من كان يعتبر الموضة عالماً بعيداً عن الواقع ومشاكله، تتضافر أسباب كثيرة اليوم لتغيّر له هذا الرأي.
في الحقيقة، ارتباط الموضة بقضايا السياسة والاجتماع والاقتصاد وحتى المناخ ليس مستجداً، لكن تحول الملابس في السنوات القليلة الماضية إلى منصات لإيصال الرسائل المختلفة سلط عليها الضوء كأداة بصرية شديدة التأثير.
وكما قد تلعب الأداة في القضايا الإشكالية دوراً إيجابياً، فإن لها سقطاتها التي تنقلب سلباً على اللباس وعلى القضية.
في الجانب الإيجابي، يمكن تسجيل العديد من المحطات التي تعود إلى أيام "ثورة كوكو شانيل" أو حتى قبلها. ومؤخراً، واكبت الموضة الانتخابات الأمريكية برسائل انتقدت ترامب، وأخرى رفضت قرار حظر السفر أو الحائط الحدودي مع المكسيك، كما اعترضت على ظواهر الإسلاموفوبيا والعنصرية وغيرها. في حين، دخلت أسماء عديدة في عالم الموضة إلى سوق المحجبات من ملابس رياضية ولباس بحر...
في المقابل، ذهبت بعض الصيحات إلى إهانة قضايا معينة والإساءة إليها. انطلاقاً من مفهوم أن هذا العالم تحركه المصالح التجارية بشكل جوهري، مروراً بالسعي نحو التميز والإثارة والارتكاز على عامل الصدمة، وصولاً إلى الالتزام بقضايا سياسية واجتماعية والدفاع عنها.
كل ذلك لا يعني الدعوة لابتعاد الموضة عن هذه القضايا، بالعكس ثمة نظريات عدة تؤكد ضرورة انخراطها بها، ولكن الاستغلال السيء والمبالغة (تأثراً بعوامل التجارة والإثارة)، له ما له من مفعول سلبي على تلك القضايا، كما على سمعة دور الأزياء والماركات التي تروّج لها.
"فستان اللجوء"، "صنادل العبد"، "كنزة الشرطي"، "اللجوء الشيك"... وأسماء أخرى أثارت جدلاً واسعاً عندما أعلنت عنها دور الأزياء وأسمت بها ملابسها وأحذيتها.
الفستان الخطأ
ولكن "اللجوء ليس موضة"، حسب العنوان الذي اختارته صحيفة "نيويورك تايمز" لتقريرها الذي تناول مسألة سقوط الموضة في فخ الاستفادة من قضايا راهنة باعتبارها عنصر جذب "كول" و"سكسي" بغض النظر عن تأثير مثل تلك المسميات على الضحايا والمتضررين. في مطلع الشهر الحالي، أثار متجر Uzi الأمريكي للملابس الجدل بعد إعلانه عن فستان جديد اسمه "فستان اللجوء" (Refugee Dress). تم تقديم الفستان باعتباره الخيار الأنسب للصيف الحار، فهو مريح ومجعد في تصميمه بما لا يسمح للتعرق والحر أن يتركا آثارهما عليه. وإن بدا فستاناً عادياً وبسيطاً، وبالأكثر مهملاً، إلا أن سعره يبلغ 119$. نشرت فتاة من "أوكسفورد" صورة للفستان منتقدة الاسم، وأعقب ذلك موجة من الاعتراضات، الأمر الذي دفع الشركة إلى سحب الاسم واستبداله ليصبح "فستان أوكسفورد" (Oxford Dress). في حديث مع "نيويورك تايمز"، أوضحت مؤسسة المتجر ماري غوستافسون الخيار الأول، كما بررت الاسم السياسي بالقول "عندما تصنع شيئا عليك أن تمنحه اسما. لكن معظم شركات الأزياء تلجأ إلى أسماء مملة لأنها لا تريد أن تجري محادثات جادة، ولكن من الضروري الانخراط في هذه القضايا". بحسب الصحيفة، غوستافسون محقة في ما قالته، ولكن Uzi سلك الطريق الخطأ فيه. وإن كان أحدث من أثار ضجة في الإطار، إلا أنه ليس الوحيدة."صنادل العبد" الملونة
