لماذا الخوف من تحوّل العدالة الانتقالية في سوريا إلى

لماذا الخوف من تحوّل العدالة الانتقالية في سوريا إلى "كليشيه" شعاراتي؟

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 8 ديسمبر 202513 دقيقة للقراءة


تُنشَر هذه المادة ضمن ملف "عام على ماذا؟... وإلى أين؟"، الذي ينشره رصيف22 بعد عام على سقوط نظام الأسد، وبكل ما عناه هذا العام للسوريين والسوريات من أمل وخذلان ومحاولات للنجاة.


منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، اليوم الذي سقط فيه نظام بشار الأسد وخرج أحمد الشرع "الجولاني" سابقاً، إلى واجهة السلطة رئيساً انتقالياً، والسوريون يعيشون بين لحظتين متناقضتين: لحظة سقوط الطاغية، ولحظة انتظار العدالة.

ففي الخطب الرسمية، وفي بيانات المجتمع الدولي، تتكرر عبارة "العدالة الانتقالية"، أما في بيوت أهالي المعتقلين والمختفين قسراً، فتتكرر العبارة نفسها لكن بنبرة مختلفة؛ نبرة من ينتظر اسماً في قائمة، أو قبراً يمكن وضع اسم صاحبه عليه.

وبين هذين العالمين يبقى السؤال معلّقاً: ماذا تعني العدالة الانتقالية فعلياً في سوريا؟ وأين وصلت بعد عام على سقوط النظام؟

ما الذي نعنيه حين نقول "عدالة انتقالية"؟

في كتابها "العالم العربي في طور الانتقال: طريق العدالة الوعِرة"، تشير الدكتورة ليلى نقولا إلى وجود تعريفات للعدالة الانتقالية تُرى بوصفها مساراً، وأخرى تعد منهجاً للتعامل مع إرث انتهاكات حقوق الإنسان، باعتبارها عنصراً أساسياً في مراحل التحوّل.

البلدان التي مرّت بتعذيب ممنهج، وحرب، وقمع، ومجازر، لا تستطيع أن تقول ببساطة: "لنطوِ الصفحة". فبدون مواجهة الماضي، لا يُبنى مستقبل، ولا تستقرّ دولة. من هنا وُلد مفهوم "العدالة الانتقالية"؛ ليس كترف قانوني، بل كشرط للحياة المشتركة ولاستمرارها وللسلم الأهلي

تطرح نقولا تعريفاً أكثر بساطة، يربط عبارة "العدالة الانتقالية" بين مفهومين واسعين؛ العدالة والانتقال، لتُفهم على أنّها تحقيق العدالة خلال المرحلة الانتقالية التي تمر بها دولة من الدول.

البلدان التي مرّت بتعذيب ممنهج، وحرب، وقمع، ومجازر، لا تستطيع أن تقول ببساطة: "لنطوِ الصفحة". فبدون مواجهة الماضي، لا يُبنى مستقبل، ولا تستقرّ دولة. من هنا وُلد مفهوم "العدالة الانتقالية"؛ ليس كترف قانوني، بل كشرط للحياة المشتركة ولاستمرارها وللسلم الأهلي.

على رغم كثرة استخدام المصطلح، لا يوجد تعريف واحد متفق عليه. أحياناً تُقدَّم العدالة الانتقالية بوصفها "مساراً" تسلكه المجتمعات الخارجة من النزاعات لمعالجة إرث الانتهاكات، وأحياناً كـ"منهج" يضع العدالة عنصراً أساسياً في الانتقال السياسي. في الجوهر، هي محاولة لتحقيق قدر من الإنصاف في لحظة هشّة تتحرّك فيها دولة من نظام إلى آخر.

داخل هذا الإطار، يمكن رصد ثلاث ركائز أساسية:

  • مجتمع محدّد هو المخاطَب
  • أهداف واضحة مثل الحقيقة والمحاسبة وعدم التكرار والمصالحة
  • وآليات متعدّدة تمتد من المحاكمات إلى البحث عن الحقيقة، مروراً بجبر الضرر وإصلاح المؤسسات وحفظ الذاكرة.

لكن السؤال في الحالة السورية لم يعد: ما تعريف العدالة الانتقالية؟ بل: كيف يمكن تحويل هذا المفهوم إلى أدوات تعمل فعلاً في بلد لم يخرج من الحرب تماماً؟

العفو... بداية جديدة أم إفلات من العقاب؟

يقول سائد الحاج علي في مقاله "عام بلا الأسد": "خمسون عاماً من الحكم الأمني انتهت، وكان من المفترض أن تبدأ سوريا فوراً بمسار عدالة انتقالية يكشف الحقيقة، يواجه الانتهاكات، ويعيد للضحايا جزءاً من حقوقهم. إلا أن العام الأول مرّ دون فتح الملفات الثقيلة أو حتى الإحساس بأن الدولة مستعدة للاقتراب منها".

بحسب الفقه القانوني، فالعدالة الانتقالية التي يطمح لها السوريون ليست قانوناً واحداً ولا هيئة واحدة، بل عائلة من الأدوات التي تحاول الإجابة عن سؤال واحد: كيف نعترف بما حدث، ونحاسب، ونمنع التكرار، من دون أن ندفع البلد إلى حرب جديدة؟

"قوانين العفو" هي أداة شديدة الحساسية في مسار العدالة الانتقالية، وكثيراً ما حذرت الأمم المتحدة من أنها قد تمنع المحاسبة، وتصنع مناخاً للإفلات من العقاب، وتقوّض سيادة القانون.

في المسار القضائي، تحتل المحاكمات موقع القلب. محاكمة جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ليست شكلاً من الانتقام، بل إعلان أن هذه الأفعال لم تعد "أدوات حكم" مقبولة. التحقيق مع القادة الأمنيين والعسكريين، ومنح الضحايا فرصة الشهادة، رسالة تقول إن المجتمع قرر وضع حدّ لما تستطيع الدولة أن تفعله بمواطنيها.

إلى جانب ذلك، تظهر أداة شديدة الحساسية: "قوانين العفو"... فبعض الدول استخدمتها لفتح باب التسويات السياسية أو تسهيل الانتقال، لكن في الوقت عينه كثيراً ما حذرت هيئات الأمم المتحدة من "العفو الذي يمنع محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة، لأنه يصنع عملياً مناخ إفلات من العقاب، ويقوّض أي حديث جدي عن سيادة القانون".

الإصلاح المؤسسي والتعويض والذاكرة

الإصلاح المؤسسي بدوره جزء لا يتجزأ من العدالة. بلد خرج من استبداد لا يمكنه أن يبقي على البُنى نفسها التي أدارت التعذيب والاعتقال والفساد. إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، خصوصاً القضاء والبرلمان والأجهزة الأمنية، تعني نزع رواسب الصراع من داخل هذه الأجهزة، وإبعاد المتورطين بانتهاكات عن مواقع النفوذ، وإزالة التمييز الطائفي أو الإثني أو الجندري. من دون ذلك، تتحول المحاكمات إلى جزيرة صغيرة في بحر لم يتغيّر.

برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج للمقاتلين السابقين تأتي من واقعية بسيطة: من يُسرّح من الجيش أو الميليشيا بلا بديل، كثيراً ما يجد نفسه في عالم الجريمة المنظمة. لذلك تحاول هذه البرامج فتح طرق أخرى للحياة عبر التدريب والتعليم المهني ومسارات إدماج اقتصادي، لا كمكافأة على الماضي، بل كوسيلة لمنع ولادة دورة عنف جديدة.

أما جبر الضرر والتعويض، فهو الوجه الأكثر مباشرة للعدالة في عيون الضحايا. هنا لا نتحدث عن صدقات، بل عن حق قانوني معترف به دولياً: للضحايا حق في التعويض عمّا أصابهم، وعلى الدولة، أو الجهة المسؤولة، واجب تحمّل ذلك، مادياً ورمزياً.

على الضفة غير القضائية، تظهر لجان الحقيقة والمصالحة كأدوات حساسة ومركّبة. هذه اللجان لا تُصدر أحكاماً ولا تفرض عقوبات، لكنها تسمح للضحايا أن يرووا قصتهم، وتجمع الروايات في سردية وطنية لا تُدار حصراً من داخل الأرشيف الأمني. "الحق في معرفة الحقيقة" بات حقاً معترفاً به، لا بدافع الفضول، بل كي لا يبقى الماضي شبحاً يحكم الحاضر.

ثم تأتي الذاكرة: وبناء النصب التذكارية، وتشييد الجدران التي تحمل أسماء الضحايا، وتحويل مراكز الاعتقال السابقة إلى فضاءات للذكرى، كذلك الأيام الوطنية التي تستعيد ما حدث. هذه كلها ليست تفاصيل تجميلية، بل جزء من عقد جديد بين الدولة ومواطنيها، يقول إن من ماتوا لن يختفوا من الذاكرة كما اختفوا من الزنازين.

وعود كبيرة وعدالة مؤجلة

البلد يتلمّس طريقه نحو إعادة بناء مؤسساته وترميم مجتمعه المنقسم. لكن في الواقع، يعيش كثير من السوريين شعوراً مزدوجاً: فرحة بسقوط الرأس، ومرارة من بقاء المنظومة بلا تفكيك حقيقي.

كان من المفترض أن تبدأ مسارات واضحة فوراً: فتح الأرشيف الأمني، كشف مصير المعتقلين والمختفين قسراً، محاسبة رموز النظام السابق المتورطين بجرائم جسيمة، بناء قضاء مستقل، وتوثيق الانتهاكات بشكل منهجي. وبعد عام، ما زالت هذه المسارات أقرب إلى وعود معلّقة. العدالة الانتقالية في سوريا اليوم أشبه بملف محفوظ في درج مليء بالملفات العاجلة، لا بعملية جارية يشعر بها الناس في حياتهم اليومية.

ويشير الكاتب عاصم الزعبي في مقال له بعلاقة قوية بين تحقيق هذه العدالة والسلم الأهلي، يقول: "بعد مرور عام على سقوط الأسد المخلوع، لا تزال فكرة المحاسبة قائمة، رغم تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية التي لم تبدأ عملها بعد، ولم تُسنّ قوانين خاصة بها، كما لم تُشكَّل محاكم متخصصة، ولم يُحوَّل مسار العدالة الانتقالية إلى المحاكم العادية بقوانين مخصّصة. هذا التأخير ترك تساؤلات عديدة، وولّد مشكلات مختلفة لدى السوريين، وهو ما استطلعته صحيفة "الثورة السورية" خلال لقائها مع عدد من أهالي الضحايا. وهنا نضع الفاصلة الأولى".

في 17 أيار/مايو 2025 أُنشئت هيئتا العدالة الانتقالية والمفقودين، بهدف كشف الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين وجبر الضرر. لكن حصر التفويض بجرائم نظام الأسد، وتأخر إطلاق العمل الفعلي من دون قوانين أو خطط واضحة، جعلا الخطوة أقرب إلى تغيير شكلي يبدّد الوقت ويقوّض ثقة الضحايا

ويشير مدير الوحدة القانونية في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، أُبي كرد علي، في مقالته المعنونة بـ "الأمل الأخير في توسيع مسار العدالة الانتقالية في سوريا" إلى محاولة لوضع إطار قانوني للمرحلة، والإعلان الدستوري الذي صدر في 13 آذار/ مارس 2025. فالمادة 49 منه تبدو للوهلة الأولى خطوة في اتجاه العدالة، إذ تنصّ على استثناء جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وكل الجرائم التي ارتكبها النظام البائد من مبدأ عدم رجعية القوانين، بما يسمح بمحاكمة هذه الأفعال بأثر رجعي.

لكن طريقة صياغة المادة تثير أسئلة بحسبه. فالنص يفتح نظرياً الباب لعقاب كل الجرائم المذكورة، بغضّ النظر عن مرتكبيها، لكن التركيز السياسي والقانوني الواضح ينصبّ على جرائم نظام الأسد وحده.

في 17 أيار/ مايو 2025، صدر مرسومان رئاسيان اعتُبرا علامة فارقة: إنشاء "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية"، وإنشاء "الهيئة الوطنية للمفقودين". نصّ مرسوم العدالة الانتقالية على أن مهمة الهيئة هي كشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي تعرّض لها السوريون منذ آذار/ مارس 2011 حتى نهاية 2024، وتوثيقها، ومساءلة المسؤولين عنها، وجبر الضرر، وترسيخ مبدأ عدم التكرار والمصالحة الوطنية.

لكن المرسوم حصر بشكل صريح نطاق عمل الهيئة في الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد، مستبعداً الانتهاكات التي ارتكبتها أطراف أخرى. بعض أعضاء الهيئة تحدّثوا عن ضرورة توسيع التفويض، لكن ذلك لم يُترجم إلى تشريعات أو خطوات عملية حتى الآن.

الأخطر أن هذه الهيئة لم تبدأ عملها الفعلي بعد. لا خطة وطنية متكاملة، لا برامج حقيقية للتعويض، لا تقارير دورية شفافة، ولا تنسيق بنيوي مع القضاء والأجهزة المعنية. المحامي المتخصص في القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان، معتصم الكيلاني، يرى أن ما حدث حتى الآن هو "تغيير شكلي": أسماء جديدة وهياكل جديدة، من دون انتقال حقيقي من منطق الإفلات من العقاب إلى منطق المحاسبة. في هذه الأثناء، يمر الوقت، وتتآكل الأدلة، وتضيع الشهادات، وتفقد المؤسسات الوليدة ما تبقّى من ثقة الناس.

كيف تتخيّل منظمات الحقوق مسار العدالة؟

في مقابل هذا التردد الرسمي، تقدّم جهات حقوقية سورية، وفي مقدمتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، رؤية أكثر تحديداً لمسار العدالة الانتقالية. الفكرة الأساسية هي إنشاء هيئة وطنية مستقلة فعلاً، ذات بنية مرنة تجمع بين مركزية التنسيق ومرونة التعامل مع تعقيدات المحافظات السورية.

في رأس هذه البنية، مجلس إدارة يضم خبراء قانونيين وممثلين عن المجتمع المدني والضحايا، يتولّى رسم السياسات العامة واتخاذ القرارات الاستراتيجية. وإلى جانبه أمانة عامة كجهاز تنفيذي، مع مكاتب محلية في المحافظات وفرق ميدانية مهمتها جمع المعلومات وتعزيز المشاركة المجتمعية.

تشدد هذه الرؤية على استقلال الهيئة عن السلطة التنفيذية، وعلى عملها ضمن قضاء مستقل، وعلى أن يكون لها دور مباشر في تشكيل محاكم خاصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما يخلق جسراً بين الحقيقة والمحاسبة، لا مجرد مخزن إضافي للوثائق.

ليست العدالة الانتقالية في سوريا ترفاً مؤجلاً ولا بنداً قابلاً للشطب. من دونها يبقى الاستقرار هشّاً. ورغم الإعلانات والهيئات، لم يبدأ المسار فعلياً بعد، و من دونه ستظل البلاد عالقة بين لا حرب ولا سلام ولا عدالة.

تركّز الرؤية على أربعة أركان: المحاسبة الجنائية، كشف الحقيقة والمساءلة، جبر الضرر وتخليد الذاكرة، وإصلاح المؤسسات، خصوصاً القضاء والأمن والجيش. المحاسبة يجب أن تطال القيادات العليا المتورّطة في الانتهاكات، عبر قوانين تتوافق مع المعايير الدولية ولجان تقصّي حقائق قادرة على جمع الأدلة وإحالتها على محاكم مختصة، قد تكون مختلطة تجمع قضاة سوريين ودوليين.

في ملف الحقيقة، تُطرح لجان متخصصة توثّق شهادات الضحايا والمتورطين، وتبحث عن مصير المفقودين، وتبني ذاكرة وطنية مشتركة، بالتوازي مع مجالس عرفية ولجان مصالحة محلّية حيث يمكن معالجة بعض الملفات بعيداً من منطق الثأر.

في جبر الضرر، يُقترح برنامج يجمع بين الدعم المادي والأولوية في الخدمات، والدعم النفسي والاجتماعي والقانوني، وتعويضات رمزية مثل الاعتذارات العلنية والنصب التذكارية والأيام الوطنية. وإلى جانب كل ذلك، يُنظر إلى إصلاح المؤسسات بوصفه ضرورة سياسية وأخلاقية، لا بنداً تجميلياً، مع أولوية قصوى لإصلاح القضاء والأجهزة الأمنية، وتأطير عملية إعادة بناء الجيش على المدى الطويل للخروج من منطق الميليشيات إلى منطق الدولة.

حين تُسرَّب ملفات الضحايا… وتُهان كرامتهم من جديد

كل هذا يبدو مرتّباً على الورق. لكن على الأرض، يتعرّض مفهوم العدالة الانتقالية لامتحان قاسٍ. في الأسابيع الأخيرة، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي تسريبات لوثائق حساسة تتعلق بضحايا الاختفاء القسري والتعذيب في الحقبة السابقة، من دون أي إعلان رسمي، ومن دون إطار واضح لحماية خصوصية الضحايا وذويهم.

بالنسبة إلى أهالٍ ينتظرون خبراً عن ابن أو ابنة منذ سنوات، رؤية اسم على شاشة هاتف يمكن أن تكون لحظة صاعقة؛ مزيجاً من الأمل والرعب والغضب. لكن الطريقة التي ظهرت بها هذه الوثائق إلى العلن، عشوائية وفوضوية، حوّلتها من خطوة محتملة نحو الحقيقة إلى شكل جديد من انتهاك الكرامة.

هذه الممارسات لا تُضعف الثقة بالمؤسسات الناشئة فقط، بل تعطل مسار العدالة الانتقالية في جوهره، لأنها تقول عملياً إن الدولة لا تمسك بزمام هذا الملف الحساس، وإن أرشيف الضحايا يمكن أن يتحول إلى مادة "ترند"، لا إلى أساس لسياسة عامة وجبر ضرر منظم.

طريق طويل لا يمكن القفز عنه

العدالة الانتقالية في سوريا ليست بنداً يمكن شطبه بحجة "أولوية الاقتصاد" أو "ضرورة الاستقرار". من دون عدالة، يبقى الاستقرار هشّاً، وتبقى الدولة مهددة بالانفجار من داخلها في أول أزمة جديدة.

بعد عام على سقوط النظام السابق، الصورة معقّدة: إعلان دستوري يحتوي على إشارات مهمة، وهيئات تأسست باسم العدالة الانتقالية والمفقودين، ورؤى مفصّلة من منظمات حقوقية، لكن المسار نفسه لم يبدأ بعد كما يجب. ما زال المطلوب إرادة سياسية حقيقية، واستقلال فعلي للهيئات، وقضاء قوي، وقدرة على الاعتراف بكل الضحايا، لا ضحايا طرف واحد فقط.

فالعدالة الانتقالية، في النهاية، ليست نصاً في مرسوم، بل عملية طويلة تتطلب شجاعة الاعتراف، وجرأة المحاسبة، وتواضع الإصغاء إلى من دفعوا الثمن الأغلى. من دون ذلك، ستبقى سوريا عالقة في منطقة رمادية: لا حرب كاملة، ولا سلم كامل، ولا عدالة تتيح لجيل جديد أن يعيش في بلد لا يخاف من ماضيه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

سوريا ليست خبراً عابراً.

مسؤوليتنا أن نحكي عنها باستمرار.

بدعمكم، رصيف22 يبقى حاضراً.

Website by WhiteBeard
Popup Image