شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
14 دولار ثمن تزوير الشهادات الطبية قبل الزواج... وثمن مرض طفلكم

14 دولار ثمن تزوير الشهادات الطبية قبل الزواج... وثمن مرض طفلكم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 3 أغسطس 201711:54 ص
شعرت الأسرة بسعادة غامرة، عندما تقدم ابن العائلة المقتدرة لخطبة ابنتها نهاد، فارتضت به زوجاً على رغم عدم معرفتها الجيدة به. وفي سرعة شديدة أتم إجراءات الزواج، لا سيما الفحص الطبي الذي يتطلبه القانون لإتمام عقد القران، حيث دفع رشوة لاستخراج شهادة من دون مشاركة العروس. تروي نهاد، 23 سنة، والتي طلبت حجب هويتها أنها تجاوزت عدم اهتمام زوجها بها وغيابه الطويل عن المنزل وتبرير ذلك بقصص لم تصدقها يوماً، وكان الأمل بالنسبة لها باستقبال ابنهما الأول. إلا أن حياتها تحولت من سيئ إلى أسوإ حين ولد الطفل بحال صحية متردية، ليفقد حياته بعد شهور قليلة، وكانت الصدمة الكبرى بعد اكتشافها سبب وفاة الطفل وهو أنه حامل فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، والذي أصبحت هي الأخرى تحمله بعد انتقال العدوى من الزوج. تقول نهاد حينما التقاها رصيف22 في مستشفى الحميات أثناء حصولها على الدواء الخاص للمتعايشين مع فيروس الإيدز: "بعد معرفتي بإصابتي بالفيروس اللعين، فهمت سبب رفض زوجي إجراء الفحوص الطبية قبل الزواج، واختياره إياي على رغم الفارق في المستويين الاجتماعي والمادي بيننا، كان يعتقد أنني سوف أتجاوز إصابتي بالفيروس الذي نقله إلي وهو يعرف جيداً أنه مصاب به، مقابل الحياة الرغيدة التي أصبحت أعيشها بعد الزواج، إلا أنني اخترت الانفصال عنه وحالياً أتقبل واقع التعايش مع الفيروس". الفحص الطبي قبل الزواج هو عبارة عن مجموعة شاملة من التحاليل للأشخاص المقبلين على الزواج. فقد يكون أحدهما حاملاً صامتاً لمرضٍ معدٍ أو وراثيّ، ما قد يؤثر في النسل مستقبلاً، علاوة على فحص مشكلات الخصوبة. إلا أنّه أصبح مجرد إجراء روتيني. ووفقاً لدراسة أجراها المجلس القومي للسكان ونشرتها صحيفة الشروق، فإن "41% من الشباب الذين تزوجوا حديثاً، لم يجروا فحص ما قبل الزواج بشكل حقيقي، وتحايلوا من أجل الحصول على شهادة مختومة من أحد المستشفيات تفيد بأنهم أجروه". وفي الدراسة، ذكر الشباب المتزوجون، بحسب ما نشرته صحيفة الشروق عن الدراسة، "أن من بين الأسباب التي دفعتهم إلى التحايل على الفحص، أنهم اعتبروه روتينياً ولا جدوى منه، كما أن ضيق الوقت حال دون ذلك، وأنهم فضلوا دفع النقود وتوفير جهدهم". ويضيف التقرير أن نصف الذين أجروا الفحص، وهم 59% من العينة، قالو أنهم لم يستفيدوا منه لأنه كان مجرد أسئلة عن تاريخهم المرضي والأمراض المزمنة مثل الضغط أو السكر، بلا فحص طبي أو تحليل دم. زار رصيف22 مركزاً طبياً في منطقة الحي السادس بمدينة نصر ومستشفى المنيرة في حي السيدة زينب بالقاهرة. الفحص بحسب العاملين في هذه المراكز مجاني، لكن خيار التفاوض لاستخراج الشهادة الصحية من دون إجراء الفحص متاح، ويبدأ من 200 جنيه (12 دولاراً) ولا يزيد عن 500 جنيه (28 دولاراً). وهذا ما أكده 10 أشخاص تحدث معهم رصيف22 ومروا بتجارب مشابهة في مستشفيات ووحدات صحية مختلفة، حيث يقوم أحد العاملين بإرشادهم إلى شخص يمكنه إصدار الشهادة المطلوبة من دون إجراء الفحص، ما يثبت أن الفحوصات المطلوبة باتت أمراً روتينياً لا حالة استثنائية. ويعتبر المأذون الشرعي حلقة مهمة في عملية التزوير، إذ أنه في بعض الأحيان يتولى تجميع الأوراق المطلوبة لوثيقة الزواج، ويستخرج الشهادة الطبية بنفسه، مقابل ٥٠٠ جنيها (28 دولاراً) تضاف إلى أجره.
خيار التفاوض لاستخراج شهادة صحية دون إجراء فحص متاح دائماً، تبدأ التسعيرة بـ200 جنيه ولا تزيد عن 500
41% من الشباب الذين تزوجوا حديثاً في مصر لم يجروا فحص ما قبل الزواج، وتحايلوا للحصول على شهادة مزورة

الفحص الإجباري

في عام 2008، أصدر حاتم الجبلي وزير الصحة الأسبق القرار الرقم 338، والذي يقضي بضرورة إجراء فحص طبي مسبق قبل الزواج. وجاء في نص القرار: "يتم إجراء الفحص الطبي للراغبين في الزواج على أجزاء الجسم كافة، وتقييم الحال العقلية لكل منهم، وذلك للتحقق من خلوهم من الأمراض التي تؤثر في حياتهم أو صحتهم أو صحة نسلهم". واكب صدور قرار وزير العدل رقم 6927 لعام 2008 تعديلَ لائحة المأذونين لإلزام الزوجين بإطلاع المأذون على الشهادات الطبية. ووجه قرار إجراء الفحص الإجباري بالرفض. وفي عام 2008، أقامت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية دعوى قضائية ضده، وهي منظمة حقوقية مصرية، بسبب مخالفة سياسة الإجبار على الخضوع للفحص الطبي حقوقَ الإنسان وأحكام الدستور المصري التي تكفل لكل فرد الحق فى حرية الاختيار وتقرير المصير والحق فى الخصوصية. وبحسب القرار، يتم إجراء الفحص في المستشفيات الحكومية والوحدات الصحية التى تطبق نظام طب الأسرة، وذلك مقابل تحصيل مبلغ 80 (حوالي 4 دولارات) جنيهاً على أن يزداد هذا المبلغ بنسبة 10% سنوياً، إلا أن وزارة الصحة أصدرت قراراً عام 2011 بمجانية هذا الفحص. أما عن عقوبة تزوير شهادة طبية فإنه وفقًا للمادة 112 من قانون العقوبات، يعاقب كل صاحب وظيفة عمومية يرتكب أثناء تأدية الوظيفة، تزويراً في أحكام صادرة أو تقارير أو محاضر أو وثائق أو دفاتر أو غير ذلك من السندات والأوراق، سواء كان ذلك بوضع إمضاءات أو أختام مزورة أو بتغييرها، بعقوبة تصل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة وفقاً لطبيعة التزوير وتبعاته.

الرشوة مقابل الفحص

دائرة من الحيرة دخلت فيها نهى أحمد، 34 سنة، من أجل الحصول على الشهادة الصحية المطلوبة وفقاً لأحكام القانون من أجل إتمام إجراءات عقد القران. ومع قرب موعد زفاف نهى، بادرت إلى الدخول إلى الموقع الرسمي لوزارة الصحة، أملاً بالعثور على ما يرشدها إلى العيادات والمستشفيات التي خصصتها وزارة الصحة من أجل استخراج الشهادة الصحية. وبعد جولة بين عيادة تنظيم الأسرة القريبة من مقر سكنها ومستشفيات حكومية، انتهت بدفعها مبلغ 240 جنيهاً في مستشفى منشية البكري (بحسب قولها)، للحصول على الشهادة دون فحوصات طبية، رغم رغبتها بإجرائها، إلا أن العاملين في المستشفى أصروا على الرشوة وأعطوها التقرير الجاهز، بحسب قولها. ما زالت إنجي محمد علي، 38 سنة، والمتزوجة قبل 6 سنوات، تتفاخر باستخراجها الشهادة الصحية اللازمة لعقد القران، وفقاً لأحكام القانون، على رغم غياب زوجها وعدم حضوره الفحوصات. فقد كان مسافراً في الكويت وحضر قبل موعد الزفاف بساعات. تعتبرها "شطارة". فقد دفعت 300 جنيه (حوالي 16 دولاراً) مختصّة التمريض الموجودة في مكتب الصحة بمصر الجديدة واستخرجتها.

تخوفت من معرفة معلومات قد تفسد زواجي

لم تتخيل مهى عباس، 26 سنة، أن عدم الاهتمام بإجراء فحص مسبق قبل الزواج يمكن أن يتسبّب في إنجاب طفلة تعاني من خلل في الجينات أدى إلى شلل في عضلات الجسم كلها ما عدا المخ. تقول لرصيف22 عبر مكالمة هاتفية: "لدى وصول ابنتي إلى الشهر السابع، لاحظت عدم قدرتها على الجلوس. وبعد إجراء الفحوص الطبية، تبين أن الجينات الوراثية لي ولزوجي هي السبب في ذلك، وهو ما كان يمكن اكتشافه قبل الزواج، ومن رحمة الله وعطفه أن ابنتي توفيت قبل أن تكمل عامها الثالث". تكمل عباس: "لم أهتم كثيراً بالفحص المسبق قبل الزواج لأننا لسنا أقارب، كما أنني تخوفت من معرفة معلومات يمكن أن تفسد زواجي لينتهي قبل أن يبدأ، وهو ما أندم عليه".

أهمية الفحص

أوضحت الدكتورة نجوى عبدالمجيد، الأستاذة في قسم الوراثة البشرية ورئيسته بالمركز القومي للبحوث، أن هناك قصوراً في أجهزة التحاليل التي يمكنها الكشف عن الإعاقات الذهنية باستثناء حال وجود صلة قرابة مهما كانت درجتها، ووجود تاريخ مرضي واضح لدى أحد العروسين، ويستثنى من ذلك طيف التوحد لأن أسباب الإصابة به غير معروفة حتى الآن. وأردفت عبدالمجيد أن الفحص المسبق قبل الزواج من شأنه الكشف عن الأمراض الفيروسية مثل فيروس الكبد B وفيروس نقص المناعة المكتسبة، علاوة على أن تحليل السائل المنوي يمكنه الكشف عن الإصابة بالأمراض التناسلية مثل الزهري. إضافة إلى معرفة احتمال الإصابة بأمراض الدم الوراثية، ومرض السكر، وكذلك معدل عامل RH أو ريسوس - كروموسومات وراثية تشير إلى وجود بروتين معين على سطح خلايا الدم الحمر – الذي يمثل مشكلة خطيرة أثناء الحمل فقط إذا ما اختلف عامل RH بين الأم والجنين. تتابع: "أؤكد دائماً حقيقة مهمة وهي أن أي صلة قرابة مهما كانت درجتها تحمل خطر حدوث أمراض وراثية أو إعاقات، فكثرٌ يعتقدون أن الخطر عند الزواج من أبناء العموم فقط". ولفتت إلى أن قلة الإقبال على إجراء الفحوص المسبقة للزواج ناتجة من قلة الوعي، لا سيما خلال السنوات العشر الأخيرة، على رغم أهميتها لمتابعة الحمل واكتشاف الأمراض بسهولة، وبالتالي تقليل نسبة الإعاقة في المجتمع.

معدلات الإصابة بالأمراض الوراثية

وفقاً للمسح الميداني الذي أجرته وزارة الصحة عام 2014، فإن زواج الأقارب يمثل نسبة 31% بين المصريين، وتعتبر مصر من أعلى دول العالم فى معدلات الإصابة بأمراض الدم الوراثية نظراً إلى زواج الأقارب وغياب ثقافة الاكتشاف المبكر. وبحسب التقديرات التي ذكرتها الدكتورة آمال البشلاوي، الأستاذة في أمراض الدم والأطفال في مستشفى أبو الريش الجامعي ورئيسة الجمعية المصرية للثلاسيميا، فإن معدل الإصابة بمرض أنيميا البحر المتوسط (الثلاسيميا) يقدر بحوالى 30 ألف حالة. والثلاسيميا مرض وراثي ويحتاج المريض إلى نقل دم بشكل دوري لتعويض كريات الدم التي تتكسر.

سبب القصور

غياب الوعي قبل الإقرار الإجباري للنص الذي يلزم بحتمية إجراء الفحص المسبق قبل الزواج، هو كلمة السر وراء الوضع الحالي من صورية الفحص، هكذا بدأ الدكتور ممدوح وهبة، رئيس الجمعية المصرية لصحة الأسرة، حديثه إلى رصيف22، مشيراً إلى أنه كان واحداً من المشاركين في وضع تلك المادة القانونية. ويكمل: "كما أن الفحوصات اقتصرت على طلب تحليل دم للزوجة لكشف إصابتها بالأنيميا وعلاجها مبكراً قبل الحمل والولادة، ثم بالتدرّج اختفى هذا التحليل وأصبح الأمر مجرد روتين ينتهي غالباً بدفع رشوة، يعقبه الحصول على الشهادة، من دون توعية جنسية كما يجب". "الأزمة الحقيقية هي غياب وعي جدوى الفحص لدى فئة كبيرة من المقبلين على الزواج مع اختلاف المستويين التعليمي والثقافي" يقول.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard