"مسار مظلم للأموال، فشل في الأهداف، وبيانات مفقودة".
هذا ما لخصه تقرير "هيومن رايتس ووتش" الذي كشف أن ملايين الدولارات التي تمّ التعهد بتقديمها لتعليم الأطفال السوريين العام الماضي في كل من لبنان والأردن وتركيا، وهي البلدان الثلاثة التي تضم أكبر عدد من اللاجئين السوريين، لم تصل إليهم أو وصلت متأخرة بعد بدء المدارس.
وكان أبرز ما أورده التقرير هو الكشف عن شبه استحالة تتبع تلك الأموال بسبب "سوء ممارسات التوثيق".
عدم تقديم التمويل الشفاف وعدم وصول المساعدات في الوقت المناسب تركا أكثر من 530 ألف طالب سوري في تلك البلدان الثلاثة من دون تعليم في نهاية العام الدراسي 2016-2017، علما أن ذلك العدد يشمل الأطفال المستهدفين بالأموال التي أرسلت أو كان يفترض إرسالها.
وكان تقرير للمنظمة نفسها قد كشف في يونيو الماضي أن الحرب تركت أكثر من 1.5 مليون لاجئ في سن الدراسة في هذه البلدان الثلاثة من دون أي تعليم رسمي العام الماضي، مع الأخذ بالاعتبار أن الأرقام المذكورة ليست دقيقة دائماً في ظل وجود العديد من اللاجئين غير المسجلين.
وكان التركيز دائماً على أهمية التمويلات التي يقدمها المانحون بالنسبة للبلدان المضيفة، كلبنان الذي يضاهي فيه عدد السوريين في سن الدراسة عدد الطلاب اللبنانيين، وذلك من أجل زيادة قدرة المدارس على الاستيعاب، بناء المدارس وترميمها، توظيف المدرّسين وتدريبهم وإعداد برامج موجهة للأطفال المنقطعين عن الدراسة.
وفي تقريرها الجديد، المؤلف من 55 صفحة تحت عنوان "تعقب الأموال: انعدام الشفافية في تمويل المانحين لتعليم اللاجئين السوريين"، قالت "هيومن رايتس ووتش" إنها وجدت تبايناً كبيراً بين المبالغ التي ذكرتها الأطراف المختلفة وتلك التي تم توثيق أنها قد وصلت أهدافها المقصودة في العام 2016.
منذ بداية الأزمة، تكرّر الدول المانحة، كما المستضيفة، وعدها بألا يصبح الأطفال السوريون جيلاً ضائعاً، ولكن "هذا بالضبط ما يحدث"، حسب ما علق الباحث في المنظمة سيمون روا معتبرا أن "توخي المزيد من الشفافية في التمويل سيساعد على كشف الاحتياجات التي لا يتم تلبيتها حتى تتم معالجتها وإدخال الأطفال إلى المدارس".
ثغرات بالجملة... وبالملايين
في فبراير العام 2016، تعهد المانحون في مؤتمر في لندن بأكثر من 11 مليار دولار على شكل مساعدات تمتد على عدة سنوات لتحقيق أهداف مثل الوصول إلى نسبة التحاق كاملة في البلدان المضيفة للاجئين في العام 2017، ولكن "المبالغ التي صُرفت ما زالت إلى اليوم غير معلومة". يُذكر أن الجهات المانحة الستة التي تعهدت بأكبر المبالغ هي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة واليابان والنرويج، وقد تجاوزت مساهماتها وحدها الهدف لعام 2016 والبالغ 1.4 مليار دولار للتعليم داخل سوريا وفي البلدان المستضيفة للاجئين في المنطقة. مع ذلك، تشتكي البلدان المضيفة دائماً من "نقص كبير في التمويل يصيب ميزانيات التعليم لديها". تواصلت المنظمة مع الحكومات في الدول الثلاثة المعنية، فضلاً عن الجهات المانحة والمنظمات التابعة للأمم المتحدة، كل ذلك في إطار تعقب مسار الأموال التي يُفترض أن تصل إلى الطلاب السوريين. وحسب تقريرها "معظم المعلومات العامة غامضة جداً أو غير واضحة لتتبع التمويل المقدم من جهة مانحة ما لمشاريع تعليمية في بلد مستضيف ما. لم يصل الكثير من تمويل التعليم الذي تم إرساله إلا بعد بداية العام الدراسي، متأخراً بذلك عن موعد تسجيل الأطفال الذين كان يهدف لمساعدتهم. في بعض الحالات، احتسب المانحون الأموال التي تعهدوا بها مرتين". كان المانحون اتفقوا على تقديم حوالي 250 مليون دولار للتعليم في الأردن و350 مليون دولار للبنان في العام 2016، لكن بحلول سبتمبر من العام نفسه، واجه الأردن عجزاً بقيمة 171 مليون دولار ولبنان بمقدار 181 مليون دولار. و"بحلول نهاية السنة، لا زالت لدى الأردن فجوة في الميزانية قدرها 41 مليون دولار ولبنان بمقدار 97 مليون دولار". من جهتها، وُعدت تركيا بحوالي 742 مليون دولار للتعليم في العام 2016، معظمها من الاتحاد الأوروبي، لكن وكالات الأمم المتحدة في تركيا تلقت 111 مليون دولار فقط من أصل 137 مليون دولار من المساعدات التعليمية التي طلبتها. وقد ذكرت تقارير مختلفة أن ما بين 14.7 و46 مليون دولار فقط تم استلامها في بداية العام الدراسي.غياب الشفافية
في تصريحها لـ"هيومن رايتس ووتش"، قالت الحكومة الأمريكية إنها منحت 1.4 مليار دولار كمساعدات إنسانية لكل من سوريا والمنطقة العام الماضي، لكن لم تتمكن المنظمة من التأكد إلى أي حد كان هذا المبلغ موجهاً لتعليم الأطفال اللاجئين.بدورها، أفادت "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" أنها قدمت مساعدات إنمائية بقيمة 248 مليون دولار للتعليم في الأردن، لكن قاعدة بيانات تتبع المساعدات الخاصة بها لم تحسب سوى 82 مليون دولار أمريكي، وأوردت قاعدة بيانات حكومية أردنية 13 مليون دولار أمريكي فقط تم تلقيها من أجل التعليم من الولايات المتحدة في العام 2016. من ناحية آخرى، لا تدرج الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الإقتصادي والتنمية - التي خصصت 249 مليون دولار (237.1 مليون يورو) للتعليم- تواريخ صرف المبالغ، بينما تعزو هذا العيب إلى "البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات". بالنسبة لـ"الوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي" فقد قالت إنها تهدف إلى القيام بنشر المعلومات المفصلة بحلول ديسمبر الأول 2015، لكنها لم تنشر أي بيانات بحلول يوليو 2017. وهو حال وزارة الخارجية اليابانية، التي قالت إن اليابان قدم 25.5 مليون دولار للتعليم في الأردن ولبنان وتركيا في عام 2016، لكن المعلومات العمومية المتاحة قليلة جداً لدرجة استحالة تحديد متى تم تسليم هذه المساعدات أو ما الذي دعمته.تكرّر الدول المانحة، كما المستضيفة، وعدها بألا يصبح الأطفال السوريون جيلاً ضائعاً، ولكن "هذا بالضبط ما يحدث"
عقبات إضافية... وجيل ضائع
في وقت سابق، وثقت المنظمة العقبات التي تحول دون تعليم الأطفال في لبنان والأردن وتركيا، والتي تؤدي بدورها إلى ارتفاع نسب الزواج المبكّر وعمل الأطفال بشكل حاد، فيما يلاحظ أنه كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة، كلما تقلصت فرص عودتهم إليها والحصول على تعليم. ثمة عقبات شتى كانت قد تحدثت عنها المنظمة، تتحمل مسؤوليتها الدول المضيفة كعرقلة التسجيل من دون إقامة وغيرها، يُضاف إليها السياسات التي تجعل التكاليف المتعلقة بالمدارس بعيدة المنال، إذ تساهم في زيادة فقر أسر اللاجئين، وتقييد قدرة الأطفال على الوصول إلى المدارس أو الالتحاق به. وفي تقريرها الجديد، قالت المنظمة إنه "ربما أحصت الدول الثلاثة عدداً أقل من الأطفال السوريين الذين يحتاجون إلى التعليم. فهي لا تحصي إلا السوريين المسجلين كلاجئين، لكن ما يقرب من مليون لاجئ في لبنان والأردن غير مسجلين. كذلك قد تكون تقديرات التسجيل مبالغ فيها". وتضيف على سبيل المثال "في حين حسّن الأردن من جمع بياناته، لكنه وجد أن الأطفال السوريين الملتحقين بالعام الدراسي 2016-2017، هم أقل بـ45 ألف عما تم ذكره سابقاً". من هنا تركز المنظمة على أهمية الشفافية في ما يتعلق بتمويل التعليم، من أجل تحديد المسؤوليات بين البلد المضيف والجهات المانحة. وهذا أمر ضروري من أجل ضبط مصير الأموال التي تضيع بين هدر وفساد وسرقة وتباهي جهات بالدفع من دون الالتزام به حقيقة... وكلها أمور باتت أكثر إلحاحاً لإنقاذ "الجيل الضائع".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون