كثيراً ما يدور الحديث حول أزمات الفتيات العربيات ومشاكلهن الاجتماعية ومدى الكبت الذي يعانين منه جراء ظروف كثيرة، وبقيت مشاكل الشباب العربي والمصري تحديداً تحت الأنقاض لا يتم الحديث عنها من قِبَل أصحابها إلا على استحياء...
بإمكانات مادية قليلة جداً، نحو ألفين جنيه (113$)، وعدد من المتطوعين للمشاركة "بلا مقابل"، خرج فيلم "بؤس مصري" للنور. هذا ليس توصيفه، إنما اسمه الذي اختاره له صانعه وصاحب الفكرة، معتمداً على أحداث حقيقية وأشخاص حقيقيين، وواقع صادم ولكنه حقيقي أيضاً.
5 دقائق أوجزت بعضاً من المعاناة، لخصتها مشاهد الفيلم القصير الذي عرض 8 نماذج لشباب متأزمين نفسياً، وهم: خريج كلية الهندسة الذي يعمل في إحياء الحفلات، بائع الخبز، من يمارس الجنس مع الدُمى، من يحلم بقبلة، الذي يتمنى مكالمة هاتفية من فتاة، من كسر رجله ليتخلف عن الجيش، المهاجر، والذي يكتشف أن فتاة النت اللبنانية التي أحبها هي صديقه الذي قام بمزحة ثقيلة معه.
للوهلة الأولى التي تشاهدون جميع هؤلاء، تشعرون كأنهم أشخاص طبيعيون وليس لديهم مشكلة نفسية، وهذا هو المطلوب إيصاله كرسالة بأنهم اختاروا واقعاً افتراضياً محبباً وسهلاً لهم.
بدأت الحكاية من خلال صفحة على فيسبوك تحمل الاسم نفسه، "بؤس مصري" باللغة الإنجليزية، هدفها الحديث والفضفضة وحكي الشباب عن أزماتهم. وطالبت تلك الصفحة متابعيها بأن يرسلوا لها عبر الرسائل الخاصة قصصاً حزينة درامية واقعية، ومن هنا بدأ خالد خلة صاحب الفكرة في أولى خطوات تنفيذ فكرته، أي تجميع أكبر كمّ من القصص البائسة، ثمّ الفلترة واختيار أشدها حزناً، ثم اختيار أشخاص لم يسبق لهم التمثيل، أشخاص طبيعيين كما يصفهم خالد، ثم يأتي التنفيذ والتصوير.
يقول خالد لرصيف 22، إن الشباب المصري لديه الكثير من الأزمات النفسية ولكنه يعيش حالة من الرفض لواقعه، لذا نجد غالبية الشباب، حتى وإن كان لديه معضلة اجتماعية ما، يتصرف وكأنه شخص طبيعي سعيد بحاله. وحين يحكي أياً منهم عن واقعه لا تشعر أن شخصاً تعيساً يتكلم، بل على العكس تجده طبيعياً جداً.
ويؤكد خالد: "أنا أحبهم، لذا أحبهم الناس ولم يشعر أحد بأي سخط حيال أي من تلك الشخصيات، بل على العكس لأن أزمتهم أكبر منهم، وهي بيد المجتمع بأكمله".
"أنا كريم ونفسي أكلم بنت"
كريم يكتب رقمه على حائط وبجانبه جملة "نفسي أكلم بنت"، فهو نموذج للشاب الذي يريد أن يرتبط وتكون له تجربة عاطفية. يقول خالد إنه أثناء تصوير هذا "الشوت"، اضطر أن يكتب رقمه الحقيقي على الحائط، فكل من شاهد الفيلم تصور أن الرقم لكريم الحقيقي، وبدأ خالد يتلقى على هذا الرقم العديد من المكالمات من فتيات وشباب متعاطفين جداً مع كريم، ويرغبون في حل أزمته. ويحكي خالد عن مكالمة شهيرة استقبلها من شخص حاول بشتى الطرق أن يساعد كريم في تخطي أزمته والبحث عن فتيات موافقات على الارتباط به."في دبدوبة حامل مني"
الكبت الجنسي يؤدي إلى أمراض مستعصية، ومعروف أن الزواج بات من أشهر الأزمات الاجتماعية، نظراً للوضع الاقتصادي المتأزم. لذا من الطبيعي جداً أن يخلف هذا الكبت أموراً غريبة، كالشخص الذي يحلم بقبلة من فتاة ولا يستطيع، لأن المجتمع العربي يرفض العلاقات خارج الإطار الشرعي، ما يدفعه إلى السخط على المثلية، ظناً منه أن المثليين أفضل حالاً منه وفرصهم الجنسية أكبر، كأن يذهب صديق لصديقه المثلي بدون عوائق إلى منزله. وقد يلجأ عدد من الشباب إلى البحث عن بدائل لإفراغ الشحنة الجنسية المكبوتة لديهم، مثل أن يمارس العادة السرية من خلال محفزات خارجية "فيديو إباحي أو صورة إباحية"، أو مع دُمى، كالشخص الذي اختار أن يمارس الجنس مع "دبدوبة" واعتبر أنها أنثى تشعر به كما يشعر بها، والأكثر من ذلك تصوّر أنها أصبحت حاملاً منه."الهروب من الجيش بكسر القدم"
عدد لا بأس به من الشباب يشعر بالفزع كلما اقترب موعد التحاقه بالجيش، وكثيرون منهم يحاول التهرب بشتى الطرق، كأن يطلب الشاب من صديق له أن يكسر له، عمداً، قدمه ليتمكن من عدم الالتحاق بالجيش. وهناك من تملك منه اليأس فلجأ إلى الهجرة غير الشرعية، فضلاً عن أصحاب المهن المتواضعة الذين يشعرون أنهم معدومو الفائدة والنفع. رصيف 22 طرح عدة أسئلة على خالد خلة منتج الفيلم والكاتب والمخرج والمونتير حول عمله السينمائي: كيف بدأت الفكرة؟ بدأت من خلال معايشة نماذج كثيرة تحيا حياة بائسة، ولا تشعر أصلاً بأن لديها مشكلة، فأردت أن أنقل ما هو مدفون لسنوات إلى الواجهة ليعرف الجميع مشاكل المجتمع. هل الأحداث كلها واقعية؟ بالطبع، فالقصص اخترتها من خلال تجارب حقيقية لأشخاص حقيقيين، ومنها ما عايشته بنفسي. فقديماً تعرض أحد أصدقائي لموقف من صديق له دشن صفحة مزيفة خاصة بفتاة جميلة وبدأ التعرف على هذه الفتاة، وأحبها من خلال المحادثات والصور المزيفة. وحين اعترف له صديقه بأنه صاحب الصفحة رفض عقله التصديق وظل يتعامل مع الفتاة كما لو كانت حقيقية. كيف اخترت الممثلين؟ اخترت ألا يكونوا ممثلين ليكون الفيلم واقعياً كما الأحداث واقعية، لذلك أعلنت من خلال صفحتي عن إمكانية مشاركة أي شخص لم يسبق له التمثيل في هذا الفيلم، وبالفعل اخترت 8 أشخاص من المتقدمين. ماذا عن أصحاب القصص الحقيقية؟ أعرفهم جيداً ولكنهم لا يرغبون في الإفصاح عن أنفسهم، وأؤكد أنهم ليست لديهم أي أزمات رغم أوضاعهم تلك. هل يمكن أن تخبرنا عن أحلامهم وطموحهم؟ ليست لديهم أي أحلام، هم سعداء بما يعيشونه، فهم اختاروا واقعاً مغايراً لحياتهم وعايشوه وأحبوه. هل واجهتك صعوبة أثناء التصوير؟ التصوير تم بكاميرا صغيرة وأخرى على "ترايبود" خلال 4 أيام كاملة، وكل شخصية جاءت لوقت قصير، أدت دورها بسلاسة وانتهى الأمر. وأماكن التصوير كانت إما لدى أحد المعارف أو في شارع عمومي، ولفترة وجيزة، لذا لم أواجه أي مشكلة. ماذا عن ردود الأفعال؟ كثيرون يرون أنفسهم في الفيلم أو أشخاصاً يعرفونهم، فكما قلت هي أحداث واقعية، وقلة منهم رفضوا الفيلم، ولكن لا أحد شكك في مصداقية الأحداث. ما أكثر شخصية نالت تعاطفاً؟ كلهم، ولكن جملة بائع العيش "طول ما انت مالكش لازمة محدش هيستغلك"، ربما كانت حساسة بشكل أكبر، وشخصية كريم أيضاً الذي يمارس الجنس مع دبدوبة. ما هدفك من هذا الفيلم؟ ليس لدي أهداف، أردت أن أصنع فيلماً واقعياً بدون تزييف، ولا أرغب بأي أرباح سوى العرض والمكاشفة والمشاهدة. وكيف ينتهي هذا البؤس؟ لن ينتهي... لأن أصحاب تلك القصص وأمثالهم من البائسين، لا يرون أصلاً أن لديهم مشكلة ما، على العكس هم متعايشون بمنتهى الأريحية والسعادة مع وضعهم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.