في وقت متأخر من ليل الأربعاء/ الخميس 8/ 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، موافقة إسرائيل وحماس على المرحلة الأولى من الاتفاق الذي اقترحته واشنطن على هامش لقاء جمعه وقادة وممثلي ثماني دول عربية وإسلامية في نيويورك، في 24 أيلول/ سبتمبر الماضي، لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، وهو ما أكدته حماس وإسرائيل لاحقاً.
الرئيس الأمريكي عدّ أنّ الاتفاق الذي يقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية لخطوط متفق عليها خلال تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة، يُمثل خطوةً أولى نحو سلام قوي ودائم يتجاوز حدود غزة إلى الشرق الأوسط بالكامل، واصفاً إياه بـ"اليوم العظيم" للعالمين العربي والإسلامي ولإسرائيل، ولجميع الدول المحيطة، وللولايات المتحدة الأمريكية، متوجهاً بالشكر للوسطاء من قطر ومصر وتركيا.
ليس واضحاً إن كان الاتفاق يضع نهاية للحرب المستمرة منذ سنتَين، أو مجرّد "هدنة مؤقتة"، إلا أنه جاء بعد مفاوضات "غير مباشرة" انطلقت الإثنين 6 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، في مدينة شرم الشيخ المصرية، في حضور وفود من مصر وقطر وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، بهدف واضح هو التوصل إلى اتفاق لتنفيذ المرحلة الأولى من إطار مكوّن من 20 بنداً.
بين "دبلوماسية المخابرات" والحديث عن "تغليب القاهرة المصلحة الفلسطينية كونها تخدم مصالحها في الوقت عينه"... ما سبب نجاح المفاوضات التي تستضيفها مصر في شرم الشيخ في التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في غزة بعد سنتَين من الوساطات غير الناجعة؟
نجاح الوساطة التي احتضنتها مصر، والتي شاركت فيها كل من قطر وتركيا مع دور رئيسي للرئيس الأمريكي، عقب سنتَين من الوساطات السابقة التي لم تحقّق تقدّماً ملموساً أو تستطع تقريب وجهات النظر بين الطرفين، يفتح باب التساؤل عن أهمية الدور المصري تحديداً في الملف الفلسطيني والعوامل التي ساهمت في نجاحها، بالإضافة إلى تساؤلات عن بنود الاتفاق وآليات تنفيذها، وهو ما نحاول الإجابة عنه في السطور التالية.
الوساطة المصرية
بحسب الخبير الأمني والإستراتيجي المصري، اللواء محمد عبد الواحد، فإنّ لمصر دوراً بارزاً في ملف الوساطة بين حماس والفصائل الفلسطينية من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى منذ سنوات بعيدة، خاصةً أنها تمتلك خبرةً طويلةً في عمليات الوساطة منذ اتفاقية السلام مع إسرائيل في عام 1979 وحتى اليوم، وكذلك تمتلك خبرةً كافيةً في ما يتعلق بقطاع غزة وإحداثياته ومشكلاته، والفصائل وقواها.
كما يذكّر بأنّ مصر لطالما استضافت اجتماعات الفصائل الفلسطينية، وأقامت وفود عدة لسنوات طويلة على أراضيها، والأهم من كل ذلك برأيه هو "حرصها على المصلحة الفلسطينية وعلى قطاع غزة الذي يُعدّ عمقاً إستراتيجياً مهماً للقاهرة، لذلك تتولّى المخابرات المصرية هذا الملف منذ سنوات في ما يعرف بـ'دبلوماسية المخابرات' عبر دمج المصالح الأمنية والسياسية"، مشدّداً على أنّ القاهرة "تسعى إلى تغليب المصلحة الفلسطينية كونها تخدم مصالحها في الوقت عينه".
ويضيف عبد الواحد، لرصيف22، أنّ مصر وقطر وتركيا تمارس أدواراً متناغمةً في "وساطة شرم الشيخ"، فالقاهرة تمتلك الخبرة الميدانية في غزة والتفاصيل كافة المتعلّقة بالقطاع، في الوقت الذي تبحث فيه أنقرة عن الضمانات الكافية من وجهة نظر حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى من ناحية التزام إسرائيل بتنفيذ بنود الاتفاق وعدم نقضه على غرار ما حدث في كانون الثاني/ يناير 2025، في حين تستضيف الدوحة قيادات هذه الفصائل، وتمتلك أدوات ضغط على قيادات حماس والفصائل، عادّاً أن المفاوضات الجارية "تشهد ضغطاً أكبر على الجانب الفلسطيني مقارنةً بالإسرائيلي".
وفي حين أُنجز الاتفاق الخاص بالمرحلة الأولى، يتخوّف الخبير الأمني والإستراتيجي من هشاشة اتفاقيات المرحلة الثانية التي يصفها بـ"إملاءات شروط" من جانب تل أبيب، خاصةً بعد فقدان حماس ورقتها الأخيرة وهي الأسرى الإسرائيليون، وعليه سيضع رئيس الحكومة الإسرائيلية المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، بنيامين نتنياهو، شروطه مقابل عدم العودة من جديد لاستئناف القتال واحتلال القطاع، والاستمرار في اتفاق المرحلة الأولى الذي جاء بضغط أمريكي كبير.
ضمانات وقف الحرب
وفي سياق الضمانات التي يُمكن أن تحصل عليها حماس والفصائل الفلسطينية لعدم تنصّل إسرائيل من الاتفاق، يقول الخبير في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية، صبحي عسيلة، إنّ مصر تعمل بالفعل ومعها قطر وتركيا على انتزاع أكبر قدر ممكن من الضمانات لعدم عودة القتال في غزة من جديد، والتزام تل أبيب بالانسحاب من قطاع غزة.
"لا توجد ضمانات بنسبة 100% في أيّ حال من الأحوال"، يضيف عسيلة، لرصيف22، مردفاً بأنّ الضمانة الرئيسية تتمثّل في مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس ترامب في الاتفاق، عادّاً أن اجتماع ممثلي دول عربية وإسلامية مع ترامب في نيويورك كان "وازناً ومؤثّراً" في ضغط ترامب لوقف الحرب، منبهاً إلى وجود حالة توافق دولي على ضرورة وقف الحرب والتزام الأطراف بما جرى الاتفاق عليه.
ويستطرد رئيس تحرير مجلة "مختارات إسرائيلية"، بأنّ "حماس حالياً، لا تملك خيارات"، والهدف الأول والكبير هو وقف إطلاق النار، مشدّداً على أهمية عدم منح نتنياهو أيّ ذريعة للعودة إلى القتال من جديد، مشيداً في الوقت ذاته بالدعوة التي وجّهها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى نظيره الأمريكي لحضور توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، كون هذا الحضور "يعطي أكبر ضمانة ممكنة لاستمرار تنفيذ الاتفاق"، ويرفع من مستوى الحضور ولا سيّما بوجود رئيس أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم، واللاعب المؤثّر الرئيسي على نتنياهو وأطماعه، والذي بدوره قد يعني حضور قادة دول أخرى في المنطقة وخارجها عملية التوقيع والضمانة.
وعلى الهواء، وجّه السيسي دعوةً إلى ترامب، لحضور مراسم توقيع اتفاق المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في غزة، في حين أعلن الأخير استعداده لزيارة الشرق الأوسط بحلول الأحد المقبل، الموافق 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2025.
"نحن بحاجة إلى ترامب في ما يتعلق بباقي مراحل اتفاق وقف إطلاق النار"، يؤكد عسيلة، مشدّداً على أنه لولا الضغط الذي مارسه الرئيس الأمريكي على رئيس الوزراء الإسرائيلي لما كان اتفاق المرحلة الأولى سيخرج إلى النور من شرم الشيخ.
اتفاق جيّد وسريع
وعن اتفاق المرحلة الأولى، يقول المتخصّص في الشؤون الفلسطينية والمستشار المشارك في المفاوضات العربية الإسرائيلية، طارق فهمي، إنه يُمكن وصف اتفاق المرحلة الأولى بـ"الجيّد والسريع" في مجمله، موضحاً أنّ الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين كان النقطة الإيجابية الرئيسية التي حرّكت الاتفاق، ويُعدّ أول وأهم تنازل لحركة حماس والفصائل الفلسطينية؛ كون ذلك مطلباً إسرائيلياً رئيسياً، وعدم التجاوب معه كان سيُفشل المفاوضات لا محالة.
بين دعوة ترامب إلى حضور توقيع الاتفاق، والضغط على حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، وتفويت الفرصة على نتنياهو... ما هي ضمانات صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟
ويضيف، لرصيف22، أنّ هناك العديد من النقاط في مراحل الاتفاق اللاحقة التي تحتاج إلى "التحصين" والدعم بقوة من الأطراف العربية والإسلامية، كون العقبة الرئيسية في استمرار تنفيذ باقي المراحل تتمثل في نتنياهو الذي قد يُقدِم على التنصّل من الاتفاق حال وجد الفرصة سانحةً لذلك على غرار تنصّله من الاتفاقات السابقة، وعلى نحو خاص وهو لا يزال المحور الرئيسي لكل ما يجري في إسرائيل ولديه السيطرة على الحكومة، والمعارضة غير قادرة على عرقلته أو إسقاط حكومته اليمينية المتطرفة، وعودة الأسرى الإسرائيليين من غزة ستمنحه أريحيةً أكبر في ما يتعلق بالداخل الإسرائيلي.
تجميد سلاح حماس
"هناك إشكاليات عدة تتعلّق بما يجري داخل حركة حماس والفصائل الفلسطينية وتأثيرها على مراحل الاتفاق اللاحقة، وخروج قيادات الحركة سواء إلى قطر أو تركيا أو إيران أو ماليزيا أو الصين أو روسيا"، يتابع فهمي، مؤكداً أنه سيتم "تجميد سلاح" حماس والفصائل الأخرى، على أن يُوضع في حوزة عربية -على الأغلب مصر- بمشاركة أطراف عربية أخرى في هذه العملية.
وفي حين تشكّل أسماء قوائم الأسرى الفلسطينيين الذين سيُفرج عنهم عقبةً رئيسيةً في مفاوضات شرم الشيخ، وسط مطالبة حماس والفصائل الفلسطينية بالإفراج عن أسرى بارزين محكومين مدداً طويلةً ومؤبدات على غرار الأخوين عبد الله ومروان البرغوثي وحسن سلامة وغيرهم، يتوقّع فهمي ألا يُفرَج عن جميع هذه الأسماء.
كما يؤكد أنّ الجيش الإسرائيلي سيبقى في منطقة عازلة، خارج مدن غزة في أثناء تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، مشيراً إلى أنّ تل أبيب قد لا تلتزم بالنقاط المحّددة للانسحاب على غرار عدم التزام حماس بتسليم سلاحها، ومن المنتظر أن يبقى لفترة في محور صلاح الدين وموراغ، على أن يخرج من ممر ديفيد ويُعيد فتح شارع الرشيد ومحور نتساريم.
وعن جدول تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، يقول فهمي إنّ التوقيع الرسمي على الاتفاق في شرم الشيخ سيكون الخميس، وسينعقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) لمناقشة الاتفاق، على أن يعقب ذلك اجتماع الحكومة الإسرائيلية للتصديق النهائي على الاتفاق، وخلال 24 ساعةً من التوقيع سيبدأ الانسحاب الإسرائيلي من مناطق محدّدة في غزة، موضحاً أنّ المرجعية الآن هي "من التوقيع" وليست "من بعد المصادقة"، على أن تشهد الـ72 ساعةً الأولى من التوقيع الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، والإفراج عن نحو 2،000 أسير فلسطيني، في حين يبقى يوم الأحد موعداً منتظراً لزيارة الرئيس ترامب المنطقة.
ويتخوّف المتخصّص في الشؤون الفلسطينية من تعارض القوة العربية مع قوة حفظ السلام الدولية لإدارة القطاع، خاصةً بعد ظهور أصوات غربيّة تعلن استعدادها للمشاركة في قوة حفظ سلام في القطاع على غرار ما أعلنته إيطاليا، مؤكداً أهمية استمرار موقف عربي إسلامي موحّد ينادي بسيطرة قوة عربية على القطاع وإدارته، وإقناع الرئيس الأمريكي بذلك.
ريفييرا الشرق الأوسط
وفي حين يمضي الحديث عن وصول ترامب إلى المنطقة، مطلع الأسبوع المقبل، يتطرّق فهمي إلى البُعد الاقتصادي وليس الأمني أو السياسي في خطة ترامب والذي يمكن تسميته بـ"السلام الاقتصادي"، وذلك يتمثّل في ما يُعرف بعودة مشروع "ريفييرا الشرق الأوسط" الذي سبق أن طرحه ترامب، والذي يتناقض مع خطة إعادة الإعمار العربية، مع تحميل الدول العربية (يجري الحديث عن قطر والإمارات والسعودية ومصر)، كلفة إعادة الإعمار والإغاثة.
كذلك، ينبّه فهمي إلى ضرورة النظر إلى مخطّطات ما وراء الستار، معدّداً حضور صهر ترامب، جاريد كوشنر وبعض رجال الأعمال الأمريكيين، بالأمر الذي يجب أخذه بعين الحذر والحيطة، مؤكداً أنّ ترامب يسعى إلى تحقيق مكاسب اقتصادية وإعادة إحياء مشروعه الريفييري، عبر تولّيه ما يُعرف بـ"مجلس السلام" لإدارة القطاع بقيادة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
وقف التهجير
بغض النظر عن المخاوف، يعرب المتحدّث باسم حركة فتح في غزة، منذر الحايك، عن دعم الحركة لاتفاق وقف إطلاق النار، عادّاً أنّ الهدف الأهم لجميع سكان غزة حالياً هو وقف الحرب وعدم عودتها من جديد، في ظل الظروف القاسية داخل القطاع، مؤكداً أنّ وقف تهجير الفلسطينيين من القطاع مكسب كبير للغاية، خاصةً أنّ إسرائيل سعت منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى تنفيذ مخطّط التهجير وإفراغ القطاع من سكانه.
يضيف الحايك، عبر رصيف22، أنّ الأمر الآخر "المهم للغاية" هو ضمان عدم إعلان إسرائيل ضم الضفة الغربية المحتلة، أو فصل الأراضي الفلسطينية عن بعضها بعضاً، عادّاً أن هذا الاتفاق "ينقذ ما يمكن إنقاذه" للفلسطينيين الملكومين في قطاع غزة.
ويعوّل الحايك على ضغط الوسطاء في مصر وقطر وتركيا، وكذلك الولايات المتحدة، لإلزام نتنياهو ببنود الاتفاق والانسحاب من القطاع، خاصةً أنّ نتنياهو يضع العراقيل والعقبات، وسيبحث عن أي ذريعة لعدم الامتثال لما تم الاتفاق عليه في الوساطة الأخيرة.
عودة السلطة إلى قطاع غزة
وعن عودة السلطة الفلسطينية من جديد إلى حكم قطاع غزة، يشير الحايك إلى أنه تم تأجيل مناقشة هذا الأمر إلى المرحلة الثانية من المفاوضات، وسط رغبة وتأكيد واضحين لدى الوسطاء بوجوب عودة السلطة، بوصفها الممثّل الشرعي للشعب الفلسطيني، إلى حكم قطاع غزة وإدارته في وقت لاحق.
"حماس طلبت تسلّم جثث الشهيدَين محمد ويحيى السنوار، وإسرائيل رفضت"، يكشف الحايك، مؤكداً أنّ إسرائيل استخدمت "الفيتو" ضد هذا المطلب بالإضافة إلى مطلب الإفراج عن أبرز الأسرى كالأخوين البرغوثي وغيرهما.
ترامب ونوبل للسلام
بدوره، يقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، حسام الدجني، إنّ هناك حالة إصرار إسرائيلية على البقاء في عمق مدن قطاع غزة، حيث قَبلت تل أبيب بالانسحاب إلى عمق 40% من القطاع تحت ضغوط الوسطاء في شرم الشيخ، إلا أنّ الخرائط والإحداثيات لا تزال تخضع للمناقشة والتفاوض حتى اللحظة.
يسلّط الدجني الضوء، في حديثه إلى رصيف22، على توقيت إعلان ترامب حسم اتفاق المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في غزة، مؤكداً أنه يضع في ذهنه جائزة نوبل للسلام التي سيتم إعلانها غداً الجمعة 10 تشرين الأول/ أكتوبر، ويرغب بشدّة في الحصول عليها، بالإضافة إلى إدراكه ضرورة إنقاذ إسرائيل نفسها من نتنياهو وطموحاته، ولا سيّما في ظلّ الواقع الدولي المضاد الذي بدأ يتشكّل مؤخراً ضد تل أبيب.
"ممثّلو الشرطة التابعون لحماس قد يملأون الفراغ الموجود في غزة لفترة مؤقتة خلال المرحلة الانتقالية"، يقترح الكاتب الفلسطيني، كاشفاً عن اجتماعات مرتقبة للفصائل الفلسطينية في القاهرة لبحث آلية وجودها في حكم القطاع خلال الفترة المقبلة، ولا سيّما مع الحديث عن حكومة تكنوقراط فلسطينية، مؤكداً في الوقت ذاته استحالة خروج حماس من المشهد في غزة بشكل كامل في أيّ حال من الأحوال.
ويختم الدجني بالإشارة إلى أنه لا يمكن تجاوز الدور المصري في ملف وساطة غزة، خاصةً أنّ غزة تشكّل منطقةً في غاية الأهمية لأمن واستقرار الحدود المصرية، وعودتها عبر مفاوضات شرم الشيخ رسالة واضحة لدول المنطقة بأنه لا يمكن تحييد الدور المصري وتهميشه، وأنها دولة مركز ولاعب أساسي، لافتاً إلى وجود تنسيق بين القاهرة وحماس والفصائل في ما يتعلق بمستقبل قطاع غزة، في الوقت الذي تحاول فيه مصر إعادة ملف حلّ الدولتين بالمشاركة مع الوسطاء، وضمان أن يتحوّل هذا الاتفاق إلى نقطة انطلاق نحو حلّ الصراع بشكل كامل الفترة المقبلة.
"اتفاق سيئ للغاية"
على النقيض مما سبق، يصف سفير مصر السابق لدى الأمم المتحدة، معتز أحمدين خليل، اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بـ"السيئ للغاية"، معدّداً أسباب ذلك في أنّ خيارين تواجدا في مسار مفاوضات شرم الشيخ، أولهما يتعلّق بالتركيز على تنفيذ المرحلة الأولى وهو ما كان يطلبه الجانب الإسرائيلي والأمريكي، وثانيهما يتعلّق بالتركيز على جميع نقاط الاتفاق المُبهمة، والالتزامات المتعلّقة بإسرائيل وهو ما كانت تفضّله حماس والوسطاء، إلا أنّ الإرادة الأمريكية تغلّبت على نظيرتها العربية وجرى الاتجاه صوب ما يتعلّق بالمرحلة الأولى من الاتفاق الخاصة بتسليم الأسرى الإسرائيليين الموجودين في غزة ووقف إطلاق النار.
ويبرّر خليل رؤيته السلبية للاتفاق، خلال حديثه إلى رصيف22، بأنه سيتم تسليم الأسرى الإسرائيليين الأحياء والموتى، مع استمرار سيطرة إسرائيل على مساحة واسعة من قطاع غزة تتراوح بين 60 و80%، مع تجميد الموقف الحالي، حتى تُسلّم حركة حماس والفصائل الفلسطينية سلاحها، وإلا لن يتم تنفيذ باقي مراحل الانسحاب التدريجي من القطاع، مع ضمانة ألا تشكّل غزة أيّ تهديد لإسرائيل.
وكانت المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية، شوش بيدروسيان، قد أكدت أنّه سيكون هناك وقف لإطلاق نار في غزة خلال 24 ساعةً من اجتماع مجلس الوزراء الذي ينعقد مساء اليوم الخميس، مؤكدةً أنّه بعد إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين سيحتفظ الجيش الإسرائيلي بالسيطرة على نحو 53% من مساحة قطاع غزة.
مستقبل قطاع غزة وإدارته، والحاجة المحتملة إلى التعديل في بنود اتفاقية كامب ديفيد، والمخاوف من تنصّل إسرائيل من بنود ما بعد المرحلة الأولى… هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟
تعديل اتفاقية كامب ديفيد
ويشير سفير مصر السابق لدى الأمم المتحدة، إلى نقطة مهمة تتعلق باستمرار القوات الإسرائيلية في منطقة عازلة تحيط بالقطاع من جميع الاتجاهات، بما في ذلك من الجانب المصري في محور فيلادلفيا، وتالياً إحكام السيطرة على غزة بشكل كامل، وهو ما يعني تعديل الملحق الخاص باتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل الموقّع في 2005 بالشكل الذي يسمح ببقاء القوات الإسرائيلية على الحدود المصرية مع غزة.
"الاتفاق لا يقرّ مساراً واضحاً لمبدأ حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية"، يلفت خليل، مشيراً إلى أنّ الاتفاق أقرّ التزام الوسطاء (مصر وقطر وتركيا) بجانب حماس والفصائل، بتسليم الأسرى ونزع السلاح وعدم تهديد أمن إسرائيل، في حين لم تنفذ واشنطن الضغوط المتفق عليها على إسرائيل، وجرى تنفيذ ما أرادته إسرائيل من البداية، بالبقاء في القطاع ونزع سلاح حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى.
ويختم حديثه بالإشارة إلى أنّ السبب الرئيسي، برأيه، وراء نجاح وساطة مصر في شرم الشيخ، يعود إلى ممارسة الوسطاء الضغط على حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى للقبول بتقديم التنازلات، في حين لم تمارس واشنطن ضغوطها على إسرائيل، والأمر كان من جانب واحد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.