شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
محجَّبات الراب والاستهلاك الإعلامي

محجَّبات الراب والاستهلاك الإعلامي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 17 أبريل 201505:33 م

قبل مدة غير بعيدة، انشغل جمهور برنامج المسابقات "آراب غات تالينت" Arabs Got Talent بمغنية الراب المصرية، الشابة المحجبة ميام محمود (18 عاماً)، وقد جذب ظهورها انتباه الكثير من المشاهدين العرب (والأجانب). منهم من أبدى إعجابه بها، ومنهم من انتقدها واعتبرها "تشوه الإسلام" وتروج لـ"الفجور والانحلال"، خصوصاً أنها كسرت بغنائها "النمطية" السائدة و"المعلّبة" حول صورة المرأة المحجبة، ورمت حجراً كبيراً في مستنقع الجمود الكلامي ومستنقع المحظورات الاجتماعية والدينية، بعدما قالت إنها تحجبت بملء إرادتها، وتسعى لتثبت أن المرأة، وعلى نحو خاص المحجّبة، تستطيع أن تفعل كلّ شيء.


لا تدافع ميام بأغانيها عن حجابها، بل عن حق الأخريات في عدم ارتدائه، إذا ما اخترن ذلك. إنها تلوم المجتمع المصري الذي يقبل بالتحرش الجنسيّ كجزء من الحياة اليومية، ملقياً باللائمة دائماً على النساء بدلاً من الرجال، بحسب تعبيرها.

بين ليلة وضحاها غزت الشابة ميام محمود ظاهرة "ميديائية" الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية، وبدا حجابها متقدماً أو سابقاً على صوتها وأعمالها، وإن كان ما تقوم به يسمى "انتفاضة ذاتية" في الدفاع عن المرأة، وهي وإن اختارت قضايا شائكة في كلمات أغانيها، بقيت لغة حجابها أقوى من كل شيء.

كلّ كلمة قالتها قيست بمقياس حجابها، وهو ربما من الأسباب التي جعلت لجنة تحكيم برنامج "آراب غات تالينت" تختار ميام. الحجاب، وإنْ كان هامشياً في تجارب الراب عموماً، لكنه في الواقع غواية من نوع آخر في نظر وسائل الإعلام والجمهور، اكزوتيك إعلامي وثقافي وليس مجرد قطعة قماش.

أن يظهر الحجاب مع الراب يضعنا أمام مشهدية ملؤها التناقضات، ما يزيد من الألق والإغواء في المخيلة، إذ أن الحجاب قيدٌ على الجسد، على عكس الراب الذي يكون مرفقاً بإيقاع وحركة جسدية وأزياء خاصة، تساهم كلّها في كسر المحظورات الدينية.

لم تكن هذه المرة الأولى التي نشاهد فيها فتاة مسلمة ومحجبة تغني الراب، فأسماء العمروسي سبق أن أدت أغاني الراب في مسابقة العرب الأميركيين للمواهب Arab Americans Got Talent في نيويورك. تقول أسماء إن صوتها في الراب "ليس عورة"، مضيفة أنه "لا دليل واضح على أن الراب والطرب بشكل عام حرام".

أسماء (19 عاماً)، أميركية من أصل مصري، تدافع عن أدائها أغاني الراب، قائلة: "أعرف أن الكثير من المسلمين سينتقدون ما أفعل. لكنني بدوري لا أغني في الملاهي الليلية". تحظى أسماء بدعم كبير من الذين يسعون إلى تقديم إسلام معتدل في أميركا.

فتيات مسلمات أميركيات أخريات يمزجن غطاء الرأس بثقافة الشباب العصرية ويطلقن على أنفسهن اسم "ميبسترز" Mipsterz، أي الهيبسترز Hipsters المسلمون. انتشر لهن فيديو حيث يرقصن بطريقة مثيرة، فيما تسود الخلفية موسيقى هيب هوب. لديهن صفحة خاصة على الفيسبوك يصفن فيها مجموعتهن: "نحن نستلهم التقاليد والنصوص الإسلامية المقدسة". أشعلت أعمالهن جدلاً بين المسلمين الأميركيين. مؤيدو المجموعة يرون أن أعمالهنّ تمثل اختراقاً وتغييراً للصور النمطية عن المسلمات، وهنّ يردنَ القول للنساء المسلمات من خلال أعمالهن، إنه يمكنهن الاستمتاع بوقتهن دون مخالفة تعاليم الإسلام. في حين يصعب على البعض الآخر قبولهن لأن توجههن يبدو مناقضاً تماماً للحشمة الإسلامية كما نعرفها.

تبقى "سهيرة" أشهر مغنيات الراب المحجبات. هي فلسطينية مقيمة في ألمانيا، ظهر ألبومها الأول عام 2005 بعنوان "قل ما تريد" وطبعت منه ألف نسخة فقط بتشجيع من والدتها. سهيرة جعلت منها بعض وسائل الإعلام في ألمانيا أشهر مغنية لـ"الراب" ترتدي الحجاب. في زمن مجدها الإعلامي وشهرتها وعلى خلاف زملائها من الرجال، لم تتعرض المغنية المسلمة إلى تقديس العنف والتسلط الذكوري، فهي تروي في أغانيها ملامح من الحياة اليومية التي تصادفها ومشاكل الشباب وانغلاق آفاق المستقبل أمامهم، ناهيك عن موضوع صراع الأجيال والبحث عن الجذور.

ما قيل عن حجاب ميام محمود المصرية، قيل عن حجاب سهيرة الفلسطينية-الألمانية قبل سنوات. في كلا الحالتين نحن أمام استهلاك إعلامي لقضية يغلب عليها الطابع "الفصامي" و"الاكزوتيكي" والتمردي. عندما نقرأ في وسائل الإعلام الألمانية، أن مغنية "الراب" استطاعت "أن توفق بين الحداثة والتمسك بالهوية وأنها تجمع بينهما بشكل باهر، إذ ترتدي ملابس عصرية وسراويل الجينز لكنها ترتدي أيضاً غطاءً للرأس"، يجعلنا نتوقف عند المغزى والجموح في الإفراط عن الحديث بجمع المتناقضات أو الثنائيات بين الحجاب "الديني" والراب "الحداثويّ- المديني".

ثمة من كتب أن "موجة الراب التي بدأ الشباب العربي المهاجر يتبناها تمثل صورة مصغرة لحالة الضياع التي يعيشها العرب داخل وخارج أوطانهم. وعندما نقول "الضياع"، نعني بذلك غياب بوصلة اجتماعية ومشروع مجتمعي قادر على مجابهة التحديات الراهنة". وعندما نقرأ في وسائل الإعلام العربية والأجنبية عن ميام محمود، نجد أنفسنا أيضاً أمام صورة مصغرة لحالة الضياع، ليس في بلاد الهجرة، بل في قلب مصر والعالم العربي. ندرك ذلك من المواضيع التي تختارها هي عن الشارع والمرأة، وندرك أن ذلك هو الصراع على الهوية الشخصية.

ولكن ماذا لو كانت ميام تقدم الأغاني من دون حجاب؟ هل ستكون في الواجهة وفي دائرة الاهتمام؟ الأرجح أنها كانت لتكون مجرد مغنية عادية من بين جملة أسماء كثيرة في هذا المجال.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image