أداة القتل الأكاديمية… دور الجامعات الإسرائيلية في مشاريع الاحتلال والإبادة

أداة القتل الأكاديمية… دور الجامعات الإسرائيلية في مشاريع الاحتلال والإبادة

سياسة نحن والتطرف

الأربعاء 8 أكتوبر 20258 دقائق للقراءة

لم يكن العام 1948 مجرد تاريخ تأسيس إسرائيل، أو نقطة انطلاق لعملية بناء دولة بما تشمله من مؤسسات وإدارات وغيرها فحسب، إذ سبق ذلك إنشاء المؤسسات التعليمية، التي تُعدّ ركائز أساسيةً هناك، ويعود تاريخ تأسيس عدد من الجامعات والمعاهد الإسرائيلية الحالية إلى ما قبل عام 1948، بدعم من الحركة الصهيونية وتمويل من يهود العالم، مثل معهد "التخنيون" و"وايزمان" و"الجامعة العبرية في القدس".

ارتبطت الجامعات الإسرائيلية بمشروع تأسيس الدولة منذ انطلاقتها، ولعلّ هذا الارتباط يظهر بشكل واضح في مجال القدرات العسكرية، حيث تلعب هذه الجامعات دوراً مهماً في تزويد الحكومة والجيش بالتقنيات والأبحاث التي يحتاجانها لتطوير الجانب العسكري.

معهد "التخنيون" على سبيل المثال، من أوائل المؤسسات التعليمية اليهودية التي أُنشئت في فلسطين عام 1912، ويُعدّ من أفضل المؤسسات في مجال العلوم والتكنولوجيا. 

غير أنّ هذا المجال ليس الوحيد الذي تقدّم فيه الجامعات الإسرائيلية مساهماتها في تكريس الفصل العنصري في الداخل الفلسطيني، والاحتلال في بقية فلسطين، فهناك جوانب أخرى غير مباشرة ولكنها مؤثرة بشكل كبير في هذا المشروع.

فصل عنصري دقيق 

أعلنت الجامعة العبرية في القدس، في الصفحة الخاصة بالإثراء العام والبرامج الأكاديمية على موقعها، أنّ أعضاء هيئة التدريس في قسم علم النفس ناشطون في مجموعة متنوعة من الهيئات العامة، وتشمل أنشطتهم تقديم الدعم التعليمي والنفسي والمادي للأطفال الذين أُبعدوا عن منازلهم من قبل خدمات الرعاية الاجتماعية بعد تعرّضهم لإساءة شديدة أو إهمال أو مأساة. لكن هل تتحقق هذه الأهداف فعلاً أو يتم استخدامها كغطاء لسياسات دولة الاحتلال؟

تشير صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، إلى تقرير صادر عن جمعية "سيكوي" عام 2010، يفيد بأنّ الأطفال المعرّضين للخطر في المجتمع العربي أقل حصولاً على المساعدة من خدمات الرعاية الاجتماعية مقارنةً بالأطفال اليهود في أوضاع مشابهة.

ساهمت الجامعة العبرية في تعزيز السياسات العنصرية تجاه الفلسطينيين في الداخل، من خلال موقعها الجغرافي في القدس الشرقية، ونهبها لمكتبات الفلسطينيين، لتصبح شريكاً في ترسيخ العنصرية والتمييز البنيوي

ويورد التقرير أنّه يتم التعرف على 70% من الأطفال اليهود في الأسر الفقيرة من قبل سلطات الرفاه المعنية برعاية الأطفال المعرضين للخطر، مقابل نحو 30% فقط من الأطفال العرب في الأسر الفقيرة. كما وجد الباحثون أنّ توزيع مكاتب المساعدة القانونية للمجتمع العربي غير كافٍ ولا يلبّي احتياجات هذا المجتمع.

وفي هذا السياق، ردّت المتحدثة باسم وزارة الرفاه، التي كان يرأسها آنذاك الوزير إسحاق هرتسوغ (الرئيس الحالي لدولة الاحتلال)، على التقرير بالقول إنّ الوزارة تهدف إلى تقليص الفجوات القائمة في النظام بين القطاعات اليهودية وغير اليهودية. وعليه، تكون الوزارة قد اعترفت بشكل غير مباشر بالتمييز الحاصل في تقديم الخدمات لليهود والعرب.

والجامعة العبرية في القدس تساهم بقوة في هذه السياسة التي لا تزال مطبّقةً حتى الآن، إذ صادق الكنيست في 25 آذار/ مارس الماضي على ميزانية الدولة لعام 2025، والتي تضمنت خفضاً كبيراً في التمويلات المخصصة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع العربي، وذلك ضمن سلسلة من الاقتطاعات التي حصلت عام 2024.

بالإضافة إلى ما سبق، يأتي موقع الجامعة العبرية في القدس ضمن سياق تنفيذ سياسة الاحتلال، فبحسب مقابلة نشرها موقع الصوت اليهودي من أجل العمالة، تشير الباحثة مايا ويند، التي خصصت كتاباً عن الجامعات الإسرائيلية ودورها في إنكار الحرية الفلسطينية، إلى أنّ موقع الجامعة يُعدّ من المواقع الإستراتيجية الإقليمية، حيث أُنشئت عمداً في جيبٍ ناءٍ بين القرى الفلسطينية، على جبل المشارف في شمال شرق القدس، المطلّ على المدينة، ومع توسع المشروع الصهيوني توسّع حرم الجامعة العبرية.

كما لعبت الجامعة دوراً محورياً في تعزيز السيطرة غير القانونية على القدس الشرقية. وتضيف الباحثة أنّ الجامعة نهبت كتباً من منازل ومكتبات الفلسطينيين، وتشكّل هذه الكتب المسروقة اليوم النواة الأساسية لمجموعة دراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية في القدس.

إنكار الإبادة الجماعية

تفتخر جامعة تل أبيب بأنها كانت حاضرةً، بشكل مباشر وغير مباشر، أمام محكمة العدل الدولية من خلال مساهمتها في الفريق الذي يمثّل إسرائيل للدفاع عنها في الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضدها بتهمة الإبادة الجماعية في غزة، ويمثّل الجامعة في الفريق البروفيسور إيال بنفنستي، الرئيس السابق لبرنامج الماجستير الدولي في القانون فيها. 

ساهمت جامعة تل أبيب في تبرير جريمة الإبادة الجماعية بل وإنكارها في محكمة العدل الدولية من خلال قيادة الفريق القانوني الذي يمثّل إسرائيل للدفاع ضد الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا.

وتضيف الجامعة أنه بينما كان بنفنستي يعمل وراء الكواليس، كان اثنان من خريجيها في الواجهة متحدّثَين أمام المحكمة، هما الدكتورة جاليت راجون والدكتور عمري سيندر.

نشرت جامعة تل أبيب، مرةً أخرى، على موقعها، في حزيران/ يونيو 2024، إعلاناً عن ندوة استضافها فريق حياة الطلاب الدوليين، تحدّث خلالها جنود إسرائيليون عن تجاربهم. وبحسب الإعلان، فإنها كانت فرصةً للمهاجرين الجدد لاكتساب رؤى تساعدهم على الاستعداد للتجنيد، بينما كانت لغيرهم فرصةً للتعرف أكثر على الحياة في إسرائيل وتبادل بعض القصص بين الجنود والطلاب الدوليين. كما تم تشجيعهم على اتخاذ خطوات للانخراط في الجيش، مثل تعلّم اللغة العبرية أو اتّباع نصيحة أخرى: "كن منفتح الذهن، وكن حاضراً، وكن جزءاً من المنظومة. افعل ما تحتاجه المنظومة منك". 

وأضافوا نصيحةً أخرى في السياق ذاته، تدعو إلى عدم الاكتراث بالدور الذي يؤدّيه الطالب: "يمكنك أن تكون جزءاً صغيراً، ومع ذلك تساهم بشكل مؤثر".

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هناك برامج خاصةً للجنود الإسرائيليين يتم من خلالها تقديم دعم لهم مثل المنح الدراسية وغيرها.

المساهمة في التطبيع الأكاديمي العربي

تعمل الجامعات الإسرائيلية على تصدير نفسها إلى العالم ليس فقط بسبب تقدّمها في العديد من المجالات، بل أيضاً كجزء من سياسة توسيع دائرة التعامل معها والتطبيع مع جامعات ومراكز أخرى، ولا سيّما في الدول العربية بشكل خاص. وتتركز في المجالات المتعلقة بالشمولية والتعددية اللغوية والتميّز، بالإضافة إلى مجال تبادل الطلاب، وينطبق الأمر ذاته على معظم الجامعات الإسرائيلية.

فعلى سبيل المثال، تمتلك جامعة حيفا عدداً من الاتفاقيات مع مؤسسات علمية في دول عربية، مثل مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي في البحرين، وتتضمن الاتفاقية برامج مشتركةً لتعزيز التسامح والتعايش بين اليهود والعرب، وتنمية القيادات الشابة. 

أما في المغرب، فهناك اتفاقيات بين جامعتَي القاضي عياض، تحت عنوان "الشبكة الأكاديمية حول الشمولية والتعدد اللغوي والتميز"، ومحمد السادس متعددة الاختصاصات، تحت عنوان "شركاء التبادل"، مع الجامعة العربية في القدس. 

وفي الإمارات، وقّعت جامعة زايد اتفاقيةً مع جامعة تل أبيب تشمل مجالات عدة، منها الاستفادة بشكل متبادل من الخبرات المشتركة والتفاعلات الثقافية.

من خلال التسويق لتقدمها العلمي، توظف الجامعات الإسرائيلية نفسها كأداة للتطبيع مع العالم العربي، على اعتبار أن التعاون الأكاديمي والثقافي يعلو فوق "الخلافات السياسية"، وذلك عبر اتفاقيات مع جامعات ومراكز في البحرين والمغرب والإمارات، مدعومةً باتفاقيات أبراهام، الأمر الذي يؤسس لتعاون أكبر في المستقبل

وقد لعبت اتفاقيات أبراهام للسلام دوراً في ذلك، حيث بنت الجامعات الإسرائيلية شراكات جديدة. وبعد عقد إحدى الاتفاقيات مع جامعة تل أبيب، قال رئيس المعهد والمدير التنفيذي روب غرينواي، عن هذه الشراكة، إنّ التبادلات الأكاديمية والحوار الإقليمي المعزّز أمران حيويان لمواصلة تطوير وتوسيع اتفاقيات أبراهام، كما أشار إلى دور الجامعة في تعزيز الروابط بين شعوب المنطقة. 

المقاطعة

في المقابل، شهدت حركة مقاطعة الجامعات الإسرائيلية في الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة تطوراً ملحوظاً بعد بدء الحرب على غزة. فعلى الرغم من أنها انطلقت عام 2004 من قبل الناشط الفلسطيني عمر البرغوثي، إلا أنها عادت إلى الواجهة في السنتين الماضيتين، ولم يكن لها أن تنشط لولا وجود دلائل تثبت اشتراك الجامعات الإسرائيلية في الحرب تحديداً، وفي سياسة الاحتلال الإسرائيلي بشكل عام. 

فبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، تواجه الجامعات في "إسرائيل" حركة مقاطعة مرتفعةً بنسبة 66%، حيث أُبلغ عن نحو 500 حادثة مقاطعة أكاديمية في النصف الأول من عام 2025.

لقد كان لآخر عامين دور أساسي في كشف شراكة الجامعات الإسرائيلية في مشروع الاحتلال، سواء في الضفة الغربية أو في غزة حالياً، شراكة باتت أوضح من أي وقت مضى بعد اندلاع حرب الإبادة على القطاع. 

فقد كان صاحب "خطة الجنرالات" التي اعتمدت عليها الحرب هو الجنرال جيورا إيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي والباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، وهي الخطة التي مثّلت المشروع الذي تمّت بمقتضاه مهاجمة المدنيين بمن فيهم مديري المستشفيات ومديري المدارس وسكان غزة جميعهم. 




رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image