"إن خلص الفول أنا مش مسؤول... كول فول وصلي عالرسول... فول مدمس تعالى وغمس"... عبارات شهيرة تزين المئات من عربات الفول في شوارع مصر، في محاولة لجذب المواطنين إلى الأكلة الشعبية الأولى والمحببة لهم، مهما اختلفت أعمارهم ومستوياتهم الاجتماعية.
ويعتبر الفول المدمس أكلة شعبية منتشرة في العديد من البلدان العربية، ولكنه طبق أساسي على المائدة المصرية في وجبة الإفطار.
لمَ لا؟ فهو من البقول التي تحتوي على نسبة مرتفعة جداً من البروتين، ويعتبر بديلاً اقتصادياً عن اللحوم.
فكان الرومان والإغريق يستغلون دقيق الفول في صناعة الخبز، بجانب إطعامه للموتى، وكان يستخدم في التصويت، فكانت حبة الفول البيضاء دلالة على الموافقة والسمراء علامة الرفض.
وفي البحر الكاريبي كان يستخدم الفول المغلي مع مادة الـ «زنك فوسفايد» للحصول على سم لقتل القوارض كالسناجب والفئران وغيرها، وكان البرتغاليون يستخدمونه في صناعة كعكة عيد الميلاد.
ويؤكد علماء التغذية أن طبق فول بجانب بيضة وثمرة طماطم وقطعة من الجبن ونصف ليمونة، يساوي ثلث كيلوغرام لحمة حمراء.
ووصف علماء التغذية الفول بأنه طبق السعادة، لاحتوائه على مادة «التربتوفان» التي تثير مشاعر البهجة والسرور لدى متناوليه.
ومن فوائده، أنه غني بالفيتامينات والألياف والأملاح المعدنية، مثل الحديد والفوسفور، ويعزز وظائف القلب، ويخفض مستوى الكولسترول الضار، كما ينقي الدم ويحافظ على مستوى السكر فيه.
كما تستفيد منه التربة أيضاً، فيسهم هذا المحصول في الحفاظ على خصوبة الأرض، وتقليل الاعتماد على التسميد الأزوتي.
لكن كيف يزرع هذا النبات، ومساحاته؟ وكيف يتم إعداده للطهو في مصر والدول الأخرى؟ وما المكونات الداخلة فيه وفوائده وأضراره الصحية ؟ والأهم ما سر حب العرب عموماً للفول والمصريين خصوصاً؟ هذا ما سنكشف عنه في السطور التالية.
نبات شتوي لا يحتاج للري
يقول الدكتور محمود إبراهيم رئيس الحملة القومية للنهوض بإنتاجية الفول البلدي، ورئيس قسم المحاصيل البقولية، إن الفول البلدي يعتبر الأول في مصر في المحاصيل البقولية، من حيث المساحة والإنتاجية، وهو نبات شتوي لا يحتاج للري الكثير وتراوح مدة زراعته من 150 إلى 160 يوماً من بداية الزراعة حتى الحصاد. ويؤكد إبراهيم أن محصول الفول حالياً يكفي 30% فقط من احتياجات المصريين، لذا تلجأ مصر لاستيراد 70% من احتياجاتها. وللأسف الشديد، فإن غالبية الكميات المستوردة من الدول الغربية وتدخل مصر، تكون من نوعية (الهورس بين)، وهو فول منتج لتغذية الأحصنة والحيوانات وليس الإنسان، ويسعى المستوردون لاستيراد تلك النوعية لرخص ثمنها."الفول المصري كان يُعد على أكوام الزبالة"
يعدّ البائعون في مصر الفول إما في البيوت أو في محلاتهم الخاصة، ولكن قديماً كان يعدّ في مكان مخصص يطلق عليه "مستوقد"، كالذي يمتلكه عم محمد أحمد الشهير بمحمد الحاج صاحب مستوقد مرجوش بالجمالية، والذي يروي لرصيف 22 كيفية إعداد قدور الفول. موضحاً أنه يغسل القدر جيداً، ثم يضع الفول فيها ويتركه فترة طويلة حتى يبتل، بعد ذلك يضيف "التحويجة" وهي عبارة عن أرز وفول مدشوش، ويترك المزيج على النار. قد يصدم قارئ هذا المقال عندما يعرف أن الفول بمصر كان يُعدّ فوق أكوام القمامة، فكانت تحرق "الزبالة" وتترك إلى أن تتحول إلى رماد، ثم تغطى القدور بهذا الرماد، وتستخرج منه في صباح اليوم التالي، هكذا روى لنا صاحب مستوقد مرجوش. ومع الوقت ألغت الحكومة هذه الطريقة بدعوى الإضرار بالبيئة، فاستخدم الناس البوتاغازات في عملية الطهو، والبعض فضل أن يعدّه فى منزله. وبعد أن كان صاحب المستوقد يعدّ ما يزيد عن 30 قدراً يومياً، أصبح يعدّ في أيامنا هذه 4 قدور فقط. ويشير عم محمد إلى أن الناس في الماضي كانت تحرص على إنشاء المستوقدات فى الخلاء بعيداً عن السكان، حتى لا يتضرر أحد من آثار الدخان، وكانت تنشأ تحت الحمامات البلدية.إيمان "الفوال"
في محافظة الجيزة، يستيقظ أشرف حمودة الموظف (45 عاماً)، في الخامسة صباحاً ليتجول بصحبة أولاده في الشوارع الجانبية لحي بولاق الدكرور، وهو يجر عربة الفول التي تساعده في تدبير احتياجاته الأساسية، نظراً لأن الراتب الذي يتقاضاه منذ نحو 20 عاماً من العمل في القطاع الحكومي لا يتعدى الألفي جنيه شهرياً. يربط عم أشرف الذي ورث مهنة بيع الفول عن والده، وجود الفول في مصر بالآية القرآنية، رغم عدم صحة الخبر، التي تحدثت عن طلب قوم سيدنا موسى بأن يدعوا الله أن يستبدل لهم طعام المن والسلوى، بأطعمة أخرى تخرج من الأرض كالبقول والقثاء والعدس والبصل. فيقول "إن اليهود كانت تنزل لهم مائدة من السماء، فلم تعجبهم وطلبوا من سيدنا موسى أن يطلب من الله عز وجل أن ينعم عليهم بطعام آخر، فقال لهم أهبطوا مصر وكلوا منها الفول والعدس والبصل الذي طلبته، ولذا فإن مصر مذكورة في القرآن بالفول". ويؤكد بائع الفول المتجول أن النظافة ومراعاة الله هما سبب تميزه عن غيره من البائعين، لذا فهو يحرص على شراء الفول البلدي وليس المستورد رغم ارتفاع سعره. وخلال عملية إعداد الفول يحرص عم أشرف على غسل الفول جيداً بعد تنقيته من الشوائب، ثم نقعه في الماء 12 ساعة، فوضعه في قدر الفول، ويوقد النار، ويضيف إليه العدس والفول المدشوش. وعن سر إضافة هذه المكونات للفول، يقول: "علشان يتقل المية بتاعته والفول ميبقاش صايص، المية لوحدها والفول لوحده"، وإلا لن يباع، وإذا بيع فسيباع بخسارة". ويشير إلى أن قرار الحكومة رفع أسعار المحروقات سيؤثر بشكل سلبي على مهنته، نظراً لارتفاع كلفة النقل من المزارع إليه. ويوضح عم أشرف أن الراتب الذي يتقاضاه من الحكومة لا يكفل له الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وإلا لما اضطر إلى العمل في مهنة أخرى، واصفاً حاله: "أنا عامل زي اللي داير في ساقية مش عارف يطلع منها"، لافتاً إلى أنه يخرج من بيته الساعة الخامسة صباحاً ولا يعود إلا 11 ليلاً، بعد انتهاء عمله الحكومي.عربة الفول: مصدر رزق المراهقين والأطفال
وبالقرب من مسجد الحصري بمدينة السادس من أكتوبر، تقف عربة فول على إحدى النواصي المقابلة للمسجد، يعمل عليها 3 شباب في مرحلة المراهقة، وطفل في العاشرة من عمره. يتولى أحد هؤلاء الشباب عملية تجهيز أطباق الفول للزبائن، ويساعده زملاؤه في تقديم الطلبات ويتولى الطفل غسل الأطباق. يبلغ سعر طلب الفول المكون من رغيفين وطبق فول وطبق مخلل الباذنجان وصلطة طماطم 6 جنيهات، وسعر الطلب الذي يضاف إليه بيضة مسلوقة 9 جنيهات، بحسب محمد ربيع (16 عاماً)، الذي يعمل على عربة الفول منذ عامين. ولجذب زبائنه، يحرص ربيع على إضافة الملح والليمون والزيت الحلو أو الحار والطحينة إلى طبق الفول، قبل تقديمه للزبائن شباباً كانوا أم شيوخاً، أغنياء أم فقراء. وقد يضطر إلى تقديم وجبات كاملة لرجال الشرطة والمرور والعاملين بالمحليات مجاناً كنوع من «الإتاوة» ليسمحوا له بالبقاء في مكانه المميز، القريب من جامعة السادس من أكتوبر وموقف السيارات. "شوية فول زي اللوز"... هكذا وصف عم نجيب، ابن العقد السادس من العمر، طبق الفول الذي كاد يفترسه، مسترسلاً في حديثه: "عمار يا مصر، أنا بأكل فول وعيش وباذنجان وبشرب مية مثلجة وبدفع 5 جنيه فقط". مشيراً إلى أنه عندما كان في السعودية، كان يشتري علبة الفول بـ 4 ريالات أي ما يعادل 20 جنيهاً مصرياً. وتنافس المطاعم والمحلات الكبرى، عربات الفول، بتحضير الفول بطرق مختلفة، ففي مطعم «البغل»، أحد أشهر مطاعم الفول والفلافل، عشرة أنواع من الفول تختلف باختلاف الإضافات التي توضع عليه. وبعض هذه الأصناف تتطلب إدخال سمن أو زبدة أو سجق أو بسطرمة أو بيض، وصلصة أو طماطم عادية بناءً على رغبة الزبون، وبعض المطاعم ابتكرت مسألة طاجن الفول بالجبنة، ويقبل على هذه الأصناف الأغنياء.في سوريا الفول أكلة الملوك
في مصر يعتبر الفول أكلة البسطاء، ولكنه في سوريا أكلة الملوك، هكذا قال محمد، أحد العاملين بمطعم سوريا في مصر، وعلى عكس المصريين الذين يداومون على تناوله يومياً، فإن الفول يعتبر الوجبة الأساسية للسوريين يوم الجمعة فقط. وأكد محمد عدم وجود فرق بين الفول المصري والفول السوري، فالاثنان مؤلفان من «التحويجة» نفسها، ولكن الفرق أن المصريين يهرسون الفول، بينما يفضله السوريون بدون هرس. وعن التوابل التي تميز الفول السوري عن غيره، أوضح أنها الملح والكمون والفلفل الأسود وزيت الزيتون، وبعض قطع الطماطم والبقدونس مع إضافة الطحينة والحمص. لا تختلف طريقة تحضير الفول في لبنان عن الطريقة السورية كثيراً، فما عليك إلا توفير كوب واحد من الفول اليابس، أو علبتين من الفول المعلـّب المطبوخ، وملعقة صغيرة واحدة من كربونات الصّودا، وزيت زيتون، ونصف كوب من البقدونس المفروم، وثمرة طماطم متوسطة الحجم مفرومة، وفصّين ثوم، وعصير من ليمونة واحدة، بالإضافة إلى الملح والكمّون.فوائد وأضرار
وعن الفوائد الصحية للفول، أكد الدكتور مجدي نزيه رئيس وحدة التثقيف الغذائي، أن الفول من البقول التي تعتبر مصدراً جيداً للمواد البروتينية النباتية المصدر، والتي تعمل على نمو جسم الإنسان، بالإضافة إلى احتوائه على عنصر الفوسفور. وأوضح أستاذ التغذية أن الفول ليس له أضرار متى تم إعداده جيداً، إذ ينقع في الماء 12 ساعة، ويستغنى عن مياه النقع، ثم يُعدّ، لأن قشرة الفول تحتوي على مادة تسمى حامض Phytic التي تعوق امتصاص الحديد. وعن تأثير الفول سلبياً على الحالة العقلية للإنسان، وإصابته بنوع من الخمول، أكد خبير التغذية أن ما يتردد في هذا الشأن كلام فارغ، وغير منضبط، يلجأ الناس إليه على سبيل التهريج، مشيراً إلى أنه لم يثبت أن أياً من العلماء قال مثل هذا الكلام. وأضاف :"لو كان الفول يؤثر سلبياً لما كان اعتبره المصريون القدماء وجبة رئيسة لهم استهلكوه، لأنهم كانوا أكثر فهماً، ومعظمهم علماء ويمتلكون حكمة ومعرفة في العديد من العلوم الصحية والغذاء".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع