التقارب المصري التركي... لماذا الآن؟ ولماذا بهذه السرعة؟

التقارب المصري التركي... لماذا الآن؟ ولماذا بهذه السرعة؟

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 18 نوفمبر 202515 دقيقة للقراءة

تحت عنوان "التحالف الجديد الذي يُقلق إسرائيل"، سلّطت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، الضوء مؤخراً على التقارب اللافت في العلاقات بين مصر وتركيا، والتي أصبحت أقرب من أي وقت مضى على حد وصفها، مشيرةً إلى مكانة البلدين كلاعبين رئيسيين في تشكيل واقع الشرق الأوسط الجديد، وما يُشكّله تحالفهما من مصدر قلق لإسرائيل في الوقت الراهن.

التقارب المصري التركي بدا لافتاً في الأشهر الأخيرة، بعد سنوات من القطيعة امتدت لأكثر من عقد من الزمن، وبالتحديد منذ سقوط نظام الرئيس المصري السابق محمد مرسي، والذي كانت تنظر إليه أنقرة على أنه أقرب حلفائها في المنطقة إليها، عقب مظاهرات شعبية ساندها الجيش في 30 حزيران/ يونيو 2013، وما أعقب ذلك من تجميد للعلاقات وحرب إعلامية شرسة وصدامات في ملفات إقليمية مختلفة، قبل أن تأتي المصافحة الرئاسية المصرية التركية على هامش افتتاح مونديال قطر في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، لتُذيب الجليد وتعلن انطلاق قطار التطبيع بين البلدين.

عودة العلاقات

تصافُحُ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في العاصمة القطرية الدوحة، كان بداية العودة إلى الوضع الدبلوماسي الطبيعي بين أنقرة والقاهرة، بعدما أعلن الجانبان في الرابع من تموز/ يوليو 2023، تبادل السفراء للمرة الأولى منذ عشرية القطيعة.

وفي شباط/ فبراير 2024، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زيارةً هي الأولى له إلى القاهرة منذ 2012، قبل أن يعاود نظيره المصري زيارة أنقرة في أيلول/ سبتمبر من العام ذاته، والتي شهدت تأسيس ما يُعرف بـ"مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى"، لينطلق مسار جديد للعلاقات بين البلدين، شهد تقارباً ملموساً ولافتاً في الأشهر الأخيرة، وصل إلى مرحلة استدعاء القلق الإسرائيلي.

تقارب متسارع

وفي حين برز مشهد حضور رئيسَي البلدين في توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، في مدينة شرم الشيخ المصرية، كوسيطين، فإنّ الأيام الأخيرة شهدت وصول وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، إلى العاصمة التركية أنقرة في زيارة هي الثالثة له خلال العام الجاري.

ما السرّ وراء التقارب المصري التركي المتسارع، والحراك النشط الذي يشهده مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، والتوافقات بينهما في أكثر من ملف إقليمي كغزة والسودان؟ وما طبيعة المصالح التي تجمع القاهرة وأنقرة بعد سنوات القطيعة والصدام؟

وفي انعكاس لحجم التقارب المتسارع بين البلدين، استهل عبد العاطي الزيارة بعقد الاجتماع الأول لمجموعة التخطيط المشتركة بين وزارتي الخارجية المصرية والتركية، إلى جانب نظيره التركي هاكان فيدان، ووسط مشاركة رفيعة من مسؤولي الجانبين، في خطوة أعقبت إبرام عدد من الاتفاقيات في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، وبعد أسابيع قليلة من تنفيذ أول مناورات عسكرية مشتركة منذ 13 عاماً في أيلول/ سبتمبر الماضي.

التقارب المصري التركي المتسارع، والحراك النشط الذي يشهده مسار العلاقات الثنائية، والتوافقات في أكثر من ملف إقليمي كغزة والسودان، ومشاركة أنقرة في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة كوسيط إلى جانب القاهرة، وما أعقب ذلك من قلق إسرائيلي، تدفع للتساؤل عن الأسباب التي تقف وراء هذا التقارب والسر وراء صعوده بهذه السرعة في فترة وجيزة، وطبيعة المصالح التي تجمع البلدين بعد سنوات القطيعة والصدام.

تقارب براغماتي

يرى المستشار في الأمن القومي والعلاقات الدولية، اللواء محمد عبد الواحد، أنّ التقارب المصري التركي "براغماتي" انطلاقاً من "مصالح مشتركة" بين البلدين بحسابات الربح والخسارة، عادّاً أنّ عام 2020 كان بداية هذا التقارب عبر تنسيق استخباراتي ليتطور بمرور السنوات الأخيرة وصولاً إلى تبادل الزيارات على المستوى الرئاسي.

