شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ماذا تقول لنا تجارب الاقتراب من الموت عن الحياة من بعده؟

ماذا تقول لنا تجارب الاقتراب من الموت عن الحياة من بعده؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 11 أكتوبر 201712:36 م
الموت كما يصفه سيغموند فرويد، هذا "المجهول العظيم"، "هدف كل حياة"، "دين الجميع للطبيعة"، طريقٌ لا مفر منه. مع ذلك يضيف مؤسس علم التحليل النفسي، "في العقل الباطني، كلٌ منا مؤمنٌ بأبديته". لما لا؟ والأديان بأغلبيتها تؤكد بطريقةٍ أو بأخرى على وجود حياة بعد الموت. ألا يمكن اعتبار الإنسان أبدياً من هذا المنطلق؟ وهل تتغير وجهة النظر إذا عرض الموضوع من ناحية علمية بحتة؟ ماذا يمكن للعلم أن يخبرنا عن الحياة بعد الموت؟ وأين توصلت آخر الأبحاث من الإجابة على أحد أقدم هواجس الإنسان؟ أولاّ، برأي كثير من العلماء المعاصرين والغابرين، وأهمهم على سبيل المثال لا الحصر ستيفن هاوكينغ وألبرت أينشتاين، ألا وجود للحياة بعد الموت. يفسر هاوكينغ في تصريحٍ له بأنه "يرى الدماغ كحاسوبٍ سيتوقف عن العمل عندما تتعطل مكوناته. لاجنة ولاحياة بعد الموت للحواسيب المعطلة. هذه كلها أساطير للعالم التي تخشى الظلام". وإن كان لرأي علماء بثقل وحجم الشخصيتين المذكورتين أعلاه وقعه واعتباره في المجتمع العلمي، إلا أنه غير كافٍ إطلاقاً لجزم أو نفي وجود حياة بعد الموت. ولكن تكمن أهمية تصريح هاوكينغ في تسليط الضوء على نقطة اختلاف بين مفهومي الحياة والموت من الناحيتين الدينية والعلمية. تربط الأديان السماوية الحياة والموت بالروح بينما يرتبط المفهومان نفسهما بالوعي والدماغ من وجهة النظر العلمية وذلك باعتبار أن الوعي هو حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك تسمح للإنسان بتكوين الأفكار ووجهات النظر والمفاهيم المختلفة عن الحياة والطبيعة من حوله. إضافةً إلى ذلك يقسم الموت بيولوجياً إلى: موت سريري ينتج عن انقطاع دوران الدم أو التنفس، وموت دماغي يسببه توقف عمل الدماغ وساق الدماغ والنخاع الشوكي بشكل نهائي. لم يتوصل العلم حتى اليوم إلى سبل تمكن من إنعاش وإنقاذ الميت دماغياً. في المقابل، ومع أن عمل الدماغ يتوقف 30 ثانية تقريباً بعد الموت السريري، إلا أنه من الممكن في حالات قليلة إعادة الوعي وإنقاذ شخص من الموت السريري من خلال إنعاش القلب والرئتين، وإلا يدخل الميت سريرياً في حالة موت دماغي لا رجوع منها. فيصبح السؤال العلمي: هل هناك وعي بعد الموت؟ وماذا يحدث للوعي بعد موت الدماغ؟ 
أهم ما توصل إليه العلماء عام 2016: أنّ جانباً واحداً على الأقل من الحياة يستمر بعد الموت
شهادات من تجارب الاقتراب من الموت وما تكشفه عن حقيقة الحياة بعد الموت

ماهية الوعي واستمراره بعد الموت

ينقسم المجتمع العلمي حول هذه المسألة إلى قسمين: القسم الأكبر والنظرية السائدة تفيد بأن الدماغ يخلق الوعي وبالتالي يفنى الأخير بموت الدماغ، والنظرية الثانية تنظر إلى الدماغ كجهاز استقبال للوعي، مما يعني أنه يمكن للوعي أن يستمر بعد موت الدماغ بما أنه ليس مصدرأً له في الأساس. إذا كان للشاهد القيمة والدور الأكبر في القانون، فقيمة العلم تكمن في ما يمكن قياسه. وطبعاً يصعب حتى اليوم اختبار النظريتين وقياسهما كون الوعي غير مادي. إلا أنه تم دراسة وتوثيق العديد من تجارب الاقتراب من الموت من خلال استجواب أشخاص أُعلنوا موتى سريرياً حتى تم إنعاشهم. أشهر هذه الدراسات نشرت في العام 2001 في المجلة الطبية الدولية العريقة "ذي لانسيت". وثقت هذه الدراسة على مدى 13 عاماً تجارب الاقتراب من الموت لـ344 مريضاً كانوا يعانون من سكتة قلبية، فتبين أن 18% من المشاركين أفادوا بأنهم يتذكرون خوض تجربة الإقتراب من الموت في الفترة التي كانوا فيها في حالة الموت السريري. في السياق نفسه خلصت دراسة أخرى تأتي من جامعة ساوثهامبتون تم فيها توثيق 140 حالة موت سريري إلى نتائج مماثلة مع المفارقة بأن نسبة الأشخاص الذين أفادوا علامات وعي بعد الموت بلغت حوالي الـ40% منهم 9% من يتذكر أشياء على صلة بالفترة التي كان فيها في حالة الموت السريري. كما تم تسجيل حالة تجربة الاقتراب من الموت لأحد المرضى في غياب أي نشاط كهربائي في الدماغ بعد السكتة القلبية نتيجة عدم كفاية إمدادات الدم إلى الدماغ. أخيراً خلصت هذه الدراسة إلى أن الوعي يمكن أن يستمر حتى ثلاث دقائق على الأقل بعد الموت. يشكك البعض في مصداقية هذه التجارب و يتصدون لها، معتبرين أن المشاهدات ليست إلا هلوسات أو أضغاث أحلام تحت تأثير المخدر. ولكن يبقى المثير للاهتمام هو أن إفادات هذه الأشخاص في هذه الدراسات وغيرها تتشابه في مضمونها برغم اختلاف أصحابها. كما أن تشابه الإحصاءات والنتائج في عدة دراسات مستقلة بعضها عن بعض، بالإضافة إلى تسجيل حالات تجارب الإقتراب من الموت في ظل غياب أي أثر لمخدر أو أي عوامل طبية يعزز مصداقية هذه الدراسات. ويعتقد الباحثون أنه هناك احتمال بأن تكون نسبة الأشخاص الذين يختبرون الوعي بعد الموت السريري أكبر بكثير من التي تم تسجيلها إلا أن عدداً كبير من الأشخاص قد لا يتذكر تجارب الإقتراب من الموت بعد الإنعاش. ويناشد الباحثون في نهاية هذه الدراسات إلى ضرورة تركيز الجهود المبذولة لشرح حدوث ومحتوى تجارب الاقتراب من الموت علمياً، وخاصةً العناصرالمتعلقة بتجربة الخروج من الجسم وغيرها من الجوانب التي ينبغي التحقق منها.

علمياً، جانب واحد من الحياة يستمر بعد الموت

في شق مختلف كلياً، ومنفصل عن الوعي والدماغ وعلاقتهما بالموت، أظهر بحث علمي كمي بحت يعتبر من أهم الإكتشافات العلمية لسنة 2016 أن جانباً واحداً على الأقل من الحياة يستمر بعد الموت: الجينات. منطقياً، لطالما توقع العلماء أن يتوقف عمل الجينات بعد فترة وجيزة من الموت. ما وجدوه بدلاً من ذلك هو أن مئات الجينات تعزز نشاطها في الـ24 ساعة الأولى بعد الموت حتى أن بعض الجينات تظل ناشطة لغاية 4 أيام من تاريخ الوفاة. العديد من هذه الجينات تؤدي مهام متعلقة بالالتهاب، والمناعة، أما البعض الآخر فله وظائف غير متوقعة ومدهشة مثل تلك التي تلعب أدواراً أساسية قبل الولادة في فترة النمو وتكوين الأجنة. وأوضح الباحثون أن أحد التفسيرات المحتملة لإعادة تنشيط هذه الجينات بعد الوفاة هو أن الظروف الخلوية في الجثث الميتة حديثاً تشبه تلك الموجودة في الأجنة. كما وجد الفريق أيضاً أن العديد من الجينات التي تعزز السرطان أصبحت أكثر نشاطاً. وقال نوبل الذي ترأس هذه الأبحاث إن هذه النتيجة يمكن أن تفسر سبب تعرض الأشخاص الذين يتلقون عمليات زرع من المتوفى مؤخراً لخطر أكبر من الإصابة بالسرطان. بالطبع لايمكن اعتبار هذه الدراسة دليلاً قاطعاً للحياة بعد الموت لكنها جاءت لتسلط الضوء على درجة جهلنا للموت فكيف بالأحرى الحياة بعد الموت! في الخلاصة لا يمكن إلا التسليم بأن المجتمع العلمي لايزال حتى اليوم عاجزاً عن تقديم أدلة حازمة والإجابة عن سؤال بصعوبة وتعقيد مفهوم الحياة بعد الموت وذلك لأنه يفتقر إلى الوسائل التي تتيح دراسة الظواهر غير المادية. فضلاً عن ذلك، فإن الإكتشافات العلمية في هذا المجال لا تزال هي أيضاً في مراحلها الأولى. ولأن عواقب هذه الأبحاث ستكون حتماً هائلة وتؤثر ليس فقط على فهمنا للعلوم، ولكن أيضا للفلسفة والدين، والعديد من المجالات الأخرى في حياتنا، لا بد من الإلحاح والمطالبة بهكذا نوع من الدراسات وأهم من ذلك أيضاّ تأمين الدعم المعنوي والمادي للمغامرين في هذا المجال. عندها ربما تتحقق نبوءة تيسلا الذي لطالما آمن بأن "يوم يبدأ العلم دراسة الظواهر غير المادية، سوف يحقق تقدماً في عقد واحد أكثر مما حقق منذ نشأته في القرون الماضية مجتمعة". صورة المقالة، تشكيل ليزر عن الحياة والموت للفنان لي هيو. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image