يرون أنهم في كل الأحوال سيكون مكانهم الجنة، سواء كانوا قتلة أو مقتولين". وتردّ دار الإفتاء على اعتداء مسلمين على غيرهم بالقول: "الإسلام ضَمِنَ للناس ممارسة طقوس أديانهم في دور عبادتهم، وحرم الاعتداء عليه بكافة أشكاله"، لكنها تكتفي بالإشارة إلى ما فعله عمر بن الخطاب مع المسيحيين باعتبارهم "أهل كتاب"، دون حديث عن غيرهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image