"بيع الخصية في سوريا" و"إعدام قتلة صالح الجعفراوي"... معلومات مضلّلة راجت هذا الأسبوع

حياة نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 22 أكتوبر 20259 دقائق للقراءة

يأتي هذا المقال ضمن نشرة أسبوعية متّصلة بتدقيق المعلومات، ينشرها رصيف22، بالتعاون مع "مجتمع التحقّق العربي"، وهو مشروع بحثي متخصّص يعتمد على البرمجيات لدعم منصّات التحقّق الإخباري العربية، وذلك عبر بضع آليات، منها استحداث قاعدة بيانات تجمع محتوى منصّات التحقّق إلكترونياً بمعايير تقنية موحّدة، ما يتيح أدوات بحث وتحليل واسعة النطاق.

تتصدى نشراتنا المختلفة لاضطراب المعلومات، والتحديات التي يفرضها علينا في الوصول إلى الحقيقة، ما يضمن تقديم أخبار دقيقة وموثوق بها للجمهور.

من اعترافٍ مثير نُسب إلى أحد الأسرى الإسرائيلين في غزة، ومقطع قديم أُعيد تداوله على أنه يوثّق "إعدام المتهمين بقتل صالح الجعفراوي"، مروراً بادعاءات عن بيع الخصية في سوريا، ومشاهد مولّدة بالذكاء الاصطناعي لخنازير في ساحة البراق داخل المسجد الأقصى، وصولاً إلى صورٍ مضلّلة عن دعمٍ عسكري في عدن… تنقّل التضليل هذا الأسبوع، مبرزاً دور منصّات التحقّق العربية في مكافحته.

"اعتراف أسير إسرائيلي بأنّ حماس دبّرت المظاهرات في غزة"

مع بدء الحديث عن صفقة تبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تزعم أنّ أحد الأسرى الإسرائيليين كشف أنّ "المظاهرات التي خرجت ضد حماس في غزة كانت من تدبير الحركة نفسها، لنقل الأسرى وسط الحشود بعيداً عن أعين الجيش الإسرائيلي".

منصّة صحيح مصر تتبّعت مصدر القصة، وراجعت ما بثّته وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية، إلى جانب مقاطع الفيديو والصور المرافقة للادعاء، ليتبيّن أن المشاهد المتداولة تعود إلى مظاهرات قديمة في آذار/ مارس 2025، وأن الصورة المستخدمة التقطتها وكالة الأنباء الفرنسية في بيت لاهيا شمالي غزة. كما لم يُرصد أي تصريح مشابه في تسجيلات الإفراج عن الأسرى التي نشرتها وزارة الجيش الإسرائيلية، ما يشير إلى أن الرواية بلا سند موثوق. وحده المحلل العسكري الأردني نضال أبو زيد، تحدّث عن هذا الاحتمال في برنامج تلفزيوني، مقدّماً تحليله الشخصي دون أدلة أو توثيق.

"خنازير في ساحة البراق داخل المسجد الأقصى" و"روسيا توافق على تسليم بشار الأسد للقضاء السوري" و"فيديو يوثّق إعدام المتهمين بقتل الصحافي صالح الجعفراوي"... كيف فنّدت منصّات تدقيق المعلومات العربية هذه الادعاءات المضلّلة؟

أما منصّة تيقن، فسعت إلى التحقّق من الادعاء من زاوية أخرى حيث راجعت التغطيات الإعلامية الإسرائيلية، ولم تجد إشارةً إلى رواية مشابهة على لسان الأسرى. كما أكّد فريق الترجمة من العبرية لديها أنّ الادعاء لم يُنشر في أي وسيلة إعلام موثوقة. وبعد التتبع، وجدت المنصّة أيضاً أنّ أصل القصة يعود فعلاً إلى مقابلة المحلل الأردني سالف الذكر على قناة رؤيا الأردنية، حيث طرح تحليله الشخصي حول أن بعض المظاهرات السابقة كانت مفتعلة. بذلك خلصت تيقّن إلى أنّ القصة ليست شهادةً من أسير كما رُوّج، بل تحليل تلفزيوني أُعيد تدويره على شكل "خبر مسرّب".

"فيديو يوثّق إعدام المتهمين بقتل الصحافي صالح الجعفراوي"

بعد ساعات من الاشتباكات الدامية في حي الصبرة في مدينة غزة، والتي ورد أن الناشط وصانع المحتوى الفلسطيني صالح الجعفراوي قُتل خلال تغطيتها، انتشر على فيسبوك مقطع فيديو صادم يُظهر قيام مجموعة من الملثّمين بإعدام ثلاثة أشخاص رمياً بالرصاص.

ادّعى ناشر الفيديو أنّ العملية نُفّذت ضد "أفراد من عائلة دغمش المتسببة في مقتل صالح الجعفراوي"، وحصد المقطع مئات المشاركات وآلاف المشاهدات في وقت قصير.

لكن منصّة متصدقش أوضحت أنّ الفيديو قديم، ولا علاقة له بالاشتباكات الأخيرة. فالمقطع نفسه جرى تداوله في 21 أيلول/ سبتمبر 2025، على أنه يوثّق إعدام ثلاثة أشخاص في غزة بتهمة "التخابر مع الاحتلال"، وقد نُشر حينها على نطاق واسع قبل أن تؤكد مصادر فلسطينية أن الحادثة وقعت قرب مستشفى الشفاء، غربي المدينة. أما الجعفراوي، فقُتل في 12 تشرين الأول/أكتوبر الجاري. وبذلك يتضح أنّ الفيديو المنتشر لا يوثّق إعدام المتهمين بقتل الجعفراوي.

"خنازير في ساحة البراق داخل المسجد الأقصى"

في المشهد الفلسطيني أيضاً، أثار مقطع فيديو تفاعلاً واسعاً على منصّات التواصل بعدما زعم ناشروه أنه يُظهر خنازير تتجوّل في ساحة البراق داخل المسجد الأقصى، في مشهد صادم استُخدم لإثارة الغضب الديني والسياسي.

لكن مرصد تحقق دقّق المقطع وكشف أنه مصنوع بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وليس تصويراً حقيقياً، إذ تبيّن أن الفيديو نُشر في الأصل بتاريخ 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 على منصّة تيك توك، عبر حساب معروف بإنتاج محتوى مولّد بالذكاء الاصطناعي لأغراض ساخرة أو فنية.

كما أكدت الصحافية المقدسية نسرين سالم، أنّ المشهد المتداول مستحيل الحدوث، نظراً إلى الإجراءات الأمنية المشدّدة في ساحة البراق والطبيعة المقدّسة للمكان التي تمنع دخول أي حيوانات.

"انتشار ظاهرة بيع الخصية في سوريا مقابل 98 ألف دولار"

من جديد، راج على مواقع التواصل الاجتماعي، ادعاء مفاده أن "ظاهرة بيع الخصية" انتشرت في سوريا بالتزامن مع ارتفاع سعر الدولار، وأنّ شباناً عاطلين عن العمل يُقبِلون على بيعها في مراكز خاصة في دمشق وحلب بمبالغ تصل إلى 98 ألف دولار. لكنّ منصتَي "فارق" و"ترو بلاتفورم" أكدّتا أن الادعاء مضلّل ولا يستند إلى أي مصدر موثوق.

وأوضحت فارق أنّ القصة قديمة، وتكرّرت في عامي 2020 و2022، حيث ظهرت آنذاك تقارير إعلامية تتحدّث عن استفسارات فردية من شبان حول بيع الأعضاء بسبب الضائقة الاقتصادية، مستدركةً بأنه لا وجود لعمليات بيع حقيقية أو مراكز متخصصة في ذلك. ونقلت المنصّة عن أطباء سوريين تأكيدهم أنّ "زرع الخصية علمياً غير ممكن"، وأنّ الحديث عن ذلك "لا يتعدّى كونه شائعات على مواقع التواصل".

أما ترو بلاتفورم، فخلصت مراجعتها للادعاء إلى أنه ملفّق بالكامل، مؤكدةً أن الادعاء "يعاد تدويره منذ 2020" دون أي دليل طبي أو قانوني، وأن فكرة "زراعة الخصية" نفسها غير متوافرة في أي بلد في العالم.

"روسيا توافق على تسليم بشار الأسد للقضاء السوري"

في السياق السوري أيضاً، أثار منشور متداول على فيسبوك جدلاً واسعاً بعدما نَسب إلى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني تصريحاً يزعم أن روسيا وافقت على تسليم الرئيس السابق بشار الأسد و12 من رموز نظامه المطلوبين للعدالة، وأنهم سيمثلون أمام القضاء السوري "نهاية الأسبوع المقبل".

نفت ترو بلاتفورم صحة ذلك، مبرزةً أن الادعاء مفبرك ولا يستند إلى أي مصدر رسمي أو إعلامي موثوق. بعد التقصّي، تبيّن أن مصدر المنشور صفحة على فيسبوك دأبت على نشر أخبار وتصريحات مختلقة بشكل متكرّر. كما لم يرد أي ذكر لتصريحات مشابهة في وسائل الإعلام الروسية أو السورية الرسمية، ما يؤكد أن الرواية لا أساس لها من الصحة.

"تضاعف نسبة مستخدمي الإنترنت في العراق"

في العراق، برز هذا الأسبوع ادّعاءان أثارا تفاعلاً واسعاً، أحدهما يتعلّق بإنجاز رقمي حكومي مشكوك فيه، والآخر بيان مزيف نُسب إلى المرجعية الدينية العليا.

ويخصّ الادعاء الأول وزيرة الاتصالات العراقية هيام الياسري، التي نشرت في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، منشوراً على صفحتها الرسمية في فيسبوك، قالت فيه إن العراق "سجّل إنجازاً عالمياً جديداً بمضاعفة نسبة مستخدمي الإنترنت إلى 82.9% من السكان بنهاية 2024، بعدما كانت 44.3% عام 2019، بحسب بيانات الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)". وعدّت الوزيرة أنّ الزيادة البالغة 38.6% تعود إلى رؤية وزارتها ومشروعاتها الرقمية.

لكن منصّة الفاحص دقّقت البيانات وخلصت إلى أنّ الادعاء مضلّل. فبحسب الاتحاد الدولي للاتصالات نفسه، بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت في العراق نحو 78.7% عند تسلّم الوزيرة منصبها في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، ما يعني أن الزيادة الحقيقية منذ ذلك الحين لا تتجاوز 4.2% فقط حتى نهاية 2024. وعليه، فإن القفزة الرقمية التي تحدّثت عنها الوزيرة حدثت قبل تولّيها المنصب، ولا يمكن نسبها إلى الحكومة الحالية.

أما الادعاء الثاني، فتحقّقت منه منصّة صحيح العراق، بعد أن نشر محافظ واسط سابقاً، محمد جميل المياحي، صورةً تتضمن استفتاءً نُسب إلى المرجع الديني الأعلى علي السيستاني، ادّعى فيه أن المرجعية "تحثّ المواطنين على المشاركة في الانتخابات المقبلة".

"انتشار ظاهرة بيع الخصية في سوريا مقابل 98 ألف دولار" و"تضاعف نسبة مستخدمي الإنترنت في العراق" و"اعتراف أسير إسرائيلي بأن حماس دبّرت المظاهرات في غزة"... منصّات تدقيق المعلومات العربية تفنّد أبرز المعلومات المضلّلة التي راجت هذا الأسبوع

دقّقت المنصّة في المنشور ليتبيّن لها أنه مضلّل، إذ نفى مكتب السيستاني رسمياً صدور أي بيان أو توجيه بخصوص الانتخابات البرلمانية المقبلة، مؤكداً أن ما يُتداول على وسائل التواصل الاجتماعي لا أساس له من الصحة.

"الإمارات أرسلت شحنة أسلحة جديدة إلى عدن"

في المشهد اليمني، تداولت صفحات إخبارية وحسابات على منصّة "إكس" صوراً لأسلحة حديثة قالت إنها وصلت إلى مدينة عدن كدعم من دولة الإمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي، بعد العروض العسكرية الأخيرة في محافظتَي أبين وشبوة.

خلص تدقيق منصّة مسند إلى أنّ الصور المتداولة لا علاقة لها باليمن، بل تُظهر عتاداً عسكرياً اقتنته موريتانيا لتعزيز ترسانة جيشها الوطني، وقد التُقطت في حزيران/ يونيو 2024، خلال زيارة تفقدية أجراها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، للاطلاع على النماذج الجديدة من الأسلحة.

ولم يصدر أي تصريح رسمي أو تقارير إعلامية موثوقة تشير إلى تقديم الإمارات دعماً عسكرياً جديداً للمجلس الانتقالي الجنوبي في الوقت الراهن. وتزامن تداول هذه الشائعة مع العروض العسكرية التي نظّمها الانتقالي احتفاءً بالذكرى الـ62 لثورة "14 أكتوبر"، ما يرجّح أن الهدف من تداولها تعزيز صورة القوة العسكرية للمجلس في سياق تنافسي داخلي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image