أصبح مصطلح الأغنية الشعبية في مصر، في السنوات العشر الأخيرة، يصيب الكثيرين بحالات من الصرع الموسيقي والأذى، لما طرأ عليه من ألوان طفيلية، لا تمت بصلة للغناء الشعبي، بل للفن عموماً.
لكن، في الآونة الأخيرة أخذت الأغنيات ذات الطابع الرديء تنزوي، وحل مكانها لون شعبي موجود بمصر منذ زمن بعيد، ولم تُتح له فرصة الظهور، إلا بعد ازدياد رواد مواقع التواصل الاجتماعي. نتحدث، هنا، عن مطربي الأفراح الشعبية، الذين لم يحالفهم الحظ في الظهور حين كان سوق الكاسيت سائداً، أو وقوعهم تحت نظر منتجَي السينما المصريين أحمد ومحمد السكبي، اللذين ساهما في شهرة أقرانهما مثل محمود وإسماعيل الليثي، ومن قبلهما سعد الصغير.
ماضياً، كان الفرح الشعبي بوابة العبور لعدد من مطربي مصر بداية من الستينيات حتى أواخر التسعينيات، مثل محرم فؤاد، محمد رشدي، أحمد عدوية، حكيم، وحمادة هلال، وغيرهم. حينذاك كانت أعين الملحنين ومنتجي السينما تلتقط تلك المواهب، ومن بعدهم منتجو الكاسيت، في منتصف الثمانينيات، حتى بداية الألفية الثالثة.
والآن، في عصرِ يجلس فيه بعض الملحنين متكئين على أرائكهم في أبراجهم العاجية، واندثار سوق الكاسيت، لم يجد مطربو الأفراح الشعبية، أي منفذ يطلون من خلاله على شريحة أكبر من مستمعيهم في الأفراح برِيف وصعيد مصر. فأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مكاناً أو مساحة لبعض الأسماء الذين يُعتبرون "مظلومين فنياً"، عبر نشر فيديوهاتهم من قِبل أحد الحاضرين في الفرح، أو من خلال المصور، الذي يصب كل تركيزه على الراقصة والعروسين!
[caption id="attachment_106228" align="alignnone" width="700"]
محمد عبد السلام[/caption]
تلك النماذج وما وصلت إليه من شهرة في أوساط التواصل الاجتماعي، أصبحت جديرة بالمناقشة، والوقوف على مسببات ذلك الانتشار، وهو ما سنحاول إبرازه في السطور التالية.
محمد عبد السلام الذي أوصل جمهوره للمريخ
منذ شهرين أو يزيد، انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان «مزمار عبد السلام»، وهو الفيديو الذي انتشر بطرق عدة، حتى وصل إلى «الكوميكس" وهو رد الفعل الذي يتبع أى حدث يهم المصريين، ما يعني أن ما يقدمه ذلك الشاب العشريني أصبح حدثاً يستدعي تحويله لمادة سخرية "محببة بالطبع". ما لا يعرفه البعض هو أن عبد السلام يُعد المفتاح الرئيسي لعالم أغاني الأفراح الشعبية في مصر حالياً، بالطبع نقصد الأفراح التي تكلف أصحابها أموالًا طائلة، بداية من استدعاء الفرقة الموسيقية والراقصة، وانتهاءً بلوازم الكيف والمزاج من بيرة وحشيش. فالشاب العشريني القادم من ميت غمر بالدقهلية، ولا يزال يقطن فيها، يُقيم زفافاً بأكمله منفرداً من دون الحاجة إلى مطرب أحيانًا. من خلال عزفه فقط يُطرب مستمعيه، الذين هم بالآلاف في كل محافظات الجمهورية. https://youtu.be/EDzkJW7OvNA والحال كذلك، لكنه يتكرر بكثرة، مع بعض أعمال الموسيقار ياسر عبد الرحمن، لما يتميز به من موسيقى حزينة، كتلك التي قُدمت في أعمال «المال والبنون، سوق العصر، والفرار من الحب»، والتي لم يدّعِ عبد السلام أنها من مؤلفاته، بل تجدون كل الفيديوهات المنشورة، مكتوب عليها اسم العمل الفني، التي قُدمت من خلاله. ويبدو أنه لا يعرف اسماء صناع تلك الموسيقى، وإلا كان أضاف اسماءهم أيضاً، هذا على افتراض أنه هو من ينشر تلك الموسيقى على الإنترنت. أولى فيديوهات المليونية سكان كوكب المريخ وهو ما حدث مع الفنان الشعبي حكيم، الذي زاد الأمر عن مُجرد ضم جملة لحنية، حتى وصل إلى أخذ لحن كامل بتوزيعه، بل حتى جملة «يا عبسلام» الشهيرة لم تسلم هي الأخرى. وذلك حين استعان بأغنية كان قد عزفها عبد السلام لمغني الأفراح رضا البحراوي، تلك الأغنية التي أذيعت في فيلم «حلاوة روح»، وحملت الاسم نفسه، ولاقت رواجاً كبيراً لحكيم، ووصلت نسبة مشاهدتها لـ66 مليوناً. وتم استغلالها في أكثر من مناسبة، آخرها في إعلان فودافون الذي عُرض في شهر رمضان السابق. يبدو أن عين " الأخوين السبكي" اتجهت أخيراً صوب عبد السلام، حين استعانت به كموزع لأغنية محمود الليثي الأخيرة «يا عم يا صياد»، الخاصة بفيلم «يجلعه عامر». لكن حتى تلك النقلة "الهامة" في مسيرة عبد السلام، أظهرت أن ظلماً وقع عليه، وذلك بوضع اسمه بعد اثنين من الموزعين، على الرغم من أن الجمل التي اشتهر بها هي المسيطرة على الأغنية.مغمورون برغم الشهرة
على نغمات «أورغ» محمد عبد السلام، وآخر يُدعى شريف الغمرواي، يقف أحد المغنين ليشدو بأغنيات كلاسيكية لأم كلثوم، ووردة، وأحياناً لجورج وسوف، في فرح شعبي حافل بالشباب، الذين يتفاعلون مع الموسيقى والصوت، وهو الجيل المتهم دائماً بالانسياق خلف الإسفاف، وانعدام الذوق الفني. تستمعون للأغنيات وتسألون أنفسكم: لماذا يصر أحمد عامر وغيره على غناء الكلاسيكيات، ولا يقدمون أغنيات خاصة بهم من خلال استكتاب أحد أصدقائهم، ويتكفل عبد السلام بالباقي؟ وهو يفتح باب النقاش بشأن ارتباط الغناء الشعبي بالطرب. بالبحث عن أسماء مثل أحمد عامر، ورضا البحراوي، وحسن عبد الوهاب، عبر محرك البحث "جوجل"، ستطالعكم فيديوهات على "يوتيوب" مقتطعة من أفراح بأماكن مختلفة في محافظات مصر، وبالاستماع إليها ستُدهشون من كمية المشاهدة التي حققتها، وستُدهشون أكثر بالتمعن في الصوت، الذي يبدأ غناءه بموال طربي أصيل، ثم يشرع في الغناء لوردة «بودعك... وبودع الدنيا معك».رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون