من النفط إلى السلاح... استثمارات خليجية كبرى في شركات الدفاع الأوروبية

من النفط إلى السلاح... استثمارات خليجية كبرى في شركات الدفاع الأوروبية

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 2 ديسمبر 202510 دقائق للقراءة

على مدار عقود طويلة كانت - وما زالت - دول الخليج العربي مجرد مشترٍ للسلاح في سوق الدفاع العالمي، لكن السنوات القليلة الماضية شهدت تحولاً ملحوظاً تمثل في اتجاه عدد من الكيانات التابعة لها إلى الاستثمار في منظومة الدفاع الأوروبية، من خلال ضخ مليارات الدولارات في بعض الشركات، والاستحواذ على أسهم شركات أخرى، بل والتسويق لبعض المنتجات الدفاعية باعتبارها منتجاً خاصاً بالكيانات الخليجية.. فما أسباب هذا التحول، وكيف يمكن قراءته في ظل المعطيات السياسية الراهنة؟

استثمارات واستحواذات وشراكات

تزايدت استثمارات الكيانات الخليجية في منظومة الدفاع الأوروبية منذ عام 2022 تقريباً. وبحسب تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، تعد شركة "إيدج" الإماراتية اللاعب الأكثر نشاطاً في هذا المجال، وبدلاً من التركيز على كبرى شركات تصنيع المعدات الأصلية في الأسواق الأوروبية الكبيرة أصبحت تستهدف الشركات الأصغر.

ويبدو أن الاستثمارات الإماراتية سرّعت جهود البحث والتطوير وعززت الإنتاج بالشركات الأوروبية. على سبيل المثال، افتتحت شركة "ميلريم" الإستونية منشأة جديدة في عام 2024، مما ضاعف من طاقتها الإنتاجية خمسة أضعاف، كما افتتحت شركة "أنافيا" مقرًا جديداً ومركزاً للبحث والتطوير في سويسرا عام 2025، مما وسّع نطاق عملياتها.

ويذكر التقرير، أن "إيدج" خصصت بضعة مليارات من الدولارات للاستثمار في شركات دفاع تركية، كما استثمر صندوق التنمية الاستراتيجية التابع لها في أربع شركات أوروبية أخرى وشركات ناشئة.

منذ 2022 توسّعت استثمارات الخليج في قطاع الدفاع الأوروبي، لكن الرقم الأعلى من نصيب الإمارات عبر شركة "إيدج" التي استحوذت على شركات صغيرة لتسريع البحث والإنتاج. مع شراكات واسعة في إستونيا، سويسرا، إسبانيا، المجر، بهدف دخول قائمة أكبر 10 شركات دفاع عالمياً بحلول 2030

وتتماشى هذه الخطوات مع طموح الشركة الإماراتية للوصول إلى مرتبة بين أكبر عشر شركات دفاعية في العالم بحلول عام 2030، مما يشير إلى أن المزيد من عمليات الاستحواذ من المرجح أن تُسرّع نموها وتوسع نطاق وصولها إلى الأسواق الأوروبية.

وإلى جانب الاستثمارات والاستحواذات، تُعمّق "إيدج" حضورها الأوروبي من خلال سلسلة من الشراكات. على سبيل المثال، أبرمت ""KATIM، وهي شركة تابعة لها متخصصة في الاتصالات الآمنة، شراكة مع شركة "إندرا سيستيماس" الإسبانية لتزويد إسبانيا وأسواق أخرى في حلف شمال الأطلسي "الناتو".

وفي إسبانيا أيضاً، وقّعت شركة "نمر"، المُصنّعة للمركبات المُدرّعة والتابعة لـ"إيدج"، مذكرة تفاهم مع مجموعة "EM&E" لإنتاج مركبات مُدرّعة سداسية الدفع، يشير التقرير.

وفي المجر، أعلنت "إيدج" في 2025 عن شراكة مع شركة "4IG SDT" لتقييم إمكانية إنشاء مركز إقليمي للحلول المتقدمة غير الفتاكة. كما تُخطط الشركتان لتطوير وتوطين وتسويق نظام الدفاع الجوي "SkyKnight" وعائلة Shadow"" من الذخائر، وحلول "Vega" وOrion"" للتحكم في الحركة الجوية غير المأهولة. واتفقت الشركتان أيضاً على التطوير المُشترك للطائرات غير المأهولة "UAVs" وأنظمة مُضادة للطائرات بدون طيار، وكذلك تقنيات الفضاء.

الأمر كذلك بالنسبة إلى السعودية، وإن لم يكن بنفس الدرجة، حيث استحوذت مجموعة "نيو سبيس" السعودية على طائرة UP42 من شركة إيرباص الفرنسية، بينما يدرس صندوق الاستثمارات العامة الاستحواذ على وحدة هياكل الطائرات التابعة لشركة "ليوناردو" الإيطالية. وبحسب التقرير، تناقش السعودية أيضاً المشاركة في المراحل اللاحقة من برنامج القتال الجوي العالمي "GCAP"، وهو مبادرة مقاتلات الجيل السادس التي تقودها المملكة المتحدة واليابان وإيطاليا.

وفي قطر، أسست شركة برزان القابضة عدة مشاريع مشتركة مع شركات أوروبية، رغم أن بعضها، مثل شركة "بي كيه سيستمز" البريطانية، يبدو أنه تعثر.

تضييق أمريكي وخيارات خليجية

يرى رئيس مركز الدراسات العربية الأوراسية الدكتور أحمد دهشان، أن توجه دول الخليج للاستثمار في شركات الدفاع الأوروبية يرتبط بالأساس بشعور هذه الدول بالتضييق عليها من الولايات المتحدة الأمريكية في الحصول على بعض الأسلحة المتطورة، خصوصاً مع التزام الرؤوساء الأمريكيين بالتشريع الخاص بالتفوق النوعي الاستراتيجي الإسرائيلي على دول المنطقة.

ويشرح دهشان لرصيف22، أنه كثيراً ما كانت تطلب دول الخليج أسلحة متطورة وتعلن استعدادها لدفع تكلفتها بشكل كامل، وبلا تسهيلات، لكنها لا تحصل عليها لأسباب سياسية، وفي نفس الوقت لا تستطيع الحصول عليها من روسيا أو الصين تفادياً للتصادم مع أمريكا.

بالإضافة لصعوبة اللجوء لروسيا أو الصين، هناك القيود الأمريكية على تصدير الأسلحة المتطورة للخليج بسبب قانون الحفاظ على التفوق الإسرائيلي. لذا يبدو سعي الخليج للاستثمار في شركات الدفاع الأوروبية هو الأنسب.

ومن هنا، باتت هذه الدول تبحث عن حلول لمعادلة مفادها كيف يمكن أن تحصل على سلاح متطور يكون وفق المنظومة الغربية التي جرت عليها التدريبات ويستطيع العسكريون الخليجيون استيعابها، وفي الوقت عينه لا تصطدم مع الولايات المتحدة الأمريكية وتكنولوجيتها. لذا، وكما يقول دهشان، كان الخيار الأوروبي مناسباً أفضل من الخيارين الصيني والروسي المخالفين تماماً لأنماط تسليح دول الخليج، فضلاً عن أن اللجوء لهاتين الدولتين قد يوجد مشكلات مع الولايات المتحدة.

وبرأي دهشان، تبرز أهمية هذه الشراكات مع اتجاه دول الخليج، خصوصاً مع القادة الشباب الجُدد، مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، وتميم بن حمد آل ثان في قطر، إلى فكرة توطين الصناعة وتحويل بلادهم إلى مركز لتصنيع بعض أنواع الأسلحة، وظهر ذلك بوضوح مع دولة الإمارات التي دخلت مجال الصناعات العسكرية وبدأت التصدير لبعض بلدان المنطقة وإفريقيا ودول العالم المختلفة.

لماذا أوروبا الشرقية؟

لكن الملاحظ هو اتجاه بعض الكيانات الخليجية إلى الاستثمار في بعض دول أوروبا الشرقية مثل إستونيا والمجر. يفسر دهشان ذلك بأن هذه الدول تتميز بأسلحة تتوافق مع النمط الغربي، وفي نفس الوقت سهلة الاستخدام ورخيصة الثمن ومؤثرة، نتيجة علاقة هذه الدول القديمة بالنمط الشرقي لكونها كانت جزءاً من الكتلة الشرقية، ولذلك فإن الدخول معها في شراكات أو استثمارات يحقق أهدافاً عديدة.

وفي ظل اختلاف وتعدد المهام العسكرية، تحتاج دول الخليج إلى أسلحة معينة تختلف عن الأسلحة المتطورة التي تستخدمها الجيوش، خصوصاً مع انتشار الميليشيات المُسلحة، ومن ثم تبرز الحاجة لأسلحة أكثر تاثيراً للتعامل مع الحروب غير النظامية، ومن ثم يمكن للمجر أو إستونيا أن توفر هذه التقنيات بدون أن يُحدث ذلك صداماً لدول الخليج مع الولايات المتحدة أو صداماً مع التكنولوجيا الغربية.

بيد أن هذه الشراكة لا تعود بالنفع فقط على دول الخليج، فالمجر وإستونيا تخطوان خطوات جادة وقوية في مجال التصنيع العسكري ذات النمط الغربي، لكنها تعاني من ضعف الاستثمارات والموارد المالية، ومن ثم فإن الدخول الخليجي لسوقيهما يساعد في تسريع التصنيع العسكري فيهما.

ويذكر الباحث في شؤون الإرهاب والأمن الدولي مجاهد الصمديعي، لرصيف22، أن الاستثمار الخليجي في شركات الدفاع الأوروبية ليس "موضة مالية" عابرة، بل حلقة ضمن مسار أعمق يتضمن انتقال دول الخليج من نموذج الدولة الريعية المستوردة للسلاح إلى نموذج يسعى لبناء قاعدة صناعية دفاعية وطنية متكاملة مع الاقتصاد العالمي، وقادرة على إنتاج المعرفة والتكنولوجيا لا استهلاكها فقط.

يبدو أن ثمار شراكات الخليج مع دول أوروبا الشرقية قد أينعت سريعاً. فقد وقّعت "إيدج" اتفاقاً يتيح تزويد المجر ببنادق "كاراكال"، في أول تعاون من نوعه مع دولة في الناتو، كما عرضت في "آيدكس 2025" مركبة "هافوك" المطوّرة بدعم إستوني بعد استحواذها على "ميلريم روبوتيكس"

وفي المقابل، تجد أوروبا في رأس المال الخليجي شريكاً ضرورياً لتمويل طفرة تسلّح وابتكار فرضتها الحرب في أوكرانيا وتغيّر البيئة الأمنية الدولية. وبين الخليج الذي يبحث عن التكنولوجيا، وأوروبا التي تبحث عن التمويل والأسواق، تتشكّل تدريجياً خريطة جديدة لصناعة السلاح، يكون فيها المستثمر الخليجي لاعباً في "غرفة التحكم" لا مجرد اسم على قائمة المشتريات، يقول الصمديعي.

ويرى الصمديعي أن توجه الاستثمارات الخليجية إلى دول مثل إستونيا والمجر بدلاً من الاقتصار على فرنسا وألمانيا يعود بالأساس للمرونة السياسية التي تتمتع بها دولتا شرق أوروبا وقدرتهما على السماح باستحواذات أوسع، إضافة إلى تقدمهما في بعض التقنيات مثل الروبوتات والدفاع السيبراني، فضلاً عن تقديمهما بوابة دخول هادئة إلى الصناعة الدفاعية الأوروبية مقارنة بالقيود المُشددة في دول أوروبية كبرى.

نتائج سريعة

ويبدو أن ثمار شراكات الخليج مع دول أوروبا الشرقية قد أينعت وأتت أُكُلها سريعاً. على سبيل المثال. وقّعت "إيدج" خطاب نوايا مع المجر، تزود بموجبه الإمارات الجيش المجري ببنادق قنص من طراز "كاراكال"، وهي المرة الأولى التي تزود فيها "إيدج" دولة عضواً في حلف شمال الأطلسي بمثل هذه الأنظمة، بحسب تقرير منشور لمركز "ستيمسون" للدراسات.

وفي معرض "آيدكس 2025" عُرضت مركبة القتال الروبوتية هافوك 8x8 (RCV). ويذكر التقرير، أن هذه المركبة طُوّرت بمساعدة شركة ميلريم روبوتيكس الإستونية التي استحوذت "إيدج" على أغلبية حصصها عام 2023.

وفي المعرض عينه، قُدم أحدث طراز من طائرة "سينيار بدون طيار"، والتي يُجرى تطويرها كمنصة متعددة الأدوار لمهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والقتال. وبحسب التقرير، استطاعت شركة "إيدج" عرض هذا المشروع بفضل استحواذها على حصة 50% في شركة فلاريس البولندية لصناعات الطيران والفضاء في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وقد عزز هذا الاستثمار قدرات الشركة الإماراتية في تصميم وإنتاج الطائرات.

ولكي يُكتب لهذه الشراكة النجاح والاستمرارية، أشار تقرير منشور بموقع "ديفينس بوست" إلى ضرورة أن تسعى دول الخليج إلى إبرام اتفاقيات منظمة بين الحكومات تسمح بالاستثمار المشترك في برامج الدفاع الكبرى متعددة الجنسيات، مثل الدبابات من الجيل التالي، أو الطائرات، أو أنظمة الدفاع الجوي المتكاملة. وينبغي أيضاً أن يكون الهدف هو إقامة شراكة صناعية طويلة الأجل مع شركات تصنيع المعدات الأصلية من الدرجة الأولى في أوروبا، وليس مجرد الاستحواذ على الأسهم.

ورغم ذلك، يبرز عدد من التحديات التي تواجه هذه الشراكات وقد تقوّضها. يذكر التقرير، أن الشركات والهيئات التنظيمية الأوروبية تتوخى الحذر بشأن دخول رأس المال الأجنبي إلى القطاعات الاستراتيجية، مما يستلزم من المستثمرين الخليجيين تقديم أكثر من مجرد المال، إذ يتعين عليهم أن يقدموا خططاً صناعية ذات صدقية، وحوكمة شفافة، والتزامات طويلة الأجل.




رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image