في منطقة كردستان شمال العراق، في قبور عمرها ما بين 35 إلى 65 ألف عام، تعود للإنسان الأول (البدائي أو النياندرل) في ما يعرف بـ"كهف شَانِدَر"، وجد عالم الأنثروبولوجيا رالف سوليكي وروداً وضعت على القبور من نباتات لا تنمو في تلك المنطقة. اعتُبِر ذلك طقساً جنائزيّاً، ومن أقدم ما اكتشف عن احترام البشر للموتى بدفنهم، ووضع علامة تقدير على قبورهم. ومنذ تلك البادرة، تعددت أشكال تعامل البشر مع الموتى، وأشكال تخليد ذكرى الناس بعد موتهم، ويكفي أن نذكر الكم الهائل من شعر الرثاء في تاريخنا العربي، وشواهد القبور، والصور، والمنحوتات، وسيل القصص الشفوية والمكتوبة، وزيارة المقابر، ومشاهد الرياحين والزهور لنعرف إلى أي حد نكرم الميت، ونحرص على استمرار ذكراه حية بعد رحيله عن عالمنا.
الروح والجسد
كان الموت، ولا يزال، من أكثر القضايا التي شغلت الإنسان عبر تاريخه الطويل، وكان الاهتمام ينصب دائماً على العلاقة بين الجسد والروح، وعلى مصيرهما بعد الموت. من المعروف أن الديانات السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، والديانتان الأرضيتان: الهندوسية والبوذية، تتفق على وجود الروح، وترى أن الروح ذات طبيعة غير مادية، وأنها لا تموت بموت الجسد، بل تنفصل عنه، وتبقى. ولكن الديانات السماوية ترى أن الروح تتنظر حسابها يوم القيامة لتذهب إلى الجنة إذا كانت أفعال صاحبها صالحة، أو إلى النار إذا كانت طالحة، بينما ترى الديانتان الأرضيتان أن الروح تنتقل إلى دور تال من حياتها في جسم آخر، أي أنها تقول بالتقمص إلى أن تصفى، وتتّحد بالطبيعة الأم كقوة خيرة، أو تفنى كشريرة.وحدة الكون، التقمص ومفهوم الجنة والنار
تعاملنا مع الجسد بعد الموت، يعبّر بشكل أساسي عن مبادئنا الاجتماعية ومعتقداتنا الدينية أو الغيبية التي نراعيها في طقوس الدفن. تحدثت الديانات والمعتقدات الغيبية عن فصل بين الروح والجسد، وكان جلّ التركيز على مصير الروح، وأبديتها، وفي بعض الحضارات، توجه الاهتمام لإمكانية أنْ تعود الروح لتسكن الجسد نفسه، أو لتسكن جسداً غيره، أو شكلاً آخر من أشكال الحياة. قدمت الديانات الشرقية تصوراً لوحدة الكون، وللحياة التي تتجلى في كل تفاصيل الطبيعة، وكذلك في عودة الروح لتتجلى وتتقمص في أشكال الحياة المختلفة، ومن هنا جاءت طقوس جنائزية تحرر الروح من الجسد، منها الأكفان المعلقة وهي عادة قديمة يعتقد بأنها بدأت جنوب الصين، يرجعها البعض لمحاولة تقريب القبور من السماء، أو لحمايتها، ومنها أيضاً حرق الموتى.وهناك طقوس لانفهما بشكل كامل، ولكن يعتقد بأنها كانت بهدف منح الجسد أو الروح، أو كليهما حياة أبدية، لعل أهمّ أمثلتها التحنيط والأهرامات من تاريخ مصر الفرعوني، ومن الشرق، ضريح المذهل الذي يعرف بـ "جيش التيراكوتا"، بناه إمبراطور الصين الأول تحت الأرض. بقي أن نضيف هنا أن هناك كثيرين من المفكرين الماديين، والناس العاديين يرفضون ثنائية الجسد والروح، ويرون أنهما يشكلان وحدة معاً في الحياة، وينتهيان معا بعد الموت. ومع ذلك فإن هذا الرأي لا يغير في واقع اهتمام الناس جميعا بمصير الروح بعد الموت؛ وبرغم اعتقادهم أن الجسد من التراب، وإلى التراب يعود بعد الوفاة؛ إلا أنهم يستمرون في تكريم قبور الموتى احتراماً لأصحابها الذين تربطهم بهم صلة قربى، أو صلة عقيدة، أو صلة غايات.
فكرة الحياة بعد الموت قد تكون أقدم تساؤلات الإنسان أمام لغز الموت
هل أصبحُ شجرة بعد أنْ أموت؟
ماذا لو تركنا الحديث عن أبدية الروح، وبدلاً منها فكّرْنا بأبدية الجسد؟ هذا ما يقدمه مشروع كابسول مندي، لمصممين إيطاليين هما أنا تشتيلي من ميلان وراؤول بريتزل من روما، يتصوران فيه مقاربة جديدة لطريقة تفكيرنا بالموت، والاهتمام به من منظور وجودنا في الطبيعة، واهتمامنا بالبيئة. وأساس المشروع، الذي دخل لاحقاً في خيز التنفيذ الفعلي، هو تصميم لحجيرة صغيرة على شكل بيضة، مصنوع من مواد قابلة للتحلل، يمكن أن تصبح بمثابة كفن أو تابوت، يوضع فيها الجسد في وضعية الجنين، وتدفن البيضة تحت التراب لتكون "بزرة"، يزرع فوقها شجرة يختارها أهل الفقيد أو يمكن أن يختارها الأشخاص قبل مماتهم.بدأت فكرة المشروع من الرغبة في اعتماد دور أكبر للإبداع والتصميم في حياة المجتمع الذي أخذ في كل أرجاء العالم يبتعد عن الطبيعة، ويغرق في هوسه بالأشياء، والتركيز على الشباب والتمسك بالحياة، حيث يتم التعامل مع الموت بأنه من المحرمات أو المآسي. يقدم المصممان نظرة جديدة للموت على أنّه شكل معبّر عن استمرارية وجودنا بشكل مادي، وعلى أنه طريق إلى الحياة الأبدية "في الطبيعة". ولأن التوابيت وطقوس الدفن عادة لا تندرج تحت الفن، وليس للفنانين أي دور في تصمميها أو تنظيمها، ولأن ثقافات عديدة تستخدم زيوت ومواد كيماوية، لأسباب تزينية أو طبية ليحافظ الجسم على مظهره، قبل الدفن، أرادت تشيتلي وبرتزل أن يقدما تصميماً يحرر الجسد من أي إضافات كيماوية، ويمنح الموت أهم رموز الحياة: البيضة (الرحم)، والشجرة. والسؤال الأخير هو: هل يمكن فعلاً أن نحول المقابر إلى حدائق تمتلئ بالشجر والخضرة والحياة؟ إنه حلم جديد.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ 6 أيامSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.