يزخر العهد القديم أو التناخ أو المقرا، بالعديد من الأنبياء الذين أُرسلوا لتصحيح مسار بني إسرائيل على مر العصور، فيُقسم علماء نقد العهد القديم الأنبياءَ إلى أنبياء كبار وصغار خلال فترات تاريخية مُعينة، ويُعد النبي إيليا من طليعة أنبياء مملكة إسرائيل، ووردت حكايته في سِفرَي الملوك الأول والثاني، لكن صورته تختلف في الأدب والفولكلور اليهودي المتمثل في المدراشيم والأجاداه والأدب القبالي، فهو ذو شخصية إعجازية صانعة للمعجزات ورمز للنضج الروحي، بالإضافة إلى مكانته الخاصة المتميزة لدى اليهودِ.
هدفت دعوة النبي إلياهو/إيليا، كما وردت حكايته في العهد القديم، إلى إنقاذ قومه من اختلاط عبادة الرب (يهوه) مع عبادة بعل، التي جاءت لتُكَوّن عبادة البلاط الملكي، ورأى إلياهو أنه لابد من القضاء على هذه العبادة الوثنية حتى لا تصبح ديناً عاماً. لذلك كرس حياته لهذه الرسالة، بحسب كتاب "تاريخ إسرائيل"، للمؤرخ والحاخام الألماني هينريش جريتش.
هذا هو صميم دعوة النبي إلياهو كما أفردها كُتاب ومحررو العهد القديم، بينما ظهرت صورة أخرى لهذا النبي في الفولكلور اليهودي والأدب الشفاهي المتمثل في الأجاداه والأساطير اليهودية، وهي صورة تأخذ ملمحاً أسطورياً، في حين تظهر في القرآن الكريم صورة أخرى للنبي إلياهو، وهو النبي إلياس. في ذات الوقت يُقرب المفسرون والفلاسفة تلك الصورة بشخصية أخرى ذات سمات خارقة، وهو الخضر. لذلك ما نخصه بالذكر هنا، هو تشابه حكاية النبي إلياهو في التراث الشعبي اليهودي مع ما ورد في سورة "الكهف" في حكاية العبد الصالح (الخضر) والنبي موسى.
اسم إلياهو/إلياس في التفسيرات الإسلامية
ورد ذكر إلياس في سورتين من القرآن الكريم؛ الأولى سورة "الأنعام" (85): "وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ"، وسورة "الصافات": "إِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127).
تكمن دعوة النبي إلياهو في إنقاذ شعبه من خلط عبادة الرب (يهوه) مع عبادة بعل، ما اعتبره تهديداً للدين العام، فكرّس حياته لإعادة الناس إلى الطريق الصحيح
نلاحظ في الآيات السابقة ورود كلمة "بعل"، وهو إله عُبد في العراق قديماً، في الديانة البابلية، ومن هنا رجح العديد من المفسرين المسلمين أن النبي إلياهو، نبي العهد القديم، هو ذاته النبي إلياس الوارد ذكره في القرآن الكريم، كما ذكر المفسر جلال الدين السيوطي في مؤلفه "تفسير الجلالين"، وذهب البعض أن كلمة "بعل" تعني الإلهَ بلُغةِ أهل اليمن، فيقال مَنْ بعل هذا الدار؟، أي من رب هذا الدار؟، وأيضاً الكلمة تعني الزوج، كما ورد في القرآن: "وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا"، بحسب ما جاء في كتاب "صفوة التفاسير" لمحمد علي الصابوني.
أما عند قراءة وتفسير الاسمين "إلياس" و"إلياسين"، فنجد أن ابن عامر الشامي قرأ إلياس بغير همزةِ وصل على الألف (الياس)، والباقون بالهمزة وقطع الألف (إلياس). علق أبو بكر بن مهران على ذلك بقوله: "من ذكر عند الوصل الألف فقد أخطأ، وكان أهل الشام ينكرونه ولا يعرفونه، فإن الهمزة صاحبت اللام للتعريف"، كما فُسر في كتاب "المنتخب في تفسير القرآن الكريم" إخراج المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. أما في تفسير "إل ياسين" فنجد بعض القراءات تقرأ "أل ياسين" على إضافة لفظ "أل" إلى لفظ "ياسين"، وفي القراءات الأخرى تقرأ "إلياسين" بكسر الألف وجزم اللام موصولة بياسين.
قصة إلياس في التفسيرات الإسلامية
ذذكر ابن حزم في مؤلفه "الفصل في الملل والأهواء والنحل"، حكايةَ إلياس النبي، فيقول بأنه كان يعيش في عصر آحاب، ولم يقل شيئاً آخر عنه، بينما يُذكر في القاموس الإسلامي لأحمد عطية الله أن "إلياس" هو "إيليا" المذكور في العهد القديم، إلا أنه وفق ما يذكر الطبري في مؤلفه "تاريخ الرُسل والملوك": "أنه كان يعيش في عصر آحاب وزوجة هذا الملك تسمى اِزابيل وآمن الملك بإلياس وصدقه، أما بنو إسرائيل فكانوا لا يطيعونه، وكانوا يعبدون بعلاً على أن هذا الملك ارتد عن دينه، فدهش إلياس وسأل الله أن يمكنه من خزائن السماوات، فحبس عنهم ماءها ثلاث سنوات حتى هلكت الماشية، وجهد الناس جهداً شديداً، وكان إلياس حين دعا بذلك على بني إسرائيل قد استخفى شفقاً على نفسه منهم، وكان حيث ما كان وضع له رزق، فكانوا إذا وجدوا ريح الخبز في دار أو بيت قالوا: لقد دخل إلياس هذا المكان، فطلبوه، ولقى أهل أحد المنازل منهم شرًا، ثم أوى ليلة إلى امرأة من بني إسرائيل، لها ابن اسمه أليسع بن أخطوب به ضرّ -مرض-، فآوته وأخفت أمره، ولكن دعا له إلياس فشفاه الله، واتبعه الفتى وأمن به، وصدقه ولزمه، فكان لا يذهب إلى مكان إلا وهو معه، وكان أليسع غلاماً شاباً، فيزعمون -يقصد اليهود- أن الله أوحى إلى إلياس، أي رب، دعني أكن أنا الذي أدعو لهم به، وأكن أنا الذي آتيهم بالفرج مما هم فيه، فقيل له نعم، فجاء إلياس إلى بني إسرائيل، فقال لهم: إنكم قد هلكتم جهداً، وهلكت البهائم والدواب بخطاياكم، وإنكم على باطل وغرور".
إلياهو في التراث الشعبي اليهودي
نجد في التراث اليهودي حكاية تتشابه في أحداثها مع قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح، المؤول أنه الخضر عليه السلام، فتذكر الأجاداه اليهودية رحلة لنبي "الياهو" مع "يوشع بن لاوي" أتى فيها "الياهو" بمثل ما عمل العبد الصالح الوارد ذكره في القرآن الكريم في سورة الكهف، والذي أطلق عليه التراث الإسلامي اسم الخضر، وفي هذه الحكاية أظهر "الياهو" لـ "يوشع" الذي سخط على أفعاله أنه تعجل وأخطأ في الحكم عليه.
وذكر الحاخام أهارون بن إسحاق يهودا يلنيق في مؤلفه "בית המדרש"، وأيضاً الحاخام ليفي جينتسبرج في مؤلف له بعنوان "אגדות היהודים"، وهما من كتب التراث اليهودي التي تضم حكايات المدراشيم والأجاداه، الحكايةَ اليهودية للنبي إلياهو مع يشوع بن لاوي، كما يلي:
ذات مرة قال الربي يشوع بن لاوي لإلياهو إنني مشتاق للذهاب معك، لكي أرى الأشياء العجيبة التي تفعلها في العالم. قال له إلياهو: "لن تقدر على السير معي، فلن يمكنك تحمل ما ستراه من أعمالي وسوف تضطر أن تلح عليَّ في السؤال لتعرف ما الذي دفعني إلى القيام بهذه الأعمال. قال له: لن أثقل عليك كثيراً ولن أزعجك بالأسئلة، فإن هدفي هو رؤية ماذا تفعل، لا غير. فاشترط إلياهو عليه ألا يسأل عن شيء، وإلا فسيضطر إلى فراقه والسير وحده.
سار الاثنان معاً، حتى حَلَّ عليهما المساء، فباتا في منزل رجل فقير ليس لديه شيء إلا بقرة واحدة تقف بجوار باب بيته، وكان الرجل وزوجه يجلسان على عتبة الباب. عندما رأياهما قادمين، خرجا لمقابلتهما واستقبلاهما ببشاشة، وسألا عن أحوالهما وهما سعيدين بهما، ثم أجلساهما في أحسن مكان بمنزلهما وقدما لهما أشهى الأطعمة، فشربا وأكلا وناما هناك. وفي الصباح قاما لاستئناف المسير، فدعا إلياهو على البقرة، فماتت على الفور، وواصل الاثنان سيرهما، وعندما رأى ربي يشو" ذلك تملكته الدهشة، وقال في نفسه: هل هذا جزاء هذا الفقير على كل ما قدمه من الكرم والاحترام؟ قتل بقرته وهو لا يملك غيرها؟
فقال لإلياهو: لماذا قتلت بقرة هذا الرجل وقد أكرمَنا؟ فأجابه إلياهو: تذكر الشرط الذي بيني وبينك، وهو أن تسكت وتصغي، وإذا أردت الانفصال عني فإنني أخبرك! فصمت يشوع عن أسئلته ولم يجبه إلياهو.
ثم واصل الاثنان المسير طوال النهار، وفي المساء ذهبا إلى منزل أحد الأغنياء، فلم يكرمهما أو يحترمهما، وجلسا في بيته دون طعام أو شراب، وكان في منزل هذا الرجل الغني حائط منهدم. في الصباح قام إلياهو، فصلى لربه وأعاد بناء الحائط، ثم غادرا الاثنان المكان.
أما يشوع فزاد حزنه ودهشته مما فعل إلياهو، ولكنه كتم رغبته في السؤال، وواصل الاثنان مسيرهما طوال النهار حتى وصلا في المساء إلى المعبد الكبير، حيث المقاعد الذهبية والفضية، وحيث يجلس كل رجل على مقعد حسب مكانته ودرجة احترامه. فقال أحدهم: من يطعم هذين الفقيرين الليلة؟ (يقصد إلياهو ويشوع). فأجابه آخر: سيحضرون لهما الكثير من الخبز والماء والملح، فأكلا وناما في مكانهما حتى الصباح، ولكن لم يتم استضافتهما كما ينبغي.
في الصباح قام الاثنان ليواصلا المسير، فودعهما إلياهو قائلًا: ليجعلكم الرب رؤساء. ثم تابعا المسير. زاد ربي يشوع حُزناً على حزنه، إلا أنه لم ينطق بشيء، وعندما أخذت الشمس في الغروب كانا قد وصلا إلى إحدى المدن. فلما شاهدهما أهل المدينة، خرجوا لمقابلتهما بقلوب طيبة وبسعادة كبيرة واستقبلوهما ببشاشة، وفرحوا بهما كثيراً، وأجلسوهما في أحسن منازلهم وأوسعها. فأكلا وشربا وباتا هناك في جو يسوده الاحترام. وفي الصباح قال إلياهو فيهم: لا يجعل الرب فيكم إلا رئيساً واحداً. عندما سمع يشوع بذلك، لم يتمالك نفسه ولم يستطع السكوت على كل هذه الأعمال.
فقال لإلياهو: الآن يا سيدي أعلن لي عن كل أسرار هذه الأعمال التي قمت بها. فردّ إلياهو: الشرط أن تنفصل عني بعد ذلك، أي بعد تفسير هذه الأمور. وأخبره: اعلمْ أن الرجل الذي قتلت بقرته، قد صدر في نفس اليوم قرار الرب بموت زوجته، وقد صليت للرب ودعوتُه بأن تكون بقرته فداء زوجته، لأنني رأيت على يد هذه الزوجة الطيبة خيراً كثيراً، وفائدة عظيمة في بيتها.
أما الرجل الغني الذي بنيت له الحائط، فلو أنني تركته يبنيه لاكتشف سرّه ووجد فيه كنزاً عظيماً من الذهب والفضة، ولذلك بنيته له، وعندئذ لن يسقط الحائط سريعاً ولن يبنيه مرة أخرى.
أما أولئك الذين دعوت لهم بكثرة الوزراء والرؤساء فإنه دعاء ليس في صالحهم، فسيدب خلاف كبير، سواءً في مشوراتهم أو في أفكارهم، لأن المكان الذي يكثر فيه الرؤساء يفسد ويخرب ويُدان. أما الناس الذين دعوت لهم برئيس واحد فهو خير لهم واستقرار لحياتهم، فمشورتهم تتبلور في مشورة واحدة، فيسعدون ولا تدب فيهم روح الخلاف ولن تتغير مشورتهم ولن تحارب أفكارهم، ولذلك يقولون في الأمثال "كثرة الملاحين تغرق السفينة".
بعد ذلك أوصى إلياهو يشوع قائلاً: ها أنا ذا ذاهب عنك، لذا سأعلمك ما يفيدك: إذا رأيت شريراً تضحك له الدنيا، فلا تتحفز وتثور ولا تندهش لذلك، فهو حسب شروره، وإذا رأيت صِدِّيقاً في أزمة وحزن وحياة متعبة، أو منهكاً من الجوع والصوم والعري وليس عنده شيء أو نزلتْ عليه المحن والمصائب، لا تثور ولا يساورك الشك في خالقك، ولا تتعب قلبك وتفكيرك، ولكن ثبّت قلبك وفكرك بالإيمان بالرب، فحكمه عادل، وهو عادل ويرى أعمال الرجل، ولذلك سيرشده إلى صواب الأعمال. وبعد ذلك تبادلا التحية ومضى كل واحد في طريقه.
بحسب ما ذكره أهارون وينير في كتابه "النبي إيليا في تطور اليهودية" فالتشابه بين الحكاية القرآنية المذكورة في سورة "الكهف"، والرواية المدراشية اليهودية كبير جداً، ويرجح أن المصدر المقتبس منه الروايتان واحد. ويتبع وينير حديثه بإن موسى في القصة القرآنية يمثل العلم اللاهوتي، بينما الخضر يمثل الجانب الخفي والحكمة الصوفية، ويتفق مع هذا باحثان مثل جولدتسهير، ليدزبارسكي، وفوللرز، وفريدلنر، وفينسنك، في أن شخصية الخضر في التراث الإسلامي تتطابق في نواح عديدة مع شخصية إلياهو في التراث اليهودي.
حكايات الخضر في الروايات الإسلامية ومقابلها في اليهودية
ذكر ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" (الجزء الأول) حديثاً يرجعه بعض رجال الحديث إلى النبي محمد عن الخضر: "عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله قال لأصحابه: ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل، أبصره رجل مكاتب، فقال: تصدق علي بارك الله فيك. فقال الخضر: آمنت بالله، ما شاء الله من أمر يكون، وما عندي شيء أعطيك. فقال المسكين: أسألك بوجه الله لما تصدقت عليه، فإني نظرت إلى السماء في وجهك، ورجوت البركة عندك. فقال الخضر: آمنت بالله، ما عندي شيء أعطيه لك، إلا أن تأخذني فتبيعني. فقال المسكين: وهل يستقيم هذا؟ قال: نعم، الحق أقول لك لقد سألتني أمراً عظيماً، إني لا أخفيك بوجه ربي، بِعني. فقام وقدمه إلى السوق، فباعه بأربعمائة درهم. فمكث عند المشتري زماناً لا يستعمله في شيء. فقال له: إنك إنما بعتني التماس خيرٍ، فاوصِني بعمل. قال: أكره أن أشق عليك. قال: ليس تشقّ عليَّ. قال: فانقل هذه الحجارة، وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم. فخرج الرجل لبعض حاجاته، ثم انصرف، وقد نقل الحجارة في ساعة. فقال: أحسنت وأجملت وأطقت. مالك أراك تطيقه. ثم عرض للرجل سفرٌ. فقال: إني أحسبك أميناً، فأخلفني في أهلي خلافةً حسنة. قال: أوصنِي بعمل. قال: أكرهُ أن أشقّ عليك. قال: ليس تشق عليَّ. قال: فاضرب اللبن لبيتي حتى أقدم عليك. فمضى الرجل لسفره، فرجع وقد شيد بناءه. فقال: أسألك بوجه الله ما سبيلك وما أمرك؟ فقال: سألتني بوجه الله، والسؤال بوجه الله أوقعني في العبودية، سأخبرك من أنا. أنا الخضر الذي سمعت به؛ سألني مسكين صدقةً فلم يكن عندي من شيء أعطيه. فسألني بوجه الله، فأمكنته من رقبتي. سألني مسكين صدقةً، فلم يكن عندي من شيء أعطيه. فسألني بوجه الله، فأمكنته من رقبتي، فباعني. وأخبرك أنه من سُئل بوجه الله فردّ وهو يقدر، وقف يوم القيامة جلده لا لحك له، ولا عزم يتقعقع. فقال الرجل: يا أبي ويا أمي يا نبي الله، احكمْ في أهلي ومالي بما أراك الله، أو أخبرك فأخلي سبيلك، فقال: أحب أن تخلي سبيلي، فأعبد ربي. فخلّى سبيله. فقال الخضر: الحمد لله الذي أوقعني في العبودية ثم نجاني".
تظهر حكايات التراث اليهودي عن إلياهو شبهاً كبيراً مع شخصية الخضر في التراث الإسلامي، إذ كلاهما يظهران كرموز للحكمة والخبرة الإلهية
ورواه أيضاً ابن الجوزي في كتابه "عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر" عن طريق عبد الوهاب بن الضحاك، وهو حديث متروك، لما به من ضعف في الإسناد. بينما في مقابل هذه الرواية الإسلامية نجد في روايات الأجاداه اليهودية، الموجودة في كتاب "בית המדרש" لأهارون يلينق، حكاية يهودية مشابهة في دلالاتها مع الحكاية الإسلامية المذكورة في الحديث المنسوب إلى النبي محمد، مع اختلاف اسم البطل، فتروي الأجاداه:
"يحكي أنه كان رجل فقير له أولاده وزوجة، أظلمت الدنيا بوجوههم حتى أنهم لم يجدوا ما يسد رمقهم ليوم واحد. قالت الزوجة تخاطب زوجها: قُم اذهب للسوق، لعلّك تجد لنا شيئاً ما نرتزق منه حتى لا نموت جوعاً. قال لها: لمن أتجه؟ وأين أذهب؟ فليس لي قريب أذهب إليه، وليس لي صديق إلا الرب. فابتعدت عنه زوجته، وعندما اشتدّ الجوع على الأولاد وأخذوا في الصراخ والبكاء، عادت الزوجة للحديث إلى زوجها قائلة: أنت يا فلان، اخرجْ، لعلك تصادف شيئاً أو تموت في المكان الذي تذهب إليه، فذلك أحسن لنا من موت واحد تلو الآخر. فقال لها: وكيف أخرج عارياً، فخلعت رداءها وألبسته إياه وخرج. وقف في الخارج حزيناً وحائراً لا يعرف إلى أين يتجه، يميناً أم يساراً، فأخذ يبكي بكاءً شديداً، ثم رفع عينيه نحو السماء وقال: ربي أنت، ليس لي من ألتجئ إليه، ولا أشكو فقري وبؤسي، خرجتُ وأنا لا أعرف أين أذهب، فليس لي أخ ولا قريب ولا صديق، وليس لدي وسيلة أرتزق منها، والأولاد صغار السنّ اشتدّ الجوع عليهم، ولا يوجد من يتصدق عليهم، وأنت خلقتنا، فارحمنا برحمتك، أو اقبضْ روحي بسرعة، حتى تخفف عني.
عندئذ قابله إلياهو، وقال له: مالك أيها الشيخ؟ حكى له الرجل وهو يبكي عن كل شيء عن حالته التي يمر بها. فقال له: تعال وبِعني وخذ ثمناً، وفكّ به ضائقتك أنت وأسرتك. فقال له: سيجيء كيف أبيعك؟ والناس يعرفون أنني فقير لا أملك عبداً أو غلاماً؟ فقال له: لا تقلق، واسمعْ ما سأنصحك به، فالبيع لن يعود عليك بأي أذى. فاتجه إلى السوق وإذ أحاط به الناس يسألونه: هل هذا عبدك؟ فأجاب إلياهو: نعم أنا عبده وهو سيدي. وحدَث أن مرّ بالسوق أحد وزراء الملك، فرأى إلياهو غلاماً جميل المنظر وحسن الطلعة، فاشتاق لشرائه، وانتظر حتى تم الإعلان عنه، وتم بيعه لهذا الوزير مقابل ثمانين ديناراً من الذهب. فقال إلياهو للفقير: خذ النقود واذهب وارتزق أنت وأسرتك ولن يعوزك شيء طوال أيام حياتك.
أما الوزير الذي اشترى إلياهو فقد جال بخاطره إقامة قصر فخم، حينئذ قال له إلياهو إنني معماري فنان. فسعد الوزير وقال له: إذا أمهرت في عملك وأقمت لي القصر كما أريد خلال ستة أشهر، فإنني سأعتقك. وعندما أسدل الليل ستائره، قام إلياهو ودعا الرب أن يصنع له معجزة ليتم بها بناء القصر كما أراد الوزير، فاستجاب الله، وعندما بزغ الفجر كان القصر قد اكتمل بناؤه، وذهب إلياهو في طريقه، وفي الصباح عندما رأى الوزيرُ القصرَ اندهش جداً، وسعد سعادة كبيرة. فسأل عن إلياهو ولم يجده، فحسب أنه ملاك.
وبعد عدة أيام التقى إلياهو بالفقير الذي باعه، فقال له: كان بإمكاني التخلص فوراً من الوزير، إلا إنني لم أرد إلا أن أكون على وعدي، فعندما قال لي: شيّد لي قصراً وأعتقك، بنيت له القصر وتحّررت منه، فلم أرد له الأسف على شرائي والحزن على الذهب الذي دفعه مقابل شرائي، فجازيته له بأضعاف مما اشترى به، فشكره الفقير على ذلك وقال له: سيدي لقد أحييتنا.
يبدو أن الحاخام وعالم التلمود البارز جنزبرج (1873-1953) أضاف على الرواية بعض التفاصيل التي لم تكن موجودة من قبل، ويعتبرها الباحثون خارج الموروث اليهودي، ولكنها أُلحقت بالروايات التي تسرد حكايات إلياهو النبي في اليهودية. والجدير بالذكر أن هناك صيغة أخرى شعرية لتلك الرواية عَالجت هذه الحكاية، تُسمى "ربي يسي بن ربي مردخاي"، ويقوم اليهود بإنشادها في أمسيات يوم السبت. ولكن تظل الروايات الإسلامية غير دقيقة بالنسبة لنا، لما قد يكون دخل عليها من الإسرائيليات، فلا يمكن الجزم بها، كأدلة على تشابه الشخصيتين، وتحتاج هذه النقطة بالتحديد إلى مزيد من البحث والتدقيق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



