شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"سيب إيدي" و"ركبني المرجيحة"... عن ذلك الفن الوحش الذي يبتكره بير السلم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 21 يوليو 201701:17 م
قديماً استغل المصريون المساحة الواقعة بين أولى درجات سلم العمائر والأرض في إخفاء الأشياء غير القانونية. وتعدد استخدام هذه المساحة الضيقة بين مكان مناسب للقاء بنت الجيران، إلى ممارسة الجنس وتعاطي المخدرات، وإلى تصنيع مواد مشبوهة ومزورة. وسميت تلك المساحة بـ"بير السلم"، وبدأ المصطلح ينتشر إعلامياً لوصف الأعمال الرديئة والمصانع والشركات المجهولة الهوية، إلى أن أصبحت مصطلحاً وتصنيفاً فنياً في السنوات الأخيرة. استخدم مصطلح "بير السلم" أخيراً في الإعلام لوصف الأعمال الفنية القليلة الكلفة والمجهولة الهوية وغير الخاضعة للرقابة أو الجهات الرسمية والمعروفة، وتأتي في درجة أقل من "الأندرغراوند". فأبطالها من أقاليم مصر ونجوعها، كوّنوا عالماً آخر مليئاً بمئات الكليبات والأعمال الفنية التي يصعب تصنيفها، وتلقى شهرتها بتعرضها للسخرية إذا التقطها رواد مواقع التواصل، كما حدث مع العمل الذي أحدث ضجة كبيرة "ركبني المرجيحة". وقبل أن نتعرف إلى العالم الذي جاء منه هذا العمل، لا تفوتكم مشاهدة أشهر الكليبات من ذلك النوع: "ركبني المرجيحة"
"سيب ايدي"
"كسبت الرهان"
"mi mi mi النسخة المصرية"

كيف بدأت ظاهرة فن بير السلم؟

قبل ثورة 25 يناير بأعوام قليلة، بدأت موسيقى المهرجانات في الظهور من المناطق الشعبية، بعد معرفة بعض الهواة طرق تسجيل الأصوات ومزجها، وبرامج التوزيع الموسيقي على أجهزة الكمبيوتر المنزلية. وكانت السبب في ظهور نماذج مثل "السادات وفيفتي وحاحا" كنجوم أوائل في ذلك النوع، وحفز نجاحهم الكبير بعد الثورة شباب المناطق الشعبية والأقاليم لتنفيذ مئات المهرجانات والفرق، إلى أن انطفأ بريق المهرجانات أخيراً مع آخر عمل "مفيش صاحب يتصاحب" مع 116 مليون مشاهدة على يوتيوب، واتجهت الأنظار إلى الكليبات بفضل ظهور قنوات سرقة الأفلام والرقص والكليبات الشعبية وإعلانات يوتيوب.

"ركبني المرجيحة" من يوتيوب إلى الأفراح والعكس

قد لا يعرف الساخرون من هذه الكليبات أن أصحابها نجوم لحفلات الزفاف في الأقاليم، وأعمالهم على يوتيوب نتيجة طبيعية لنشاطهم على أرض الواقع أو "c.v" لهم. فدائرة الصناعة تبدأ بمتعهد حفلات زفاف وأصحاب استديوهات تصويرها، يطرحون أفراحهم الناجحة على يوتيوب للترويج لأنفسهم. وتطور الأمر إلى تحولهم لمنتجين ومكتشفي مواهب وأصحاب قنوات فضائية، مثل "شعبيات" و"المولد". وتطور الأمر حتى أصبح من يريد الغناء في الأفراح يدفع لهم ليتحمل تكاليف فيديوهاته، وكلفتها لا تتعدى الأربعة آلاف جنيه (223 دولار). فكانت النتيجة أن أصوات غير مألوفة مثل "روبي البحر" و "بلبلة حمدي" تلقى حظها في حفلات الزفاف!
اتسعت دائرة بيزنس أعمال بير السلم بانضمام فئات أخرى إلى الإنتاج والغناء، مثل أصحاب المقاهي ومكاتب العقارات، وسائقي الميكروباصات والراقصات. واتسعت الدائرة أكثر لتشمل فئات جديدة، مثل الأطفال والسيدات والشيوخ، كل ذلك بسبب قلة كلفة الإنتاج وضمان الربح، الذي قد يأتي من حفلين زفاف فقط أو من إعلانات يوتيوب. وبعضهم تحول إلى نجوم مجتمع وشخصيات تتهافت عليها الصحف مثل فتاة المنصورة، بطلة كليب "ركبني المرجيحة"، التي تنافس أخبارها الشخصية هذه الأيام أخبار هيفاء وهبي وغادة عبدالرازق... كل ذلك بسبب التعامل معها كإفيه وإثارتها للسخرية بصوتها وهيئتها وبكليب كلفته 12 ألف جنيه فقط (670 دولار).

أرقام هواتف وألقاب غريبة وجرأة غير معهودة

قبل أي شيء، قلة التكاليف لا تعني بالطبع رداءة المنتج، ولكن في هذا العالم هناك مبادىء وأشياء لا تجدها إلا داخله، وقد تكون السبب في جلبها للسخرية ووصفها بالرديئة، وأولها أنها أكثر الأعمال المصورة والغنائية جرأة في مصر. فالراقصة والملابس الساخنة، من بين العناصر التي لا غنى عنها، إذ لا توجد رقابة ولا تصاريح، والقاعدة الرئيسية هي أن لا معايير في اختيار المطرب والموديل، ومن حق الجميع أن يغني ويرقص ويؤلف موسيقى، على عكس "البوب" ومقاييسه، وأقرب مثال على ذلك كليب "العصافير يا اولاد" لـ"الموسيقار سامي عوض".
من العناصر الثابتة أيضاً كتابة اسماء المخرجين والمنتجين في عنوان الأغنية، والحرص دائماً على اختيار ألقاب لصاحب العمل مثل "النجم"، "الفنان"، "البرنس"، "القطة الشقية"، "الموسيقار"، "الحاج"، "الأستاذ"، "الصاروخ"، "الهرم"، و "كوكب المريخ" وغيرها. وفي نهاية الكليب، يمتلئ التتر بأرقام هواتف معظم العاملين به من أجل الطلب في الأفراح.

أو كما قال "غوغل": المزيد من ركبني المرجيحة

يحتوي "يوتيوب" على مئات الكليبات من هذا النمط، بالطبع غالبها ليس مثيراً للسخرية، ولكن بعضها يجعلكم تتوقفون كثيراً لتفهموا ماذا كان يدور في عقول أصحابها قبل تنفيذها. فليست "ركبني المرجيحة" وحدها ما تدفعكم للضحك أو الغضب، فهناك نماذج لم تلق الانتشار نفسه مثل: كليب "الحب مش سهوكة"
كليب" سنين العمر"
ويعرض بعضهم كواليس التصوير، التي تشرح كيف تخرج هذه الأعمال بهذا الشكل المكرر والموحد، بالإضافة إلى طريقة التعامل مع الأطفال مثل كليب "ليه يا زمان"، الذي ألحق بفيديو آخر يبرز أسلوب تصويره. كواليس الكليب وتوجيهات المخرج:

كلفة إنتاج كليب شعبي قد تصل إلى صفر

في مسألة تكاليف إنتاج كليبات شعبية يقول "مادو الفظيع"، موزع ومنتج، لرصيف22 إن أي شخص يريد الغناء لن يكلفه ذلك أقل من 4 آلاف جنيه (223 دولار). وتتعلق الميزانية بأهمية من يكتب الكلمات ومن يلحنها، وقد يجمع هاتين الوظيفتين شخص واحد. ولا توجد قيمة لتأجير الاستديو، لأنها تتم ببرامج الكمبيوتر وتحميل الموسيقى من الانترنت، أو كما تسمى داخل الوسط "بروجيكت"، بالإضافة الى مسجل صوت قد يكون "المايك" العادي المستخدم في الدردشة على الانترنت، أو جهازاً متطوراً قد يكلف 6 آلاف جنيه (330 دولار). أما إذا أراد أحد أن يطور من الموسيقى داخل العمل، فسيحتاج إلى جهاز "أورغ" قد يصل سعر أحدث إصدار له إلى 30 ألف جنيه مصري (1600 دولار)، على حد تجربة مادو، الذي يقول إن التصوير والتسجيل قد لا يكلفان شيئاً أيضاً إذا قاما على المشاركة والتطوع. وتصل أحياناً إلى 5 آلاف جنيه (280 دولار)، لأن هناك من يريد إنجاز أغانٍ لأسباب خاصة وشخصية بمنأى عن الموهبة والشهرة وحب الفن.
هناك نماذج كثيرة حققت نجاحاً مادياً وفنياً من عالم "بير السلم"، وآخرون استمروا إلى الآن وأصبحوا نجوماً، مثل أحمد شيبة صاحب "آه لو لعبت يا زهر"، الذي بدأ بالطريقة نفسها، وأنتج الأغنية الأشهر بمبلغ لا يتعدى 4 آلاف جنيه، والمطربة بوسي صاحبة "آه يا دنيا"، والراقصة صافيناز، ولن ننسى "الخليل الكوميدي" صاحب التجربة الأكبر والأشهر والأكثر استمرارية في التعرض للسخرية وتحقيق المكاسب المادية.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image