يلجأ الساموراي للانتحار إذا تضررت سمعته أو شرفه، بينما تقوم الأمهات في الكاميرون بكي صدور بناتهن خوفاً من "عار الاغتصاب"، ويجاز للرجل في المجتمعات الشرقية قتل المرأة، أخته أو أمه أو زوجته، دفاعاً عن الشرف.
هذه الأمثلة وغيرها، تؤكد أهمية مفهوم الشرف والحفاظ على السمعة لدى مجتمعات مختلفة حول العالم. ولكن لا تقتصر الأهمية التي يحظى بها الشرف على مجتمعات محددة أو بيئات عشائرية، بل هي حالة عالمية.
هذا ما توصل إليه باحثون في جامعة ولاية فلوريدا، وجامعة ولاية كارولينا الشمالية وجامعة كوينزلاند، في سلسلة من الدراسات تثبت أن الناس قد يذهبون للدفاع عن شرفهم وسمعتهم حد الموت.
نشرت النتائج في مجلة Social Psychological and Personality Science، أما في تفاصيلها، فقد عرض الباحثون على أفراد سيناريوهات وهمية تكشف عن عنصريتهم وتعصبهم الخفي من جهة، وتقترح عليهم بدائل عن فضحها للجمهور العام، والكشف إلى أي مدى يحرص كل منهم على سمعته ونظرة الآخرين له.
مفهوم الشرف وأهميته
تبين الدراسة أن السمعة السيئة لا تؤثر في المشاهير والملوك والحكّام فقط بل على الأشخاص العاديين أيضاً، إذ يعاقب الموظفون وربما يحرمون من الترقيات أو حتى العمل إذ لحقتهم تهم معينة مثلاً، وهناك أدلة تاريخية على اتخاذ العديد من المجتمعات تدابير صارمة لتفادي الآثار الناجمة عن سوء السمعة أو وصمة العار. فنجد الساموراي يلجأون للانتحار، بينما اعتبرت بعض المجتمعات المبارزة وسيلة لاسترداد الشرف والكرامة والحقوق. أما بعض المجتمعات الشرقية، فتقدم على قتل الأشخاص الذين يمارسون علاقات جنسية دون زواج.وهو ما سبق أن أشار إليه بحث بعنوان "أثر الثقافة على القانون في جرائم الشرف" صدر عن كلية الحقوق في جامعة برزيت في فلسطين. توقف البحث عند الواقع العربي ليبيّن أن الموروثات القديمة حصرت مفهوم الشرف في حفاظ المرأة على عذريتها.
53% من الأشخاص يفضلون الموت فوراً عوضاً عن أن تلاحقهم "وصمة البيدوفيليا" مدى الحياة
ما الذي تفضلونه؟ وضع يدكم في دلو من الديدان الحية المثيرة للاشمئزاز، أو نشر معلومات عنكم تفيد بعنصريتكم؟
تفاصيل البحث الصاذمة
استندت الدراسة الأولى إلى "مسح القيم العالمي" لعام 2015، وهو بحث سنوي يحقق في المعتقدات والقيم والدوافع البشرية في 100 دولة في العالم. وفيه يظهر أن الأشخاص يفضلون الموت على السمعة السيئة، كالتحرش بالأطفال، ويعتبرون الشرف والسمعة أهم من الثروة والنجاح أو قضاء الأوقات الطيبة. أما الدراسة الثانية فاختبرت فرضية تقديم الأشخاص "العاديين" وليس المشاهير لتضحيات استثنائية لحماية سمعتهم أو على الأقل درء السمعة السيئة عنهم. اختار أكثر من نصف أفراد العينة الموت الفوري أو بتر أحد الأطراف، أو السجن الجنائي لفترات متفاوتة، على ملازمة السمعة السيئة لها مدى الحياة. 53% من الأشخاص يفضلون الموت فوراً عوضاً عن أن تلاحقهم "وصمة البيدوفيليا" أو تهمة الاستغلال الجنسي للأطفال من دون أن يتمكنوا من نفيها وإثبات العكس. وحتى عندما يتم تعديل السيناريو فلا يفتضح أمرهم إلا بعد موتهم، فضّل جزء كبير الموت الفوري. وذلك رغم أن متوسط عمر هؤلاء الأشخاص 34 عاماً فقط، وهو عمر صغير نسبياً لتفضيل الموت. وتوضح الدراسة أن السبب ربما يرجع إلى المصاعب التي يواجهها الفرد الذي يحمل وصمة عار، إذ يتجنبه الجميع وتصبح حياته أقرب للجحيم. ورغم محدودية هذه التجربة، بسبب سيناريوهاتها الافتراضية واستحالة تجربتها على أرض الواقع أخلاقياً، فإنها تكشف عن حرص الأفراد على السمعة والشرف. جاءت نتائج الدراستين الثالثة والرابعة أكثر دقة، إذ خير الباحثون 123 طالباً من ولاية فلوريدا بين وضع أيديهم في دلو من الديدان الحية المثيرة للاشمئزاز (في الدراسة الثالثة) أو في الماء المتجمد (في الدراسة الرابعة) مقابل نشر معلومات تفيد بأنهم عنصريون تجاه الأمريكيين من أصول أفريقية. وجاءت النتائج لمصلحة السمعة الطيبة، إذ يفضل الأشخاص قطع اليد أو وضعها في دلو من الدود الحي (بنسبة 30%) أو الماء المتجمد (بنسبة 63%)، أكثر من الاتهام بالعنصرية.المرأة أكثر من الرجل؟
لفت الباحثون إلى أن الرجال والنساء أبدوا استعدادات متماثلة تقريباً، في النسب، في تقديم التضحيات الافتراضية الكبيرة للذود عن شرفهم وسمعتهم، إلا أن طبيعة هذه التضحيات اختلفت. كانت النساء أكثر استعداداً لقطع أيديهن أو الموت فوراً مقابل تجنب السمعة السيئة أو فقدان الشرف، بينما فضل الرجال لمس الدود الحي والسجن لفترات متفاوتة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه