يظل محمد حسنين هيكل حاضراً في المشهد السياسي العربي بين الحكام والمثقفين رغم رحيله. فقد اقترب الصحافي العربي الأشهر أو "الأستاذ" كما يُلقَّبه الجميع في مصر، من زعماء وسياسيين، وكتب عن أسرار وكواليس بعض أبرز الأحداث التي شهدها الشرق الأوسط، مثل هزيمة 1967، وحرب الخليج، والثورة الإيرانية.
كُتاب عدّة تصدوا لهيكل المولود في 23 سبتمبر 1923 والمتوفي في 17 فبراير 2016، ومؤلفات كثيرة نُشرت لتفنيد كتاباته والمعلومات التي نشرها في كتب ومجلدات ترجمت لأكثر من لغة.
فقد وجّه له انتقادات مفكرون مصريون وعرب، من بينهم أستاذ الفلسفة فؤاد زكريا، والمفكر المصري لويس عوض، والمفكر العراقي سيّار الجميل، ووزير الثقافة الأردني الأسبق، سمير الحباشنة.
لعبة الأحياء والأموات
من بين التناقضات التي وقع فيها هيكل لعبة الأموات والأحياء، كما يسميها فؤاد زكريا، في كتابه "كم عمر الغضب؟". فقد غضب هيكل حينما تعرّض جمال عبد الناصر لهجوم حاد من سياسيين ومفكرين وكُتاب بعد وفاته. ففي السبعينيات من القرن الماضي، كانت المؤلفات التي هاجمت ناصر كثيرة، وحملته مسؤولية هزيمة 1967، وتدهور أحوال البلاد، ووصفه منقدوه بـ"الديكتاتور"، ومن أشهرها "عودة الوعي" لتوفيق الحكيم. استخدم هيكل الذي كان مقرّباً من ناصر لعبة "لا للهجوم على الحاكم بعد مماته، لا لنبش القبور، لا لانتهاك الحرمات"، قبل أن يناقض نفسه، ويرفض تلك الفكرة في تعامله مع الرئيس أنور السادات. كتب هيكل "خريف الغضب" بعد اغتيال السادات في الثمانينيات، فهوجم بشدّة بدعوى أنه رحل عن الحياة، ولا يصح الكلام عنه بعد مماته، فكان ردّه: "أرفض رهبة الموت وقدسيته من أجل تبرئة الحكام وإبعادهم عن النقد. هل يأتي كل حاكم ويفعل ما يشاء ثم يذهب فلا نناقشه في حياته، ولا نناقشه بعد مماته؟ أهذا معقول؟". [caption id="attachment_122640" align="alignnone" width="700"] هيكل من اليسار بجانبه هدى عبد الناصر وجمال عبد الناصر في عام 1966[/caption] ووفق زكريا، فإن توفيق الحكيم رد على هيكل بعد هجومه على السادات، وقال له: "حالتي تشبه حالتك، أنت كتبت كتاباً هو ‘خريف الغضب’ اعتُبر هجوماً ضد السادات بعد موته، وأنا كتبت كتاباً هو ‘عودة الوعي’ اعتُبر هجوماً على عبد الناصر بعد موته". لكن هيكل رفض التشبيه، وقال: "لم أكتب بعد موت أحد. كتبت في حياته رأيي، وكتبت بعد موته دراستي لما حدث". وكتب هيكل مقالاً في صحيفة "الوطن" الكويتية، بعنوان "ما أكثر الشجاعة هذه الأيام على الغائبين"، اتهم فيه مَن ينتقدون الأموات بالجبن، لأنهم لم يمارسوا شجاعتهم إلا على الغائبين. في رأي زكريا، وقف هيكل على نفس الأرض التي وقف عليها خصومه، فكر بنفس منطقهم، وتبنى نفس قيمهم، وحلل لنفسه ما يحرّمه على الآخرين.كتّاب انتقدوا محمد حسنين هيكل: يخلط الآراء بالمقابلات والمعلومات غير الموثقة ولم يقدم سوى كتب إنشائية
الصحافي العربي الأشهر أو "الأستاذ" كما يُلقَّبه محبّوه أثار الكثير من الانتقادات في حياته...
غياب الوثائق في كتاباته
ثمة أسئلة أخرى تعرّض لها هيكل ولم يُجب عنها. هو نفسه قال ذات مرة "أرحب بالحساب لمواقفي وكتاباتي"، قبل أن يناقض نفسه بقوله: "لم أرد على أحد من الذين يتصورون أنهم سينالون مني". الكاتب العراقي سيّار الجميل كتب "تفكيك هيكل: مكاشفات نقدية في إشكاليات محمد حسنين هيكل"، تحدث فيه عن كل ما يخص حياة "الأستاذ" كما يلقبه محبوه. ومن بين الانتقادات التي وجهها إليه غياب الوثائق في دراساته. ووفق الجميل، افتقد هيكل للمصداقية، لأنه يتكلم باسم الأرشيف والوثائق، وفي نفس الوقت لم يوثّق أية مادة كتبها توثيقاً منهجياً وعلمياً. يتحدث عن روايات وأخبار ووقائع وآراء يقول إنها وردت على ألسنة بعض الزعماء والمسؤولين العرب بشكل خاص من الذين التقى بهم، لكنه لم يُخرج أيّة وثيقة، ويحاول التشويه على ذلك بعملية خلط للأوراق والقضايا، فيُدخل القارئ في متاهة فكرية ضائعة المعالم. هيكل، أشهر صحافي في الوطن العربي، هو في نظر الجميل صاحب توليفات كتابية تختلط فيها الآراء بالمقابلات بالمعلومات غير الموثقة، ولم ينجح لمرة واحدة في تقديم صورة معرفية، بل نجح في تقديم كتابات إنشائية. وذكر الكاتب العراقي أمثلة على انتقاداته. فعلى سبيل المثال، في كتابه "قصة السويس: آخر المعارك في عصر العمالقة"، انتفت التوثيقات من الكتاب نهائياً، رغم أن قصة السويس جزئية خطيرة ومهمة في التاريخ المصري المعاصر، وكانت بحاجة ماسة لتسليط هيكل الأضواء عليها من خلال التوثيقات التاريخية لا الاعتماد على التوليفات الإنشائية. وفعل الأمر نفسه، وفق الجميل في كتابه "مدافع آية الله: قصة إيران والثورة"، إذ سجّل قصة تفتقد للأسانيد والتوثيقات والأدلة، وبرغم ذلك، لم يُمانع من إطلاق أحكام خطيرة في الكتاب. وفي كتاب "لمصر لا لعبد الناصر"، انعدمت أية وثائق يمكنها أن تزرع الثقة عند القارئ بالكتاب ومعلوماته.لقاء الملك حسين
ذكر هيكل أنه التقى الملك حسين، ملك الأردن، عدة مرات منذ عام 1991، في لندن، حيث كانا ينزلان في نفس الفندق، "كلاريدج". وعرض في مجلة "وجهات نظر" تفاصيل لقاءين فقط، الأول في مايو 1992، ويقول إنه كان لقاء مشحوناً ومؤثراً إلى أبعد حد، والثاني في سبتمبر 1993.لكن وزير الثقافة الأردني الأسبق سمير الحباشنة كذّب هيكل، وقال إنه مدّعٍ، وردّ عليه في مقال بعنوان "تواريخ مشوشة حان زمن تصحيحها واستنتاجات جائرة ينبغي العودة عنها" في مجلة الزمان، أورده المفكر سائد درويش في كتابه "محمد حسنين هيكل: رجل كل العصور في أزمة وحرب الخليج". وقال في مقاله: "لقاءات الملك حسين وهيكل مزعومة، لأنه عند عودتي إلى سجل الملك في المكتب الإعلامي بالديوان الملكي، لم أجد في سجل التوثيق الخاص بلقاءات للملك إبان وجوده في لندن اسماً لهيكل عام 1993، أو ذلك اللقاء الذي يتحدث عنه في الفترة نفسها، ولو تم ذلك، فإنه حتماً سيرد اسم هيكل في هذا السجل، خصوصاً أن أي لقاء مع أي صحافي عربي ليس بالأمر السري. فليسمح لي هيكل أن أشكك في هذين اللقائين".عن الانتقادات التي وجهت لمحمد حسنين هيكل، المنظّر لفكرة: نحن ذبيحة من ذبائح الدول العظمى، ولا مسؤولية علينا في شيء مما حدث
تبريرات للمرحلة الناصرية
لويس عوض، أحد أشهر المفكرين المصريين، وجّه انتقادات لهيكل، واتهمه بـ"مجاملة جمال عبد الناصر"، وعدم إجراء مراجعة ذاتية للفترة بين عامي 1952 و1967. وفي كتابه "أقنعة الناصرية السابعة" كتب عوض تحت عنوان "جلسة مع هيكل"، أن الرجل الذي كان أكبر دعاة الناصرية، لم يتطرق بالنقد إلى الرئيس الراحل في كتابه "بصراحة عن عبد الناصر". لا توجد كلمة واحدة يقول فيها الصحافي الشهير: "لقد أخطأ عبد الناصر في كذا وكذا بدليل عبر الماضي والحاضر باستثناء موقفه من حرب اليمن وإغلاق خليج العقبة وهما اعتراضان نعرفهما عن أيام ناصر". ومن بين الانتقادات الموجهة لهيكل تبريره لبقاء عبد الحكيم عامر على رأس الجيش رغم عدم صلاحيته بسبب الحب والاستلطاف بينه وبين ناصر، باعتبار أن ناصر أذكى من التوقف عند هذه الاعتبارات، وباعتبار رؤيته لعامر كنموذج ممتاز للرجل الثاني، وزميل مثالي قوي ووفي. وهناك انتقاد آخر، وُجّه لتبرير هيكل غياب الأحزاب بقوله إن وسائل الإعلام الحديثة يمكن أن تكون لها فاعلية الأحزاب، وهو الرأي الذي سخر منه لويس عوض وقال: "نظرية غريبة لهيكل، لأن وظيفة أجهزة الإعلام في النظام الناصري كانت تبصير القاعدة برأي القيادة، وتبرير أعمالها، ولو أن القيادات كانت متعددة لأمكن تصور الحوار في ما بينهما، لكن وحدة القيادة جعلت مصر تعيش نحو عشرين عاماً في ما يشبه المونولوغ".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...