يضيف عبد الواحد، في حديثه إلى رصيف22، أنّ المصالح الاقتصادية والتجارية بين البلدين لم تنقطع في سنوات القطيعة، مفسّراً التقارب المتزايد بشكل واضح في الآونة الأخيرة بتشابه ظروف البلدين اللذين يعانيان من أزمات اقتصادية وتضخّم مرتفع، بالإضافة إلى تهديد إسرائيلي "متغوّل" يمسّ مصالحهما ومناطق نفوذهما كغزة وسوريا ولبنان.

وقف أطماع إسرائيل

"البلدان هما الأقوى في العالم الإسلامي، وبحاجة إلى توحيد الرؤى، وكل طرف يسعى إلى الاستقواء بالطرف الآخر"، يستطرد الخبير في شؤون الأمن القومي، مشيراً إلى أنّ القاهرة وأنقرة تسعيان إلى وقف طموحات إسرائيل التمددية في المنطقة، وتشكيل تحالف رادع لأطماع تل أبيب المنتعشة بالدعم الأمريكي المفتوح.

وعن الأسباب وراء سرعة صعود التقارب المصري التركي، يقول عبد الواحد: "ضربات تل أبيب لإيران وحديث مسؤولي إسرائيل عمّا يُعرف بإسرائيل الكبرى والخرائط التوسعية الصهيونية التي تم الكشف عنها في مجلس الأمن، والأطماع في الجنوب اللبناني وسوريا وكذلك غزة على الحدود المصرية، جميعها كانت جرس إنذار أثار قلق وحفيظة كلّ من القاهرة وأنقرة". ويؤكد عبد العاطي أنّ إسرائيل سبب رئيسي وراء سرعة المقاربة وطي خلافات الماضي.

يتطرق عبد الواحد، إلى التعاون العسكري اللافت بين البلدين في السنوات الأخيرة، والذي وصل إلى مرحلة إجراء أول مناورة عسكرية بعد توقف دام 13 عاماً، مؤكداً أنّ القاهرة اشترت مسيّرات "بيرقدار تي بي 2"، وهناك مباحثات -لم تُحسم بعد- لمشاركة القاهرة في برنامج صناعة المقاتلة الشبحية التركية من الجيل الخامس "كآن-KANN"، ما يعكس حجم الثقة المتبادلة، ومساعي البلدين إلى الاستفادة من قدرات بعضهما بعضاً.

وسبق أن أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، قبيل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة، في شباط/ فبراير 2024، موافقة بلاده على تزويد مصر بطائراتها المسيّرة المتطورة "بيرقدار تي بي 2"، في خطوة عُدّت نهاية القطيعة وبداية التطبيع.

"مصر وتركيا هما الأقوى في العالم الإسلامي، وبحاجة إلى توحيد الرؤى، وكلّ منهما يسعى إلى الاستقواء بالآخر"... فهل ينجحان في تشكيل تحالف رادع لأطماع إسرائيل في المنطقة؟

وفيما لفت التعاون العسكري المتبادل انتباه الكثير من المحللين والمهتمين بمنطقة الشرق الأوسط، يتوقع خبير العلاقات الدولية، أن تصل القاهرة وأنقرة إلى مرحلة "العلاقات الإستراتيجية والتحالف" بحلول العام المقبل 2026، والمُنتظر أن يشهد في ربعه الأول قمة "مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى" لرئيسَي البلدين في نسختها الثانية، عادّاً أنّ التقارب في طريقه إلى زخم أكبر في الفترة المقبلة.

لا يمكن تجاوز القاهرة

بدوره، يعزو الكاتب والمحلل السياسي محمد زاهد غول، أسباب التقارب المتسارع بين أنقرة والقاهرة، إلى إدراك الطرفين أنّ استمرار الخصومة يكلّف أكثر مما يفيد، وأنّ مصر -بحكم مركزيتها الجيوسياسية وسيطرتها على قناة السويس وثقلها العربي- هي الطرف الذي لا يمكن لإقليم الشرق الأوسط أن يستقر من دون مشاركته. 