في العام الماضي، سقطت "دولتشي & غابانا" في الفخ نفسه. أعلنت عن صنادل جديدة لاقى شكلها رواجاً، فهي ملونة ومريحة ومميزة. لكن المشكلة كانت في الاسم الذي اختارته الشركة لمنتجها: "صنادل العبد" (Slave Sandals). بلغ سعر الصندل الواحد 2395$، لكن الاسم أحرج دار الأزياء بعد موجة من الاعتراض عبّرت عن "القرف" منها واتهمتها بـ"تمجيد العبودية"، ما اضطرها إلى تغييره."أوشفيتز" و"الهجرة الأنيقة"
قبل الشركة الإيطالية، أثارت "زارا" الاستياء من خلال كنزة "الشريف" ("Sheriff") للصغار، والتي تعيد التذكير بملابس معسكر "أوشفيتز" النازي. الكنزة طلبها عدد من الأشخاص لكنها لم تُرسل إليهم، في حين أعلنت الشركة عن إتلاف ما يوجد منها في مستودعاتها. "Ethnic Woman" هو الخط الذي ركزت عليه المصممة دوبرياكوفا في إحدى مجموعاتها، وقد أثارت كذلك الضجة واتهمت بالعنصرية، فلجأت المصممة إلى تغيير الأسماء. والحال نفسه، طال كنزة ارتدتها الممثلة بريانكا شوبرا مكتوب عليها لاجئ/ مهاجر/ دخيل مع خط أحمر فوقها، في حين بقيت كلمة "رحال" كخيار دون خط أحمر. أتى الجواب على الكنزة بأن "اللجوء ليس خياراً"، وفي مثل هذه الملابس إهانة لكل الظلم الذي يعانيه من تضطرهم الحرب للهرب. اعتذرت الممثلة لاحقاً، كما اعتذرت المسؤولة في مجلة "فوغ" الأمريكية آنا وينتور عن تسمية "الهجرة الأنيقة" ("Migrant Chic") عند حديثها عن أحد عروض الأزياء لمهاجرين. من هنا، لا يمكن الحكم بضرورة تجنب المسؤولين في عالم الأزياء الخوض في القضايا الإشكالية، بل توخي الحذر عند مقاربتها، و"القيام بذلك بسلاسة وذكاء"، حسب الصحيفة.الموضة المفيدة
على مقلب آخر أكثر إيجابية في مقاربة قضايا اللجوء في الأزياء، تظهر تجربة "Slow Factory" لصاحبته سيلين سمعان، والتي تسعى لتسليط الضوء على الأزمات بشكل جديد. أحد تجاربها كان الشالات التي أطلقتها وعليها رسوم لمدن من اليمن وسوريا والعراق وليبيا والسودان والصومال وإيران، وهي الدول التي طالها قرار ترامب بحظر السفر. في وقت دخلت "برادا" العام الماضي على خط الإضاءة على أزمات اللجوء والغرق في البحر والحروب، بخط ملابس كان فيها من القطع البحرية والتمزيق والأصفاد... ما يكفي لإيضاح الفكرة. وبشكل أكثر عملي، فيه رسالة وفيه منفعة، يُظهر هذا الفيديو كيف أطلقت أنجيلا لونا من "Adiff" سترات واقية من المياه يمكن أن تتحول إلى خيم للنوم. قد ينطبق على هذا النوع من الأزياء ما قالته كوكو شانيل مرة "الموضة ليست في الملابس... هي في الشارع وفي السماء... الأزياء مرتبطة بالأفكار وبالطريقة التي نعيش بها"، وعليه تصبح الموضة فكرة، والفكرة عملاً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه