لم يكد وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون يحط في الكويت ساعياً لرأب الصدع الخليجي بعدما عبرت واشنطن عن قلقها الشديد من بلوغ الأزمة الخليجية طريقاً مسدوداً، حتى نفضت شبكة "سي أن أن" الأمريكية الغبار عن وثائق شديدة الحساسية.
الوثائق التي تعود لعامي 2013 و2014 ترسم معالم فصل جديد من فصول الأزمة الخليجية بتأكيدها أن قطر تدفع اليوم ثمن ما كانت قد وافقت عليه في وقت مضى و"انتهكته" لاحقاً.
تُعرف تلك الوثائق بـ"اتفاقية الرياض" (2013) و"اتفاقية الرياض التكميلية" (2014)، والتي وقعت عليها قطر بشخص الأمير تميم بن حمد آل ثاني.
طالما كان وجود الوثائق معروفاً لكن محتواها بقي "سرياً للغاية"، إلى أن قرر أحد المصادر من دول الخليج المعنية بالأزمة تزويد الـ"سي أن أن" بها، بعدما توالت فصول الأزمة احتداماً.
عدا عن توقيت الكشف عن تلك الوثائق، فقد شكل نشر محتواها عقدة جديدة أمام الحلول المطروحة. بحسب الوثائق، نصّ الاتفاق الأول على ما يلي:
1- عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر وعدم إيواء أو تجنيس أي من مواطني المجلس ممن لهم نشاط يتعارض مع أنظمة دولته إلا في حال موافقة دولته وعدم دعم الفئات المارقة المعارضة لدولهم وعدم دعم الإعلام المعادي. 2- عدم دعم الإخوان المسلمين أو أي من المنظمات أو التنظيمات أو الأفراد الذين يهددون أمن واستقرار دول المجلس عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي. 3- عدم قيام أي من دول مجلس التعاون بتقديم الدعم لأي فئة كانت في اليمن ممن يشكلون خطراً على الدول المجاورة لليمن.
وفي ما يخص الاتفاق التكميلي في العام التالي، فقد وقع عليه كل من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى جانب الملك السعودي حينها عبدالله بن عبدالعزيز والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية بالإضافة إلى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات ورئيس الوزراء وحاكم دبي.
وأبرز ما جاء فيه:
1- التأكيد على أن عدم الالتزام بأي بند من بنود اتفاق الرياض وآلياته التنفيذية يعد إخلالاً بكامل ما ورد فيهما. 2- ما توصل إليه رؤساء الأجهزة الإستخباراتية في محضرهم المشار إليه أعلاه يعد تقدماً لإنفاذ اتفاق الرياض وآلياته التنفيذية، مع ضرورة الالتزام الكامل بتنفيذ جميع ما ورد فيهما في مدة لا تتجاوز شهر من تاريخ هذا الاتفاق. 3- عدم إيواء أو توظيف أو دعم - بشكل مباشر أو غير مباشر - في الداخل أو الخارج أي شخص أو أي وسيلة إعلامية ممن له توجهات تسيء إلى أي دولة من دول مجلس التعاون، وتلتزم كل دولة باتخاذ كافة الإجراءات النظامية والقانونية والقضائية بحق من يصدر عن هؤلاء أي تجاوز ضد أي دولة أخرى من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بما في ذلك محاكمته، وأن يتم الإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام. 4- التزام كافة الدول بنهج سياسة مجلس التعاون لدول الخليج العربية لدعم جمهورية مصر العربية والإسهام في أمنها واستقرارها والمساهمة في دعمها اقتصادياً، وإيقاف كافة النشاطات الإعلامية الموجهة ضد جمهورية مصر العربية في جميع وسائل الإعلام بصفة مباشرة أو غير مباشرة بما في ذلك ما يبث من إساءات على قنوات الجزيرة وقناة مصر مباشر، والسعي لإيقاف ما ينشر من إساءات في الإعلام المصري.
ومن بين وثائق العام 2014، محضر اجتماع ضمّ الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني.
نشرت الشبكة الأمريكية وثيقة المحضر المكتوبة بخط اليد ومما جاء فيها أنه "تم عقد مباحثات مستفيضة تم خلالها إجراء مراجعة شاملة لما يشوب العلاقات بين دول المجلس والتحديات التي تواجه أمنها واستقرارها والسبل الكفيلة لإزالة ما يعكر صفو العلاقات بينها"، بينما أظهرت الوثائق تعهد أمير قطر خطياً بتنفيذ بنود الاتفاقية أمام قادة الخليج.
"الحق الذي ظهر"
أعقب نشر الوثائق بياناً مشتركاً من من الدول الأربع المقاطعة لقطر رحب بالخطوة التي كشفت "بما لا يدع مجالاً للشك تهرّب قطر من الوفاء بالتزاماتها ونكثها الكامل لما تعهدت به". فما نصت عليه الاتفاقية يناقض ما تقوم به قطر حسب الاتهامات الحالية الموجهة إليها من دعم الإرهاب وتحديداً "الإخوان المسلمين" والتدخل في الدول الأخرى وتعزيز العلاقات مع إيران وبث الفتن عبر قنواتها الإعلامية وفي مقدمتها "الجزيرة". ورداً على من اتهم هذه الدول بتركيب لائحة المطالب الـ13 بشكل ظالم هدفه تركيع قطر وتعليق الأخيرة على الاتهامات بأنها "مجحفة" و"لا أساس لها"، أكد البيان أن جميع ما تضمنته اللائحة يتماشى مع روحية ما كانت قطر قد وافقت عليه سابقاً في "اتفاقية الرياض". يُذكر أن الالتزام بالاتفاقية كان عامل توتر بين الدول الموقعة عليها وقطر في وقت سابق، ففي مارس العام 2014 على سبيل المثال سحبت كل من السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من قطر بحجة انتهاك الدوحة لبند من الاتفاقية مفاده عدم تدخلها في الشؤون الداخلية للدول الخليجية الأخرى. وللمفارقة كان هدف الاتفاقية الأساسي، كما ذكر المشاركون بها حينها، تعزيز العلاقات بين دول الخليج ونزع كل ما يمكن أن يثير التفرقة بينها.مع ذلك... لقطر رأي آخر
يبدو أن روحية الاتفاق التي استندت عليها الدول لا تتفق قطر على تعريفها بالشكل نفسه. فقد رد المسؤول القطري الشيخ سيف آل ثاني في بيان أوضح فيه أن ما نشرته "سي أن أن" ربما يكون مقتطفات من النص الكامل، لأن الأخير يظهر أن هدف الاتفاقيتين الأولى والتكميلية كان "التأكيد على سيادة دول مجلس التعاون الخليجي والعمل معاً على آلية واضحة". وعليه، حسب المسؤول القطري، فإن "السعودية والإمارات هما من خرقتا روح الاتفاق عبر الانغماس في هجوم غير مبرر على سيادة قطر، ومطالبهم أن تقوم قطر بإغلاق الجزيرة وتشتيت العائلات ودفع تعويضات هي مطالب لا علاقة لها باتفاقي الرياض، وأيضاً لم تقم السعودية والإمارات باستخدام آليات اتفاقية الرياض لإيصال قلقها إلى قطر". كما اتهم كل من السعودية والإمارات بمحاولة إخفاء حقائق عن العامة منذ بداية الأزمة... وبالتعدي على سيادة قطر التي لا يُلزمها الاتفاق حصراً ببنوده بل يلزم الجميع.دبلوماسية أمريكا الموازية
تتفاعل قضية الوثائق على خط مواز مع مساعي تيلرسون في الخليج، إذ يأتي متسلحاً بعلاقاته الوثيقة التي كونها هناك أثناء توليه منصب الرئيس التنفيذي لشركة "إكسون موبيل"، بيجري محادثات مع الزعماء في الكويت وقطر والسعودية، بحسب "رويترز". وبحسب ما نقلت صحيفة "الغارديان" عن كبير مستشاري وزير الخارجية آر سي هاموند فقد خيّم على قمة مجموعة العشرين الأسبوع الماضي القلق من أن أزمة الخليج قد تؤثر على الجهود الأمنية وأن جميع دول المنطقة تحتاج إلى العمل ضد تمويل الإرهاب. من هنا تأتي زيارة تيلرسون الذي سيستعرض سبل كسر جمود الموقف، لا سيما بعد رفض الدوحة الشروط المفروضة عليها لرفع العقوبات. قطع هاموند الأمل بالعودة إلى لائحة المطالب قائلاً إنها "انتهت… ولا تستحق إعادة النظر فيها كحزمة واحدة. أما بشكل فردي فهناك أمور ممكنة بينها"، واصفاً زيارة الوزير الأمريكي إلى المنطقة بأنها البحث في "فن الممكن". عشية زيارة تيلرسون إلى المنطقة كان أحد مستشاريه قد علق بأنه "من المبكر توقع الوصول إلى نتائج"، وهذا ما أكد عليه نشر الوثائق التي بدا توقيتها كمحاولة لإحراج قطر بعرض ما يشير إلى أحقية الدول الخليجية بمقاطعتها. وفي حين كان ترامب قد صعّد إلى جانب السعودية وحلفائها، أظهرت وزارة خارجيته مقاربة أقل حدة لحل الأزمة، إذ دعت الدول الأربع إلى تخفيف الإجراءات المتخذة بحق الدوحة، في وقت قامت وزارة الدفاع بتمارين عسكرية مشتركة مع القوات القطرية وبصفقات لبيعها طائرات مقاتلة. من هنا يربط المحللون مدى تأثير تيلرسون بقدرته على إقناع قادة الدول المعنية بأنه مدعوم من ترامب.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...