أصبح لسوريا معرضها الفني السنوي. معرض الفن السوري المعاصر قد يأتي متأخراً، ولكنه ضيف مرحب به انتظرناه طويلاً. بتنظيم من صالة سامر قزح، بالتعاون مع Artheum -Beirut، احتوت العاصمة اللبنانية بيروت أعمال مجموعة كبيرة من الفنانين السوريين، في فترة تمتد من 2 إلى 9 أكتوبر. يقول صاحب الفكرة سامر قزح: "إن فكرة ولادة المشروع بدأت عام 2010 بهدف جمع أكبر عدد من الفنانين السوريين الذين كان لهم بصمة في الفن التشكيلي السوري منذ بدايات القرن العشرين، وعرض أعمالهم في ما اتفق على أن يسمى Art Fair، أسوة ببقية بلدان العالم (بيروت، دبي)". كان من المقرر أن يقام المعرض عام 2012 إلا أن الأحداث السياسية التي بدأت في سوريا جعلت من المستحيل تنفيذ هذا المشروع الضخم من الناحيتين اللوجستية والفنية. عدد كبير من الفنانين التشكيليين كان قد غادر سوريا، كما أنه كان من الصعب، بحسب قزح "دعوة الفنانين المقيمين خارج سوريا والمقتنين للوحات نادرة للحضور بسبب الظروف الأمنية والسياسية".
إلا أن هذه الأسباب لم تقف عائقاً أمام منظمي المعرض لتنفيذ مشروعهم، واتفقوا على أن يصبح هذا الحدث تقليداً سنوياً، لإيمانهم بقيمة الفن التشكيلي السوري الذي وصل إلى العالمية. تعرض أعمال الفنانين السوريين اليوم في عدد كبير من المتاحف العالمية، كما تشارك في المزادات العالمية (كريستيز christie’s)، لذا لم يعد بالإمكان التغاضي عن ضرورة أن يحظى بالاهتمام الذي يستحقه في محيطه العربي. رأى المنظمون أنه من المناسب أن يقام المعرض في هذا الوقت بالتحديد، مع انشغال الإعلام بالأحداث السياسية فقط، متناسياً أن لدى سوريا حضارة ثقافية متنوعة منذ آلاف السنين، وأن من واجب جميع العاملين في هذا المجال المساهمة في الحفاظ على هذا الإرث، بغض النظر عن الأحداث التي تمر بها سوريا منذ عامين ونصف. استمر بيكاسو في العيش في باريس عندما احتلها الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، غير أن أسلوبه الفني لم يكن يتناسب مع الفكر النازي، فلم يعرض لوحاته خلال تلك الفترة. لجأ في مقابل ذلك الى تحدٍ آخر، وهو الاستمرار في استخدام مادة البرونز، الذي كان يمنعه الألمان، في أعماله، وقد كانت المقاومة الفرنسية حينها تقوم بتهريبها إليه.
يعتبر معرض الفن السوري المعاصر Syria Art Fair مبادرة جيدة في ظل التحديات التي تواجهها الحياة الثقافية السورية بشكل عام والفن التشكيلي بشكل خاص، ولكن من المبكر جداً مقارنته بفعاليات معارض الفن العالمية، أكان من ناحية التنظيم، أو من ناحية تغطيته لعدد أكبر من الأعمال الفنية ومن الفنانين المشاركين، فهي مبادرة تقام لأول مرة، وفي ظروف استثنائية، ولا مفر من وقوعها في عديد من الأخطاء.
ظهر جلياً انحياز عدد كبير من الأعمال الفنية المعروضة للأحداث التي تمر بها سوريا بكل حالاتها ومدلولاتها، مما يعكس للمشاهد حالة التأثر والحزن والإحباط التي يعيشها الفنانون السوريون. فالعمل الفني في النهاية هو "تكثيف لمشاعر الفنان النفسية أثناء تنفيذه للعمل" كما يقول الفنان حمود شنتوت.
تميز المعرض باستضافته لعدة أجيال من الفنانين التشكليين، من بين رواد ومخضرمين وخريجين جدد، أتاحت لهم هذه الفعالية اللقاء وتبادل الأفكار وعرض أنواع مختلفة من مدارس الفن التشكيلي. نذكر منهم في مجال التصوير أحمد معلا، ماهر بارودي، حمود شنتوت، فؤاد دحدوح، محمد عمران، نذير اسماعيل، ادوار شهدا، وليد الآغا، حسكو حسكو، وفادي يازجي، وفي مجال النحت عاصم الباشا، مصطفى علي، آمال مريويد، عروبة ديب، علاء أبو شاهين، وميسان سلمان.
أما فيما يتعلق بمشاركة جيل الشباب والخريجين الجدد، مثل ميشيل شكور الذي شارك بأعمال فوتوغرافية، رشوان عبدلكي، فادي الحموي ورشا جابر، فقد رحب جميع الفنانين بالمساحة التي حظوا بها في هذا المعرض، مشاركين رواد الفن التشكيلي السوري. قدم لهم المعرض فرصة إبراز أعمالهم أمام جمهور قد لا يحظون به خلال معارضهم الفردية.
ترواحت أسعار الأعمال المعروضة بين 300 دولار لأعمال الفنانين الشباب المبتدئين (وكان الإقبال على شرائها كبيراً وملحوظاً) وبين 60 ألف دولار لأعمال كان من ضمنها منحوتة للفنان فادي يازجي.
أعرب الفنان التشكيلي نذير اسماعيل، الذي يقتني كل من المتحف الوطني بقطر والمتحف الملكي بعمان أعماله، عن سعادته بالمشاركة في المعرض معتبراً أنه "شامل، وقدم مساحة كبيرة للفنانين التشكيليين لتقديم أعمالهم بعد غياب أكثر من 11 عاماً، منذ أن نظمت السيدة منى أتاسي معرضاً شاملاً في صالة الأونيسكو في بيروت بالتعاون مع صالة أجيال". الفنان حمود شنتوت رأى من جهته "أن المعرض كان فرصة لتقديم الفن التشكيلي السوري بشكله الصحيح، حيث أنه بالرغم من اختلاف الأعمال المعروضة من الناحيتين الفنية والتقنية، وبالرغم من تقديم المعرض لأطياف مختلفة ومتنوعة، إلا أنه هناك خيط رفيع يجمع هذه الأعمال لا يمكن إلا للمحترفين التقاطه".
ويرى النحات مصطفى علي "أن هذه الفعالية سيكون لها دور بالمساهمة في تقديم الفن السوري للجمهور اللبناني كما للعالم من خلال التغطية الإعلامية الكبيرة التي حظي بها المعرض"، كما يشير إلى أنه حتى لو "لم يستطع أن يقدم أعمالاً لجميع الفنانين السوريين، إلا أنه من الصعب إنكار حلول فرصة لعرض أعمال كثيرة مختلفة ومتنوعة من خلال تسخير مساحة كبيرة لعرض أعمال أكثر من مئة فنان سوري".
أقيم على هامش المعرض ملتقى لمقتني اللوحات النادرة للفنانين السوريين في القرن العشرين، عرضت فيه أعمال الرواد، منهم لؤي كيالي، فاتح مدرس، ناظم الجعفري، نذير نبعة، ومحمد حماد. ومما يجدر ذكره، أنه تم مُنع الصحفيين من تغطية الملتقى إعلامياً، دون توضيح الجهة المنظمة أسباب هذا المنع.
أخيراً يبقى أمل الجهة المنظمة والفنانين المشاركين والحضور في أن يقام معرض الفن السوري الثاني في عاصمة الأمويين دمشق خلال العام القادم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه