عُرضا قبل السابع من أكتوبر… مسلسلان إسرائيليان كشفا تفجيرات

عُرضا قبل السابع من أكتوبر… مسلسلان إسرائيليان كشفا تفجيرات "البيجر" والمسيّرات قبل سنوات

مدونة نحن والتطرف

الخميس 20 نوفمبر 20256 دقائق للقراءة

لا أنكر أنني لست من محبّي متابعة الأفلام أو المسلسلات، ليس كرهاً بها، وإنما لعدم قدرتي على الجلوس لأكثر من عشرين دقيقةً متواصلةً في المكان عينه. ربما يكون لديّ فرط نشاط حركي لم أكتشفه بعد، إلا أنّ الفضول يبقى أقوى من أي شي آخر، فضول نحو الاطلاع واكتشاف المزيد عن كل شيء، وفي مقدّمها العقل الإسرائيلي .

عندما أقول إن ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ليس كما بعده، لا أقصد فقط المجريات السياسية والعسكرية في المنطقة، المصحوبة بجنون إسرائيلي والمغطاة بمظلّة أمريكية، وإنما أيضاً تغيّراً في نظرتنا إلى الكثير من الأمور، وربما هذه الأحداث دفعتنا وستدفعنا لطرح الكثير من علامات الاستفهام، على عشرات القضايا التي سنشهدها في الحاضر والمستقبل، لكيلا نبقى نطرح علامات التعجب ونعيش الصدمة.

هذه الحرب دفعتني من باب الفضول للاطلاع على مسلسلات إسرائيلية عدة، وهنا سأتوقف عند مسلسلَين فقط، هما "فوضى" و"طهران".

أعمال ضخمة لتقول ماذا؟  

"فوضى" مسلسل تم بثه على "Netflix" عام 2016، يحكي عن فرقة المستعربين الإسرائيلية التي تنفّذ مهمات أمنيةً في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، وتحقق إنجازات "نوعيةً". 

أما "طهران"، الذي بثته منصة "apple tv+" في عام 2020، فيتحدث عن عمل الموساد الإسرائيلي في العاصمة طهران، وكيف ينشط ويعمل على الأراضي الإيرانية.

لن أدخل في الكثير من التفاصيل لأنني لن أشرّح المسلسلين، فقد كُتب عنهما الكثير، لكن هنا سأتوقف قليلاً عند ردة فعل الإعلام المناهض للاحتلال، وكيف تعامل مع هذين العملين الضخمين.

يحكي "فوضى" (2016) عن فرقة المستعربين الإسرائيلية التي تنفّذ مهمات أمنيةً في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحقق إنجازات "نوعيةً". أما "طهران" (2020) فيتحدث عن عمل الموساد الإسرائيلي في العاصمة طهران… فهل تناولا ما وقع قبل وقوعه؟

في أحد اللقاءات مع صديقين فلسطينيين عزيزين سألتهما: هل شاهدتما مسلسل "فوضى"؟ أجابني الأول بالإيجاب، وقال: شاهدت الحلقة الأولى ولم أكمله. فسألته لماذا؟ قال: لأنه يظهّر أننا نتاجر بقضيتنا وأننا شعب يبيع نفسه أمام المال. أما الثاني، فأجاب بالنفي نفياً قاطعاً، وقال لي: هل يُعقل أن أشاهد إنتاجاً إسرائيليّاً؟ وماذا ستقول إسرائيل عنا غير أننا إرهابيون؟ 

بدوره قال لي صديق آخر لبناني: لم ولن أحضر "فوضى" ولا أي إنتاج للاحتلال، لأننا ببساطة نكون قد ساهمنا في زيادة المشاهدة لهذه الأعمال التي تسيء إلينا، وتخدم سردية الاحتلال.

هذه الأجوبة تركت في نفسي صدمةً كبيرةً، صدمة لشعب لا يعرف ماذا يقول عدوّه عنه، ولا ماذا يروّج على المنصات العالمية التي يحضرها الملايين من البشر، من مختلف الدول والقوميات والثقافات يومياً، وأي رواية ينتهجها المحتل عنه.

منذ ذلك الحين، كنت لا أزال تحت الصدمة، وكلما هممت بالكتابة عن المسلسلَين كان هناك شيء يمنعني، حتى بدأ الإعلام المناهض لإسرائيل بالكتابة عنهما، وكل هذه الكتابات كانت قبل السابع من أكتوبر. حينها قلت في سرّي: أمر جيّد أن تكون هناك متابعة لهذه الأعمال من أجل الوقوف على حقيقتها. 

إلا أن معظم ما قرأته ناقش القشور وترك الجوهر. فعلى سبيل المثال، جرى التهكم على مكان تصوير مسلسل "طهران" بحجة أنّ أثينا العاصمة اليونانية التي تم تصوير المسلسل فيها لا تشبه العاصمة الإيرانية طهران، وأنّ تحرّش مدير شركة الكهرباء بموظفته أمر سخيف ولا يصدّق، وأنّ المخرج يتحدث عن قصص خيالية من ناحية عمل الموساد في إيران بحرّية، فضلاً عن استحالة الدخول إلى دوائر الحرس الثوري الإيراني وخرقها، استناداً إلى ما كان يروّج له الإعلام قبل الحرب.

أما الطامة الأكبر، فكانت التعليق على مسلسل "فوضى"، من قبيل أنه يبالغ في الحديث عن العمليات الإسرائيلية الداخلية والخارجية، وأنه يركز فقط على استعراض القوة العسكرية وحتى القوة الشخصية لعناصر المستعربين الإسرائيليين.

هذا التهكم من قبل الإعلام المعادي لإسرائيل، جعله يغضّ الطرف عن مشاهد عرضها مسلسل "فوضى" وتحكي عن قدرة الإسرائيلي على تتبع أهدافه من خلال المسيّرات واستهدافها بدقة عالية، ولم ينتبه هذا الإعلام إلى تتبع المقاومين من خلال الهواتف المحمولة، وكشف أماكنهم، والوصول إليهم بسرعة كبيرة عبر عمليات خاطفة وبتغطية من المسيّرات. ولم يُعِر اهتماماً لعمليات فرقة المستعربين خلف خطوط (العدو) في غزة والضفة واغتيالها كبار القادة في المقاومة.

أما في مسلسل "طهران"، فلم ينتبه من كتبوا المقالات والمراجعات إلى تفخيخ الهواتف وتفجيرها بالمسؤولين، تماماً كما حصل في تفجير أجهزة البايجر برجال المقاومة في لبنان، ولم يتنبّهوا أيضاً إلى زرع أجهزة التنصت في بيوت المسؤولين الإيرانيين أو خرق دوائر القرار عبر جاسوسة بريطانية، أو نشاط الخلايا التابعة للموساد داخل الشقق السكنية في طهران.

سألت صديقَين فلسطينيَّين: هل شاهدتما مسلسل "فوضى"؟ أجابني الأول بالإيجاب، وقال: شاهدت الحلقة الأولى ولم أكمله. فسألته لماذا؟ قال: لأنه يظهّر أننا نتاجر بقضيتنا وأننا شعب يبيع نفسه أمام المال. أما الثاني، فأجاب بالنفي وقال لي: هل يُعقل أن أشاهد إنتاجاً إسرائيليّاً؟

هذه الإشارات كلها أرسلها الجانب الإسرائيلي صراحةً وعلانيةً ودون أيّ مواربة قبل اندلاع أحداث السابع من أكتوبر بسنوات، وقد طبّقها بحذافيرها في حروبه على غزة ولبنان وإيران، بمعنى أنّ الإسرائيلي أفصح عن بعض ما كان يخبّئه لنا في جعبته، ليجعلنا نخشى مجرّد التفكير في خوض حرب ضده.

هذه الأحداث كلها تدفعنا إلى التساؤل: هل شارك إعلامنا في تضليلنا عبر تسخيف ما يحيكه الاحتلال؟ أو أنه وقع ضحية الإنكار من أجل عدم هدم العزائم لدى الجمهور الذي عوّده على الحماسة؟ 

في كلتا الحالتين، هذا الإعلام وقع في خطأ قاتل، فالتهكم في هكذا قضايا ربما ساهم في جلب الكوارث، إذ ربما كان الأجدى أن يشرّح عبر مختصّين حقيقيّين هذه الأعمال، وأن يحذّر من خطورة ما يحاك، وخطورة ما يخبّئه الاحتلال من قدرات تكنولوجية وأمنية وعسكرية كبيرة.

اليوم، ومع انطلاق تصوير الجزء الخامس من "فوضى" والجزء الرابع من "طهران"، بكل تأكيد سيتناول العملان حروب غزة ولبنان وإيران، فماذا سيكتب هذا الإعلام؟ هل سيتهكم على الاحتلال مجدداً ليضلّل الناس مرّةً أخرى؟ أو أنه تعلّم الدرس من الحرب الأخيرة، وأدرك أنّ الإعلام ليس فقط الشاشة التي تبثّ، وإنما العين التي ترى، وجرس الإنذار الذي يُقرَع، ليحذّر من أي كارثة محتملة، وإلا فسيكون هذا الإعلام شريكاً في الجريمة من جديد، علِم بذلك القائمون عليه، أو لم يعلموا.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

من 12 سنة لهلّق، ما سايرنا ولا سلطة، ولا سوق، ولا تراند.

نحنا منحازين… للناس، للحقيقة، وللتغيير.

وبظلّ كل الحاصل من حولنا، ما فينا نكمّل بلا شراكة واعية.


Website by WhiteBeard
Popup Image