"غدار يا زمن غدار، النسوين مش عايزة عمار
تقلك أي كلمة زيادة أخد العيال وأسيب الدار
البنت وقت الخطوبة بتكون رقيقة وحبوبة
تمسك القسيمة المكتوبة تقلك خلاص مفيش أعذار
مراتك لما تكون غاوية عكننة تغزلها بشعر
أو بغنا تقلك غور مش وقت هزار
يلي مجوزتش بت اليوم زي العقرب واسأل اللي جرب قبلك
على الجواز أوعى تقرب
دا الحريم عايزه ضربها بالنار
كلمات مقتبسة من أغنية "غدار يا زمن"، التي تعتبر من أشهر الأغاني التي تطلب في حفلات الكف.
فرقة يقف بعضها بمحاذاة بعض، تصفق بإيقاع محدد وراء المطرب وبجانبها العازفون، ليس هذا مجرد وصف لفرقة غنائية حديثة، إنما هو وصف للوحة فرعونية في معبد إدفو لفن "الكف"، الذي تمتد جذوره من العصر الفرعوني حتى يومنا هذا بصعيد مصر، وتجسده بعض الفرق التي اشتهرت بهذا النوع التراثي من الفنون الغنائية.
حفلات الكف على جدران معابد البر الغربي بالأقصر
فن "الكف" له أصول فرعونية قديمة، هكذا يبدأ عبد المنعم عبد العظيم الباحث الأقصري حديثه، ويقول: "عثرت البعثات ورجال الآثار على الكثير من النقوش على جدران المعابد والمقابر، خصوصاً مقابر "الإشراف" بالبر الغربي لمدينة الأقصر. وأبرزت تلك النقوش والرسوم وقوف الشباب في صف واحد يرقصون على أنغام الموسيقى، وهم يصفقون بصورة مميزة تشبه كثيراً ما يحدث حالياً". ويضيف الأقصري: "فن الكف في الصعيد يقوم على فكرة الكلمة وليس على الموسيقى، فيكون تركيز المستمعين والحضور على الكلام الذي يقال، ويتناول مواضيع المجتمع ومشاكله وأحداثه. يدعى إلى الحلقة طرفان لينخرطا في مبارزة كلامية تصحبها تصفيقة محددة بالكفوف فقط مع قوة التعبير، وكانت النساء يشاركن مشاركة فعلية بالقول وبالحركات الراقصة، فهن عضو أساسي في الفريق المؤدي لهذا الفن". تبدأ الفتيات بالمشاركة بعد أن ينتهي الفنان من غناء النغمة الهادئة (القبلاوي)، ولا يزداد عددهن على ثلاث نساء من أهل المناسبة، يؤدين مع بقية أعضاء الفرقة الحركات الإيقاعية الراقصة.بدأ بالدف ثم دخل العود والطبلة والناي
الفنان محمود الأدفاوي، أو كما يطلقون عليه في صعيد مصر "غزال أسوان"، رئيس فرقة "الكف الأسواني"، التي يقدمها مركز "الضمة"، بدأ مشواره الفني منذ الصغر في تنمية تلك الهواية الفنية. ويحكي لرصيف22 عن هذا الفن: "هو من أصعب الفنون الشعبية، ويعتمد على الارتجال والإبداع في الوقت نفسه. كان يتم غناء هذا الفن على إيقاع نقر الكفوف من جانب المصاحبين للمؤدي، ثم أدخلت عليه آلة الدف مع التصفيق، ثم آلات أخرى خلافاً للدف، مثل العود والطبلة والناي". يتم أداء فن الكف في الصعيد بشكل متعارف عليه منذ القدم، فيبدأ الطقس بحضور مطربي القرية ـ ثلاثة فما فوق ـ ومعهم ضارب الدف، يجلسون كلهم على أريكة أو أكثر ومن حولهم المساند، وهم بالطبع غير محترفين، أي أنهم لا يتقاضون أجوراً كما يحدث الآن، ثم يأتي الكفافة وهم من شباب ورجال القرية، ليقفوا صفاً في مواجهة المطربين". [caption id="attachment_112866" align="alignnone" width="350"] لوحة للفنان فريد فاضل[/caption] وعن سبب هذه التسمية، يقول الأدفاوي إنها تعود لفعل أنهم يستخدمون كف اليد في ضبط الإيقاعات، ويبدأ الفنان بالصلاة على النبي ثم يتبعها بمواويل تصف أحوال بيئته وأحوال العاشقين، ثم يبدأ الشباب (الكفافة) في ارتجال خانة (جزء من موال مربع)، وهم يصفقون، والصفقة هي التي تحدد سرعة الإيقاع. يبدأ ضارب الدف باللعب مع إيقاع التصفيق ويتمايل الكفافة في حركة واحدة، متبعين قائد الصف وأمهرهم في الرقص، فيحركون أكتافهم وأياديهم وأقدامهم في تناغم جميل. ثم يبدأ أحد المطربين في الغناء مرتبطاً بموضوع الخانة، أي أنه يغني لليل يشكو له أحواله بسبب هجر المحبوب أو "المريود" وفق اللهجة المحلية وهكذا. وبمجرد أن ينتهي المطرب من غنائه يتوقف الكفافة عن الرقص ويميلون بجذوعهم إلى الأمام، مرددين الخانة نفسها وهم يصفقون، ثم يتسلم مطرب آخر الموضوع نفسه لكن بأبيات مغايرة، وبعد هذه المقدمات المعتادة، تبدأ الإثارة، إذ يغير الكفافة الخانة والإيقاع، وهنا يبدأ دور الارتجال. والملاحظ أنه عندما تقال الخانة الجديدة لا بد أن تعاد لأكثر من مرة لسببين: الأول كي يحفظها المطربون، والثاني كي يشحذوا عقولهم للارتجال حول الموضوع الجديد، وهنا تظهر براعة مطرب عن آخر، ويحصل على الجائزة الفورية بهتاف المدعوين استحساناً. أما قمة الإثارة، فحين تنزل الراقصة إلى الساحة، وهي في الغالب فتاة صغيرة، ترقص أمام الكفافة، وعلى رأسها شال أسود يغطي وجهها. وحتى لا تقع في حرج، ترقص معها إحدى كبيرات السن غالباً، وتلتزم أيضاً بالشال الأسود، وحين تنزل الراقصة، يشتعل الميدان، يدك الرجال الأرض بأقدامهم إلى أن يتصاعد الغبار إلى الجو.جلباب صعيدي وعمامة رأس وسيجارة
الكفاف الأسواني وليد محمد (30 عاماً)، يعمل كموظف، وهو أحد أفراد فرقة الكف الأسواني، وقائد الكفافة بالفرقة، يقول: "يضم مسرح الفن الصعيدي الأصيل الفنان في الوسط، والذي يرتدي في الغالب جلباباً صعيدياً وتعلو رأسه عمامة تدل على التراث الصعيدي الذي ما زال منتشراً حتى الآن. ولا تفارق أيدي بعض الفنانين السيجارة حسب مزاج الفنان، ويجب أن يكون على يمينه ويساره الطبال وعازف العود وعازفا الناي والربابة، ويستعد بأن يدخل أجواء من التناغم في الكلمات والبهجة بين الحضور لملائمة صدى الأغاني مع حياتهم، فيتغنى بما يحدث في الأحوال المادية والأحوال الاقتصادية والفنية والسياسية أيضاً". ومن أشهر فناني "الكف الصعيدي"، عبد النبي الرنان، الذي ولد عام 1950 (وتوفي عام 2009)، وكان يلقب بـ"عاشق النبي"، نظراً لما يقدمه في الغالبية العظمى من حفلاته من مديح وإنشاد ديني بمختلف أرجاء الصعيد. وهنالك أيضاً، محمد أبو درويش، وهو من مواليد أسوان، ويعد أول فنان صعيدي يدخل آلة "العود الوترية" في فن الكف الصعيدي. كذلك هناك الفنان ربيع البركة، من قرية السباعية في إدفو بأسوان، كان يلقب بـ"الأسطورة"، وقد تميز في فن الكف في بداية حياته، وله ألبومات عديدة في التراث الشعبي الصعيدي، ومن أشهر أغانيه "بتناديني تاني ليه" التي اشتهر بها فنانو الكف المعاصرون ويتغنون بها في المحافل الفنية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...