من نفق الدكتاتورية… انتخابات تشريعية سورية هشّة تبحث عن شرعية

من نفق الدكتاتورية… انتخابات تشريعية سورية هشّة تبحث عن شرعية

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الجمعة 10 أكتوبر 202514 دقيقة للقراءة

شهدت سوريا، في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، منعطفاً يُفترض أن يكون تاريخياً، بإجرائها أول انتخابات تشريعية بعد إسقاط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024. جاءت هذه الانتخابات في ظروف استثنائية يعيشها بلد أنهكته سنوات الحرب الأهلية الطويلة، حيث تغيب السيطرة الأمنية على كامل المساحة السورية (التي تزيد عن 185 كيلومتراً مربعاً)، والوضع الاقتصادي ينزف تحت تضخّم جامح وفقدان الليرة السورية أكثر من 99% من قيمتها منذ عام 2011.

في هذا المشهد المعقّد، حاولت الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع، تقديم صورة للشرعية السياسية من خلال انتخابات برلمانية وصفتها بـ"التاريخية"، بينما يرى مراقبون أنّ الظروف الأمنية واللوجستية كانت عاملاً حاسماً في تحديد شكل النظام الانتخابي -غير المباشر- الذي تمّ اعتماده، في خطوة أثارت جدلاً حول مدى تمثيلها للإرادة الشعبية.

آلية الانتخاب وأرقام ذات دلالات

اعتمدت العملية الانتخابية على آلية غير مباشرة، حيث تمّ انتخاب ثلثي أعضاء المجلس (140 عضواً)، من قبل هيئات ناخبة محلية، بينما احتفظ الرئيس بحق تعيين الثلث المتبقّي (70 عضواً). وقد تكوّنت الهيئات الناخبة من أكاديميين وشخصيات مجتمعية، مع تخصيص 70% من المقاعد للأكاديميين والخبراء، و30% للشخصيات المجتمعية البارزة.

"الأسماء التي أفرزتها هذه الانتخابات هي أسماء غير معروفة، لا في التاريخ السياسي ولا من حيث الكفاءة، على الأقل بالنسبة إلى محافظتي"... عن الانتقادات التي تثيرها تشكيلة أول برلمان سوري ما بعد إسقاط الأسد

برّرت السلطة هذا النظام بالإشارة إلى التحديات والعراقيل اللوجستية بما فيها مشكلة النازحين واللاجئين وفقدان الوثائق الثبوتية، حيث أقرّت اللجنة العليا بعدم إمكانية إجراء الاقتراع في بعض المناطق.

ومن بين أبرز الملاحظات على مخرجات العملية الانتخابية، انخفاض التمثيل النيابي ومقاعد مجلس الشعب إلى 210 مقاعد بعد أن كان المجلس يضم 250 مقعداً في عهد النظام الساقط، في ما يؤشِّر على إعادة هيكلة المؤسسة التشريعية. وفيما بلغ عدد المرشّحين 1،578 مرشحاً، شكّلت النساء ما نسبته 14% منهم، وهي نسبة متواضعة لكنها كانت لتمثّل بداية كسر للهيمنة الذكورية التقليدية على المشهد السياسي لولا أنّ الأمر انتهى بفوز 6 نساء فقط في انتظار من يعيّنهنّ الشرع.

وبفعل الثغرات الأمنية، تأجلت الانتخابات في أجزاء من محافظتَي الرقة والحسكة (معدان ورأس العين وتل أبيض)، بينما بقيت جميع مقاعد محافظة السويداء شاغرةً "إلى حين توافر الظروف المناسبة" للاقتراع عليها.

صوت المرشحين وآمال الناخبين

في مشهد يعكس تنوّع الرؤى حول التجربة الانتخابية الجديدة، تعبّر المرشحة عن دائرة دمشق، سهير أومري، عن مشاعر مختلطة، مشيرةً إلى أنّ "هناك كفاءات عظيمةً بين المرشحين"، مستشهدةً بمقولة "إنّ الآلام المريرة تربّي الطاغية فينا". وتضيف لرصيف22: "اليوم، في هذه التظاهرة الانتخابية، علينا أن نضع حدّاً لهذه الآلام".

من جانبه، يقول المرشح عن أكراد دمشق، فراس نعمو، إنّ "أيّ نظام انتخابي في العالم أفضل من النظام الانتخابي في عهد الأسد الساقط"، مؤكداً أنّ الأكراد جزء من النسيج السوري، ومشيراً إلى أنّ الحكومة السورية تتحمّل ضغطاً سياسياً كبيراً، متمنياً تطبيق اتفاق العاشر من آذار/ مارس 2025، الذي وقّعه كل من الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، في أسرع وقت ممكن.

أما عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو مؤتمر الحوار الوطني، الشيخ عبد الرحمن كوكي، عضو الهيئة الناخبة، فيلفت إلى أنّ "هذه الانتخابات هي أول انتخابات حقيقية (في سوريا) منذ 60 عاماً"، مشيراً إلى أنّ "الشعب السوري لا يزال نصفه تقريباً مهجّراً والمدن مدمّرة، مع عدم وجود وثائق لكثير من السوريين".

يضيف كوكي لرصيف22: "ما حدث ليس فريداً. كانت هذه الطريقة تُعتمد في كثير من الجمهوريات الأولى. اليوم، بقي 500 ناخب ترشّح منهم نحو 145، واجتمعنا في المكتبة الوطنية، وجرت نقاشات حامية بين المرشحين والناخبين لكن بودّ وبحرّية". كما ينبّه إلى أنّ "هناك بعض الأخوة المرشحين للأسف لا يميّزون الفرق بين الحوكمة والإدارة، أو الفرق بين القانون والدستور، وبين الميزانية والموازنة، أو الفرق بين السلطة التشريعية والتنفيذية، فوضعوا في برامجهم الانتخابية خطط عمل تصلح لرئيس بلدية أو لدائرة خدمية".

ويتابع كوكي بأنّ "هناك كثيرين لا يعرفون واجبات عضو البرلمان، فهناك تصحّر سياسي في سوريا بعد حكم 50 عاماً أو أكثر من الاستبداد"، مستطرداً: "أنا اليوم، كعضو هيئة ناخبة، انتخبت نخبة النخبة"، متوقعاً أن يشهد هذا البرلمان نجاحاً لافتاً للتكنوقراط.

وعن تفاصيل العملية الانتخابية، يشرح: "قلنا لكثير من المرشحين من باقي الأقليات، تعال إلى عندي وقل لي 'لا'، تعال واطرح مشروعك… في حواراتنا شعرت أننا في برلمان مصغر أو في برلمان تمهيدي للبرلمان الكبير"، متمسّكاً بأنه "لا خشية على أي مكوِّن، ونحن لا نريد أن نكون وحدنا، لن نستطيع إلغاء أي من المكونات وإلا صرنا خارج التاريخ. أشعر بالحزن لعدم وجود بعض الأعضاء من أهلنا في السويداء وغيرها".

سؤال الشرعية بين التبرير والرفض

ويدافع المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات، نوار نجمة، عن النظام الانتخابي الجديد، عادّاً في حديثه إلى رصيف22، أنّ "هناك ظلماً كبيراً عندما نعتبر أن النظام الانتخابي الجديد هو صيغة مخفّفة عن صيغة البعث والجبهة الوطنية التقدمية، في العهد البائد". يضيف نجمة: "النظام الجديد ليس مثالياً بل هو نظام واقعي يتناسب مع الظروف الحالية، وهي فرصة تاريخية أمام الشعب السوري كأول مؤسسة تشريعية بعد انتصار الثورة السورية".

كما يشير إلى أنّ "المجلس الجديد سيلعب دوراً مهماً في العملية التشريعية والاستمرار في إنعاش الحوار الوطني والمساهمة في عملية السلم الأهلي"، عادّاً أنه "خطوة في طريق طويل ستتلوها خطوات قادمة، بهدف الوصول في نهاية المرحلة الانتقالية إلى دولة طبيعية يستطيع من خلالها الشعب السوري الوصول إلى طموحاته المشروعة".

انتقادات لاذعة

من جهته، يوجّه رئيس الحكومة المؤقتة الأسبق لقوى الثورة والمعارضة، أحمد طعمة، انتقادات حادةً للنظام الانتخابي الجديد، عادّاً أنّ "نظام اللويا جيرغا في أفغانستان أفضل من النظام الانتخابي الجديد في سوريا"، لأنه "يستند إلى تقاليد اجتماعية، ويمثّل آليةً أكثر أصالةً، ولأن المرشحين الذين يتم تعيينهم هم من علية القوم أو من الحكماء، على عكس ما حدث لدينا".

ويطالب طعمة بأن تقوم السلطة الحالية بتعيين لجان لمعرفة من هم الأفضل والأكثر وعياً في كل محافظة، فإذا هي عيّنت هؤلاء، لا يعترض أحد عليها. كما ينتقد ما يصفها بـ"الصلاحيات المحدودة" للمجلس الجديد، منبهاً إلى أنّ "أخطر نقطة مؤلمة في هذا المجلس الجديد أنه لا يستطيع محاسبة الحكومة"، ويتساءل: ماذا يعني أنّ المجلس يستطيع استجواب الحكومة ولا يستطيع محاسبتها، أو لا يستطيع حجب الثقة عن وزير أو عن الحكومة؟

يتساءل أيضاً: هل يستطيع الناخبون اليوم، أو هل لديهم الخبرة المعرفية، أو لديهم القدرة على اقتراح مشاريع قوانين حكومية؟ أو هل يملكون القدرة على تعديل بعض بنود مشاريع قوانين سابقة؟

ينتقد طعمة كذلك "ضعف التمثيل الحقيقي"، عادّاً أنّ "الأسماء التي أفرزتها هذه الانتخابات هي أسماء غير معروفة، لا في التاريخ السياسي ولا من حيث الكفاءة، على الأقل بالنسبة إلى محافظتي دير الزور"، كاشفاً أنّ "جميع من انتخبوا اليوم في دير الزور هم من خارج المدينة وكلهم من أهل الريف".

ويختم طعمة حديثه إلى رصيف22، بالتعبير عن عدم تفاؤله، قائلاً: "لن تكون هناك حياة سياسية طالما أنها ليست قائمةً على الأحزاب السياسية ضمن مفهوم النسبية، وأنّ السلطة الحالية تطلب شرعيةً خارجيةً فحسب".

من جهته، يرفض مستشار الشرع للشؤون الإعلامية، أحمد موفق زيدان، تشبيه النظام الجديد بنظام اللويا جيرغا الأفغاني، عادّاً أنّ "هذه الانتخابات هي الأولى التي اتسمت بالشفافية منذ خمسين عاماً على الأقل". ويتابع زيدان: "لو سألنا أهل دوما أو تفتناز أو إدلب: هل أنتم راضون عمن انتُخِبوا لعضوية المجلس؟ لوجدت الناس راضين. فالآلية السورية تختلف جوهرياً عن النموذج الأفغاني، وهذا الأسلوب (المتبع) يعكس المزاج الشعبي وبعيد عن المال السياسي".

بين من يراها خطوةً ضروريةً للبناء عليها، ومن يعدّه "مجلس الشرع" أو "مجلس شعب الشرع"... تساؤلات ضرورية عن توليفة أول برلمان سوري ما بعد الأسد، وعن قدرته على التعبير عن إرادة السوريين

المراقبون بين القبول والرفض

من جهته، يقدّم المحامي الخبير في القانون الدستوري فادي كردوس، تحليلاً متوازناً، حيث يؤكد أنّ "تشكيل المجلس التشريعي خطوة أساسية لسدّ الفراغ التشريعي والقانوني بعد حلّ مجلس الشعب وفقاً لبيان إعلان الثورة". لكنه يشير في الوقت عينه إلى أنه "لم توجد آليات تضمن التمثيل الحقيقي والفعال للسوريين كافة، خاصةً النساء (6 سيدات فقط)، والمسيحيين (مقعدان فقط)"، عادّاً أنّ هذا "يعطي الإيحاء بأنّ المشاركة لم تكن حقيقيةً في صنع القرار، ولم تتم مراعاة التنوع داخل تلك الفئات".

المحامي السوري المقيم في باريس، زيد العظم، ينتقد هو الآخر العملية الانتخابية ويصف المجلس الناتج عنها بـ"مجلس الشرع" أو "مجلس شعب الشرع"، مؤكداً أنّ "الرئيس الشرع اختار أعضاء اللجان الانتخابية بعناية وبحنكة وعن قصد".

يضيف العظم، لرصيف22: "اللجان ومن قاموا بانتخاب مجلس الشرع ليسوا منتخبين بل معيّنين من الرئيس الشرع. هذا النموذج غريب، ربما جرّبته جبهة النصرة أو جبهة تحرير الشام في إدلب، لكنه فشل ولم يمرّ. الـ7،000 عضو في اللجان الناخبة لا يشكّلون أكثر من 1 على 3،000 من الشعب السوري، ما يظهر التقزيم الذي حلّ بالعملية الانتخابية".

أما الصحافي والناشط السوري إياد شربجي، فيرى أنّ العملية الانتخابية "افتقدت أهم عنصر في العملية وهو الانتخاب"، ما يعني أنها "لم تحقّق تمثيلاً طائفياً أو جندرياً حقيقياً، فكانت الغلبة واضحةً للمنتمين إلى مذهب السلطة وتيارها".

ويتابع شربجي، في حديثه إلى رصيف22، بأنّ ما جرى لا يمكن توصيفه بأنه تجربة انتخابية حقيقية. فبدلاً من مشاركة الشعب مباشرةً، تم استبداله بلجان ناخبة، هي ذاتها لم تكن منتخبةً شعبياً. "الأمر الإيجابي الوحيد" في رأي شربجي، والذي يعدّه "بارقة أمل"، هو أنّ هذا البرلمان وضع عدداً من السلفيين الذين يرفضون مبدأ الانتخابات ويكفرون بالديمقراطية في مواجهة مباشرة مع أفكارهم ومعتقداتهم، وهو ما يعتقد أنه سيسفر عن مراجعات عميقة داخل التيار الإسلامي، وإن ظهرت نتائجها فستظهر على المدى البعيد.

أما على المدى القريب، فلا يعتقد شربجي أنّ أغلبية أعضاء البرلمان "يفهمون طبيعة مهمتهم الأساسية أو يعرفون من يمثلون بالضبط"، مضيفاً أنّ عدداً منهم صرّحوا بأنهم سيناصرون الحكومة ويقفون إلى جانبها، وهو ما "يُعدّ اعترافاً ضمنياً غير مقصود بأنهم سيمثّلون من أتى بهم إلى المجلس".

تفاؤل حذر نحو المستقبل

في المقابل، يحلّل الباحث في مركز كرم الشعار للاستشارات، ملهم الجزماتي، نتائج الانتخابات، مبرزاً أنّ "نسبة المرشحات حسب تحليلنا نحو 13.9%، بينما لم تتجاوز نسبة الفائزات فعلياً 4% من إجمالي الفائزين بعضوية مجلس الشعب". ويرى الجزماتي، أنّ "قيمة الانتخابات الأساسية لا تكمن في مستوى التمثيل الحالي، بقدر ما تكمن في قدرتها على تأسيس مؤسسات قادرة لاحقاً على إنتاج تمثيل حقيقي".

يضيف الجزماتي، لرصيف22: "المرحلة الراهنة ليست مرحلة التمثيل، بل مرحلة البناء؛ بناء مؤسسات قوية، مستقلة، وفاعلة، تُمهّد لولادة تمثيل حقيقي في المستقبل".

ممثّلاً وجهة نظر الإسلاميين، يقول حذيفة عكاشة إنّ "الانتخابات الأخيرة كانت خطوةً جيدةً باتجاه الديمقراطية والتمثيل الشعبي، فقد كان شعبنا محروماً من احترام صوته وإرادته"، معرباً عن الأمل في أن "تتبعها خطوات في المستقبل باتجاه التمثيل الشعبي الكامل".

في حين يعتقد الباحث والأستاذ الجامعي مروان قبلان، أنّ سوريا "تدخل اليوم مرحلةً مفصليةً من تاريخها، قد تؤدي إلى انهيار الدولة وتحوّلها إلى كانتونات طائفية، في حال استمر غياب الحلّ السياسي"، مشدّداً عبر رصيف22، على أنّ "جذور ما يحدث تعود إلى غياب أفق سياسي حقيقي حيث لا يوجد حلّ أمني أو عسكري قد يعيد الاستقرار".

"كان يُفترض بأول انتخابات لمجلس الشعب السوري بعد إسقاط الأسد أن تكون نقطة تحوّل في حياة السوريين السياسية، لكن هذا لم يحصل، للأسف، إذ جرى ترتيب العملية الانتخابية و'توضيبها' بطريقةٍ لا تترك مجالاً لأي نقاش حقيقي"، يضيف.

ويردف منتقداً تسريع المراحل الانتقالية: "تمكّنت الإدارة الجديدة من 'حرق' كل المراحل في سعيها إلى الإمساك بمفاصل السلطة، حتى إنها لن تحتاج ولا إلى ربع فترة السنوات الخمس التي حددتها لنفسها".

برغم الانتقادات كافة، تبقى الانتخابات التشريعية الأولى بعد إسقاط الأسد، علامةً على محاولة الخروج من دولة القبضة الأمنية نحو دولة المؤسسات، لكن النجاح الحقيقي سيكون بقدر ما تستطيع هذه المؤسسات الجديدة تمثيل إرادة السوريين، واحترام تنوّعهم

حلب وهيمنة المحافظين

الفائزون الرئيسيون في حلب وجوه لامعة بينها رجل الأعمال الثري، عزام خانجي، صاحب الشعبية الواسعة والصلات الوثيقة بالمصالح التركية. كما فاز مهيد عيسى، المتحدّر من أصول تركمانية والمعروف بقربه من سياسات حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى جانب عبد الكريم عقيدي. ومن بين الفائزين البارزين أيضاً الشيخ علي الجاسم، الشخصية الدينية والاجتماعية المؤثرة في ريف حلب الجنوبي والقريب من تركيا، وعبد القادر خوجة المنتمي إلى عائلة تركمانية معروفة، ويجمع بين الاعتدال السياسي والاتجاه الاقتصادي الليبرالي.

كما ضمّت قائمة الفائزين الجرّاح الشهير عارف رزوق، الذي لمع نجمه خلال حصار حلب الشرقي، وركزت حملته على قضية إعادة الإعمار، والناشط في العمل الأهلي، تمام اللودعمي، القريب من جماعة الإخوان المسلمين دون انتماء رسمي إليها، والمعارض المخضرم ورئيس المجلس المحلي سابقاً عبد العزيز المغربي، والأكاديمي المتخصّص في الأدب والفقه، محمد رامز كرج، والمحافظ المعتدل ذا الميول الإسلامية والعلاقات التركية، عمار طاووز.

تكشف هذه النتائج بحسب محللين ومراقبين، عن هيمنة ملحوظة للمحافظين المعتدلين والليبراليين الاقتصاديين على مقاعد حلب، حيث لم يحقّق الإخوان المسلمون النتائج التي كانوا يطمحون إليها، برغم فوز بعض المقرّبين منهم. في المقابل، برزت تركيا رابحاً رئيسياً من هذه الانتخابات على المستويين المحلي والبرلماني، في مشهد يختلف عن الصورة التقليدية لحلب.

ختاماً، يمكن القول إنّ الانتخابات السورية الجديدة تمثّل محاولةً للخروج من النفق المظلم الذي دخلته سوريا خلال سنوات الحرب، لكنها تبقى خطوةً أولى في مسار طويل نحو بناء نظام ديمقراطي حقيقي. التمثيل المتواضع للنساء والأقليات، والطبيعة غير المباشرة للانتخاب، والاستبعاد الجغرافي لمناطق كاملة من التمثيل، كلها عوامل تضع علامات استفهام كبيرةً حول قدرة هذا المجلس على تمثيل التنوّع السوري الحقيقي.

وبرغم الانتقادات كافة، تبقى الانتخابات التشريعية الأولى بعد إسقاط الأسد، علامةً على محاولة الخروج من دولة القبضة الأمنية نحو دولة المؤسسات، لكن النجاح الحقيقي سيكون بقدر ما تستطيع هذه المؤسسات الجديدة تمثيل إرادة السوريين، واحترام تنوعهم، وبناء مستقبل يتسع للجميع دون إقصاء أو تهميش.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

الإعلام الموجّه والرسمي لا ينقل الواقع كما هو. 

رصيف22 يعمل كي لا تُحرَّف السردية.


Website by WhiteBeard
Popup Image