بينما كان مفتي الديار في الدول الإسلامية يعلن نهاية أيام شهر رمضان الكريم، استعد عدد من الأصدقاء لتمضية سهرة "وقفة العيد" في حفل مغلق أو مفتوح، متفقين على ما يشبه الشكل التعاوني لجمع الأموال اللازمة لشراء الكيف بجودة عالية وسعر جيد، فضلاً عن الاتفاق الأهم "الأفتر بارتي" بعد وصلات الرقص على موسيقى الـDJ الصاخبة. فكيف يستعد الشباب العربي لما يعرف بـ"الأفترز" وأين، وما هي سمات هذا النوع من الطقوس؟
لا سهرية دون أفتر
هكذا توضح آمنة من تونس، "ما يحدث هو تغيير مكان السهرة حين تصل لنهايتها، والبحث عن مكان آخر يمكن أن يستوعب الطاقة التي ما زالت لدينا أو مكان يغلق صباحاً، وفيه نكمل آخر كؤوس المشروبات". وتضيف الفتاة العشرينية: "في الكثير من الأوقات يكون الطعام هو محور الأفترز فيكون المكان الذي نبحث عنه للأكل، فبعد السهرة غالباً ما نشعر بالجوع وأماكن السهر لا توفر الطعام، فنتوجه للمحلات الشعبية التي تفتح للسهارى". كما أن الشباب في الكثير من الأحيان يتوجهون إلى منزل أحد الأصدقاء. توضح آمنة: "يكون كل شيء محضراً مسبقاً من الطعام والمشروبات وحتى الكيف". وتؤكد أنه نادراً ما يتم إلغاء الأفتربارتي إلا عند حدوث مشكلة أو خوفاً من البوليس في الطريق، وغالباً ما يتواجدون بكثرة في الشوارع المحيطة بأماكن السهر، ويبدأون باستفزاز رواد هذه الأماكن خصوصاً النساء منهم.التسلل إلى بيت الأصدقاء
في كثير من الأحيان يكون الذهاب إلى بيت أحد الأصدقاء في المجموعة بمثابة مخاطرة، فالوقت تأخر، ويمكن لأقل ضجة أن تصبح كحجر ألقي في الماء لصنع دوائر متعددة تبدأ بجيران الصديق في البيت نفسه، ولا تنتهي إلا مع سكان الحي المتجمهرين حول "الشباب المنفلت... سهر وشرب وبنات". لذلك لا يغامر الشباب بمثل هذه السهرات ذات المجموعات المختلطة في المناطق الشعبية في مصر مثلاً، بينما يختلف الأمر كثيراً في بعض المناطق الراقية أو في كومباوندز المناطق الجديدة بالقاهرة.سفر مفاجىء وأكلات شهية
السفر المفاجىء أحد أهم السمات المشتركة التي تعقب سهرات الشباب، وتستقبل المدن الساحلية، كالإسكندرية، الكثير من الزيارات المفاجئة فجراً. ولا تصبح وسيلة الانتقال حينها بالأمر الصعب، فمهما يكن فسوف يذهب الأصدقاء إلى البحر، بيرة على الشاطئ واحتساء القهوة أو ربما إفطار خفيف والعودة سريعاً إلى المدينة. وربما يذهب البعض إلى أماكن بعيدة من أجل وجبة شهية، يقول وحيد: "في كثير من الأحيان تتفق المجموعة على الكباب والمشويات في بعض المناطق بالقاهرة، أو الذهاب إلى الإسكندرية من أجل ساندويتشات الكبدة الإسكندرانية الشهيرة". بينما يروي حمادة الطبال، أنه كان يخرج بعد انقضاء ليلة العمل الصاخبة في أحد الكباريهات بشارع الهرم، برفقة بعض من الراقصات وفتيات الكباريه "الريكلام"، وقد ارتدين العباءات الواسعة فوق ملابس العمل المثيرة. ويكون أحد زملائه قد اتفق مع سيارة نقل "ميكروباص"، بينما قام آخر بتجهيز سجائر الحشيش، فيتهيأون وتنفتح الشهية خلال طريق الذهاب إلى المذبح في القاهرة القديمة، لتناول فخذ الضأن أو لحمة الموزة، حيث تكون اللحوم طازجة ومذبوحة للتو.التسكع برفقة زجاجة
هنالك من يفضل أن يسير وحيداً عقب السهرة، فيخرج من الأماكن المغلقة للفضاء المفتوح غير المزدحم. ويقطع بتأن تلك الشوارع التي يهرول فيها صباحاً أثناء فترات العمل، ليشتري أي زجاجة خمر قبل أن يغلق آخر محالّ بيع الخمور، ليشربها دفعة واحدة، ويمضي في طريقه متأملاً اللاشيء، بحسب ما يقول عبد المطلب. وتفضل المجموعة الصغيرة أحياناً، أن تستقل سيارة واحدة، والقيام بجولة هادئة في شوارع المدينة مع الموسيقى وتبادل القيادة والمتبقي من الحشيش أو الماريجوانا، أو الذهاب إلى كورنيش أحد المرتفعات، مثل جبل المقطم بالقاهرة، حيث يطلون على ما تبقى من إضاءات المدينة الساهرة حتى شروق الشمس.الأفتر في التخشيبة
ليس أغرب من أفتر بارتي في قسم الشرطة، أن تنتهي سهرة صاخبة ومفعمة بالحماس والرقص والأنواع المختلفة من المكيفات والمخدرات. وبينما يناقش الأصدقاء أين يكون الأفتر بارتي، يجدون أنفسهم في سيارات الكمين الأمني، لتبدأ وصلة من الجدال ومحاولة الإفلات من الاقتياد إلى القسم/المخفر. يقول عبود إنه يعرف الأماكن التي تتوقف فيها دوريات البوليس، ولكن يحدث أن تتفاجأ بأفراد الأمن وكأنهم هبطوا من السماء أمام السيارة. ويضيف: "حدث ذلك غير مرة، حتى أنني في بعض الأحيان كنت أظن أنهم بعض من الهلوسات البصرية التي تحدث بعد رفع المخدرات الكميائية، ولكن غالباً ما يمر الأمر بسلام بعد السيطرة على الأمور والتعامل الجاد مع رجال الشرطة، فأخبرهم مثلاً أنني كنت في إحدى حفلات الزفاف وفي طريقي للمنزل أو أي حجة أخرى، غير أنها لم تفلح ذات ليلة كنا قد نسينا أنه لا يزال بحوزتنا بعض الحشيش، لنقضي الأفتر بارتي في التخشيبة قبل العرض على النيابة في اليوم التالي".قهوة محطات البنزين
يأتي التجمع في أحد المقاهي الساهرة أو الكوفي شوب بمحطات البنزين على الطرق السريعة. هي أحد أشكال الأفتر بارتي. ويقول عبد المطلب، الشاب الثلاثيني: "البعض منا يكون قد أثقل على نفسه بشرب الكحول أو الحشيش في الحفلة سواء كانت الحفلة أسرية كالأفراح والخطبة، أو حفلات عامة أو غنائية وغيرها، فتتفق المجموعة على الذهاب إلى أقرب كوفي شوب لتناول القهوة حتى يصبح كل منهم قادراً على مواصلة طريق العودة سالماً". ويوضح عبد المطلب أنه اعتاد أن يذهب مع أصدقائه المقربين إلى أحد الأماكن المرتفعة بعد قضاء سهرة عامرة بمختلف أنواع الكيف، إلا أنهم غالباً ما يحرصون على سيجارتين لا غير، في مجموعة قليلة، بعد الزحمة والصخب. ويضيف: "وغالباً ما نتجه إلى كورنيش جبل المقطم ونكون قد مررنا بإحدى محطات البنزين مثلاً لشراء أكواب القهوة السريعة، لنزيل آثار الخمور، وبعد السيجارتين يمضي كل في طريقه".والجنس... أفتر بارتي
من واقع تجربته يقول عامر، مصور فوتوغرافيي، إن الأفتر بارتي هو ما يبحث عنه دائماً خلال مشاركته بالحفل سواء كمصور أو كمدعو برفقة أصدقائه، ففي الغالب يتمكن من مواعدة إحدى الفتيات بعد الرقص والكحول. ويضيف: "في غالبية الحفلات التي تضم مجموعات كبيرة لا يعرف الكثيرون فيها بعضهم بعضاً، يتم التعارف بين شاب وفتاة بعد دعوة إلى زجاجة بيرة أو مشروب كحولي، ويمكن الاتفاق في نهاية الأمر على الذهاب إلى منزله أو منزل الفتاة التي قام بدعوتها لاستكمال السهرة بسيجارة حشيش أو بانجو، وغالباً ما ينتهي الأمر بالجنس.الأفترز والطبقات الاجتماعية
عند سماعه لمصطلح أفتر بارتي، في أحد المسلسلات الدرامية المصرية، لم يعرف أحمد (31 عاماً) المقصود من المصطلح، حين سألت إحدى الممثلات صديقها (الفنان محمد ممدوح) في مسلسل لا تطفىء الشمس، الذي تناول الطبقات الاجتماعية التي تعيش في كومباوند خارج إطار القاهرة التقليدية "هاتأفتر النهارده؟... احنا داخلين في قطر"، ليسأل أحمد أصدقاء السكن، ما المقصود بالأفتر على وجه التحديد. وحين تبرع أحدهم بالإجابة، اتضح أنه توقع المقصود، مع أنه لم يسبق له أن استخدم مع أصدقائه هذا المصطلح ، رغم اشتراكه المستمر في ما يسمى الأفتر بارتي، بالكيفية نفسها على مدى أكثر من عشر سنوات منذ بدأ بتجربة الكيف. ويضيف أحمد ساخراً أن انتماءه لشريحة دنيا من الطبقة المتوسطة، تندر فيها الحفلات المغلقة والمفتوحة على حد سواء في ما عدا الأفراح، هو ما يجعل من الاصطلاح على بعض الأمور مختلف تماماً. فهو بالفعل يقوم مع أصدقائه بجمع الأموال والاتصال بالديلر لشراء كمية قليلة نوعاً ما من الحشيش قبل سهرات الوقفة وغيرها أو ليلة الخميس نهاية الأسبوع، لكنهم يطلقون عليه "الجمعية"، أو يكون الشراء بغرض تقسيم الكيف ليصبح كل منهم حراً في التصرف فيه، ويطلقون على ذلك "داخلين في قطر". والجمعية والقطر (القطار) وغيرهما من المصطلحات، يستخدمها الشباب للتعبير عن الاشتراك في شراء كمية كافية من المخدرات لسهرة صاخبة أو رائقة حتى الصباح، بعد وقت طويل من الامتناع عن الكيف للأسباب الدينية المعروفة أثناء شهر رمضان.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...