يضبط وسادته القطنية تحت رأسه على الرصيف ويستعد لأخذ غفوة قصيرة، مستمتعاً بنسمات هواء كانت تهب بين الفينة والأخرى.
يعمد الستيني موسى حجازي إلى الجلوس خارج باب منزله الذي يبقى مفتوحاً طوال النهار، في أحد أزقة مخيم جباليا شمال قطاع غزة.
يقول أن الحر داخل الدار لم يعد يُحتمل.
بعد بضع دقائق، يتوافد أحفاده واحداً تلو الآخر، يحتضنهم والعرق يتصبب من جبينه، ويقول أنهم جميعاً سيموتون من الحر إن بقوا في بيوتهم، فالعيش فيها بحسب وصفه هو "الحياة تحت سقف جهنم على الأرض".
إذا كانت درجة الحرارة في الخارج 48 درجة مئوية مثلاً، فإنها تتضاعف داخل منزله.
السبب هو أنه مسقوف بالتنك أو صفائح الزينكو التي تواجه الشمس وتحمى لتصبح كسقف من نار فوق رأس السكان. وحجازي هو واحد من مئات سكان هذه البيوت التي يسكنها اللاجئون، وتنتشر في مخيمات قطاع غزة.
شوارع ضيقة وحارات صغيرة تلتصق بها منازل حجرية سُقفت بالتنك.
في الشتاء، يتضاعف البرد داخلها بسبب السقف، وتزداد الحرارة في الصيف حين تواجهه أشعة الشمس، ما يجعل السكن تحت السقف انعكاساً مضاعفاً لقسوة الطقس، ويصبح الشارع ملاذ السكان الصيف من شدّة الحرارة في الداخل.
حكاية البيوت…
حين سيطر الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 على نحو 80% من أرض فلسطين، تشرد حوالى مليون فلسطيني في دول الجوار ومخيمات قطاع غزة. منذ ذلك الوقت، وعدد سكان المخيمات في ازدياد، فيما يعيش كثر منهم في فقر وداخل منازل بدائية كالكرفانات أو المنازل المصنوعة من التنك. وقد زادت الحروب الأخيرة على قطاع غزة عدد اللاجئين في القطاع، بعدما فقد كثر من السكان منازلهم نتيجة القصف الإسرائيلي، وتزداد الحياة فيه صعوبة مع الانقطاع الدائم للكهرباء، والذي يصل إلى عشرين ساعة أحياناً، وشح المياه. في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، التقى رصيف22 بسيدة مسنّة رفضت ذكر اسمها، تسكن إحدى هذه المنازل. تحمل بيدها صينية بلاستيكية تحركها بين الفينة والأخرى لتنعم ببعض نسمات الهواء، فيما تمسح وجهها الذي يتصبب عرقاً. صنيتها ليست الوحيدة، إذ يجد زوار الحي عند دخوله غالبية النساء خارج البيوت ممسكات بصوان أو دفاتر، يحاولن التهوية بها. "لم أجد أجمل من هذه الهوّاية اليدوية فأعدها كنزاً ثميناً"، تقول ضاحكة لرصيف22، ثم تضع المزاح جانباً وتسترسل واصفة حياتها في المخيم. جو البيت ودرجة الحرارة فيه صيفاً متعبان، ومع انقطاع الكهرباء وانعدام المولدات يصبح الأمر أكثر صعوبة. في زاوية أخرى من المخيم، يجلس الأربعيني محمد زيدان وهو ينسج شباك الصيد خارج بيته هرباً من حر المنزل. يصف حياته في المخيم بالموت البطيء، يزداد عذابها في منزل ذي السقف التنك. المتنفس أمامه وبقية سكان المنازل التي تشبه بيته محدود، فحتى البحر بات ملوثاً تصعب السباحة فيه. لذلك يتجمع هو وجيرانه عن مداخل المنازل، وتصبح الأزقة كصالة معيشة جماعية لأهل المخيم.يصفون حياتهم في المخيم بالموت البطيء، يزداد عذابها في منازل "مثل جهنم"... معنى أن تعيش تحن سقف من تنكالضغط والحر وقلة الحيلة والازدحام تزيد من التوتر والضغط اللذين يعيشهما زيدان وجيرانه. فالخلافات اليومية بين أفراد الأسرة الواحدة والجيران، على اختلاف أعمارهم، باتت جزءاً من حياة أهل المخيم، بحسب أيمن البطنيجي، الناطق باسم الشرطة الفلسطينية. وتصل المشكلات أحياناً إلى درجة العنف واستخدام الأدوات الحادة. يقول بكر التركماني، المستشار القانوني في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، لرصيف22 أن مسؤولية تغيير هذه المنازل تقع على عاتق الدولة. "انضمت فلسطين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية، والتي تنص على ضرورة تمكين المواطن من الحق بالسكن الآمن". ويضيف أن عملية إعادة الإعمار وإنشاء مناطق سكنية لا تزالان قضية شائكة ومحل تشكيك وتخبط من عدم وضوح للمواطن والمؤسسات، إلى جانب تعدد الأطراف المرتبطة بالتنفيذ، وهذا ما يدلّ على ضعف البنية القانونية والرقابية في تقديم الخدمة إلى المواطنين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون