حزب الله وإسرائيل وترامب... معركة بين الحروب أم حرب جديدة؟
الجمعة 17 فبراير 201708:04 م
تبنّت إسرائيل على مدى السنوات الخمس الماضية نظريّة "المعركة بين الحروب" في وجه تعاظم قدرات حزب الله. اليوم، مع وصول دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة الأمريكية، تكثر المؤشرات على تغييرات نظرية "أكثر جرأة" تتبناها إسرائيل في مواجهة هذا الحزب.
عرّفت إسرائيل مفهوم المعركة بين الحروب، أو باختصار "مبام"، بأنه سلسلة متصلة من العمليات الهجوميّة المنخفضة الوتيرة التي تقع في فترة الهدوء ما بين الحروب الكبرى، وغايته جعل الحرب سريعة الحسم عندما تقع، ووظيفته منع تعاظم قدرة الأعداء، مع ردعهم عبر كي وعيهم بفكرة السطوة الإسرائيلية، وأمّا ضابطته فهي البصمة الخافتة التي لا تحرج العدو، أي حزب الله، فتتجنّب إسرائيل بذلك خطر التصعيد.
تبنّت إسرائيل هذا المفهوم إجرائيّاً: غارات إسرائيلية عديدة غير معلنة استهدفت منشآت وقوافل تقول إسرائيل إنها كانت تحوي أسلحة كاسرة للتوازن تابعة لحزب الله على الأراضي السّورية.
وتركّزت قواعد الاشتباك ضمن الجغرافية السورية دون اللبنانية، وقد ساعدت هذه الخصوصية مع الغموض الإسرائيلي في منع تطور المعركة حول القدرة إلى حرب على الرغم من إدراك إسرائيل أن كميات من أنواع الصواريخ التي دمرتها في سوريا قد وصل بالفعل إلى مخازن ومنشآت حزب الله في لبنان.
قائد قاعدة حيفا البحرية العميد ديفيد ساعر سلما صرّح في حديث مع صحيفة "إسرائيل هيوم" في يناير 2017، بأن حزب الله تحوّل إلى ما يشبه الجيش مع كميات كبيرة من الصواريخ بمديات مختلفة ورؤوس حربيّة متنوعة، معتبراً ذلك تهديداً إستراتيجياً لإسرائيل، في الوقت التي تحدثت فيه صحيفة "معاريف" عن تدريبات تجريها الجبهة الداخلية في القدس بهدف الاستعداد لحماية الكنيست من صواريخ حماس وحزب الله.
المانع السابق
لم توسع إسرائيل نطاق معركتها لتطال الأراضي اللبنانية، رغم تفاخرها بتجميعها بنكاً واسعاً من الأهداف، نشرت منه في ديسمبر الماضي عشرة آلاف هدف، والسبب هو أنها لم تُرد أن تتدحرج المعركة إلى حرب. سياسياً، كانت إسرائيل محكومة بالضابطة التي أرساها الاتفاق النووي الإيراني. اتفاق الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع الإيرانيين أشعر العالم وكأنّ الحروب الكبرى في المنطقة قد ولّت. لم يكن مسموحاً أن تشعل إسرائيل شرارة مع حزب الله قد تمتد إلى المنطقة برمتها. كان الأمن القومي الأمريكي مقدّماً عند أوباما على الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية التي اعتبرها ملحقة به. أرادت إسرائيل للحزب أن يسقط في الميدان السوري دون أن تصعد مباشرةً على الحلبة. استنزف الحزب بشرياً ومالياً في "معركة الوجود" كما صنّفها أمينه العام حسن نصر الله. وحدات النخبة المتمركزة في جبال الجنوب اللبناني والمخولة دخول الجليل وجدت نفسها فجأة في جبال القلمون وسهول حلب. مجموعة من أفضل قيادات الحزب سقطت هناك. كل هذا في وقت تراجعت شعبية الحزب إسلامياً وعربياً، وكانت الدبلوماسية الإسرائيلية تدخل عواصم إسلامية وعربية جديدة.المتغيّر الجديد
متغيرات كثيرة حدثت في الأشهر الماضية. الرئيس ترامب يتشارك الرؤية الإسرائيلية بالنسبة للاتفاق النووي السيئ. الأمن القومي الإسرائيلي عند ترامب جزء غير منفصل عن الأمن القومي الأمريكي. وبُعيد وصوله مباشرة، فرض عقوبات على إيران وتعهد بمواجهتها مرات عدة. على الأرجح، لن تحدث مواجهة عسكرية مباشرة بين أمريكا وإيران. لو كانت المؤسسة العسكرية الأمريكية متيقنة من جدوى توجيه ضربة عسكرية لإيران لما ذهبت أصلاً إلى الاتفاق. من هنا، فإن ضرب الأطراف عوضاً عن الرأس سيكون بديلاً ممكناً أكثر نجاعة لترامب ولا يؤدي إلى تدخل أمريكي مباشر.أحد هذه الأطراف هو حزب الله. هو "سرطان" كما الإسلام الذي اعتبره مستشار ترامب للأمن القومي مايكل فلين سرطاناً. تخطىء الجهادية الشيعية عندما تعتقد أن السقوط الأخلاقي للجهادية السنية سيقابله صعودها. الإسلام الجهادي سواء بحسب النظرة الأمريكية الجديدة، والحزب هو أحد التنظيمات الإسلامية المتطرفة التي تعهد ترامب بمحاربتها. إسرائيل قادرة على إقناع ترامب بأن القضاء على داعش لا يستوي إلا بالقضاء على حزب الله، وهو بالأصل لا يحبّذ سيطرة حلفاء الأسد على الفراغ الجغرافي الداعشي. سيدعم كثيرون من المحيطين بترامب هذه النظرة. فمستشار ترامب لشؤون الشرق الأوسط غابرييل صوما قال: "الرئيس مطلع على الوضع اللبناني ويعتبر أن وجود حزب الله في لبنان يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة والسياسة الأمريكية". في الميدان السوري، تغيّرت أمور جوهرية. التقدير الإستراتيجي لإسرائيل لسنة 2017 يتحدّث عن خسارة فرصة استنزاف حزب الله الذي نجا من الوحل السوري، ويواصل نقل كميات كبيرة من السلاح ومنها أسلحة كاسرة للتوازن إلى لبنان.السؤال الأساسي بالنسبة للإسرائيليين هو متى ستندلع الحرب بين إسرائيل وحزب الله وليس إذا كانت ستندلع أم لا