"250 جنيهاً للبامبرز (14 دولار)، الباكيت الواحد 125 جنيهاً، والرضيع يستهلك عادة 2 باكيت. 50 جنيهاً (3 دولار)شامبوهات وما إلى ذلك، بجانب طعوم عدة، منها طعم «روتا» ثلاث مرات في العام الأول، وسعر الطعم الواحد 320 جنيهاً (18 دولار)، ووجبات الغذاء 200 جنيه (11 دولار)، وملابس 200 جنيه، وألعاب نحو 100 جنيه (6 دولار)... وإن شئت المتوسط للطفل في عامه الأول شهرياً فيبلغ 750 جنيهاً (43 دولار)".
ما قاله محمود سيد، الذي أنجب طفله الأول قبل 6 أشهر، يعد الحد الأدنى لكلفة أي طفل رضيع في مصر.
هذا الحد الأدنى يقارب 25% من دخل أي أسرة مصرية بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، الذي أكد أن متوسط دخل الأسرة السنوي 36 ألف جنيه (2038 دولار) أي 3 آلاف شهرياً (170 دولار)، وهو رقم تحت خط الفقر نظراً للأوضاع الجديدة من تحرير سعر الصرف ورفع الدعم وزيادة الأسعار.
وبعيداً عن حسبة محمود، الذي يعمل مهندساً ويتقاضى راتباً قدره 3500 جنيه (198 دولار)، ويتذمر من كلفة المعيشة في هذا الزمن، فإن كلفة إنجاب أول طفل باتت مشكلة تقابلها شريحة كبيرة من الشباب الذين استطاعوا أن يكسروا حاجز الزواج نفسه، لكنهم لم يستطيعوا كسر حاجز الإنجاب.
"ما فائدة حياتنا"
عبدالرحمن محمد الذي تزوج منذ عام، ويعمل معداً للبرامج في إحدى القنوات الفضائية، يروي قصته مع إنجاب أول طفل: "كانت تلك هي المشكلة الحقيقية في اختيار شريكة حياتي، هل تقبل تأجيل الإنجاب أم لا". يضيف: «بالطبع العامل المادي هو السبب، لا أحد يكره أن يكون أباً، فالأولاد زينة الحياة الدنيا لكن على الجانب الآخر فإن عملية الزواج لا تجعلك تملك جنيهاً، ناهيك بحالات كثيرة تكون فيها مديوناً، ومصروفات البيت أيضاً سيكون لها كلمتها، بجانب أحلامك البسيطة، أليس من حقك أن تملك سيارة مثلًا، أن تكون قادراً على الذهاب للبحر في الصيف، وللمشتى في الشتاء كالأقصر وأسوان، إن كانت تلك الأمور غير موجودة، فما فائدة حياتنا». ويكمل: «قرار تأجيل الإنجاب اتفقت عليه مع زوجتي لمدة 3 سنوات نستطيع خلالها شراء سيارة والتمتع قليلاً بحياتنا قبل الإنجاب، الذي سيمنعنا من فعل أي شيء سوى إسعاد طفلنا، وتلك غريزة بشرية، كما أن للطفل مصروفاته، وإن كنت تحملت بعض التعب في حياتي فلن أسمح به لابني، رأيت زملاء حين يمرض أولادهم يأخذون سلفة من أصدقائهم، لا اتخيل نفسي في هذا الموقف». يقول عبد الرحمن: «لم ألجأ إلى أي وسيلة لمنع الحمل، زوجتي خشيت من أن يؤدي ذلك إلى التأثير في عملية الإنجاب بعد ذلك، فلجأت إلى الواقي الذكري، ورغم كلفته المرتفعة، فقد أدى الغرض». ربما يكون هذا كله أحد أسباب انخفاض معدل المواليد في العامين الأخيرين، وفقاً لتصريحات وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين، الذي أوضح أن معدلات الإنجاب انخفضت منذ عام 2015 بمعدل 80 ألف مولود في السنة، وهو أمر لم يحدث خلال الـ10 سنوات الأخيرة."انتهاء أحلامنا"
وخلافاً لذلك، قررت سمر العادلي وزوجها طاهر محمود، الذي يعمل في مجال المقاولات، عدم الإنجاب أول 5 سنوات، تقول: «زوجي لم يكن لديه رأي محدد لكنني أقنعته بجدوى عدم الإنجاب". لافتةً إلى أن الأمر لا يتعلق بالكلفة المادية، فهما قادران، لكن الإنجاب في هذا العمر المبكر -23 سنة - يعني انتهاء أحلامها فعلياً في عيش حياة هادئة. "فيديو في برنامج أبلة فاهيتها كان سبب حسم الاختيار» توضح سمر أنها شاهدت مقطع فيديو لنساء حوامل يروين كواليس الحمل ما بين «الوحم»، و«الوزن الزائد» وما يشبه انقطاع العلاقة الزوجية، ثم تكريس حياتك كلها لطفلك، وتقول: "حين شاهدته قبل زواجي بشهرين لم أتخيل نفسي قادرةً على الإنجاب في هذا العمر، خصوصاً أنني أريد حياة مليئة بالحيوية، و«الخلفة» كده كده جاية». ورغم رضا زوجها الذي أغرته بحياة هادئة كما توضح، كانت المشكلة الحقيقية في الأهل، فهي متزوجة منذ عامين وبعد أول 6 أشهر بدأ أهل العريس يسألون ابنهم بطرق غير مباشرة وسمر كذلك عن سبب تأخر الإنجاب. تؤكد سمر: "بالطبع لا يمكن مواجهتهم بقرارنا خصوصاً أنه لا سبب مادي لذلك، ومع إلحاح الأهل وطريقة تفكيرهم قد لا نصمد". «حيلة» خرجت بها سمر وزوجها، بعد أن لجآ إلى عدم المعاشرة الكاملة حتى لا يحدث حمل، أو إلى استخدام الواقي الذكري في بعض الأحيان، وقد أخبرا أهلهما أنهما ذهبا لطبيب وأكد أن الأثنين ليس بهما أي عيب، وأن الأمر «قسمة ونصيب». وتكمل: "كانت مشكلة لكنها ستحل حين نقرر الإنجاب"، مشيرةً إلى أنها سعيدة في حياتها الزوجية الآن كثيراً.الخوف من لقب "أب" و"أم"
في التاريخ يوجد قصة مشابهة للكاتب الكبير الراحل أنيس منصور، الذي لُقب بعدو المرأة، بعد أن ظل سنوات طويلة يساعد على عدم الزواج، وحين تزوج هو أخيراً قرر عدم الإنجاب. وتقول سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة القاهرة وخبيرة بالشؤون الأسرية، إن الأنسان عدو ما يجهل وتجربة الزواج والإنجاب غير قابلة للمعرفة عن بعد، بمعنى أنك لا تدري معنى كلمة أب حين تكون كذلك، وبالتالي فإن هذا الجهل يجعل الزوج والزوجة خائفين من تلك التجربة ويحاولان تأجيلها قدر الإمكان. الخوف كلمة السر، تؤكد خضر، إذ المخاوف كثيرة ما بين الاستعداد نفسياً، فالرجل سيتحمل مسؤولية طفل والمرأة ستتحمل مخاض الحمل والولادة، وستكون هي المسؤول الأول، ثم تأتي الكلفة المادية وتوفير مستقبل للأولاد، وهذه بالنسبة للرجل أيضاً مسؤولية أخرى، ناهيك بأن مواقع التواصل الاجتماعي ساعدت في انتشار تلك الأفكار، فالغالبية لا يتحدثون بإيجابية عن حياتهم، وبالتالي، الصورة المصدرة هي صورة سيئة. ضمن قائمة المخاوف أيضاً، الأهل، الذين يسألون من بعد أسابيع من الزواج عن الحمل، وفي الثقافة المصرية الشائعة، تأجيل الإنجاب «بَطر»، وهو ما يؤدي إلى ضغوط أخرى على الأزواج.تحقيق الأحلام
للعمل والأحلام كلمتهما أيضاً، فنهى عبدالحفيظ التي تعمل في مجال تصميم الأزياء، رفضت الإنجاب في أول زواجها، الذي بدأ منذ ثلاثة أعوام، ولم تنجب حتى الآن، لتحقق حلمها في أن تكون صاحبة «Atelier » خاص بها يعرض تصميماتها في الملابس. وتقول نهى: "كان شرطي في البداية ألا يكون هناك إنجاب، وأهلي كانوا يدركون ذلك جيداً ولم يعارضوه، أما زوجي، فلم يستطع مواجهة أهله بأن تلك رغبتي، فأكد أنها رغبته أيضاً"، مضيفةً أن الأم هي من تتحمل مسؤولية الطفل في كل شيء، الرجل سيذهب إلى عمله بشكل طبيعي، أما الأم فهي التي ستنتهي حياتها العملية على الأقل حتى يكبر الطفل، كما هو الشائع في مجتمعاتنا الشرقية. وتكمل: "كان لا بد من تحقيق خطوات يمكن من خلالها أن أغيب شهور الحمل والرضاعة، وأعود لمجال العمل، وقد رفضت الزواج في البداية من أجل ذلك، وحين وافق زوجي على شرطي تم الزواج. أنا أحقق خطوات جيدة، وهو أيضاً، والأهل ملتزمون الصمت، وإن لم يعجبهم الأمر حتى الآن". ربما تفيدنا قصة محمد مكاوي، الأردني الذي يسكن في العاصمة عمان، ويعمل في إحدى شركات الكمبيوتر ومتزوج من 8 سنوات دون إنجاب. يوضح محمد أن المشكلة لم تكن مادية على الإطلاق، فهو يملك سيارة وبيتاً وراتباً جيداً برغم ظروف بلاده الاقتصادية. الخوف من المستقبل هو ما دفع مكاوي لعدم الإنجاب، يقول: «أنظر حولك. وطن مفكك وعالم فيه صراعات ودول بوليسية ولا مجال لمواطن يعيش بآدميته، وعليه، فلماذا أنجب، أنا وزوجتي اتفقنا على ذلك، الآن نحن مسؤولان عن حياتنا وهكذا يكفي». ويضيف مكاوي: "إذا لم ننجب فلن يشعر أحدنا بقيمة إحساس الأبوة أو الأمومة وهو يولد مع الإنجاب وبالتالي لا نعاني من فقدانه، ربما ننجب بعد سنوات أخرى أو لا، لكن تلك الدنيا التي نحياها لا تستحق أن نأتي لأحد بها". تقول خضر: "لكل تجربة وجهان، قد يكون في تأجيل الإنجاب فرصة جيدة للتأهيل، الذي يتطلب بعض النصائح لتلافي أي مخاوف، أهمها عدم الخوف وتقبل أن تلك هي أمور عادية في الحياة وأن من خاضوها ليسوا جنساً آخر، القليل من الإيمان يكفي لكي ينجب الزوج والزوجة، وأهم ما في الأمر عدم الإنجاب إلا حين يكون القرار ذاتياً لا علاقة له بالأهل". وأكدت أن تأجيل الإنجاب فكر بدأ يزداد في الأوساط الشبابية، وربما يكون أفضل من الإنجاب مباشرة في أحيان كثيرة، على الأقل. في كل الأحوال يجب أن يكون قراراً وليس صدفة، فإن ذلك استعداد إيجابي لتقبل أول طفل، ناصحةً أن يكون الاتفاق على ذلك بين الزوج والزوجة قبل الزواج.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...