"يهوشوع بن نون" أو "يشوع"، أو "يوشع" باللغة العربية، شخصية ورد ذكرها في العهد القديم على أنها خادم النبي موسى الذي تمكّن من إدخال بني إسرائيل إلى أرض فلسطين بعد مذابح ارتكبها في أريحا وعاي ومدن أخرى دخلها وأحرقها بالنار ولم يبقِ فيها أي نفس، حسبما يروي سفره. وعلى الرغم من أن جماعة الصدوقيين اليهودية لا تعترف بقدسية سفر يشوع بن نون الذي قاد بني إسرائيل وهو في الخامسة والثمانين من عمره، إلا أن هذه الشخصية أصبحت في ما بعد أحد المكونات الفكرية لليهود وكان لها حضورها في بلورة فكرة معاداة العرب في التنظيرات الصهيونية، وتحديد أساليب التعامل الإسرائيلي معهم. ويستدعي الشاعر الصهيوني حاييم نحمان بياليك (1873-1934)، الذي يعتبر من أبرز شعراء الأدب العبري الحديث، ويلقب بـ"الشاعر القومي"، ويُعدّ من أبرز الشعراء المعبرين عن الصهيونية الكلاسيكية، شخصية "يشوع بن نون" في قصيدة بعنوان "آخر موتى الصحراء"، تمتلئ بالمشاعر الصهيونية وبحث يهود الشتات على ضرورة الهجرة إلى فلسطين. يقول بياليك في قصيدته: "صوته يخرج كالسهم مليئاً بالقوة والطاقة/ وكلمته تخترق كالشعلة/ كالنار/ حتى الصحراء المخيفة/ الصحراء الخالية/ تردد وراءه قم يا إسرائيل قم أيها المسكين".
ويقول الدكتور رشاد عبد الله الشامي، في كتابه "تفكيك الصهيونية في الأدب الإسرائيلي" إن بياليك رسم صورة شعرية ليشوع بن نون وهو يقف على قمة تل وصوته يهدر أمام جيشه من اليهود الذي يستعد لغزو أرض كنعان. ويضيف أن بياليك اعتبر بلاد الشتات بمثابة الصحراء التي تاه فيها اليهود، ويدعو الجيل اليهودي الجديد إلى الاستيقاظ ورفض تلك الحياة، ويطالبه بضرورة الامتثال لصوت يشوع بن نون وبالسير إلى "أرض الأجداد" لإعادة مملكة داود إلى سابق عهدها.
يشوع بن نون العسكري
لم يقتصر حضور شخصية يشوع بن نون على الشعر والأدب الصهيونيين فقط، بل امتد إلى الجانب العسكري أيضاً. ففي دورة خاصة بالعلوم العسكرية وأمن إسرائيل، نظمتها مدرسة القيادة العسكرية في حيفا وأور عتصيون عام 2014، تم تخصيص محاور لدراسة المعارك التي خاضها يشوع بن نون، واعتُمد على قصة التوراة لدراسة مواجهة الجيش الشعبي للجيش النظامي. وامتداداً للجانبين العسكري والسياسي لتأثير يشوع بن نون على الحياة العسكرية والسياسية في إسرائيل، يقول مؤسس دولة إسرائيل ديفيد بن غوريون إنه يرى في نفسه "يشوع بن نون" العصر الحديث.تقول الباحثة ماتيا كوم في مقال لها على موقع مركز تكنولوجيا التعليم، تحت عنوان "بن غوريون... عن الجيش والحرب في المقرا وإسرائيل"، إن أول رئيس وزراء إسرائيلي دائماً كان يستمد التراث العسكري للجيش الإسرائيلي من التوراة، وكان ينظر إلى يشوع بن نون على أنه أول قائد عسكري في تاريخ بني إسرائيل، بحسب وصف الباحثة.
"النبي" يشوع بن نون في السياسة الإسرائيلية... على الفلسطينيين إما الرحيل أو الموت أو القبول بالعيش بدونية
حزب إسرائيلي يبني مخططاً سياسياً لطرد ما تبقى من فلسطينيين في أرضهم استناداً إلى أسطورة يشوع بن نونوتضيف أن التوراة وخاصة سفر يشوع بن نون كان مصدر الإلهام الأول لبن غوريون، ليس فقط في تحديد خصوصية إسرائيل وشخصيتها، بل أيضاً في رسم الخطوط العامة المميزة للجيش الإسرائيلي وطابعة الأخلاقي. فيصف بن غوريون الجيش الإسرائيلي بأنه "جيش الشعب" قياساً على مصطلح "الجيش الشعبي" باعتبار أن اليهود في عهد يشوع بن نون كانوا شعباً محارباً استولى على فلسطين، ولم يكونوا مجرد جنود مأجورين يقومون بالحرب من أجل المقابل المادي. وتشير كوم إلى أن بن غوريون، خلال حرب 1948، عاد إلى سفر يشوع في محاولة لقراءة الوضع في ضوء المعطيات التوراتية، وعقد مقارنة بين المراحل الأولى للحرب وبين سفر يشوع، ووجد أن هناك تشابهاً كبيراً بين حرب يشوع بن نون وبين حرب 1948، لافتةً إلى أنه خطب في إحدى الفعاليات العسكرية في شهر يونيو 1948 قائلاً: أنتم اليوم تنضمون إلى سلسلة القادة العسكريين ابتداء من يشوع بن نون.
بن نون والتربية الصهيونية
وامتداداً للمؤثرات الصهيونية التي تحتوي عليها قصة يشوع بن نون، تقوم وزارة التعليم في إسرائيل بتدريس نصوص من سفره في مراحل التعليم المختلفة. ويقول الباحثان يونينا دور ونعمى ده ملاخ، في بحث لهما بعنوان "حول الأوامر الحاسمة للقصص التوراتية... دراسة حالة عن (لا تبقوا فيها نسمة) من سفر يشوع" والمنشور على الموقع الرسمي للكلية الأكاديمية للتربية "أورنيم": "لا ندري كيف تقوم الوزارة بتدريس نصوص توراتية في المدارس تثير مضامينها صعوبات ومشكلات أخلاقية للقارئ المعاصر، وكيف يمكنها إعداد المدرسين لشرح وتعليم مثل هذه النصوص". ويضيفان: "اختير سفر يشوع كنموذج، ولكن قصة غزو فلسطين وتدمير جميع سكانها يثير حرجاً كبيراً لا يمكن تجاهله ولا يمكن تدريسه بعقلانية".ويوضح الباحثان أن القلب والفطرة السوية تنتابهما ثورة ضد الطابع الوحشي الذي ترسمه قصة غزو فلسطين على يد يشوع بن نون، فلا يمكن للعقل السليم أن يتقبل سلوك بني إسرائيل، وهم يجتاحون المدن الفلسطينية مدينة تلو الأخرى ولا يبقون فيها أحداً، من الطفل حتى الكبار في السن، ويقتلون سكانها ويحرقونها ويعلقون ملوكها ويقطعون أطرافهم، وكل ذلك بأمر إلهي.
حاضر غائب في السياسة الإسرائيلية
يحضر أثر يشوع بن نون الديني والثقافي في رؤية اليمين الإسرائيلي لمحددات السياسة الإسرائيلية ولشكل الدولة.قبل فترة، احتفت دوائر اليمين الإسرائيلي بأطيافه المتعددة بفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، واعتبر الحاخام "دوف كوك"، أحد اشهر الحاخامات الإسرائيليين الضالعين في علم "القبالا"، أن فوز ترامب على منافسته هيلاري كلينتون، بمثابة نجاة إسرائيل من "العملاقة" كلينتون، في إشارة إلى حرب "يشوع بن نون" مع العمالقة.يقول مؤسس دولة إسرائيل ديفيد بن غوريون إنه يرى في نفسه "يشوع بن نون" العصر الحديث... عن الشخصية التوراتية التي بلورت فكرة معاداة العرب في التنظيرات الصهيونية
وفي ظل المناخات السياسية التي أفرزها فوز ترامب، ومحاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو التهرب من فكرة حل الدولتين والاستعاضة عنها بفكرة السلام الاقتصادي أو السلام الإقليمي، اقترح نائب بالكنيست عن حزب البيت اليهودي، الذي يتزعّمه وزير التعليم نفتالي بينيت، ويدعى بتسلئيل سموتريتش، خطة أطلق عليها اسم "خطة الحسم"، وتهدف إلى "حسم الصراع" مع الفلسطينيين بالاسترشاد بقصة بن نون. وتهدف الخطة التي تبنتها حركة الاتحاد الوطني، أحد مكونات حزب البيت اليهودي، بصفة أساسية إلى استئصال الوجود الفلسطيني من إسرائيل، والتهديد بحرب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين الذين يرفضون الخروج منها. يقول الباحث الإسرائيلي في الديانة اليهودية، تومر بريسكو، في مقال له تحت عنوان "خطة الحسم لسموتريتش... الصهيونية الدينية والأصولية" إن الخطة تعتمد على ما جاء في شروح سفر يشوع، وخاصة شروح موسى بن ميمون، الذي يقول إن يشوع بن نون أرسل لأهل أريحا ثلاث رسائل يخيرهم فيها بين ثلاثة خيارات: الخروج من أريحا، أو البقاء فيها وانتظار الموت على يد القوات الغازية، أو الاستسلام والعيش في وضع دوني بين الجماعة اليهودية. ويشرح المؤرخ الإسرائيلي دانيال بيلتمان، في مقال له بصحيفة "هآرتس" أن الخطة المذكورة تضع أمام الفلسطينيين ثلاثة خيارات: الخروج من إسرائيل إلى أي دولة عربية بعد تلقي حوافز مالية، أو البقاء في إسرائيل في وضع دوني، ومَن لا يختار أيّاً من الخيارين السابقين عليه مواجهة الجيش الإسرائيلي، أي الحرب. وتابع بيلتمان أن هذه الشروط من شأنها أن تقود إسرائيل نحو تنفيذ عملية إبادة جماعية ضد الفلسطينيين. وبرغم كل هذا الأثر الذي يتركه سفر يشوع بن نون في السياسة والمجتمع الإسرائيليين، إلا أن دراسات كثيرة تشكك في هوية كاتبه وفي صحة أحداثه. يقول البروفيسور يسرائيل فنكلشتاين، رئيس معهد الآثار بجامعة تل أبيب في كتابه "بداية إسرائيل"، إن القصص التوراتية الواردة في التناخ ما هي إلا نسج من خيال مؤلفها ولا يوجد لها أية أسانيد أثرية.
وفي ما يتعلق بالقصص الواردة في سفر يشوع عن غزو أريحا، يقول إنها محض أساطير ألفها سكان مملكة يهوذا الجنوبية الناشئة عن انشقاق مملكة سليمان إلى مملكة شمالية (إسرائيل) وأخرى جنوبية (يهوذا)، وكان الهدف الأساسي منها تبرير الطموحات السياسية للمملكة الجنوبية في المملكة الشمالية. ويتابع أن جزءاً كبيراً من المواقع التي يذكرها السفر لم تكن مأهولة بالسكان، وبالتالي لم يكن هناك شيء ليتم احتلاله، بل كانت هناك فقط أحجار وتلال صخرية، ولم تكن أريحا محصنة ولم تكن ذات أسوار. ويسخر البروفيسور الإسرائيلي من القصص الواردة في السفر قائلاً إن بعض الباحثين يعتبرون أن الحرب التي دارت مع كنعان، كانت مع شخص بدوي واحد يجلس أمام خيمته. وتابع أنه لو تمّت مقارنة ما جاء في سفر يشوع مع أدلة من الحضارة المصرية والآشورية، سيُستنتج أن أحداثه دارت في نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وفي تلك الفترة كان الفراعنة يحكمون فلسطين، بينما لا تذكر التوراة أي شيء عن هذا الأمر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع