شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
العلاقات الإيرانية الأمريكية: تاريخ يتفاوت بين التبعية والصدام

العلاقات الإيرانية الأمريكية: تاريخ يتفاوت بين التبعية والصدام

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 28 أغسطس 201706:03 م
في الثالث عشر من أغسطس 1987، اعترف الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، بدور الولايات المتحدة في تصدير الأسلحة إلى إيران، إبان حرب الخليج الأولى، في ما عُرف وقتها بفضيحة إيران غايت. العلاقة بين إيران وأمريكا، كانت دائماً محل جدل وتساؤل من قبل العديد من الأطراف الإقليمية والعالمية، إذ شكك الكثيرون في حقيقة العداء المُعلن بين البلدين، فيما يعتبره آخرون حقيقة لا تقبل النقاش.

النفط والاتحاد السوفياتي

رغم أن العلاقات الإيرانية الأمريكية بدأت فعلياً منذ أواسط القرن التاسع عشر، إلا أنها لم تتسم بالجدية إلا عقب الحرب العالمية الثانية. فأمريكا التي خرجت من الحرب قوة عُظمى سعت إلى وراثة النفوذ البريطاني المنحسر في منطقة الشرق الأوسط، وفي إيران بالتحديد. وساعد الخوف من توغل الاتحاد السوفياتي في الأراضي الإيرانية، في جعل إيران تحتل مكانة متقدمة في الخطط الأمريكية المرتبطة بمبدأ ترومان في 1947، والذي حشدت الولايات المتحدة بموجبه إمكاناتها العسكرية والمادية لدعم الدول التي تخاف من وقوعها في قبضة الشيوعية. [caption id="attachment_119726" align="alignnone" width="700"]Shah_&_Harry_TrumanShah_&_Harry_Truman Shah Harry Truman[/caption] وبعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان ترومان، تم الإعلان عن خطة مارشال، وظهرت أهمية إيران بقوة، بسبب نفطها الذي تدفق إلى أوروبا واليابان. وألقى النفط بظلاله على العلاقات الإيرانية الأمريكية بشكل كبير عقب وصول محمد مصدق لمنصب رئاسة الوزراء عام 1951، وذلك عندما أمّم النفط الإيراني. [caption id="attachment_119737" align="alignnone" width="700"]صورة-محمد-مصدق-مع-الرئيس-الأمريكي-هاري-ترومان-عام-1951صورة-محمد-مصدق-مع-الرئيس-الأمريكي-هاري-ترومان-عام-1951 صورة محمد مصدق مع الرئيس الأمريكي هاري ترومان عام 1951[/caption] وبعد أن ساندت الولايات المتحدة مصدق في بداية الأمر، ومنحته قرضاً بقيمة 25 مليون دولار، غيّرت بعد فترة قصيرة موقفها، وقررت فرض مقاطعة فورية على النفط الإيراني، وهو ما يفسّره البعض بضغط شركات النفط الكبرى، إذ خافت تلك الشركات من أن يؤدي انتصار مصدق في معركته إلى ردود أفعال مشابهة في دول العالم الثالث النفطية. [caption id="attachment_119725" align="alignnone" width="700"]Mohammed Reza Pahlavi, Shah of Iran, shakes hands with a US Air Force general officer prior to his departure from the United StatesMohammed Reza Pahlavi, Shah of Iran, shakes hands with a US Air Force general officer prior to his departure from the United States Mohammed Reza Pahlavi, Shah of Iran, shakes hands with a US Air Force general officer prior to his departure from the United States[/caption] وفي ظل التباعد الأمريكي، اضطر مصدق إلى الاقتراب من السوفيات، وهو الأمر الذي نظرت إليه الولايات المتحدة بكثير من الحذر، ما أدى إلى اتفاقها مع بريطانيا على تنحيته، وتم ذلك من خلال العملية الاستخباراتية "أجاكس"، التي دُبّرت بواسطة رجل الاستخبارات الأمريكي كيرميت روزفلت. [caption id="attachment_119736" align="alignnone" width="700"]صورة-للدبابات-في-شوارع-طهران-أثناء-أحداث-انقلاب-1953صورة-للدبابات-في-شوارع-طهران-أثناء-أحداث-انقلاب-1953 صور للدبابات في شوارع طهران أثناء أحداث انقلاب 1953[/caption] وبعد عزل مصدق عام 1953، تم توزيع امتياز النفط الإيراني بشكل جديد. ويذكر أحمد مهابة في كتابه إيران بين التاج والعمامة، أن الشركات الأمريكية حصلت على حصة 40% منه، لتضع قدمها في إيران بشكل رسمي.

الإيديولوجيا والعلاقة بإسرائيل

لم تكتفِ الولايات المتحدة بالامتيازات النفطية، بل حاولت زيادة نفوذها في إيران عن طريق تقديم النصائح والخبرات الفنية والعسكرية لها. فبحسب رسالة ماجستير أعدتها نبيلة محمود ذيب مليحة، بعنوان "السياسة الأمريكية تجاه إيران"، فإن الفترة التي أعقبت سقوط مصدق حل فيها الخبراء الأمريكيون محل الألمان في قطاعات الدفاع والداخلية والصحة والاقتصاد. وعمل محمد رضا بهلوي، الذي تسلم عرش إيران 1941، على قيادة بلاده للمضي قدماً في اتجاه التحديث والتغريب، وكان ينظر إلى الولايات المتحدة على أساس أنها الأنموذج الذي ينبغي الاقتداء به. [caption id="attachment_119728" align="alignnone" width="700"]The_Shah_of_Iran_and_President_Nixon_-_NARA_-_194301The_Shah_of_Iran_and_President_Nixon_-_NARA_-_194301 The Shah of Iran and President Nixon 1943[/caption] وكان التقارب الإيراني الإسرائيلي في تلك الفترة أحد التجليات الطبيعية لتبعية الشاه المطلقة للولايات المتحدة. فكما ذكر الباحث شموئيل سيجف في كتابه "المثلث الإيراني - العلاقات الإسرائيلية الإيرانية الأمريكية"، فإن العلاقات بين طهران وتل أبيب كانت طبيعية وممتازة، وجرى تبادل الزيارات بين زعماء الدولتين، كما أن إسرائيل اعتمدت نفطياً بشكل شبه كامل على النفط الإيراني. [caption id="attachment_119731" align="alignnone" width="700"]US President Jimmy Carter (2nd L) signs the order blocking Iranian funds in US banks, on November 14, 1979_AFPUS President Jimmy Carter (2nd L) signs the order blocking Iranian funds in US banks, on November 14, 1979_AFP US President Jimmy Carter (2nd L) signs the order blocking Iranian funds in US banks, on November 14,1979[/caption] كل تلك الأسباب مجتمعة، كان لها دور كبير في اندلاع الثورة عام 1979، فتلك الثورة التي قامت على أساس إيديولوجي إسلامي، يعارض الإيديولوجيا الرأسمالية الأمريكية، نظر قادتها للولايات المتحدة على كونها الحليف الرئيسي للشاه المخلوع، ما أنتج حالة عداء معلن معها منذ اللحظة الأولى للثورة. فقد اعتاد آية الله الخميني الذي قاد الثورة الإسلامية، أن يصف أمريكا في خطبه، بأنها الشيطان الأكبر، واعتبر أنها تقف وراء كل شر في العالم. [caption id="attachment_119730" align="alignnone" width="700"]Two_American_hostages_in_Iran_hostage_crisisTwo_American_hostages_in_Iran_hostage_crisis Two American hostages in Iran hostage crisis[/caption] وتسبب خطاب الثورة الحماسي في الأزمة التي عُرفت بأزمة الرهائن الأمريكيين، والتي وقعت عندما قامت تظاهرة طلابية حاشدة في نوفمبر 1979، بالتوجه نحو السفارة الأمريكية في طهران، واقتحمتها واحتجزت 53 فرداً من موظفيها كرهائن، وطالب المسؤولون الإيرانيون الإدارة الأمريكية بتسليم الشاه لمحاكمته، مقابل إطلاق سراح الرهائن. [caption id="attachment_119722" align="alignnone" width="700"]Families wait for the former hostages to disembark the plane.Families wait for the former hostages to disembark the plane. Families wait for the former hostages to disembark the plane[/caption] ورغم أن الولايات المتحدة رفضت العرض الإيراني، وأعلنت تجميد الأصول الإيرانية، والبدء في فرض عقوبات اقتصادية على طهران، ودعت لوقف استيراد النفط الإيراني، إلا أنه، كما يؤكد ستيفان والت في كتابه الثورة والحرب، تم إنهاء الأزمة في خريف 1980، لدى تسليم الرهائن مقابل الإفراج عن 11 مليار دولار من الأصول الإيرانية المجمدة في أمريكا. [caption id="attachment_119723" align="alignnone" width="700"]Iran_hostage_crisis_-_Iraninan_students_comes_up_U.S._embassy_in_TehranIran_hostage_crisis_-_Iraninan_students_comes_up_U.S._embassy_in_Tehran Iran hostage crisis Iraninan students comes up U.S. embassy in Tehran[/caption]

العراق: كيف ساهم في التقريب ما بين القوتين؟

العراق، البلد الذي يمتد على مساحة 438 كم مربع، ويتشارك مع الجارة الإيرانية في حدود تبلغ نحو 1500 كم، كان له دور كبير في تغيير شكل العلاقة بين واشنطن وطهران في العقود الماضية. ففي ثمانينيات القرن العشرين، كانت الرؤية الأمريكية تعتقد بضرورة إشغال العراق بنزاعات وحروب خارجية، حتى يتم الحد من قدراته العسكرية المتزايدة. ومن ثم فإن واشنطن، وبحسب ما يذكر عبد الرحمن النعيمي في كتابه "الصراع على الخليج العربي"، قامت بتسريب معلومات خاطئة وغير دقيقة لبغداد، بخصوص ضعف القدرات العسكرية لإيران، بغية دفع صدام حسين لإعلان الحرب عليها. وبينما كانت أمريكا تميل علناً إلى الجانب العراقي، قامت بتزويد طهران سراً بالكثير من صفقات السلاح والمعلومات الاستخباراتية المهمة، في محاولة لإطالة أمد الحرب. وكان الكثير من تلك الصفقات، يتم عبر إسرائيل، بحيث تُشحن الأسلحة منها إلى إحدى الدول الإفريقية أو الأوروبية، ثم يُعاد تصديرها مرة أخرى إلى إيران بأوراق جديدة. وبحسب ما أورده الكاتب مأمون كيوان، في كتابه اليهود في إيران، فإن إجمالي صفقات الأسلحة الأمريكية إلى إيران، في زمن حرب الخليج الأولى، وصل إلى ما يقارب 200 مليون دولار، وهو الأمر الذي انكشف جزء من تفاصيله في ما بعد، من خلال تحقيقات إيران غايت، أو إيران كونترا بحسب ما اشتهر وقتها. وعقب الغزو الأمريكي في 2003، ظهرت أهمية العراق مرة أخرى في التقريب ما بين واشنطن وطهران، إذ لعبت إيران دوراً كبيراً في المرحلة التي أعقبت الغزو، من خلال نفوذها القوي والمؤثر وسط الأغلبية العراقية الشيعية المذهب. هذا التأثير دفع الإدارة الأمريكية إلى التنسيق مع الجانب الإيراني. ففي عام 2007، تم إجراء محادثات بين السفيرين الأمريكي والإيراني في بغداد، وكان هذا اللقاء الأول من نوعه بين ممثلي الدولتين منذ قطع العلاقات بينهما في 1980. المرة الثالثة التي لعب فيها العراق دوراً مهماً في التقريب ما بين إيران وأمريكا، كان في السنوات القلائل التي أعقبت استيلاء داعش على جزء كبير من الأراضي العراقية في 2014، إذ شهدت تلك الفترة توافقاً بين طهران وواشنطن بخصوص قتال عناصر التنظيم الإرهابي. ولكن المسؤوليْن في كلا البلدين أصرّا على عدم وجود تنسيق مشترك. وشرح الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تلك المسألة بقوله إن الإيرانيين يمتلكون "مجموعات أو ميليشيات تسيطر على بغداد ومناطق محيطة بها. ونحن نجعلهم يدركون معادلة مفادها ‘لا تعبثوا معنا فنحن لسنا هنا لنعبث معكم. نحن نركز جهودنا على عدونا المشترك". ومن هنا، لم يكن من الغريب أن نجد أن عناصر من الحرس الثوري الإيراني، الذي تصنفه الولايات المتحدة منظمة إرهابية، يحاربون في الجبهة نفسها مع القوات الأمريكية، ضد تنظيم داعش.

كيف تؤثر السياسة الداخلية على العلاقات بين الدولتين؟

الباحث في تاريخ العلاقات الأمريكية الإيرانية، سيجد أن عاملي السياسة الداخلية وهوية الأنظمة الحاكمة في كل من البلدين، يؤثران بشكل كبير في شكل العلاقة بينهما. بالنسبة لإيران، يتصارع على السلطة فيها المعسكران الإصلاحي والمحافظ. المحافظون ممثلون في المرشد وكبار رجال الدين وقيادات الحرس الثوري، استمروا على النهج التقليدي للثورة، ذلك الذي ينظر إلى واشنطن نظرة عدائية متحفزة. أما الخط الإصلاحي، الذي يمثله الرئيسان الأسبقان هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، وغيرهما من الساسة الإيرانيين، فقد دعا للوصول إلى حلول تفاهمية مع الدولة الأكبر في العالم. السياسة الأمريكية أيضاً كان لها دور كبير في تحديد شكل العلاقة بين الدولتين. فمن الملاحظ أن الرؤساء الديموقراطيين الذين وصلوا إلى البيت الأبيض في العقود الأخيرة، كانت مواقفهم أخف وطأة وأقل حدة في ما يخص المسألة الإيرانية، بعكس الرؤساء الجمهوريين الذين مالوا إلى الصدام والعنف. على سبيل المثال، كان تصنيف إيران كواحدة من دول محور الشر، متماشياً مع وجهة النظر العدائية المتطرفة التي ميّزت عهد الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش الابن، والتي تلاقت مع خطاب إيراني عنيف ضد الغرب عبّر عنه الرئيس الإيراني السابق المحافظ محمود أحمدي نجاد. ولكن نجد أن عهد الرئيس الديموقراطي السابق باراك أوباما، شهد تقارباً ملحوظاً مع إيران، في الولاية الثانية للرئيس الأمريكي، وكان من فصوله المفاوضات النووية وما أكده عدد من التقارير الصحافية من أن أوباما أرسل رسائل إلى المرشد الإيراني علي خامنئي. وهذا التقارب الذي بدأ بشكل واضح مع فترة حكم الرئيس الإيراني الإصلاحي الحالي، حسن روحاني، قد يكون الأوثق بين أميركا وإيران منذ الثورة، إذ أثمر نتيجة هي التوقيع على الاتفاق النووي في يوليو 2016، والذي نص على رفع العقوبات المفروضة على إيران بشكل تدريجي، مقابل تعهد طهران بتجميد العمل في برنامجها النووي، وبالخضوع لمراقبة وتحقق وتفتيش دقيق وغير عادي من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مجمداً إحدى أبرز الأزمات في الشرق الأوسط. وقد حامت الشكوك في الفترة الأخيرة حول إمكانية تنفيذ هذا الاتفاق، في ظل وصول الرئيس الجمهوري دونالد ترامب إلى سدة الحكم في واشنطن من جهة، وزيادة الاعتراضات عليه من جانب رموز المعسكر المحافظ في طهران من جهة أخرى. فهل ينهي الجمهوريون ما قبل به الديمقراطيون؟
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image