لا شك أن لبنان يستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين، وهو ما يخلق تحديات كبيرة لجهة قدرة السلطات اللبنانيّة على إدارة هذا الملف.
لكن المسؤولين اللبنانيين، ووسائل الإعلام، سلكوا الطريق القصير في هذا السياق، وهو تحميل اللاجئين كل مشاكل لبنان، وكأن أوضاع البلد كانت في أحسن أحوالها قبل عام 2011.
وفي هذا المجال، نذكر هنا عشرة من أبرز الأخطاء الشائعة حول ملف اللاجئين:
لاجئ لا نازح
تُصر الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ العام 2011 (ثلاث حكومات) على تسمية اللاجئين السوريين في لبنان بالنازحين. يظهر هذا الأمر واضحاً في البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري الذي جاء فيه: "اذ تؤكد الحكومة التزامها مواصلة العمل مع المجتمع الدولي لمواجهة أعباء النزوح السوري واحترام المواثيق الدولية، فإن الدولة تشير إلى أنها لم تعد تستطيع وحدها تحمل هذا العبء الذي أصبح ضاغطاً على وضعها الاجتماعي والاقتصادي والبنيوي بعدما وصل عدد النازحين إلى أكثر من ثلث مجموع سكان لبنان". لكن أليس هذا خطأً؟ تعرّف المادة الأولى من اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين بوضوح من هو اللاجئ: "إنه شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل/ تستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد". تعطي الاتفاقية وبروتوكولها لعام 1967، اللاجئين، حقوقاً لا يجوز التغاضي عنها. وصحيح أن لبنان لم يوقع هذه الاتفاقية، لكن هذا لا يعفيه من تطبيق مبادئها الأساسية، مثل: وجوب عدم طرد اللاجئ أو إعادته إلى أوضاع تهدد حياته وحريته، وتأمين السكن والتعليم والإغاثة والأوراق الثبوتية. لهذه الأسباب، يُصر المسؤولون اللبنانيون على استخدام مصطلح نازح بدل لاجئ، رغم كونه خاطئاً. هل هي رغبة بعدم تحمل المسؤولية؟عدد اللاجئين
يُعلن المسؤولون الرسميون في لبنان أن عدد اللاجئين السوريين بلغ مليون ونصف مليون. وهو رقم كرره رئيس الحكومة السابق تمام سلام والحالي سعد الحريري مراراً. لكن في المقابل، يردد جزء لا بأس به من الإعلام اللبناني، أرقاماً نقلاً عن مراكز إحصائية، تقول إن عدد اللاجئين وصل إلى مليونين. لكن هذه المراكز الإحصائية لا تُشير إلى المنهجية العلمية التي استندت إليها لإعلان هذه الأرقام. في المقابل، فإن الأرقام الرسمية الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين السوريين، تُشير إلى وجود مليون و11 ألف لاجئ سوري في لبنان. لماذا هذا الفارق في الأرقام؟ يُصر اللبنانيون على الخلط ما بين اللاجئين المسجلين، والمواطنين السوريين المقيمين في لبنان منذ سنوات طويلة. إذ لطالما شكلت اليد العاملة السورية ضرورة للاقتصاد اللبناني، وساهمت بشكل فعلي في إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية. ويراوح عدد اليد العاملة سنوياً بين 400 ألف و600 ألف تقريباً، بحسب مواقع متعددة.أعداد الولادات
قبل أيام، أعلنت جريدة الديار اللبنانية، أن عدد الولادات في صفوف اللاجئين السوريين سيبلغ في العام 2017، أكثر من 300 ألف مولود. واستند الخبر إلى تقارير صادرة عن منظمات دولية من دون تسمية هذه المنظمات. وقد تداولته معظم وسائل الإعلام اللبنانيّة من دون التدقيق في صحته.المسؤولون اللبنانيون ووسائل الإعلام يحملون اللاجئين معظم مشاكل لبنان وكأن البلد كان في أحسن أحواله قبل عام 2011
"السوريون يسرقون المساعدات التي كانت تأتي للبنانيين".. أخطاء شائعة حول ملف اللاجئين في لبنانلكن المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، دانا سليمان، أكدت لرصيف22 أن عدد الولادات في صفوف اللاجئين السوريين منذ عام 2011 حتى اليوم، لم يتجاوز مئة ألف. وجزمت سليمان عدم صحة المنشور في الجريدة. لكن معظم وسائل الاعلام التي نشرت الخبر نقلاً عن الديار لم تصححه لاحقاً. ويتداول اللبنانيون اليوم أرقاماً فلكية حول الولادات في صفوف اللاجئين، وأكثر الأرقام تداولاً هو نصف مليون مولود.
أزمة الكهرباء
أعلن وزير الطاقة والمياه اللبناني، سيزار أبي خليل، في مؤتمر صحافي عقده في نهاية شهر مارس الماضي عن خطته لحل أزمة الكهرباء. وقال إن: "سبب أزمة الكهرباء يعود إلى تراكم عوامل عدة، منها طبيعية وتتعلق بزيادة في الطلب، وأخرى غير طبيعية ناتجة من اللاجئين السوريين، إذ أظهرت الدراسة التي أعدتها الوزارة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الـUNDP أن اللاجئين السوريين يستهلكون ما يزيد عن 490 ميغاواط، أي يحرمون اللبنانيين من 5 ساعات تغذية يومياً ويكلفون الدولة أكثر من 333 مليون دولار". امتنع وزير الطاقة عن تسمية العوامل التي أدت إلى عدم توافر الكهرباء في لبنان، وحصر السبب المعلن باللاجئين السوريين. من الطبيعي أن يستهلك اللاجئون الكهرباء. لكن هل تسببوا بأزمة الكهرباء أم أن هذه الأزمة موجودة منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990؟ في العام 2011، أي قبل أزمة اللجوء السوري، أعلن وزير الطاقة والمياه حينها، جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحرّ الذي ينتمي إليه أبي خليل، أن خسائر الاقتصاد اللبناني بسبب انقطاع الكهرباء تصل إلى نحو 6 مليارات دولار سنوياً. ووضع باسيل حينها خطة استندت إلى استئجار بواخر كهرباء لثلاث سنوات، يتم خلالها بناء معامل جديدة تعوّض نقص الكهرباء. استؤجرت البواخر ولم تبن المعامل. واليوم، يريد أبي خليل استئجار بواخر إضافية تنضم لزميلاتها، في صفقة تُثار حولها الكثير من علامات الاستفهام وشبهات الفساد بحسب نواب ووزراء لبنانيين. تبلغ أزمة الكهرباء من العمر عمر الجمهورية الثانية. لم يتسبب اللاجئون السوريون بالأزمة، فهي سابقة لوجودهم. لكن وزير الطاقة يريد رمي المسؤولية على غيره.مسؤولية اللاجئين عن التفجيرات الإرهابية التي طالت لبنان
يتهم اللبنانيون اللاجئين بأنهم "إرهابيون". وتُعلن الأجهزة الأمنية بشكل شبه يومي عن توقيف سوريين بتهم الانتماء إلى المجموعات الإرهابية. لكن الوقائع تُشير إلى أن معظم التفجيرات الانتحارية التي هزت لبنان بين العامين 2013 و2015، وأكثرها ضخامة لم يكن بين منفذيها سوريون، مثل تفجيرات الرويس وحارة حريك وجامعي التقوى والسلام والسفارة والمستشارية الإيرانية.ارتفاع الجرائم بسبب اللاجئين
يُحمل اللبنانيون اللاجئين السوريين مسؤولية ارتفاع معدل الجرائم في لبنان. وكلما حصلت عملية سرقة أو اغتصاب أو جريمة قتل، يكون اللاجئون في طليعة المتهمين. في المقابل، تشير الإحصاءات الرسمية لقوى الأمن الداخلي، إلى أن الجرائم التي ارتكبها لبناني بحق سوري ارتفعت من 2% عام 2011، إلى 9% عام 2014. فيما انخفضت نسبة الجرائم التي ارتكبها سوري بحق لبناني من 6% عام 2011 إلى 5% عام 2014. وبحسب إحصاءات لقوى الأمن الداخلي سبق أن نشرتها جريدة العربي الجديد، فإن عدد الموقوفين السوريين لدى قوى الأمن الداخلي بشكلٍ كبير منذ عام 2011، إذ بلغ عدد الموقوفين في ذلك العام 1682، وارتفع العدد إلى 2550 عام 2012، وإلى 3778 عام 2013، ثم إلى 5726 عام 2014. لكن هذا الارتفاع سببه ارتفاع عدد الموقوفين تحت خانة "جرائم مختلفة" وهي تعني غالباً، الإقامة بطريقة غير شرعية في لبنان أو جنحاً، بحسب ما شرح حينها رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، المقدم جوزف مسلّم، للعربي الجديد. وقد ارتفع عدد الموقوفين في هذه الخانة من 891 عام 2011، إلى 4329 عام 2014، فيما حافظت الخانات الأخرى على أعداد موقوفين متقاربة. فقد أوقف 513 سورياً بتهمة السرقة عام 2011، في المقابل وصل عدد الموقوفين بالتهمة ذاتها إلى 559 عام 2014. وفي جرائم الاغتصاب سُجّل توقيف 18 سورياً عام 2012، وأوقف العدد نفسه عام 2014. لكن رقم الموقوفين بتهم تتعلق بالمخدرات إن لجهة التعاطي أو الاتجار، ارتفع من 102 عام 2011 إلى 572 عام 2014.
مخيمات اللجوء
أصرت قوى سياسيّة لبنانيّة، خصوصاً التيار الوطني الحرّ، على رفض إقامة مخيمات للاجئين السوريين في لبنان، بحجة رفض التوطين. هذا الرفض لم يمنع إنشاء ما يزيد على خمسة آلاف مخيم ونقطة تجمّع غير رسمية، لكنه ترك هذه المخيمات بدون إدارة حديثة ولا حماية، وسكانها عرضة للانتهاكات.مصادرة المساعدات التي كانت تأتي للبنانيين
"السوريون يسرقون المساعدات التي كانت تأتي للبنانيين". نسمع هذه العبارة كل يومٍ تقريباً. الأمر غير صحيح. بل إن اللبنانيّين يشاركون السوريون المساعدات الدولية، إذا جاز التعبير، رغم أن هذا ليس دقيقاً. فمن المطالب اللبنانيّة التي تمت الموافقة عليها، فإن 40% من المساعدات هي من حصة المجتمعات المضيفة للاجئين. ولهذا الأمر حسابه التفصيلي، عبر ورقة رفعتها الدولة اللبنانيّة للجهات المانحة وحددت فيها الحاجات اللبنانيّة المطلوب تلبيتها ليستطيع لبنان الاستمرار في استقبال اللاجئين.سرقة فرص عمل اللبنانيين
قال وزير العمل السابق سجعان قزي في ندوة عقدت في مايو 2017 إن البطالة ارتفعت من 11% إلى نحو 30% بعد اللجوء السوري. ولفت إلى أن لبنان يحتاج سنوياً إلى 35 ألف فرصة عمل، ولا يُخلق منها سوى 12 ألفاً في أحسن الأحوال، بحسب قزي. وتتداول وسائل الإعلام بشكل شبه دائم اتهامات للاجئين بسرقة أعمال اللبنانيين، وانتشرت أخيراً حملات تدعو لمقاطعة المؤسسات التي يملكها أو يعمل فيها سوريون. في مقابل هذه الأرقام، نشر مدير الأبحاث في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، ناصر ياسين أرقاماً واضحة: في العام 2016 تم خلق 12321 وظيفة دائمة وغير دائمة في مجال العمل مع اللاجئين ضمن خطة الاستجابة. هذا يعني أنه تم خلق عدد من الوظائف موازٍ للعدد الذي يتم تأمينه سنوياً. ومن الأرقام التي نشرها ياسين، مشاركة 493 متجراً حول لبنان في مشروع برنامج الغذاء العالمي لمساعدة اللاجئين، حيث تم شراء مواد غذائية بقيمة تتجاوز 20 مليون دولار أميركي شهرياً. كما أن 84% من المؤسسات الاقتصادية الجديدة التي أنشئت في محيط تجمعات اللاجئين يملكها لبنانيون، بحسب ما نشره ياسين عبر حسابه على موقع تويتر تحت عنوان "Fact of the Day". يتجاهل من يتهم اللاجئين بالتسبب برفع نسب البطالة، أن قيمة تحويلات المغتربين إلى لبنان تراجعت، وعاد عدد من العاملين في دول الخليج إلى لبنان لأسباب سياسيّة واقتصادية، وتراجع مدخول السياحة اللبنانيّة بسبب الحرب في سوريا، وتراجع عدد السياح العرب بشكل كبير لأسباب سياسية. كما يتجاهل هؤلاء أن لبنان عانى في هذه الفترة من اشتباكات عسكرية متنقلة وأزمة سياسية حادة وفراغ في رئاسة الجمهورية استمر لأكثر من سنتين.تلويث البيئة
نقلت جريدة النهار في أكتوبر 2016 عن وزير البيئة السابق محمد المشنوق أن نسبة تدهور نوعية الهواء "ارتفعت بشكل ملحوظ لأسباب عدة، ومن أهمها توافد ما يزيد عن مليون وثمانمائة ألف لاجئ إلى لبنان بسبب الأزمة السورية". ؤأضاف أن الدراسة التي قامت بها الوزارة عام 2014 لتقويم أثر الأزمة السورية على البيئة في لبنان أشارت إلى أن الأزمة أدّت إلى زيادة في الانبعاثات الهوائية تصل إلى نحو 20% مقارنةً بالوضع عام 2010. كذلك لفتت جريدة النهار في الخبر عينه إلى أن المشنوق تجاهل "النفايات المتراكمة في الشوارع، والتي رفعت نسبة تلوث الهواء الى حد كبير".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون