يوصف الأشخاص الميالون للتنميط ولإطلاق الأحكام المسبقة بالأغبياء دائماً، وعندما يجري الحديث عنهم يُنعتون بصفات مختلفة ويوصفون بالقطيع، لكن هؤلاء الأشخاص يقعون ضحية التنميط كذلك، بحسب دراسة حديثة نشرتها "مجلة علم النفس التجريبي" الأمريكية.
وأظهرت الدراسة أن الأشخاص الأذكياء هم أكثر قابلية لخلق صور نمطية من أولئك الأقل ذكاء.
الدراسة، التي أجراها باحثون في قسم علم النفس في جامعة نيويورك، خرجت بخلاصة مفادها أن التمتع بقدرات معرفية أكبر يجعل الشخص أكثر عرضة لاحتمالات أن يصبح عنصرياً أو يطلق أحكاماً مسبقة تجاه الآخرين.
تضمنت الدراسة سلسلة من التجارب، ست تجارب تحديداً، وأشارت جميعها إلى أن الأشخاص الذين حصدوا نتائج أفضل في اختبار الكشف عن الأنماط - وهو اختبار لقياس القدرة المعرفية - كانوا أسرع كذلك في تشكيل القوالب النمطية وتطبيقها.
حاولت الدراسة أن تحاكي كيف يشكل الناس تحيزات تجاه مجموعات معينة، كما هو الحال من خلال سماع الأخبار في وسائل الإعلام أو طريقة تصوير البرامج التلفزيونية.
في الشق الأول من الدراسة، عرض الباحثون على الأشخاص مجموعة من الأشكال الكرتونية، بألوان وأشكال مختلفة، كما جرى ربط بعضها بسلوك لطيف (قدّم باقة ورد لآخر/ تبرع بالمال لفقير/ علم آخر كيف يقرأ ويكتب/ ساعد مشرد...) وبسلوك مستفز (لَكَم وجه آخر/ صرخ في وجه آخر دون سبب/ سخر من مشرد...).
وزّع المشاركون السلوكيات الإيجابية والسلبية على الأشكال الكرتونية بشكل عشوائي، لكن ثمة نمط لفت الباحثين بسبب تكرره بين أكثر من 80% من المشاركين.
كان الباحثون قد أجروا اختبارات لكشف نسب الذكاء لدى هؤلاء الأشخاص، وظهر أن المطابقين لمعايير قياس الذكاء البشري المرتفع أخطأوا في الحكم وربطوا الأشكال الكرتونية الزرقاء بالسلوكيات السلبية وتلك الصفراء بالسلوكيات الإيجابية، من دون سبب واضح سوى الشكل واللون.
انتقلت الدراسة إلى وجوه لأشخاص تختلف أشكال أنوفهم، بين دقيقة وعريضة، وكما الحال في تنميط سلوكيات الأشكال الكرتونية حسب ألوانهم وأشكالهم، نزع المشتركون لربط السلوكيات الحسنة بذوي الأنوف الدقيقة وتلك السيئة بأصحاب الأنوف العريضة.
وبعد التصنيف، طلب الباحثون من المشاركين جمع تبرعات مالية لهؤلاء، فتبين أن من خضعوا للاختبار قد بنوا على الصورة النمطية التي رسموها، وجمعوا المال لذوي الأنوف الدقيقة.
وبينما تبدأ الدراسة في الحديث عن بعض إيجابيات التنميط لدى الأذكياء في مجالات معينة كالطب وتعلم اللغات وغيرها، تشير إلى أن للذكاء جانب مظلم، فهو يجعل صاحبه ينغمس أكثر في قراءة موقف معين والخروج باستنتاجات غير صحيحة.
مع ذلك، ثمة أمل.
هكذا يقول الباحثون الذين وجدوا أن الأذكياء ورغم ميلهم للتنميط أكثر من غيرهم، يظهرون استعداداً أكبر لإعادة النظر في أفكارهم في حال ووجهوا بمعلومات جديدة ومغايرة لاعتقادهم.
فبينما زود الباحثون المشتركين بمعلومات مغايرة عن الأشخاص الذين ظهروا في الصور، أظهر الأذكياء ميلاً أكبر لتغيير فكرتهم عنه، في حين بدا الأمر أكثر صعوبة عندما وصل إلى المشتركين الذين كشف اختبار الذكاء لديهم معدلات أقل.
وهو الأمر نفسه الذي حصل عندما سعى الباحثون لنزع أفكار نمطية جندرية من رؤوس المشتركين.
وبحسب مجلة "ذا أتلانتيك" قد تستفز نتائج تلك الدراسة كثر يرون في الذكاء والمستوى التعليمي المرتفع زوادة في وجه التنميط والأفكار العنصرية، في حين يوجد دراسات مناقضة لتلك الدراسة تظهر أن مستوى الذكاء الاجتماعي المنخفض يجعل الشخص يطلق أحكاماً مسبقة على المثليين والسود.
وفقاً لجيفري ودتك، وهو أستاذ علم الاجتماع في جامعة تورنتو، فإن الدراسة ركزت على قوالب نمطية غير واقعية كالرسوم المتحركة أو وجوه الرجال بدلاً من التركيز، على سبيل المثال، على مجموعات من الحياة الواقعية كالمثليين أو المهاجرين.
يقول ودتك إن التفكير النمطي قد يكون مرتفعاً لدى الأكثر ذكاء، ولكن هؤلاء يكونون أكثر حذراً في قمعه من الناس الأقل ذكاء… فـ"الأكثر ذكاء يكونون أكثر انسجاماً مع الأعراف والظروف الاجتماعية ويحرصون على عدم إشعال الصراع بين الجماعات".
تنقل المجلة عن ودتك قوله إن "العالم الواقعي أكثر تعقيداً من المختبر النفسي، فالسياق التاريخي والاجتماعي يلعب دوراً رئيسياً في صناعة القوالب النمطية".
وفي شرحه للسياقات يعطي المثال التالي:
نحن نعلم أن التفكير النمطي العنصري بشأن السود الذين يمتلكون ذكاء منخفضاً أو يفتقرون لأخلاقيات العمل لا يأتي فقط من مراقبة البيض لسلوكيات هذه الجماعة وربط لون البشرة بالذكاء والتصرف بسذاجة على أساس هذه المراقبة. لقد تعززت القوالب النمطية بسبب الفكر الاستعماري الذي استعبد السود من أجل مصالحه الاقتصادية، ومن أجل شرعنة هذا السلوك عمل على تطوير إيديولوجيات مختلفة ونشرها، ركزت بشكل أساسي على "جهل السود وغبائهم".
وعندما سألت المجلة جوناثان فريمان، وهو أستاذ علم نفس في جماعة نيويورك ومشارك في الدراسة، عن النتائج المتناقضة أشار إلى ضرورة توفر عوامل كثيرة تتحكم في جعل الذكاء أقل ميلاً للتنميط، كأن يكون الشخص متواجداً في محيط منفتح على الجماعات الخارجية.
بعبارة أخرى، أن تكون ذكياً يعني أن تكون أكثر عرضة للتحيز، ولكن أن تكون كذلك أكثر قدرة على تحدي ذاتك ومحاربة تلك الأفكار الغريزية التي تتكون داخلك ببديهية تامة، وأكثر إمكانية للسعي من أجل التعرف على أشخاص مختلفين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...