ويضيف غول، في حديثه إلى رصيف22، أنّ تركيا وصلت إلى قناعة بأنّ أيّ ترتيبات تخصّ غزة وشرق المتوسط والسودان والبحر الأحمر، لا يمكن أن تتم من دون مصر، فيما رأت القاهرة أنّ التعاون مع قوّة كتركيا يعزّز قدرتها على إدارة الملفات الإقليمية بكفاءة أكبر، خصوصاً في ظل التحولات التي أحدثتها حرب غزة وتغيرات ميزان القوى في البحر الأحمر والشرق الأوسط عموماً.

ويُعدّ ملف غزة أحد أهم محاور التنسيق التركي المصري، عبر مشاركة الدولتين كوسيطتين في اتفاق وقف إطلاق النار، وتأكيدهما مؤخراً على رؤية متطابقة داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة، في الوقت الذي أكد وزير الخارجية التركي دعم بلاده الكامل للمؤتمر الدولي لإعادة إعمار القطاع الفلسطيني المقرر عقده في مصر خلال الفترة المقبلة.

مصالح مشتركة

وعن المصالح التي جمعتهما في مناطق التشابك، يقول محمد زاهد غول، إنّ مصر وتركيا أدركتا أنّ أيّ تسوية في ليبيا لا يمكن أن تُبنى على إقصاء أي منهما، وأنّ استقرار ليبيا يتطلب تنسيقاً أمنياً وسياسياً بين القوتين الأكثر تأثيراً على الأرض. وفي شرق المتوسط، مصر تملك الموقع الاقتصادي المركزي والبنية التحتية للغاز المسال، بينما تركيا تملك العقدة البرية البحرية لطاقة الأناضول، وهذا يجعل التعاون بينهما ضرورةً وليس خياراً. أما في القرن الإفريقي، حيث تتقاطع مصالحهما في البحر الأحمر والموانئ وخطوط الملاحة والأمن الإقليمي، فأصبح التنسيق بينهما مطلوباً لحماية التجارة الدولية وأمن قناة السويس، ولمنع قوى أخرى من ملء الفراغ.

وفي حين لم تكن غزة وحدها منطقة التشاور والتفاهم المصري التركي في الآونة الأخيرة، فإنّ تقارير تشير إلى وجود تنسيق بين القاهرة وأنقرة لدعم الجيش السوداني، خاصةً بعد سقوط مدينة الفاشر الإستراتيجية في إقليم دارفور، في أيدي قوات الدعم السريع.

يوضح المحلل السياسي، أنّ التوافق المصري التركي نابع من مصلحة إستراتيجية واضحة، وهي منع انهيار الدولة السودانية، مشيراً إلى أن السودان بالنسبة إلى مصر، امتداد طبيعي لأمنها القومي ويؤثر مباشرةً على مياه النيل، والحدود والهجرة وأمن البحر الأحمر. أما بالنسبة إلى تركيا، فالسودان نقطة ارتكاز اقتصادية وجيوسياسية في البحر الأحمر وشرق إفريقيا، كما أنه عنصر مهم في مشاريعها التجارية والزراعية واللوجستية. لذلك، كلتاهما تريدان دولةً سودانيةً موحدةً ومستقرةً، وترفضان تحوّل السودان إلى ساحة صراع دولي تهدد خطوط الملاحة وقناة السويس والممرات الحيوية التي تخدم الطرفين.

يرى محمد زاهد غول، التنسيق بين أكبر قوتين غير خليجيتين بمثابة فتح للباب أمام صياغة توازن إقليمي جديد، موضحاً أنّ مصر تكسب استثمارات تركيةً ضخمةً يمكن توجيهها للصناعة والطاقة واللوجستيات، وتخفيف التوتر في ليبيا والمتوسط، وتعزيز موقعها كمركز إقليمي للغاز عبر شراكات عملية مع أنقرة، فيما تكسب تركيا بوابةً إلى إفريقيا عبر مصر، ومساحةً أوسع في ترتيبات الغاز الإقليمي، وحليفاً مركزياً يُسهّل عليها التأثير في ملفات غزة والسودان وفي الإقليم عموماً.

في ليبيا لا يمكن أن تُبنى أيّ تسوية على إقصاء أيّ منهما، وفي شرق المتوسط مصر تملك الموقع الاقتصادي المركزي والبنية التحتية للغاز المسال، بينما تركيا تملك العقدة البرية البحرية لطاقة الأناضول. أما في القرن الإفريقي، فتتقاطع مصالحهما في البحر الأحمر والموانئ وخطوط الملاحة والأمن الإقليمي… فما الذي يفرّقهما؟

وعلى الرغم من حالة التوافق والتناغم في العلاقات بين القاهرة وأنقرة في الآونة الأخيرة، إلا أنّ المحلل السياسي التركي يشير إلى وجود بعض الملفات الخلافية، على غرار كيفية إدارة النفوذ السياسي والعسكري في ليبيا، وتفاصيل ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، وتوازنات العلاقة مع بعض أطراف المعارضة المصرية.

لكنه يستدرك قائلاً إنّ ما تغيّر هو أن هذه الملفات لم تعد تُدار في إطار صدامي، بل في إطار تفاوضي مبني على مصالح مشتركة ورغبة في تجنّب المواجهة مع إدراك أهمية التنسيق الأمني المشترك، وكلا الطرفين يعلمان أنّ الخلاف يمكن إدارته، وأنّ جوهر العلاقة يجب أن يبقى التعاون، لأنّ التكلفة الإستراتيجية للخلاف باتت أعلى من أي مكسب.

توازن القوى في المنطقة

يتفق الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية والمتخصص في الشؤون التركية، بشير عبد الفتاح، مع سابقيه، في أن حسابات المكسب والخسارة كانت مفصليةً في التقارب المصري التركي، بعدما اكتشف الطرفان أنّ الصدام سيكلفهما الكثير من الخسائر على عكس التنسيق والتفاهم في مناطق التشابك المختلفة، عادّاً أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عزّز هذا التقارب وسرّع من وتيرته، خاصةً مع الخلل في ميزان القوى في المنطقة لصالح إسرائيل في العامين الأخيرين، وتهديد تل أبيب بتنفيذ ضربات تستهدف أنقرة على غرار ما تمّ مع إيران في حرب الـ12 يوماً.

ويلفت عبد الفتاح، في حديثه إلى رصيف22، إلى قلق إسرائيلي متزايد إزاء التقارب المصري التركي، مشيراً إلى أنّ تل أبيب تستهدف الهيمنة بشكل كامل على المنطقة وتكرار السيناريو الإيراني مع مصر وتركيا، لتقود الشرق الأوسط وفقاً لمصالحها، وتُعيد هندسة المنطقة وفقاً للرؤية الأمريكية الإسرائيلية.

"القاهرة وأنقرة ترغبان في وضع أسس وقواعد للعلاقات الإقليمية، وحريصتان على المشاركة في إعادة هندسة المنطقة، وتسوية الصراعات بشكل عادل وكامل وإقامة الدولة الفلسطينية، ووقف التعديات على سوريا ولبنان، ووضع حدّ للغطرسة الإسرائيلية"، يضيف الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، عادّاً أن التقارب العسكري والمناورات البحرية الأخيرة بمثابة رسالة واضحة لتل أبيب ومن خلفها واشنطن، بأنه لا يمكن تجاوز الدولتين في أي تنسيق في المنطقة.

ويستطرد بالإشارة إلى أنّ الدولتين حالياً لا ترغبان في أي صدام أو توتر في العلاقات، وهناك تنسيق مشترك في ملفات مختلفة على غرار السودان وغزة، إلا أنه يؤكد على غرار سابقه، وجود ملفات خلافية لا تزال عالقةً، كليبيا وترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، وكذلك ما يتعلق بسوريا والصومال، بالإضافة إلى قضية الإخوان المسلمين.

توافق إقليمي

شكلت الزيارة التي أجراها وزير الخارجية المصري إلى تركيا قبل أيام، باكورة التنسيق والتقارب بين القاهرة وأنقرة، عبر التأكيد على رؤية مشتركة إزاء ملفات مختلفة كغزة والسودان. مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة سابقاً، معتز أحمدين خليل، يرى أنّ هذه الزيارة تعكس حجم التقارب في الرؤى بين البلدين، حيث تم استعراض الأزمات الإقليمية كافة في المنطقة، مع تأكيد على موقف شبه متطابق، ولا سيما وجوب وقف الحرب في غزة والسودان.

الحديث عمّا يُعرف بإسرائيل الكبرى والخرائط التوسعية التي تم الكشف عنها في مجلس الأمن، والأطماع في لبنان وسوريا وغزة، جميعها كانت جرس إنذار أثار قلق وحفيظة كلّ من القاهرة وأنقرة.

يسلط أحمدين خليل، الضوء في حديثه إلى رصيف22، على نقطة مهمة تتعلق بتدارك أي سوء فهم أو توتر في العلاقات، بعدما غاب وزير الخارجية المصري عن اجتماع الدول الثمانية للتنسيق بشأن غزة والذي عُقد مؤخراً في تركيا.

مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، غاب وزير الخارجية المصري عن الاجتماع الوزاري العربي-الإسلامي في إسطنبول، فيما خرجت تقارير تشير إلى سعي القاهرة إلى استبعاد تركيا من المشاركة في قوة حفظ السلام الدولية في قطاع غزة، خشية تنامي النفوذ التركي في القطاع الفلسطيني.

يعزز السفير معتز أحمدين، رؤيته المتعلقة بتدارك أي توتر مُحتمل، بالإشارة إلى أنّ البلدين تجاوزا مرحلة المنافسة والمواجهة، وحالياً هناك قناعات متبادلة بأنّ ما يجمع من مصالح أكثر من تلك التي تُفرّق، مشيراً إلى أنّ هناك محاولات جادةً لتقريب وجهات النظر في ما يتعلق بالملفات الخلافية، كترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط وليبيا، والتي كانت مصدر خلاف كبير في السنوات الماضية.

ويرى مندوب مصر السابق لدى الأمم المتحدة، بعداً اقتصادياً رئيسياً متعلقاً بالتقارب الأخير، مشيراً إلى أنّ مصر ترى في تركيا فرصةً لضخّ استثمارات جديدة في الاقتصاد، وفتح أسواق أمام الصادرات وكذلك الواردات، مستدلّاً بتأكيد وزيرَي خارجية البلدين في المؤتمر الأخير على ضرورة زيادة حجم الاستثمارات والتبادل التجاري ليصل إلى مستوى 15 مليار دولار في العام المقبل.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا مستوى 9 مليارات دولار في عام 2024، في الوقت الذي تُستهدف زيادتها إلى 15 مليار دولار.

تقارب حذر

وعلى عكس المتحدثين السابقين، يرى أستاذ العلاقات الدولية، سمير صالحة، أنّ التقارب المصري التركي لا يزال حذراً، وهناك تباعد في ملفات مختلفة على غرار سوريا والعلاقة مع اليونان وقبرص المتعلقة بترسيم الحدود البحرية، والحراك التركي المتزايد في جنوب البحر الأحمر، وتقارب أنقرة مع إثيوبيا وعرض الوساطة في ملف سدّ النهضة في وقت سابق، عادّاً أنّ المصالح لا تزال تتصادم في مناطق معينة برغم تنسيقها في مناطق أخرى.

ويشير صالحة في حديثه إلى رصيف22، إلى قوى عربية وإسلامية -لم يسمّها- طالبت وضغطت لعودة العلاقات بين أنقرة والقاهرة، وتنحية الخلافات والصدامات جانباً، خاصةً في ظل السياسات الإسرائيلية الأخيرة في المنطقة والتي أثارت قلق الجميع.

وينبّه صالحة، إلى نقطة مهمة تتعلق بحصول روسيا على مكاسب وامتيازات نتيجة الصدام المصري التركي في ليبيا، بالإضافة إلى دخول القوى الأوروبية الغربية على خط الأزمة هناك بالشكل الذي يتعارض مع مصالح القاهرة وأنقرة، وهو ما ساهم في تشكيل قناعة بضرورة انفتاح القاهرة على غرب ليبيا، في حين فتحت أنقرة قنوات تواصل مع شرقها.

وبرغم ذلك، يؤكد أستاذ العلاقات الدولية أنّ "التقارب الحذر" من وجهة نظره يمكن أن يكون طريقاً لتشكيل تحالف بين القاهرة وأنقرة، بالشكل الذي يمنع تعارض المصالح في غاز شرق المتوسط، ويعيد التوزان في ليبيا، ويمنح البحر الأحمر مظلة استقرار مشتركة، ويغيّر معادلات القوى في غزة بعد الحرب، مشترطاً تعاون مصر صاحبة الموقع الحاكم في قناة السويس والمركز العربي الأكبر، مع تركيا صاحبة النفوذ المتصاعد في شرق المتوسط والأناضول، ليصبح من الصعب تجاهل ثقلهما في أيّ ترتيبات سياسية أو اقتصادية تخصّ المنطقة في الفترة المقبلة.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منذ البداية، لم نخاطب جمهوراً... بل شاركنا الناس صوتهم.

رصيف22 لم يكن يوماً مشروع مؤسسة، بل مشروع علاقة.

اليوم، ونحن نواجه تحديات أكبر، نطلب منكم ما لم نتوقف عن الإيمان به: الشراكة.

Website by WhiteBeard
Popup Image