من الأم المثال لدى الفنانين الرواد في سوريا، مروراً بالآلهة التدمرية، وصولأ إلى الفن الشعبي مع الأيقونة السورية إلى جيل يتحدى "داعش"، يجسّد فنّ الوجه والجسد أهم معالم الفن السوري.
هبة الأنصاري: العيون الخجلة تغيب خلف القناع الأسود الذي حولته هبة الأنصاري أداة احتجاج على "السبي" الداعشي
تُرجع التنقيبات الأثرية أوّل ظهور للوجه كصورة إلى فترة العصر الحجري الحديث أي حوالي 7800 قبل الميلاد، حيث ظهرت صورة الوجه في إطار طقوس اعتيادية قديمة مارسها الإنسان كجواب على مسألة الموت.
وكشفت التنقيبات في تل جعدة، شمال مدينة حلب السورية، عن أبنية ذات خصوصية تدعى "بيت الأموات"، يتم فيها استعادة جمجمة المتوفى وتوضع طبقة من الجص مع محارتين مكان العيون في استنساخ لملامح الوجه الغائب، ومع القناع يتكون مفهوم الصورة التي تجعل الغائب حاضراً.
وابداع صورة الوجه سبق الطقوس الجنائزية القديمة المومياءات والنحت على التوابيت الذي عُرف في الحضارات الفينيقية والمصرية واليونانية والرومانية بمراحل.
رندة مداح
تَعتبرُ أوروبا "الوجه كصورة" اختراعاً حديثاً في التاريخ الغربي، ولكن توأم الوجه والجسد هو ما ميّز الفنّ السوري منذ القدم، وكما يقول التشكيلي السوري إلياس الزيات "إننا أصحاب حضارة الوجه بكل معنى الكلمة”.
للمرة الأولى تجتمع ثيمة الجسد والوجه في الفن السوري تحت سقف واحد، لتجعل "الغائب حاضراً"
السوريون، منذ آلاف السنين حتى اليوم، هم أصحاب حضارة الوجه بكل معنى الكلمة
كانت تيمة الوجه والجسد في أعمال أربعة أجيال من الفن السوري موضوعاً اختارته الراعية للفنون والقيمة على مؤسسة أتاسي للثقافة والفنون، شيرين أتاسي، في معرض حمل عنوان "سورية نحو الضوء"، الذي استضافته كونكريت، المساحة الجديدة التي صممها الهولندي ريم كولهاوس في دبي.
ترى أتاسي "إن سوريا محط أنظار العالم بصورة لا تستحقها، لذلك كان لا بد من العمل على إظهار وجه سوريا الحقيقي والحضاري، لا بد من الخروج من العتمة للاحتفاء بالنور".
وبهذا حضرت أكثر من 104 أعمال فنية تتوزع على النحت والتصوير الفوتوغرافي والحفر والفيديو والأعمال التركيبية والتصوير الزيتي معاً في مكان واحد.
الوجه والجسد لأربعة أجيال من الفن السوري
تاريخ تطور الحركة التشكيلية وموضوعاتها المتباينة يمكن ملاحظتها لدى العديد من الفنانين السوريين، وفي هذا المعرض عمدت أتاسي تتبع تطور الحركة التشيكيلة وتنوع هموم الفنانين السوريين المتوزعين على 4 أجيال.يمين: رشاد مصطفى، يسار: توفيق طارق
التزم ما يعتبر "الجيل الأول" من الفنانين السوريين باللوحات الواقعية والانطباعية، ويعد ميشيل كرشة أول من رسم في الهواء الطلق. كما اهتمّ الفنّ السوري بـ"الأيقونة"، التي كان رائدها الأب يوسف المصور الحلبي، إلى جانب رائد الفن الشعبي أبو صبحي التيناوي.
[caption id="" align="alignnone" width="700"] لوحات لميشيل كرشة[/caption]
كان توفيق طارق من أوائل الرسامين السوريين الذين قدموا البورتريه بأسلوب واقعي كلاسيكي دقيق، وتعود أقدم لوحاته المعروضة إلى العام 1924، في الوقت الذي كانت فيه صورة الأم هي المهيمنة على عدد من أعمال الرواد السوريين أمثال ميشيل كرشة، ورشاد مصطفى، وتوفيق طارق.
لكن الجيل الثاني كان أكثر خصوصية وظهرت الملامح الأسطورية في اللوحة كأعمال فاتح المدرس مثلاً، فيما نحا لؤي كيالي إلى تصوير الناس العاديين ورسم عمال الحقول والمشردين والباعة الجوالين.
شكّل افتتاح كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 1960 نقطة تحول، إذ تتلمذ الجيل الثالث على يد الجيل الأسبق وخاض بخصوصية أكثر تعلقاً بالبيئة المحلية والهم السياسي.نرى ذلك في أعمال يوسف عبدلكي وعلي مقوص وسعد يكن.
فجاء التعبير الفني مرتبطاً بعمق بالأرض وقلب البيئة المحلية والهم السياسي في أعمال جيل الخريجين الأوائل من كلية الفنون الجميلة بدمشق.
وبعد العام 2011 صار للجسد والوجه ظهوراً مغايراً لدى الجيل الشاب خاصة بسبب ارتباطه بالحدث الفجائعي، واختيار الفنانين الارتباط بالراهن وتقديم الفن وسيلة للاحتجاج والتفاعل مع الأحداث الجارية.
من عوالم اللوحات، تطلّ كائنات مفعمة بالتعب تتقاطع وجوهها وتتشابه، فهل أصبح الوجه ذاكرة لكل الوجوه؟
ياسر صافي، 2014
جابر العظمة
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 9 ساعاتمقال أكثر من رائع. قمة الإبداع والرقي. شكرا.
Salim Abdali -
منذ يوماتابع يومياتك الأليمة، وشكرا يا شاعر لنقلك هذه الصور التي رغم الالام التي تحملها، الا انها شهادات تفضح غياب الضمير الانساني!
مستخدم مجهول -
منذ يومماذا لو أن النبي بداية منذ أواخر سنواته الشريفات وحتى اليوم كان محروماً من حقوقه في أمته مثلما أن المرأة قد حرمت حقوقها وأكثر؟ وأنه قد تم إيداعه "معنوياً" في غرفة مقفلة وأن كل من تصدر باسمه نشر فكره الخاص باسمه بداية من أول يوم مات فيه النبي محمد؟ إن سبب عدم وجود أجوبة هو انحصار الرؤية في تاريخ ومذهب أو بالأحرى "تدين" واحد. توسيع الرؤيا يقع بالعين على مظلومية محمد النبي والانسان الحقيقي ومشروعه الانساني. وجعل القرءان الدستور الذي يرد اليه كل شيء والاطلاع إلى سيرة أهل البيت بدون المزايدات ولا التنقصات والتحيزات يرتفع بالانسان من ضحالة القوقعة المذهبية إلى جعل الإنسان يضع الكون كاملاً والخليقة أمام عينيه ولا يجعله يعشق التحكم في الآخر.
إن وصف القرءان للنساء بأنهم نساء منذ طفولتهن بعكس الرجال الذين هم بنين ثم يصيرون رجالاً هو وصف بأن المرأة منذ الصغر تولد أقرب بكثير للتقوى الذي هو النضج وكف العدوان بينما للرجل رحلة طويلة في سبيل التقوى التي هي كف العدوان وليس فقط تدوير المسبحات في الأيدي.
مشروع محمد لم يكتمل لأن "رفاقه" نظروا له على أنه ملك ويجب وراثته والتعامل مع تراثه كملك. أما الذين فهموا مشروعه وكانوا أبواب المشروع الانساني فقد تم قتلهم وتشريدهم وفي أحسن الاحوال عزلهم السياسي والثقافي حتى قال الإمام علي أنه يرى تراثه نهباً أي منهوب.
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أياماوجدتي أدلة كثيرة للدفاع عن الشر وتبيانه على انه الوجه الاخر للخير لكن أين الأدلة انه فطري؟ في المثل الاخير الذي أوردته مثلا تم اختزال الشخصيات ببضع معايير اجتماعية تربط عادة بالخير أو بالشر من دون الولوج في الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والمستوى التعليمي والثقافي والخبرات الحياتية والأحداث المهمة المؤسسة للشخصيات المذكورة لذلك الحكم من خلال تلك المعايير سطحي ولا يبرهن النقطة الأساسية في المقال.
وبالنسبة ليهوذا هناك تناقض في الطرح. اذا كان شخصية في قصة خيالية فلماذا نأخذ تفصيل انتحاره كحقيقة. ربما كان ضحية وربما كان شريرا حتى العظم ولم ينتحر إنما جاء انتحاره لحثنا على نبذ الخيانة. لا ندري...
الفكرة المفضلة عندي من هذا المقال هي تعريف الخير كرفض للشر حتى لو تسنى للشخص فعل الشر من دون عقاب وسأزيد على ذلك، حتى لو كان فعل الشر هذا يصب في مصلحته.
Mazen Marraj -
منذ 3 أياممبدعة رهام ❤️بالتوفيق دائماً ?
Emad Abu Esamen -
منذ 4 أياملقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي