انطلقت بسرعة وأصبح لها حضور كبير في العالم العربي، خاصة بين من يؤمنون بأن العالم لم يعد مكاناً مؤهلاً للحياة، وبالتالي من الظلم الدفع بأطفال أبرياء للعيش فيه لمجرد تنفيس نزوة أو شهوة لآبائهم.
تعرف الحملة باسم "ضد التناسل"، وتقوم على إدارتها والتنسيق بين أعضائها مجموعة من الشباب العرب المهتمين بهذا الملف، على رأسهم المصري محمود ماهر عبد الهادي الذي بدأ دعوته من خلال مقالات دعا فيها لوقف التناسل، وآخر تونسي يتحفظ على ذكر اسمه أو أي معلومات عنه حرصاً على حياته واحتمال تعرضه للخطر بسبب هذه الحملة.
بداية الحملة كانت مبادرات متواضعة متشابهة على مواقع التواصل الاجتماعي كحملة شباب ضد الإنجاب، ومجموعة معادة الإنجاب، ومجموعة أخرى باسم "مغاربة لا إنجابيون"، اجتمعوا لاحقاً في كيان واحد تحت اسم "ضد التناسل" بهدف وقف الإنجاب.
يقول أحد مؤسسي الحملة، وهو شاب تونسي تواصل معه رصيف22 ورفض ذكر اسمه، إن إعلان إطلاق الحملة كان اختباراً لوقع الفلسفة اللاّ إنجابيّة على وعي المتلقي العربي. وعلى عكس توقعاته وتوقعات زملائه، وجدوا انتشاراً سريعاً وتأييداً كبيراً لها، خاصة بسبب ما يمر به العالم من حروب وأزمات بيئية وكوارث طبيعية تسببت بأن يتسرب اليأس لصفوف شباب المنطقة.
فبعضهم يرى أن الانتحار هو الحل الوحيد ويرى الآخر أن البقاء في الدنيا لنهاية حياته واجب، ولكن من غير الإنساني إنجاب أطفال ليعانوا في هذا العالم الذي يحتضر.
"نحن دعوة أخلاقية"
يصف أصحاب الحملة ما يفعلونه بأنه دعوة أخلاقيّة في المقام الأوّل بعيداً عن أي تصنيفات أخرى. يقول الشاب التونسي لرصيف22: "إن جوهر الحياة معاناة من وجهة نظرنا، ووجود الإنسان في هذا العالم أمر عبثيّ جدًّا لا معنى له، ومن العار أن نقذف بأطفال أبرياء إلى عالم مُوحش لا ندري الغاية من وجوده أصلًا، كما أنّ كوكب الأرض ليس مكانًا صالِحًا للحياة، والدّليل على ذلك كثرة الأمراض والأوبئة والكوارث والحروب وبقيّة الأشياء السيّئة التي تحدث بلا سابق إنذارٍ، هذا السّببُ وحده من المفترض أن يكونَ كافياً للتدليل على قبح الإنجاب وبشاعته وقلّة رحمته". ويضيف: "لم ندعُ يوماً إلى منع التناسل بالقوّة، نحن نعي جيّداً استحالة تحقّق الانقراض الطوعي، ومتأكّدون من ذلك ولا نطمع فيه وذلك لاستحالة اتفاق الناس على رأي واحد ولتعدّد الأهواء والملل والنحل والأفكار ولانقياد الإنسان لغرائزه المتأصّلة فيه بيولوجياً منذ فجر رحلته التطوّرية". الفكرة اللّاإنجابيّة/ الانقراضيّة برأي المجموعة ليست صيحة جديدة أو موضة عابرة نتيجة حال العالم العربي، وهي أكبر من حملة فيسبوكيّة، فاللّاإنجابيّة موقف فلسفي قائم على أنساق فلسفيّة ضاربة ومتجذّرة في تاريخ التفكير الإنساني، وهي اختيار وجودي "حرّ وأصيل"، بحسب وصف المجموعة. "ولهذا إنّ أقصى أهدافنا هو التعريف بهذه الفلسفة في العالم العربي وكسر تابو الإنجاب وحثّ الناس على إعادة التفكير في فعل التوالد ونزع البداهة عنه"، يقول الشاب التونسي.حملة جديدة انطلقت على فيسبوك وتويتر تدعو الناس للتوقف عن الإنجاب، والعمل على انقراض البشرية
أكثر من20 ألف عربي يشاركون في صفحة الحملة على فيسبوك... والسوريون الأكثر مشاركةً
هدفنا كسر تابو الإنجاب والحثّ على إعادة التفكير في فعل التوالد ونزع البداهة عنه...
ماهو عدد المؤيدين؟
من جهة أخرى، تجاوز عدد متابعي الصفحة على فيسبوك العشرين ألفاً، وهو ليس بالضرورة رقماً دقيقاً لأن هناك من يؤمنون بالفكرة من دون الانضمام للصفحة. يقول مؤسسو الحملة إن الفكرة تجذب أفراداً من خلفيات دينية واجتماعية مختلفة، على الرغم من ظن المؤسسين أنها لن تروق للمؤمنين، لكنهم وجدوا تقاطعاً بينها وبين مبدأ الزهد والتقليل من الملذات الدنيوية والتعلق بالدنيا. ويستدل المسلمون منهم بآية "ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر"، وآية "المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا". يقول مؤسسو الصفحة أن أكثر الدول التي شارك أعضاء منها في حملة ضد التناسل، كانت سوريا ثم مصر فالمغرب ثم تونس. وتفسر الحملة سر الانتشار الكبير والنشاط الأكبر للسوريين فيها بأن سوريا حالياً تعاني من نيران الحرب وقصف الأطفال وقتلهم دون رحمة، الأمر الذي دفع السوريين لتبني فكرة التوقف عن الإنجاب في ظل أجواء قائمة في بلادهم لا تساعد أي طفل على عيش الحياة التي يستحقها بل أصبحت تمثل خطراً داهماً عليه.لماذا يرفضها الدين؟
قد تكون حملة ضد التناسل الأشهر التي تدعو لوقف التناسل والعمل على انقراض البشرية في العالم العربي، لكنها ليست الأولى في العالم. فهناك حملات ظهرت قبلها تدعو للفكرة نفسها في أوروبا مثل "حركة الانقراض الإرادي للجنس البشري" و"كنيسة الموت الرّحيم". المشكلة الأكبر التي تواجه حملة "ضد التناسل" والتي تجعل مؤسسيها يفضلون البقاء بعيداً عن الأضواء خوفاً على أنفسهم، هي معارضة الحملة للأديان السماوية، ورفض كل الأديان ما تدعو إليه هذه الحملة. سبب الرفض برأي المؤسسين هو اعتماد الأديان على كثرة عدد المؤمنين، وليس لمصلحتها أن ينقرض أتباعهم أو حتى أن يقل عددهم، وقد شبهوا هذا الموقف بموقف أصحاب المصالح الاقتصاديّة والسياسيّة الذين يرون في الإنسان رأسمالاً بشرياً يستثمرونه في تجارتهم. في النهاية، يزداد أعداد المنضمين لهذه الحملة بسبب الكوارث التي يشهدها العالم العربي الآن، وخاصة في ظل ظهور داعش وضربها للعراق وسوريا، الأمر الذي أفقد الشباب العرب أمله بالتكاثر والتناسل وجعلهم يحجمون حتى عن الزواج كي لا ينجبوا أطفالاً يدفعون أرواحهم ثمناً لذنب لم يرتكبوه، وفقاً لرؤية مؤسسي الحملة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون